التدبير الحكومي للملف الاجتماعي: الوعود المعلقة

التدبير الحكومي للملف الاجتماعي: الوعود المعلقة
الجمعة 23 شتنبر 2016 - 09:12

يتردد على لسان الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين على أن يد الحكومة غير مخول لها الامتداد إلى الحقلين السياسي والاقتصادي بنفس القدر المسموح لها به في المجال الاجتماعي، فهو المجال الأرحب لإبراز كفاءتها ومقدرتها على الفعل، خصوصا وأن قيادة الحكومة أوكلت إلى من لهم باع طويل في العمل الاجتماعي والخيري الذي كان عاملا من بين أخرى، سببا في حصد أصوات الناخبين. فيحق لنا اليوم أن نسائلها عن ما أسدته للمغاربة من خدمات خصصت لها أكثر من نصف اعتمادات الخزينة وجعلت من التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية إحدى ركائز برنامج عملها.

لكن الذي يستشف من تقارير المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية أن الحصيلة لم ترق إلى مستوى الوعود المقدمة للناخبين، وأن أسبقية الاقتصادي على الاجتماعي هو الهاجس الأكبر لحكومتنا، عملا بتوصيات المؤسسات الدولية، وأن التوازنات الماكرواقتصادية هي المهيمنة على قوانين المالية مع المضي قدما في تعزيز الإصلاحات الهيكلية والبنيوية ونظام المقاصة. الشيء الذي انعكس سلبا على مستوى عيش المغاربة، وعمق الشرخ بين الفقراء والأغنياء، وعمل على تآكل الطبقة المتوسطة. فكان له الأثر السلبي على المسلسل التنموي، و احتلال مراتب متأخرة في سلم التنمية البشرية عكس ما وعد به حزب العدالة والتنمية (المرتبة 90 التي تبعد كثيرا عن المرتبة126 التي نقبع فيها حاليا). والتي تؤكدها وضعية القطاعات الاجتماعية الحيوية، التي لها ارتباط وثيق بالسلامة البدنية والعقلية للفرد، والدخل الفردي القمين بتحقيق كفايات الإنسان الأساسية وهي:

الصحة:

جعل وزير الصحة من إغلاق بويا عمر قضية وجود أو عدم، ورهان يضع من أجله مستقبله الوزاري على كف عفريت إن لم يتحقق. ولم يتساءل عن مصير المقيمين فيه وذويهم أمام شح الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الاستشفائية العمومية لهذه الفئة، وغلاء فاتورة العيادات والمصحات الخاصة. وما لجوء الأسر لهذا النوع (من العلاج) إلا لقة ذات اليد وضيق السبل وسعيا منها لرفع المعاناة الذي لم ترفعه سياسات الحكومات المتوالية، متغافلا عن الوعد الحكومي بتخفيض نسبة تحمل الأسر للتطبيب إلى 30% عوض 53.6%. حين تم إطلاق المخطط الوطني للتكفل بالمستعجلات الاستشفائية وما قبل الاستشفائية بتعزيز شبكة المستشفيات وتأهيلها وتحسين خدماتها، التي ما فتئت تتدهور حالتها، وتمركزها في المدن الكبرى. ولا تنفع بطاقة راميد حاملها الاستفادة منها لبعدها وتعطل أجهزتها في أحيان كثيرة، بعد أن عانى للحصول عليها الأمرين، لكثرة المتدخلين وتعقيد المساطر الإدارية والوثائق المطلوبة. فأصبحت مثل « الشيك بدون رصيد» الذي لا يمنحك سريرا ولا دواء رغم المجهود الذي بذل لتخفيض أثمنة بعضه( حوالي1800 دواء).

التعليم ومحاربة الامية:

والذي يعد بالإضافة إلى الفقر والفساد من أهم معيقات الحياة السياسية والاقتصادية. والتي لا يمكن أن تتقدم، بدون تعليم جيد، وتكوين جاد، وتربية على قيم الاختيار والمبادرة والنزاهة… والقضاء على كل أشكال الأمية، وأصناف الجهل. وهي المهام الموكولة

لقطاع توالت البرامج الإصلاحية للنهوض به لكنه لم يزدد إلا تدهورا، والذي تأكد أنه في حالة من السوء لم يعهدها لأكثر من عشرين سنة خلت. فركبت الحكومة الحلول السهلة عملا بالمقولة التراثية« كم حاجة قضيناها بتركها». فأمام حجم الفساد الذي استشرى في القطاع وسوء تدبير صفقات البرنامج الاستعجالي. فكان الوقت مناسبا« لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية مثل الصحة والتعليم» فتم تشجيع التعليم الخصوصي والترخيص لمؤسسات لا تتوفر فيها أدنى شروط التربية والتعليم بأطر لم تلتزم الدولة بتكوينها والإلزام بتشغيل المكون منها ما دامت تحمل عنها ما ناءت بحمله، فلا المؤسسات التزمت بدفتر التحملات ولا الحكومة نفذت ما قطعت على نفسها من عهود اتجاهها. مع الإمعان في إضعاف التعليم العمومي بالقرارات التي اكتوى بنارها نساؤه ورجاله، مما كان عاملا في فتور البعض وإضعاف الهمم لدى الكثير ممن فضل التقاعد النسبي على العمل في القطاع الذي لم يعد « أشرف المهن» فازداد جرح الخصاص غورا، والاكتظاظ استفحالا. وأصبحت الجودة كلاما للاستهلاك المجاني. والمواطن بينهما كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ويعد برنامج« تيسير» من النقط المضيئة في هذا القطاع، الذي عمل على تشجيع أبناء القرى على التعلم والاستمرار فيه، لكن الذي يسجل بصدده أنه لم يعمم على جميع قرى المملكة، التي لا تختلف هشاشة ساكنتها عن بعضها البعض، إلا بنزر يسير. التدبير نفسه نجده في مبادرة مليون محفظة، حيث يتساوى أبناء الميسورين الذين يتابعون تعليمهم بالعمومي مع أبناء الفقراء في العطاء، ولو اقتصر الامر على الفقراء لكان حظهم أوفى. ومع كل هذه العيوب، لم نجد لمثل هذه المبادرات سبيلا في مجال محو الأمية، التي لا يماري أحد في انعكاساتها الاقتصادية والسياسية، ولم تكن الجهود كافية للتخفيض من نسبتها، وبلوغ الرقم الذي وعدت به في التصريح الحكومي المتمثل في 20 % حيث تشير أحسن التوقعات بشأنها اليوم إلى 30 %.

الفقر:

تولى السيد بنكيران رئاسة الحكومة، و نسبة الفقر في حدود 8.8 % ووعد البرنامج الانتخابي لحزبه بتخفيضه إلى 4.4 % لكن الذي حصل هو أنه ارتفع إلى 11 % بمعنى أن كل الإجراءات المتخذة والتي يحلو لأطر الحزب التغني بمنجزات لم يسبقهم إليها أحد، لم تعمل إلا على زيادة الفقر، لم تنفع كل الصناديق المستحدثة، بعد أن تم ضرب القدرة الشرائية للمواطن، و«تعطيل محرك الاقتصاد» من خلال إصلاح صندوق المقاصة. وللعالم القروي الحظ الأوفر من أسهم الفقر، لضعف التأهيل الترابي لجماعاتها بالتجهيزات الأساسية، وأثر الجفاف، وعدم انتظام التساقطات لسنوات متوالية، وغياب التأطير الفلاحي للقرويين، كل ذلك وغيره، أثر على مدخولهم السنوي، بالمقابل تزايد الطلب وسبل الإنفاق بعدما تم تزويد القرى بالماء (96 % ) والكهرباء ( 99% ) وانعدام الخدمات الاجتماعية العمومية الأخرى الكفيلة بالنهوض بالساكنة ماديا وفكريا في مجالها الاجتماعي، مما رشح نسبة الهجرة نحو المدن للارتفاع، والقضاء على مدن الصفيح في غاية الصعوبة، مع تنامي ظاهرة الباعة الجائلين والفراشة، ومهن موسمية لا تفي بالغرض، وأخرى مستفزة للمواطنين ككثرة راكني السيارات في الشوارع العامة بدون ضوابط، وكثرة المشردين والمتسولين الذين يفسدون على الناس عبادتهم وترفيههم وحلهم وترحالهم. وهذا دفع رئيس الحكومة إلى الإقرار ب« أن المجهودات المبذولة على أهميتها لا يصل تأثيرها إلى الحياة اليومية للمواطن بالشكل المطلوب» فالخصاص كبير والموارد محدودة التي كان عليه أن يفكر في تنميتها، وكذا ضعف الحكامة التي كان ينبغي العمل على تقويتها، ونقص وفعالية ومردودية الإنفاق العمومي في المجال الاجتماعي الذي كان ينبغي تدبيره بعيدا عن جيوب الفقراء إن كان يريد لنصبه إصابة.

‫تعليقات الزوار

3
  • slima
    الجمعة 23 شتنبر 2016 - 10:31

    من منجزات هذه الكومة أنها رسخت في عقول الناس أن 'الإصلاح' معناه 'الإفساد' ما دامت تعتبر الكوارث منجزات !!! أقبح حكومة مند الإستقلال والغريب في الأمر لا تريد الإقرار و الإعتراف بفشلها الدريع .

  • معلقh
    الجمعة 23 شتنبر 2016 - 14:53

    على ما يبدو اننا نتحدث عن الحكومة وكما لو انها تقتصر على الوزراء الذينيتراسونها.فالوزير ما هو سوى شخص على راس وزارة تتكون من اطر مختصة .قد يكون للوزير دور ان كان له علاقة بالمهام المتعلقة بتدبير الشان العام المخصوص به في توجيه عمل الوزارة والمصالح التي تتبعها .كما انه قد يحمل اسم وزير من دون ارتباط بالمجال الذي يدبره.وهكذا فان الاحزاب ليست هي التي تدبر بالحقيقة وانما الاطر الوزارية ذات الاختصاص.وهذه الاطر هي في اغلبها قارة وقلما تتغير لانها على معرفة بخبايا الامور والمستجدات.وفي الغالب ما يحتاج العمل السياسي التدبيري الى الاستمرارية ولا ينطلق من الصفر.هؤلاء الاطر باعتبار كونهم المحرك الحقيقي لعمل الوزارة والمحدد لنتائجها يتوجب ان يكونوا في مستوى المهام التي يقومون بها.واذا كانت هنالك من مراجعات فينبغي ان تشمل هذا الجهاز البشري الوزاري وتنقيته وتمييزه بمعايير دقيقة.ومن دون تجديد مستمر فان العادات السيئة والملل قد يتسبب في ضعف اداء الوزارات.

  • أجيال
    الجمعة 23 شتنبر 2016 - 19:47

    دابا كاين المعنى!!!!! مزيدا من التألق ولك منا الدعم والمساندة.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 8

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال