رسالة ملكية في الرفوف

رسالة ملكية في الرفوف
الأحد 23 أكتوبر 2016 - 05:20

إن واقع الإدارة المغربية لا يخفى على كل مهتم بضرورة إصلاحها و لا يخفى كذلك على المختصين بأن أوراش الإصلاح التي انطلقت منذ سنوات لم تؤدي إلى نتائج ملموسة قد يشعر بها المواطن المتعامل مع الإدارة ، حيث صار الإصلاح شعارا عند كل حكومة و عند كل حزب في برنامجه الانتخابي، لكن على مستوى الممارسة فهناك واقعا آخرا ، لذلك ، فإن إعادة النظر جوهريا في الإدارة على جميع المستويات أصبح أمرا ضروريا حتى تتمكن من القيام بدورها ضمانا أعمالها و أنشطتها و أهدافها . والخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان كان مناسبة لوضع الأصبع على مكامن الخلل بإدارتنا .

ومن خلال هذا المقال سوف لن أتطرق الى مختلف أوجه الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية ، و إنما سأعرج فقط على ظاهرة إدارية شائعة هو بقاء المسؤول في منصبه مدة طويلة ، مما قد يترتب عنه سلوكات و معاملات تضر بالإدارة أولا ، وتضر بمصالح المواطنين ثانيا.

فلا شك أن تغيير الموظف المسؤول بعد قضاء مدة معينة في منصبه يعد قرارا ذا انعكاسات إيجابية ، لما له من تأثير فاعل على تحسين الخدمات للمواطنين، و خلق الابتكار و الإبداع و تحقيق رفع كفاءة و جودة العمل وفقا للأساليب الإدارية الحديثة، التي تتوافق مع المتغيرات التي طرأت على الجهاز الإداري . و في هذا السياق تجدر الإشارة إلى رسالة ملكية سبق و أن وجهها المرحوم الملك الحسن الثاني إلى الوزير الأول ، سنة 1993 ، و هذا مقتطف منها:

” لذا فالواجب يقضي على كل حكومة أن ترصد نقط ضعف الإدارة وتعمل للتخلص منها واستبعادها .ويبدو لنا من أسباب ضعف إدارتنا بقاء العون الإداري المسؤول في منصبه مركز عمله لمدة طويلة مما يترتب عليه نشوء عادات تخل بحسن تسيير الإدارة وقيام علاقات شخصية بين المسئول الأعلى ومن هم تحت سلطته من الأعوان الشيء الذي يؤدي إلى بروز ظاهرة الرتابة والتراخي وما يتولد عنهما من سوء تسيير المصالح العامة . وتلافيا لكل ذلك قررنا آن يبقى الموظف المسؤول في نفس المنصب ونفس المركز مدة أقصاها أربع سنوات ،ذلك آن انتقاله إلى منصب ومركز آخرين سيمكنه من العمل بنفس جديد بحكم انه لا محالة سيغير عاداته وسيعمل مع زملاء جدد مما سيساعد إلى حد كبير على التخفيف من التباطؤ في العمل وتعثر سير الإدارة وهما ما يعيبه المواطنون في الأغلب في إدارتنا “.

فبقاء المسؤول في منصبه لمدة طويلة أصبح أمرا واقعا ، و الأمثلة متعددة في هذا الصدد. وقد نتساءل : هل المسؤول الإداري أصبح رجل أعمال يسير شركة خاصة ؟ . خصوصا بالنسبة للمدراء و ما يتوفرون عليه من صلاحيات مهمة لإبرام الصفقات والعقود و التصرف في الاعتمادات المالية المفوضة إليهم من الميزانية العامة أو الحسابات الخصوصية للخزينة، فضلا عن الإمكانات اللوجيستيكية ، من سيارات المصلحة وغيرها ، التي يتصرفون فيها أحيانا كملك خاص.

فبقاء المسؤول بنفس المنصب لمدة طويلة يؤدي حتما إلى ظواهر إدارية تضر بالمصلحة العامة ، وتولد نوعا من التعاملات التي تخدم المصالح الخاصة للمسؤول ، فضلا عن نشوء مشاكل إدارية تضعف قدرة الجهاز على التجديد والإبداع، وقد تتيح المجال لتسلل بعض مظاهر الفساد الإداري المختلفة ، بما يجعل الإدارة العام لا تخدم المواطنين بالإخلاص الجدير بالشأن العام والمصلحة العليا على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون ، وأيضا إقصاء الكفاءات لتحمل المسؤولية وإبراز قدراتهم وإبداعاتهم.

إن الإدارة المغربية ملزمة بتطبيق محتويات الرسالة الملكية المشار إليها آنفا، وأن لا تضعها في الرفوف جانبا ، لأن تغيير الموظفين المسؤولين في كافة المستويات داخل الإدارة المغربية ، وبالخصوص الكتاب العامون والمدراء ، بعد قضاء فترة زمنية ، لا تتجاوز أربع سنوات ، بالتدوير أو النقل أو غيرها قد يتيح الفرصة للكفاءات والطاقات الفكرية المتاحة للبروز، وسيكون لذلك مردوده الإيجابي على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والمتعاملين مع الإدارة بصفة عامة كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين ، وهو إحدى أدوات التطوير الوظيفي والتغيير التنظيمي الفعال من أجل إدارة مواطنة للجميع ، وليست ضيعة أو مقاولة لأشخاص معينين ، يتصرفون بمنطق المصلحة الخاصة.

إن إحداث تغيير في مواقع الموظفين المسؤولين يساعد على بروز مواهب جديدة في العمل، وأن بقاءهم فترة زمنية طويلة في منصب واحد قد يؤدي إلى الملل والتكرار وعدم الإبداع والدوران في حلقة مفرغة من جديد، كما يؤدي إلى مزيد من الأخطاء والاحتقان والفساد والتعقيد التي تعود بنتائج سلبية على العمل و العاملين بالإدارة والمتعاملين معها وأيضا المجتمع برمته ، وتتنافى مع أبسط مبادئ ومفاهيم الإدارة الحديثة والمواطنة . فحتى المسؤول نفسه يبدأ بالشعور بالملل وعدم القدرة على التجديد والتغيير.

إن استمرار الموظف في المسؤولية لسنوات طويلة لا يساعد على خلق بيئة عمل ذات كفاءة عالية مليئة بالتحديات التي توفر فرصاً لتطوير الأداء الإداري؛ حيث أنه غالباً ما يحد المسؤول الذي أمضي فترة طويلة في منصبه من عمليات التغيير والابتكار، إذ إنه في هذه الحالة عادة ما يكون غير قادر على رؤية الاختلالات داخل المرفق الذي يسيره ، ويصبح نوعاً ما محافظاً على الطرق والأساليب الروتينية دون تجديد.

‫تعليقات الزوار

4
  • الجوهري
    الأحد 23 أكتوبر 2016 - 13:32

    يستحيل تغيير الإدارة المغربية بخطاب ملكي في نظري التغيير يحتاج إلى جيل جديد من المسؤولين بمعدات جد متطورة والأهم تبسيط المساطر والإنتظار
    لمدة عشر سنوات على الأقل للمس التغيير كما أناشيد رئيس الحكومة باستدعاء العقول المغربية بالخارج فهؤلاء يمكنهم تسريع وثيرة التغيير والإبداع في مجالاتهم وعاشت بلدنا قوية متماسكة حرة في ظل ملكنا وحبيبنا محمد السادس

  • مواطن
    الأحد 23 أكتوبر 2016 - 18:47

    اصلاح الادارة ممكن و لاشئء اسمه المستحيل
    الخطاب الملكي بالبرلمان 14-10-2016 جيد جدا و الملك محمد السادس يقول بالمباشر انني اعرف ما يقع داخل الادارة العمومية
    عندما يتحدث الملك فلا صوت يعلو فوقه
    الكرة موجهة صوب الحكومة المقبلة و مسؤولي الادارة الترابية لتطبيق و تنزيل الخطاب الملكي واقعا ملموسا تماشيا مع المفهوم الجديد للسلطة بمعناه الواسع و رووح الدستور المغربي 2011

  • IBRAHIMI
    الأحد 23 أكتوبر 2016 - 19:12

    Bravo, on dirait que vous etes parmi nous au sein d'une Administration publique . Et mille bravos et remerciements à notre cher ROI que Dieu le garde

  • IBRAHIMI
    الأحد 23 أكتوبر 2016 - 19:33

    Bravo Mr SMOUNI. Quant au changement, il peut se réaliser et plus vite qu'on le pense. D"ailleurs nous sommes en plein dedans grace à Sa Majesté

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات