جاءت الانتخابات وقامت القيامة

جاءت الانتخابات وقامت القيامة
الإثنين 26 شتنبر 2016 - 15:53

أن تكون بلدا ديمقراطيا فهذا يعني أنك تخضع لسلطة الشعب، لأن الشعب هو الذي يسوس نفسه بنفسه أو بالأحرى بواسطة ممثليه المنتخبين. والجميل في الأمر هو أن الشعب بهذه الطريقة يمارس سلطة التسيير من خلال اختياره لممثليه وسلطة المحاسبة حين يُقدم على تغيير اختياراته. المبدأ هو نفسه لم يتغير فيه شيء منذ أيام اليونان القديمة. لكن ثمة نقطة محورية تدور في فلكها هذه المنظومة بأكملهاوهي التي تطورت وتغيرت عبر السنين: إنها عملية الانتخاب.

إن نجاح الديمقراطية كنظام للحكم والسياسة يرتكز على جودة العملية الانتخابية ومدى سلامتها ونزاهتها. فهناك فرق جوهري بين اختيارك من بين الأنسب من الناس الذين تعرفهم حق المعرفة لتمثيلك وغيرك في تسيير شؤون البلاد والعباد، وبين أن يقوم شخص ما، في الغالب أنك لا تعرف عنه شيئا، بترشيح نفسه لهذه المهمة. وبالتالي فأنت لا تختار ممثليك بقدر ما تقبل أو ترفض فقط من اختاروا هم أن يمثلوك.

والأغرب من هذا وذاك هو أنك لا تختار شخصا بعينه بل تقوم بالتصويت لصالح أحد الأحزاب المتنافسة أو المتصارعة إن صح التعبير. إذن لو حاولنا تلخيص هذه الأحجية فأنت لا تختار من يمثلك بل تقوم باختيار من اختاره الحزب ليمثله. معادلة من الدرجة الثالثة نتيجتها هو أن لا أحد يمثلك أنت بالتحديد. فهل هذا هو “حكم الشعب” لنفسه أم هو حكم الأحزاب للشعب ؟!

في يومنا هذا، لا يمكننا فصل السياسة عن الأحزاب. وحين نتساءل عن نقائص العملية الديمقراطية فنحن غالبا ما نرد ذلك إلى ضعف الأحزاب السياسية وابتعاد الشباب عن العمل السياسي ونقصد به طبعا الانخراط في الأحزاب. وكأن السياسة الحزبية هي النموذج الأوحد للعمل السياسي ولا يمكن إعطاء أي تصور للديمقراطية في معزل عن الأحزاب. وحتى حين يقرر الشباب الانضمام إلى العمل السياسي الحزبي فهم يشكلون ما يسمى بالشبيبة الحزبية التي يعد وجودها رمزيا، ونادرا ما يكون له دور في مركز صناعة القرار … فللأحزاب شبيبتها وللحكومة شيبها.

ويقصد بالحزب السياسي جماعة من الأفراد داخل المجتمع، تعمل في الإطار القانوني بمختلف الوسائل السياسية لتولي زمام الحكم، كلا أو جزءا، بقصد تنفيذ برنامجها السياسي. وبالتالي يمكن تعريف الحزب السياسي بأنه تنظيم يسعى لبلوغ السلطة وممارستها وفق برنامج الحزب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهنا مكمن الخلل: السعي لبلوغ السلطة والإيديولوجية التي يخضع لها البرنامج الحزبي والتي لن ترضي بأي حال من الأحوال جميع أطياف المجتمع.

فالسعي لبلوغ السلطة يطرح أكثر من علامة استفهام. وأولاها هو أن الذي يسعى إلى الحكم هل يفعل ذلك من باب المصلحة العامة ام المصلحة الشخصية؟ فتزكية الإنسان لنفسه في حد ذاتها غرور وأنانية، وتزكية الحزب لشخص ما يتطلب خضوعا وطواعية. وبما أن العملية كلها فيها منافسة شرسة بين الأشخاص والأحزاب كان لا بد من وجود حملة انتخابية محمومة يكون فيها الصراع على أشده وتستعمل فيها كافة الوسائل، المشروعة وغير المشروعة للتأثير على الناخبين واستمالتهم وأحيانا شراء أصواتهم بشكل مباشرأو غير مباشر. كل هذا من أجل الوصول إلى السلطة لخدمة الصالح العام … يا سلام !!

وقد يزيد الطين بلة والمريض علة، تدخل أطراف خفية في تمويل الحملة الانتخابية نظرا للكم الهائل من الأموال التي أصبحت تتطلبها. مما أدى إلى ظهور اللوبيات النافذة التي تتحكم في دواليب صنع القرار من خلال تحكمها في العملية الانتخابية. فأي غبي سيصدق أن من يمول الحملة الانتخابية لشخص ما أو حزب ما هو حريص على المصلحة العامة خصوصا إذا كانت الجهة الممولة لها عمل مدر للربح وبإمكانها أن تستفيد من قرارات الحكومة المستقبلية لزيادة أرباحها.

إن تطور الديمقراطية يحتاج إلى إعادة النظر في العملية الانتخابية من الأساس. والمبدأ بسيط وهو ألا يكون هناك ترشح أو تزكية أو إشهار. هذا النموذج الانتخابي يعتمد مفهوم الوحدات الانتخابية التي تشمل مجتمعا محليا مصغرا يعرف الناس فيه بعضهم البعض ويتشاركون أطوار الحياة اليومية، وبالتالي فهم يعرفون جيدا من يوكلون لتمثيلهم وإبلاغ صوتهم ومطالبهم. سيعقد هؤلاء الوكلاء المنتخبون مؤتمرا مركزيا يقومون فيه بالتشاور حول السياسة العامة للبلاد ورسم خارطة طريق للحكومة المقبلة تحظى بموافقة شاملة وتأييد من الجميع. وبعد ذلك يقومون بانتخاب أعضاء هذه الحكومة وفق نفس المبدأ، أي الانتخاب السري دون ترشح أو إشهار أو تأثير على رأي الناخبين.

هذه الطريقة في الانتخاب وتمثيل المجتمع لتسيير شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى التجربة لتتطور وتنمو وتصبح أكثر نضجا وواقعية. فمهما كانت الفكرة سامية والغاية نبيلة فإن تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع يحتاج إلى تعلُّم مستمر وبناء للمقدرة والكفاءة وتغير في الثقافة وملاءمة للحاجيات والموارد. لذلك لا جدوى من الخوض في التفاصيل لأنها ستفقد المبدأ ككل قيمته الحقيقية وستجعل الأمر برمته أقرب إلى النظرية منه إلى الواقع.

فلا تسألوا الشباب عن سبب عزوفهم عن السياسة ورفضهم المشاركة في الانتخابات لأنهم فقدوا الثقة في كل سياسي وفي كل الأحزاب الموجودة، بل وفي فكرة السياسة الحزبية نفسها حتى أصبح العزوف هو مرشحهم المفضل. الأمر طبيعي فلم يعد هناك بديل مقنع. ولو طرحت السؤال على الداني والقاصي والصغير والكبير سيجيبك الجميع دون تردد: ” كلشي فحال فحال “. فكم أتمنى أن يُعطى الشباب الفرصة للمشاركة في صنع القرار بعيدا عن الصراعات الحزبية والإيديولوجية. لأن الشباب هم من يحملون دوما مسؤولية البناء والتشييد،وهم قريبون جدا من نبض الشارع وملمون بكل ما هو جديد. والحديث هنا عن شباب لا يقوض أمانتهم واستقامتهم انهماك بعيوب الآخرين، أو تثبط عزيمتهم ما بهم من نقيصة. شباب يدفعهم الوعي بإخفاقات المجتمع إلى العمل من أجل تغييره لا النأي بأنفسهم عنه. شباب يواجهون التحديات الماثلة أمامهم بكل صبر وعزيمة، ويوحدهم هدف مشترك وهو المساهمة في مُقدّرات بلدهم ومُقدّرات البشرية.

‫تعليقات الزوار

8
  • المهدي
    الإثنين 26 شتنبر 2016 - 17:02

    الكتلة الناخبة اليوم ، للأسف لا تمثل الشعب ولا طموحاته ، هذه الكتلة تتشكل من بؤساء على شاكلة " مولات الحولي " التي تدين بالفضل لولد زروال الله يكثر خيرو ، وللكثير ممن يدينون للعدالة والتنمية بالكراريص التي يسترزقون منها والتي يمكن لصناديد الحزب استرجاعها متى صادرتها السلطات ، وللكثيرين ايضا ممن وجدوا في الحزب السند الحاضر في الجنائز وتجهيز عشاء القبر وتمويل الأرامل الى حين ، وتمكين مرضى فقراء البلد من الدواء المؤدى عنه في صيدليات بيجيدية وخلاف ذلك من الاعمال التي ينوب فيها الحزب عن الدولة ، بما يجعل الفئات المستضعفة ترى في الحزب ووقوفه الى جانبها بالمال والمساعدات الدولة الحقيقية التي يدينون لها بالولاء حتى وان لم تترك لهم سوى الفتات فهو يبقى افضل من لا شيء ، هذه هي الكتلة التي بامكانها رهن مصير البلد بين يدي من أنصت لنبض امعائها وليس قلبها وعقلها ، اما من يرون في انفسهم النخبة الواعية المستنيرة فهي الكتلة العازفة الممتنعة عن التصويت تبرما وتأففا من الكل والتي تتباكى بعد ذلك وبعد ان يكون صائدوا الجوعى وغائثوا الملهوفين يحصدون نتائج استثمارهم في بؤس وشقاء التعساء .

  • observateur
    الإثنين 26 شتنبر 2016 - 22:20

    … فهل هذا هو "حكم الشعب" لنفسه أم هو حكم الأحزاب للشعب ؟!

  • كاره الضلام
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 01:16

    لاختيار المرشح الافضل هناك بعض المعايير :
    لا تصوت على اي مرشح قضى سنوات طويلة في البرلمان
    " " على مرشح عنده مشاكل مع القضاء في الماضي او الحاضر
    على من يعطيك المال( خد من عندو و ما تصوتش عليه)
    على المرشح الدي يحمل جنسية تانية اجنبية
    لا تعتمد المعيار الديني و لا تفضل المتدين فقط لكونه متدينا
    لا تصوت للبرنامج او الحزب و انما للشخص
    صوت لشخص تعرفه جيدا و فيه اقل جرعة ممكنة من الخبث السياسي و الخسة
    لا تصوت لمن يكسب ماله من نشاط غير قانوني او مشبوه
    لا تصوت لمن سبق لك التصويت له و اخلف وعوده
    لا تصوت لمن يبكي و يبدي التاثر وهو يخاطب الناس
    لا تصوت لمن يعبر كثيرا بالحركة و يبالغ في استعمال اليدين للتعبير
    لا تصوت لمن لا يحمل شهادة جامعية او اي عديم الكفاءة
    لا تصوت لمن يغير حزبه و ينضم لحزب اخر
    لا تصوت لدافع قبلي او مناطقي او انتماء جزئي
    لا تصوت لمن يبالغ في الوعود و يتحدث عن 6 في معدل النمو او مئات الالاف من الوظائف
    لا تصوت لمن يتودد كثيرا و يهين نفسه من اجل الانتخابات
    ادا لم تجد بين المرشحين من تتوفر فيه هده الشروط الق ورقة بيضاء

  • soad
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 01:51

    مقال واقعي و يصف بدقة حال بلدنا إزاء مسألة مصيرية في كثير من الاحيان،الا وهي الانتخابات،
    اعجبتني فكرة الكاتب حول كيفية تنظيم إنتخابات نزيهة تسمح لبلادنا بالخروج من دوامة الفساد اللامتناهية و تعيد لشبابه ثقتهم المفقودة في مستقبل أفضل..شكرا لك و مزيدا من التألق

  • حسن
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 10:59

    بدءا: أشكر د.محمد منصوري على هذا المقال وأقول معه
    (الانتخاب السري دون ترشح أو إشهار أو تأثير على رأي الناخبين).
    هذا الذي يجب أن نقوم به..
    فأعمال الفاعلين وسط هذا المجتمع هي المعيار لاختيار أيا كان دون النظر إلى انتماءاته …

    (وبالتالي "فالناخبون" هم يعرفون جيدا من يوكلون لتمثيلهم وإبلاغ صوتهم ومطالبهم).

  • عبد الكريم ايت علي
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 11:20

    لاشك ان صاحبنا استوحى مشروعه الانتخابي من تصور عبد السلام ياسين للانتخابات وهو تصور يمكن اعتباره لا يتناسب مع ما وصل اليه العالم من تطور وتقدم في شتى المجالات … مع التحية

  • كاره الضلام
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 17:12

    السعودية الغنية خفضت اجور وزرائها بعشرين في المائة و بنكيران هنا في بلد فقير يرفض الغاء معاشاتهم و يقول:" قلت لسيدنا ماشي معقول يخرج الوزير و يدير كارديان و سيدنا وافقني"، و رفض قبل دلك ان يمتطوا سيارات لا تليق بمقامهم و ضخم اجور رءساء الجهات ايضا، و رفض ان يتركهم دون خادمات من بنات الشعب و اصر على ان يكن قاصرات، و قضى سنين طويلة من عمره يلوك في ادبيات الجهلة الظلاميين و يسب المؤسسات الدولية التي تفرض وصايتها على البلدان الاسلامية و يجاهر بمحاربة الربا و لما جيئ به اقدم على اوسع القروض في تاريخ المغرب ،قروض ضخمة لم يظهر لها اثر على البلد و لا على المواطنين، حينما يعمد بلد ريعي و ثري و حكامه من عائلة واحدة مثل السعودية على خفض اجور الوزراء و يعمد رئيس حكومتنا على الزيادة في اجورهم فانها جريمة عظمى و خيانة للامانة و عار على من لازال في وجهه حياء، و بنكيران يفند هنا كلام اتباعه من انه ينفد الاوامر و التعليمات اد انه قال انه هو من بادر الملك بالاقتراح و ليس العكس، بلد يقترض بشكل مهول و لكنه في نفس الوقت يزيد اغنيائه بدخا ، هده جريمة واحدة من جرائم البيجيدي

  • كاره الضلام
    الثلاثاء 27 شتنبر 2016 - 23:31

    الحزب الاسلاموي الدي يتشدق بتخليق الحياة السياسية جعلها تغرق في اوحال الفاسد و الميكافيلية و الوصولية و اقترف امورا لم يسبقه اليها احد، فهو اول حزب في تاريخ المغرب يرشح زعيم حزب آخر لازال قاما و لم ينسحب منه زعيمه وهدا مناقض للاعراف الديمقراطية، ثم انه رشح شخصا خارج الحزب و هو سلفي يهاجم علانية مكونا من مكونات الشعب المغربي العرقية و الدينية عدا عن تهجمه على المخالفين له فكريا، و هو حزب يقوم بامور مشبوهة مثل قيام مرشح التقدم و الاشتراكية بسحب ترشيحه لصالح بنكيران في سلا،و هي صفقة بطابع مافيوزي،و هو الحزب الوحيد الدي وزع الصدقات على الناس رغم منع الداخلية و هو الجزب الوحيد الدي يشكك في العملية الانتخابية رغم ان وزرائه مشرفون عليها، بمعنى انه لا يقبل سوى بالفوز و يهيئ للنواح في حالة الفشل، هدا الحزب المتشدق بالتخليق يفعل كل شي و اي شيئ من اجل الفوز بمقاعد و ليس له خطوط حمر و يضرب تحت الحزام،و يخرق كل الشعارات الدينية التي يرفعها ،فهو في السياسة غدار مزور مرشي و مرتشي كداب منافق يخلف الوعد و لا تاخده في السلطة لومة لائم

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب