بين عمق الأزمة في المغرب وخداع الأرقام

بين عمق الأزمة في المغرب وخداع الأرقام
الجمعة 30 شتنبر 2016 - 19:30

قبل البدء: ما سأسطره هنا أعني به أساسا البنية الكلية للمخزن بحكوماتها المتوالية.

مع الحملة الانتخابية نشطت خدعة الأرقام المضللة عن عمق الأزمة وهشاشة الوضعية، حيث يتم التركيز على ثلاثة محاور كبرى : منجزات في إطار ما يعرف بالأوراش الاستراتيجية، وخفض عجز الميزانية، ومنجزات ذات طبيعة اجتماعية.

وهنا أسجل الملاحظات التالية:

1- كل ما يتم الترويج له في باب المنجزات الاستراتيجية يعرف الجميع أنها تخضع للإشراف المباشر للملك ولا صلة للحكومة والبرلمان بها إلا من باب التصفيق وأغلبها لا يعلمون بها إلا من وسائل الإعلام كغيرهم من “الرعايا”.

2- نعم انخفض عجز الميزانية من 6% سنة 2011 إلى 4،3% سنة 2015، لكن يتم تغييب الحقيقة المرة المتمثلة في أن الإجراءات التي أدت إلى هذا الانخفاض ليست بنيوية وإنما هي ظرفية مرتبطة أساسا بالخضوع المطلق، كأي تلميذ نجيب، لإملاءات صندوق النقد الدولي وأصحاب الهبات والمنح المسمومة.

هذه الإجراءات يعرفها كل متابع ناهيك عن المتخصص وهي :

– رفع الدعم عن أسعار عدد من المواد الأساسية خصوصا المحروقات تحت ذريعة تفويت الاستفادة عن الحيتان الاقتصادية الكبيرة مع الوعد بالتطبيق الصارم لنظام المقايسة. لكن ثبت الآن، مع انخفاض السعر الدولي للنفط وعدم انعكاس هذا الانخفاض على السوق الداخلي، ثبت أن الحكومة تملك سلطة الإلزام اتجاه المواطن وتجنح للخضوع أمام المستفيدين الكبار الذين أكلوا، مثل المنشار، بلا حساب مع المقاصة ويأكلون بلا حدود مع المقايسة المزعومة المجمدة.

– خفض نفقات الاستثمار وهو ما يعني مباشرة التأثير السلبي على التشغيل والاستهلاك. ثم أليست مفارقة غريبة أن نرى مع الإقدام على هذا الإجراء استمرارا في ارتفاع المديونية حيث أن الدين العمومي الإجمالي وصل ، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط في 4 ماي 2016، إلى 807 مليار درهم نهاية 2015، وبهذا يكون قد ارتفع بحوالي50,5% منذ سنة 2011 ممثلا بذلك حوالي 81,3% من الناتج الداخلي الخام. ويزداد الأمر خطورة عندما نعلم أن باقي نفقات الاستثمار يتم تغطيتها كليا أو بنسب كبيرة بالاستدانة مما يعني التهام نفقات تغطية الدين للمداخيل المحتملة.

– هبات دول الخليج: التي بلغت 5 مليار دولار خلال خمس سنوات مع كل ما تعنيه من مقابل اقتصادي مكلف لصالح المانحين وضريبة سياسية ثقيلة يؤديها المغرب من استقلال قراره السيادي، ويكفي هنا مثال تورط المغرب في حرب اليمن إلى جانب أصحاب الهبات دون الرجوع إلى “ممثلي الشعب” في قرار خطير كهذا.

– مداخيل ضريبية استثنائية ومداخيل الخوصصة: والكل يعلم طبعا أن الارتفاع الضريبي لم يمس عموما إلا الفئات المتوسطة والدنيا مقابل استمرار الإعفاء الضريبي على الكبار، وأن مداخيل الخوصصة التي وصلت بين 2011 و 2014 5,3 مليار درهم لا يرى منها رسميا إلا ما تسهم به في خفض عجز الميزانية ويتجاهل ما ينعكس عنها من المساس بأهم الحقوق الاجتماعية والخدماتية الأساسية للشعب.

كل هذا يوضح أن خفض عجز الميزانية بالإجراءات السابقة هو بمثابة الحقن المنعشة لجسم مشلول ما دامت لا تمس بنية الاقتصاد المغربي.

3- المنجزات ذات الطبيعة الاجتماعية ( راميد، دعم الأرامل، الزيادة في منحة الطلبة …) وكل ما يتم التسويق له تحت هذا الباب أقدم بشأنها الملاحظات التالية:

– نعم هي إجراءات إيجابية لكنها جزئية أمام ما يستحقه الشعب المغربي من عائدات ثرواته المستحوذ عليها داخليا المهربة خارجيا وبإزاء ما رفع من وعود وشعارات أثناء محاولات إخماد الحراك الشعبي سنة 2011 وفي مقدمتها شعاران كبيران وهما : شعار محاربة الفساد والريع وشعار أن الجزء الأكبر من تحسين أوضاع الشعب يحتاج للإرادة السياسية بالدرجة الأولى. فهل يا ترى هذا كل ما يمكن تحقيقه بحكومة زعموا أنها سياسية ستحقق أكثر يمكن أن يفعله التيكنوقراط؟ وإلا ففي عهد حكومات الحسن الثاني كانت أيضا كثير من مثل هذه المنجزات وكانت السدود والجسور والتطاول في البنيان، لكن كل ذلك لم يسعف الحسن الثاني في أن يعترف سنة 1995 بأن المغرب مقبل على سكتة قلبية، والسبب واضح وواحد أمس واليوم وغدا إذا ما كانت أسس الاقتصاد هشة وبقي الإصرار على الانشغال والإشغال بصباغة الواجهة، وأسس الاقتصاد حتما ستظل هشة ما دام الاستبداد السياسي سائدا.

– عقلاء العالم لا يحصرون القضية في ما ينجز إنما يقومونه بما كان ينبغي أن ينجز بالنظر إلى الإمكانيات من جهة، وإمكانيات المغرب أكبر من أن يقذف منها الفتات للشعب، ومن جهة ثانية يحاكم بالرجوع إلى ما سطر من وعود في حمأة التنافس على الكراسي الفارغة.

– يحرص النظام وحكوماته دائما على مقارنة ما يقدمون من مؤشرات مع الدول الأسوأ منا، وهي مقارنة مهينة لشعب يعرف وسع إمكانيات بلده ويطمح لمقارنته مع دول صعدت ونمت بإمكانيات مماثلة أو تقل عنها خصوصا بعد هبة سنة 2011 التي حررت الشعوب من ربقة الركون للرضى بالأسوأ والطموح للارتقاء نحو الأفضل.

– لك أن تجمع كل الحصيلة الرسمية بكل مؤشراتها الوردية في كفة وضع المؤشرات الرسمية التالية في الكفة الثانية: – 12مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر – المديونية تمثل 81% من الناتج الداخلي الخام – نسبة البطالة تلامس 10% يمثل فيها الشباب بين15 و24 سنة: 20,1٪ و حاملو الشهادات: 17,2٪ وخريجو التعليم العالي: 27,6٪ – نسبة النمو 1,2% – يقبع المغرب في الرتبة 126% في سلم التنمية الدولي.

هل أدركتم الآن حجم خدعة الأرقام التي تريد وضع الغشاوة على العين لحجب الكارثة؟

‫تعليقات الزوار

2
  • dokkali gar3ani
    الجمعة 30 شتنبر 2016 - 23:30

    الصراحة نحن المغاربة نرضى بالفتات والقليل ومساكين نريد أن نعيش بالقليل مع العلم أن لدينا إمكانيات وثروات كافية أن تعيش 40 مليون مغربي في الرفاه إذا ما قارنا أنفسنا مع دول تفوقنا بعدد السكان كأندونيسيا وتايلاند والمكسيك،والذي مستوى المعيشة أحسن بكثير منا،إذن الخلل فينا نحن الشعب نرضى بالقليل ولا نطالب بحقنا في الثروة ولا نطمح أن نعيش في الأفضل،دائما المغربي تلقاه صبور ويردد عدي بالقليل حتى جيب الله الكثير،إلى متى هذا الصغار والهوان والذل،مع العلم نحن أبناء هاته الأرض،نحن أهلها وأهل بخيراتها،ثم إن المخزن يجب أن يرفع التعتيم عن الثروات الحقيقية للبلاد،من حقنا أن نعرف.وشكرا للنشر

  • أبوندى
    السبت 1 أكتوبر 2016 - 16:11

    ليس غريبا أن يتم تقديم الا الإيجابيات عن حصيلة أية حكومة لأنها حصيلة مشتركة بينها وبين السلطات العليا وبالتالي لن يكون من الممكن جر عليها غضبات اضافية.لكن أين هو دورالمجلس الاستشاري والاقتصادي والمجلس الأعلى للحسابات وبنك المغرب.نعرف أنهم كل حسب اختصاصه يصدرتقاريردورية تقيم أداء الحكومة في جل الميادين أوتطلب استشارات لتنوير عمل الحكومة وتصويبه.لكن هل تؤخد الملاحظات والاستشارات بالجديةالمطلوبة؟هذاما يطرح مصداقية واستقلالية هذه المؤسسات. صعوبة اتخاد القرارات الحاسمة بكل من المؤسستين التنفيدية والتشريعية وغياب معارضة نزيهة وفعالة وقضاء نزيه ومستقل وغياب الإرادة السياسية للكشف عن الحقائق والعمل بمدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة هي عراقيل لها أثر على النمو الاقتصادي والاجتماعي.السياسيون يخافون من تقديم الحقائق وأرقام عنها لأنهم يظنون أن انكشافها قد يكون سببا لزعزعة حالة الاستقراروالسلم الاجتماعي.هذانوع من السياسة التي لن تصمد كثيرا أمام تراكم مشاكل في جميع القطاعات وعلى مستوى جميع فئات المجتمع.على الحكومة القادمة أن تتلافى مثل هذه السلوكات وأخرى مماثلة لتجنيب المغرب سكتة قلبية قاتلة.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب