قواعد الحملة الانتخابية .. إدارة محايدة وأحزاب مسؤولة ومواطن واع

قواعد الحملة الانتخابية .. إدارة محايدة وأحزاب مسؤولة ومواطن واع
الجمعة 30 شتنبر 2016 - 06:20

يُعرّف الفقه الدستوري الحملة الانتخابية بكونها تلك الفترة الزمنية التي يحدّدها المشرع بغية تقديم البرامج الحزبية في الانتخابات للمواطنين، حيث يتضمن برنامج كل حزب مشارك في الانتخابات تشخيصا دقيقا للمشاكل والإكراهات التي يمر منها البلد مع إعطاء حلول واقعية لهذه المشاكل.

إن هذا التعريف يقودنا إلى الوقوف عند أطراف العلاقة في الحملة الانتخابية؛ فنجاحها يتوقف بشكل رئيسي على إدارة محايدة حيادا قانونيا وبشكل إيجابي، وأحزاب مسؤولة سياسيا، ومواطن واع اجتماعيا وسياسيا.

– أولا: الحياد القانوني والسياسي للسلطات الإدارية: يبرز الحياد القانوني والسياسي للسلطات الإدارية في تعاملها على قدم المساواة مع كافة الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية؛ سواء من حيث التطبيق الصارم للقانون أو من حيث كيفية توزيع الدعم المالي العمومي أو إفراد حصص متناسبة للأحزاب في مختلف وسائل الإعلام العمومية.

إن مبدأ المساواة بين المترشحين يأتي على رأس مقومات نجاح الحملات الانتخابية؛ إذ يقنن هذا المفهوم قواعد اللعبة الديمقراطية من خلال ما تتضمنه مقتضيات القانون الانتخابي.

-1: التزام الإدارة بالتطبيق الصارم للقانون أثناء الحملة الانتخابية: لإنجاح الحملة الانتخابية لا بد للإدارة المختصة أن تكون حاضرة بقوة في المشهد الانتخابي لكي تطبق حرفيا مقتضيات مدونة الانتخابات.

إن التطبيق السليم والصارم للقانون من قبل السلطة يحمي من جهة المرشحين النزهاء من الممارسات السياسوية لمنافسيهم غير النزهاء؛ مثلما ينعكس هذا التوجه إيجابا على نفسية المواطن؛ فكلما أحس الناخب بأن الإدارة ملتزمة بتطبيق القانون إلا أسهم ذلك في بناء أواصر الثقة بين المجتمعين المدني والسياسي وانعكس إيجابا على حجم المشاركة السياسية ليس فقط في الاستحقاقات الانتخابية، بل في مسلسل تدبير الشأن السياسي ككل؛ والعكس صحيح.

ويتجلى احترام الإدارة المعنية للقانون بتقيدها التام لعملية افتتاح واختتام الحملة الانتخابية؛ ذلك أن هذه الأخيرة تفتتح في ميعاد يحدده القانون قد أغلقت وتنتهي في الموعد الذي يحدده لها القانون، أي ليلة الاقتراع.

ومثلما يتم تحديد أيام الحملات الانتخابية ينبغي للإدارة المعنية السهر على احترام القانون؛ وذلك بمنع كافة أشكال الخروقات الانتخابية، كتوظيف الزبونية وشراء الأصوات واستغلال المرافق والآليات العمومية من أجل أهداف انتخابية وتقديم الوعود بالتوظيف…. مثلما يفترض في الإدارة تطبيق أقصى العقوبات على أعوانها الذين ثبتت في حقهم خروقات إدارية من شأنها التأثير على نزاهة الانتخابات.

– 2: إدارة الانتخابات: يتطلب من الدولة لكي تدير العملية الانتخابية توفرها على إمكانات مادية تسهل مسألة تصويت الناخبين، مثلما تتطلب طاقما بشريا ذا كفاءة عالية وسمعة طيبة مشهودا له بالنزاهة والحياد.

– 3: الأحزاب السياسية أساس الحملة الانتخابية: تعدّ الأحزاب السياسية الأساس الجوهري لإنجاز حملة انتخابية قوية وفعالة ونزيهة وشفافة؛ وهو ما يفرض على الفاعلين السياسيين الالتزام بمقتضيات القانون الانتخابي تجنبا لأي عملية إفساد انتخابي، كشراء الأصوات والتصويت المتكرر للناخب والإنزال لمصوتين من خارج الدائرة الانتخابية…

– ثانيا: إشكالية تمويل الحملات الانتخابية: تثير هذه المسألة من قبل الأحزاب السياسية إشكالات متعددة؛ منها ما هو مرتبط بطبيعة بنيتها السياسية الداخلية، ومنها ما هو مرتبط بعلاقتها مع السلطات الإدارية. فكثيرا ما تجنح الدول الديمقراطية إلى تقديم المساعدات المالية للأحزاب بغية إنجاز حملاتها الانتخابية؛ بيد أن الإشكالية التي أمست تبرز في المشهد الانتخابي هو ظهور تباين ملحوظ في عمليات التغطية المالية لهذه الحملات، فالدولة تقدم إعانات مالية تبعا لمستوى تمثيلية الحزب داخل البرلمان، وهو ما يثير إشكالية المساواة بين الأحزاب الكبرى والأحزاب الصغرى؛ فهذه الأخيرة يصعب عليها مسايرة إيقاع التكاليف المالية الضخمة التي تصرفها الأحزاب الكبرى في حملاتها الانتخابية، وهو ما يضرب في العمق مبدأ المساواة الذي يعد من المبادئ الأساسية للديمقراطية، لأن المال هو عصب العملية الانتخابية برمتها.

وغير بعيد عن هذه الإشكالية، تطرح إشكالية أخرى لا تقل أهمية عن الأولى تتعلق بطغيان الضبابية على مصادر تمويل الأحزاب السياسية لحملاتها الانتخابية، إذ تطرح تحفظات موضوعية حول العلاقة بين تمويل الحملات الإنتخابية وآفة تبييض الأموال أو علاقة الحملات الإنتخابية بجماعات الضغط كالشركات الكبرى.

إن الضبابية التي تسود الحملات الانتخابية ظاهرة عالمية تسود معظم الأنظمة السياسية المعاصرة؛ فالنظام السياسي الأمريكي يقوم في مجمله على ضرورة جمع التبرعات، سواء في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، بشكل قد يتعارض مع القانون، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية للشركات وجماعات الضغط في الحملات الانتخابية. كما أن فرنسا عرفت، منذ بداية عقد السبعينيات، هذه الإشكالية بحكم ارتفاع تكاليف الحملات الانتخابية للصحافة واستطلاعات الرأي واللجوء إلى المكاتب المتخصصة في التسويق السياسي.

ثالثا: التسويق الانتخابي: إن نجاح الحملة الانتخابية يتوقف بشكل رئيسي حول طبيعة التواصل السياسي الذي تقوم به الأحزاب السياسية في علاقتها مع الناخبين. وإن التسويق الانتخابي ليس ترفا ماديا تظهره الأحزاب في حملاتها الانتخابية؛ بل أمسى مطلبا لا محيد عنه لخلق تواصل فاعل يرمي بالأساس إلى إقناع المواطنين بالبرامج الحزبية عن طريق وسائط الاتصال المتعددة، كالملصقات والمنشورات ووسائل الإعلام العمومية والتجمعات واللقاءات المباشرة؛ بيد أن فعالية الحملة الانتخابية الحديثة تجد نجاعتها في الاعتماد على آليات التسويق السياسي للبرامج الحزبية. لذلك، نجد الأحزاب السياسية القوية في الأنظمة الديمقراطية ترتكز في إنجاز حملاتها على مكاتب الخبرة المتخصصة والمراكز العلمية من أجل القيام باستطلاعات الرأي ودراسة كافة الجوانب المتعلقة بالبرنامج الحزبي بشكل يجعله أكثر عقلانية وسهولة في لفت انتباه الناخب.

إن آليات التواصل السياسي تختلف تبعا لطبيعة الكتلة الناخبة وموقعها الجغرافي؛ فآليات التواصل السياسي في العالم الحضري ليست هي الآليات نفسها التي ينبغي التواصل به في العالم القروي؛ فمؤشرات الأمية والفقر والبطالة ومعدل السن… كلها عوامل تؤثر على طبيعة الخطاب السياسي. كما أن نمط الاقتراع يلعب دورا أساسيا في توجيه الحملة الانتخابية؛ فإذا كان الاقتراع الأحادي الاسمي يقتصر على المرشح دون الاهتمام بالحزب فإن الاقتراع باللائحة يؤدي إلى الانتخاب على الأحزاب السياسية، أي على البرنامج الحزبي؛ الأمر الذي يتطلب من المرشحين دراية واسعة بمبادئ وبرنامج أحزابهم بغية توصيلها للناخب، مثلما يفرض عليهم ترسيخ أشكال الرموز التي اختارتها الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.

وهو الأمر الذي يتطلب تأطيرا حزبيا مرتفعا حتى يتسنى للمواطن استيعاب كافة مراحل وأبعاد العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، وهو الأمر الغائب عن الأحزاب السياسية المغربية التي دأبت على تقديم الوجوه الانتخابية نفسها لتعرض برامجها بكيفية ضعيفة وتقليدية، في حين أن الخطاب السياسي المقدم إلى وسائل الإعلام ينبغي أن يستند على آليات وتقنيات متطورة تزاوج بين جمالية الصورة المقدمة للناخب وشخصية الفاعل الحزبي الذي يستحضر برنامج حزبه، وهو أمر غائب عن أحزابنا، فالوجوه نفسها التي قدمت البرامج الانتخابية للاستحقاقات مجلس النواب لسنة 2011 هي نفسها التي عادت إلى البلاطو حاليا. وبالرغم من تمرسها، فإنها تعجز عن إيصال خطاباتها إلى الناخب، فما يفترض تقديمه خلال ثلاث إلى خمس دقائق يتطلب من هؤلاء الساعات دون أن يوصلوا رسائلهم بشكل جيد إلى المتلقي، ناهيك عن تشابه هذه البرامج وتكرار للمقترحات وغياب لرؤى سياسية متميزة تسهل على المتلقي التمييز بين برامج الأحزاب السياسية المغربية.

إن الأمر هنا يعود إلى الأحزاب السياسية التي لم تعمل على تنشئة جيل جديد من القادة قادر على لعب تواصل سياسي احترافي.

رابعا: دور الناخب في توجيه الحملات الانتخابية: لا يقل دور الناخب أهمية عن دور الأحزاب السياسية في تدبير الحملة الانتخابية؛ فالوعي السياسي للناخب بأهمية الانتخابات يلعب دورا كبيرا في توجيه الحملات الانتخابية من قبل الأحزاب؛ فكلما أحست هذه الأخيرة بوجود ناخبين واعين بالاستحقاقات الانتخابية إلا واضطرت إلى بذل مجهود مضاعف على مستوى وضع البرامج الواقعية واختيار المرشحين الأكفاء؛ والعكس صحيح.

إن الوعي السياسي للمواطن يتحدد من خلال تنشئته الاجتماعية؛ فالوسط العائلي ومستوى التعليم ودور المجتمع المدني في إشاعة ثقافة المواطنة وتأهيل الفرد سياسيا وجمعويا كلها عوامل تسهم في بلورة وعي سياسي عميق لدى المواطن، إذ تمكنه من الإدراك بأن الانتخابات ليست لحظة سياسية بل خيار إستراتيجي يرهن مستقبله الاجتماعي والاقتصادي قبل أن يرهن مستقبله السياسي.

‫تعليقات الزوار

7
  • انا مسلم
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 06:29

    السلام عليكم

    يجب على الدولة رفع الدعم التي تقدمه للاحزاب لتنفيد حملاتها الانتخابية التي غالبا ما تكون عبارة عن ازبال ورقية و الضوضاء بمنبهات السيرات ناهيك عن استعمال النساء و القاصرين في مسيرات عشوائية اغلب المشاركين فيها لا يعلمون لماذا سصرخون و فوضى عارمة بالاضافة الى الازدحام المروري و تكسير ممتلكات العامة اللهم ان هذا منكر

  • amazigh
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 06:34

    نعم اداراتنا محايدة جدا فمن يقول عكس ذلك فهو واهم و هي تحاول السمو و الرقي بالديموقراطية المغربية الى الاعلى. أما فيما يخص مسيرة الدار البيضاء التي قام فيها الشيوخ و المقدمين بتجنيد الناس و اخراجهم للاحتجاج على شيئ لا يعرفوه فهذا يقع حتى في اكبر الديموقراطيات في العالم. في اليابان مثلا يقوم بعض المقدمين و الشيوخ بمخالفة القانون و دعم بعض المرشحين دون الآخرين.
    إلى الأمام أيتها البلاد العجيبة

  • احمد الطاطاوي
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 07:16

    قال الكاتب

    فالوعي السياسي للناخب بأهمية الانتخابات يلعب دورا كبيرا )

    اعتقد ان الوعي الكافي لذي الناخب هو الاهم. لا ن الادارة والاحزاب

    منبثقان من الشعب. فلو كان الشعب واعيا تمام الوعي لوجدنا الاحزاب

    والادارة في مستوى الطموح. لان هذين الاخيرين من الشعب نفسه

  • Ahmed
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 08:31

    تدور وتدور رحى الحملة الانتخابية لتخلف أوراقا ببرامج ووعود الفناها مند زمنٍ بعيد ،بعيدة كل البعد عن تطلعات المواطن ، تبادل الاتهامات بين الأحزاب السياسية ، خلافات وتطاحنات ، بين النقيض ونقيضه ، انها السياسة في شقها النفاقي :ستمارس على من لا يمتهن ممارستها ، نعم للديمقراطية بمعناها الحقيقي الصرف ، لكن لا تم لا لتلك الديمقراطية الشكلية التي لا ديمقراطية فيها ،التي تسعى إلى استحمار الشعب .لقد آن الأوان لنسافر عبر الزمن الماضي لنلتقي بهذه الأحزاب وبوعودها في سوق المقايضة بعيدا عن السماسرة والمضاربين ، لنقايض أصواتنا بعملة غير المال والأوجه والرموز التي لا رمزية فيها.انها عملة التغير . فكل حزب خالف وعوده يسحب من فوق بساطنا ليرمى

  • Ahmed
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 09:00

    مشاكل واكراهات البلاد سئمت هي الاخرى من كترة البرامج والوعود الكادبة،واضحة وضوح النص ولا تحتاج إلى من يجتهد في تشخيصها . لقد آن الأوان ليقايضوا خطوات الشعب نحو هده المكاتب بخطوات اسميها التغير ولو برد الصاع بنصفه.

  • أبو سيف
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 09:55

    للأسف لا يوجد أي وعي سياسي سواء عند الناخب أو المرشح و يتجلى ذالك في الواقع و ليس في الأوراق و المجلات و الرشوة بالجملة تجعلنا في المرتبة المقعرة ناهيك عن تدخل الداخلية في الانتخابات و بروز المقدمين و الشيوخ وأعوان الدولة في حملات معادية ضد بعض الأحزاب و نصرة أخزاب أخرى إنه الكلاخ السياسي بعينه

  • غير دايز
    السبت 1 أكتوبر 2016 - 10:40

    الملاحظ وبكل اسف انه لا تتوفر اية قاعدة من هذه القواعد الثلاث فلا تتسم وزارة الداخلية بالحياد المطلوب والاحزاب غير مقنعة ببرامج مطاطية مفتوحة على كل المواضيع والشعب معظمه غير واعي بحقيقة ما يجري حوله

صوت وصورة
أساتذة باحثون يحتجون بالرباط
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:36

أساتذة باحثون يحتجون بالرباط

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري