المشاركة في الانتخابات.. استكمال للمواطنة

المشاركة في الانتخابات.. استكمال للمواطنة
الجمعة 30 شتنبر 2016 - 10:34

يُجمع عددٌ كبيرٌ من الباحثين المتخصصين على أن الوظيفة الأولى للانتخابات، أي للمشاركة في الانتخابات، هي أن الفرد أصبح يقرر مصيره داخل الجماعة التي يعيش داخلها؛ أي إنها تسمح للمواطن أن يختار من يمثله وينوب عنه، أو يختار من يحكمه ويدبر شؤونه العامة، كما تمكنه من تدبير خلافاته وتجاوز أزماته.

وقد وصل الفرد إلى هذا المستوى من التنظيم داخل المدينة بعد تطورات تاريخية واجتماعية واقتصادية طويلة، جرّب فيها مختلف الوسائل والطرق. وفي الأخير، اهتدى الفرد إلى كون أسلوب الانتخاب هو إلى حد الآن الأسلوب الأفضل؛ فهو قد جنب عددا من المجتمعات اللجوء إلى أساليب أخرى كانت ستكون نتائجها كارثية على الجميع.

إن الانتخابات تعدّ، من حيث هي أسلوب وأداة، تعبيراً عن المستوى الحضاري والسياسي الذي بلغته هذه المجتمعات. فلهذا، فإن تنظيم الانتخابات، الذي غالباً ما نعبر عنها بحق بالاستحقاقات، تختلف من بلد إلى آخر؛ بحسب مستوى ورقي مجتمعها، وبحسب الرهانات والأهداف التي ترنو إليها.

ونظراً للأهمية البالغة لمشاركة الموطنين في الانتخابات، أكانت تشريعية أو جهوية أو محلية، فهي تفويض لجزء من سيادة الأمة؛ نجد أن بعض الدول قررت اعتبار المشاركة الانتخابية ضرورية وإلزامية بالنسبة إلى جميع المواطنين، فهو حق من حقوقه. وهذا ما سبق أن نادى به جون جاك روسو، فهي وظيفة لا يمكن التنازل عنها، لأن تغيب المواطن سوف ينتقص من قوة مشروعية ممثليه.

وفي هذا الصدد، ذهبت بعض البلدان كبلجيكا إلى معاقبة المتغيبين بدون عذر عن المشاركة الانتخابية؛ إلى درجة التشطيب عليهم من اللوائح الانتخابية إذا تغيب المواطن أربع مرات طيلة 15 سنة، كما ترتب عليها تجميد وضعيته الوظيفية.

ولكن هناك من اعتبر بأن المقاطعين أو المتغيبين عن المشاركة في الانتخابات هو دليل على وجود ضعف كبير أو أزمة في العروض السياسية التي تقدمها الأحزاب السياسية، وأن ليس هناك ما يغري للمشاركة في تفويض إرادة الناخبين.

ولكن هناك إجماع على أن المشاركة ضرورية ولا بديل عنها؛ لأنها صفة المواطن المسؤول، ولكن عليه أن يعبر عن رفضه واحتجاجه عن طريق التصويت بورقة بيضاء.

ويتجلى البعد الحضاري للانتخابات في كونها تعتبر إحدى الأدوات الجديدة التي من خلالها ينسج المواطن علاقة متميزة بمن يريد تمثيله، أي أن هناك عقدا أو دفتر تحملات بين الطرفين يلتزم كلاهما باحترامه خلال ولاية انتخابية محددة. وفي حالة إخلال المنتخب بالتزاماته تجاه الناخب، يكون هناك تصويت عقابي نتيجة فقدان الثقة التي وضعت فيه. لهذا، نجد أن الأحزاب السياسية تبذل أقصى مجهوداتها قصد الحفاظ على مصداقيتها تجاه المواطنين، وإن لحق ضرر بهذه المصداقية فهي لا تتردد في إصلاحها وترميمها، والقيام بعملية نقد ذاتي أو ثورة بيضاء إذا لزم الأمر.

فالانتخابات تأتي لتذكر النخب السياسية المنتخبة أو الحاكمة بأن لا ينسوا أبدا بأن سلطتهم هي مستمدة من إرادة الناخبين، وأنهم يمارسونها نيابة عنهم ولفترة محددة فقط.

وفي الوقت نفسه تبذل الأحزاب السياسية مجهودا من أجل تأطير المواطنين وتربيتهم. وموازاة مع ذلك، تعمل على تطوير بنياتها النظرية والتنظيمية لتواكب تطور أفكار وقيم وسلوكات مجتمعاتها؛ لأنه في الحالة المعاكسة تكون الأحزاب تسهم عن وعي أو بدونه في قتل العملية السياسية، حيث تحصر العملية السياسية برمتها في حلقة مغلقة ومعزولة، وتصبح التنظيمات موسمية وبدون قواعد جماهيرية، وتصبح الانتخابات مناسبة لإعادة إنتاج الوضع القائم، في الوقت الذي تعرف فيه الدينامية الاجتماعية تطورا سريعا وقويا والتي قد تخرج في الغالب عن مسارها عندما تنعدم الامتدادات التنظيمية اللازمة.

إن وجود مؤسسات ديمقراطية سليمة وفعالة مرهون بوجود منتخبين يتمتعون بكفاءة عالية وبخصال رفيعة. وهذه الأخيرة هي بدورها مرتبطة في آخر المطاف بالناخبين، وخاصة بطبيعة ومستوى وعيهم السياسي. نلاحظ إذن أن هناك ارتباطا عضويا بين القمة والقاعدة؛ فأي خلل يلحق عنصر يؤثر حتما على باقي العناصر الأخرى.

وعليه، فإن المواطن يلمس أهمية صوته والآثار الرهيبة التي يمكن أن تترتب عن اختياره لصالح هذا المرشح أو ذاك أو لصالح هذا الحزب أو ذاك.. ومن هنا، تأتي المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق المواطنين والأمانة التي يجب أن يحافظوا عليها عندما يختارون من يمثلهم.

*أستاذ بكلية الحقوق بأكدال – الرباط

‫تعليقات الزوار

3
  • الحسن لشهاب
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 17:13

    في راي باختيارك لهده المواضع يا استاد ستترقى ليس فقط بالاقديمة ،بل كدلك عن طريق وزارة الداخلية و المخابرات المغربية،حيث بمواطنتك الرجعية ،تشجع عن المشاركة الانتخابية الدي هو اكبر هموم الحكومة المغربية في الوقت الراهن،اما الواقع يا استاد فالمشاركة الانتخابية في زمن المصادقة على ميزانيات القصور مقابل المصادقة على الصناديق السوداء و الضيافة و الاغراءات و التحفيزات ،و في زمن احتكار و استدامة بل و اراثة الحكامة في يد حكومة الظل و الحاشية ،لا يعني استكمال المواطنة بل يعني المصادقة على ترعيع المواطنة (الترعيع من مصدر الرعية) و ليس الا.على العموم فا الاستاد يعرف كيف يدق على المخابرات الداخلية،حتى و ان كان يفقد حريته كانسان.

  • المتابع
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 19:06

    إلى التعليق رقم 1 مشتي بعيد السي لشهب، واش كاين شي بلد بلا مخابرات ولا داخلية، الإنتخابات مسألة عادية بحال اللي كيشرب كأس قهوة، وإلى ما عجبك حتى حزب ارمها بيضاء، أما هذا الكبت وهذا النرجسية التي ينطلق منها كثير من الناس فهي خطأ، والإنتخابات عملية تبادلية فإذا كنت تبحث عن أهل ااصلاح فسئل نفسك كيف أنت مع الإصلاح٠

  • كرم كرم
    السبت 1 أكتوبر 2016 - 12:15

    انا لا اتفق مع ما سبق للاسباب التالية
    ان الاعتقاد الخاطئ و الراسخ مع الاسف عند الكثيرين هو ان الدولة و خاصة اللاديموقراطية منها تريد فعلا مشاركة كثيفة للمواطنين لا ضفاء المشروعية على نظامها…و الحقيقة هو ان هذه الانظمة تعمد جاهدة على ابعاد المواطنين عن المشاركة..فالانتقادات التي توجه للاحزاب السياسية بشكل نسقي و "بهدلة" النخب السياسية و فضحها و خلق عراقيل لكي لا يعمم التصويت على الجميع ..و تحديد فترة تسجيل و اعادة التسجيل في اللوائح الانتخابية…الا دليل على ان الخصم الوحيد لتحديث الدولة و الحياة السياسية تبقى هي المشاركة والمشاركة الحقيقية…و تشجيع المقاطعة و تخوين من يدعو الى ذلك يصب في خانة مصلحة الدولة اللاديموقراطية المستبدة…
    شكرا هسبريس

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب