وزارة العدل وطغيان ثقافة "الإنتاج" على حساب "العدل"

وزارة العدل وطغيان ثقافة "الإنتاج" على حساب "العدل"
الثلاثاء 6 دجنبر 2016 - 23:00

لا ريب أن القضاء هو من أولى دعائم دولة القانون، وهو الضامن لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، سواء بصفتهم الإنسانية المجردة، أو بصفاتهم المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو غيرها. ويرتد مناط ذلك إلى ما يستلزم تفعيل دور القائمين –القضاة- عليه، والمتمثل في الفصل بين الناس بما يضمن العدل والمساواة بين عمومهم وخصوصهم، حاكمهم ومحكوميهم، غنيهم وفقيرهم.

غير أن اللافت في هذا الصدد، هو عدم شمول القاضي المغربي، ولو نسبيا، بهذه القاعدة الأصيلة التي سرعان ما تبددت بفعل تحكم ثقافة الإنتاج الكمي على حساب قيمتي العدل والإنصاف، والتي تستمد وجودها من الإدارة المشرفة على قطاع العدل ؛ حيث تولي اهتمامها بعدد الملفات الرائجة والمحكومة والمُخَلفة، دونما أي اعتبار إلى الكيف –العدل والإنصاف- الذي هو جوهر عمل القاضي وروحه، قبل أن يحيد عنه، بوعي أو بدونه، ويصبح منتجا للأحكام باعتبار عددها دون مضمونها، الأمر الذي نكون معه أمام معادلة معقدة يصعب فك رموزها وشفراتها، وهي كالتالي: مدى إمكانية الجمع بين هاجس الإنتاج وضرورة تحقيق العدل والإنصاف؟

لعل الأرقام المعبر عنها من طرف وزارة العدل، فضلا عن نشاط مختلف المحاكم المنشور بموقع الوزارة، خير شاهد على تمكن فكرة الكم من اهتمامات الوزارة المعنية. ناهيك عن المعايير التي تعتمد في تقويم عمل القضاة وتصنيف المحاكم إلى نموذجية وغيرها، حيث لا تخلو من مقاربة عددية يغيب عنها عنصر الكيف بالمرة (محاكم الدار البيضاء نموذجا).

ولئن كان ظاهر تلك الأرقام، لا يدع مجالا للشك في أن سبب تراكم القضايا وبطئ الحكم فيها هو قلة عدد القضاة، فإن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، إن لم تكن هي المسؤولة عن تفاقم الوضع وتعميق مختلف إشكالاته ؛ حيث نجمل أهمها في التالي:

إمعان وزارة العدل في تجاهل المشكل الحقيقي المتمثل في التبليغ، واستعاضة ذلك باستجداء القضاة، صراحة أو ضمنا أو ضغطا عبر مدخل تقييم عملهم، على تصفية القضايا تفاديا لتراكمها وبطئ البت فيها ؛ الأمر الذي يؤدي إلى الفصل في عدد غير معقول من القضايا، والتي قد تصل إلى 80 أو 120 ملف كمعدل أسبوعي، مما يستحيل معه، منطقا وواقعا، على القاضي تحري العدل والإنصاف لفائدة السرعة والإنتاج، وهو ما يفوق بشكل ملفت المعدل الدولي الذي لا يتعدى حوالي 480 إلى 500 ملف في السنة، أي ما يقارب 11 ملفا في الأسبوع، حيث ينصب الاهتمام على جودة العمل لا كثرته، إذ العبرة بالعدل وإحقاق الحق ليس إلا ؛

عدم مراعاة بعض مقومات المحاكمة العادلة، في بعض الحالات، وذلك، مثلا، بالإجهاز على حق أطراف الخصومة الجنائية (المتهمين والمطالبين بالحق المدني) في توصلهم بالاستدعاء قصد المثول أمام المحكمة للدفاع عن حقوقهم، بسبب تنصل وزارة العدل من واجبها في التبليغ، مما يسفر عن حالة شاذة تزيد من إثقال كاهل القضاء والقضاة ؛ والتي تتمثل في إصدار أحكام غيابية تُفتح لأغلبها ملفات جديدة نتيجة الطعن فيها بالتعرض ؛

سوء تدبير “الجمعيات العمومية” داخل المحاكم باعتبارها الآلية الوحيدة التي تتولى توزيع الأشغال بين قضاة المحكمة الواحدة، إذ تنعكس آثارها إما سلبا أو إيجابا على جودة العمل وجوهره ؛ وذلك بحسب ما إذا كان التوزيع موضوعيا وعادلا من حيث الكم، أو ذاتيا ومجحفا بالنسبة للبعض دون الآخر. ولعل السبب في ذلك هو الغموض الذي لف تنظيمها من الناحية القانونية، وربما سيزيد في قابل الأيام نظرا لتهرب وزارة العدل، ومعها السلطة التشريعية، من إحكام قواعد تسييرها في القوانين التنظيمية الصادرة مؤخرا، أو تلك التي تعكف على إعدادها (قانون التنظيم القضائي).

ولما كانت مسببات هذه المعضلة واضحة جلية حسب ما سبق، فإنه من باب أولى أن نركز التفكير في سبل اجتثاتها للقضاء على ما خلفته من آثار سلبية، وذلك بإثارة مجموعة من النقط الجديرة بالاعتبار والاهتمام، والتي نجمل بعضها في التالي:

ضرورة اعتراف وزارة العدل بمسؤوليتها عن إشكالية البطئ في إصدار الأحكام القضائية، لما في ذلك من تَعَلق بتنفيذها للأوامر الإجرائية التي من شأنها تجهيز الملفات للبت فيها في أجل معقول، فهي المسؤولة عن تنفيذ أوامر القضاء، وبالتالي تتحمل بالتبيعة مسؤولية البطئ المذكور ؛

ضرورة إيجاد حل لمعضلة التبليغ، وذلك بتبسيط مساطره من جهة، وهو ما نأمله من مشروع القانونين المتعلقين بالمسطرة المدنية والجنائية ؛

ضرورة مد المسؤولين القضائيين بما يكفي من الموارد البشرية واللوجيستيكية للتخفيف من حدة هذه الأزمة، بدل معاملتهم بـالقول المأثور: “في اللهب ولا تحترق”. مع التشديد على ضرورة رفع هؤلاء المسؤولين للإدارة المعنية، وبتفصيل وتدقيق، كل الإكراهات والمحاذير الحقيقية التي تحول دون أداء مهامهم الإدارية والقضائية ؛

ضرورة التزام القضاة بما يشترطه القانون المسطري فيما يتعلق بتجهيز الملفات للبت فيها، ضمانا للمحاكمة العادلة والمنصفة، وصونا لحقوق المتقاضين، لاسيما وأن إغفال ذلك قد يكيف خطأ جسيما وفق المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ؛

العمل على رفع يد السلطة القضائية عن مجموعة من القضايا التي يمكن معالجتها من قبل الإدارة، لاسيما في المجال الزجري إعمالا لفكرة “اللاتجريم”، أو ما سار يصطلح عليه في علم السياسة الجنائية بـ “القانون الجنائي الإداري”، وهو ما استبشرنا به خيرا في الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة (التوصيات رقم 65 و67 و68) ؛

العمل على تكريس دمقرطة أشغال الجمعيات العمومية داخل المحاكم، والحرص على جعلها منسجمة والتوجهات العامة لروح الدستور الجديد في شقه المتعلق بالسلطة القضائية بما يحقق فكرة “النجاعة القضائية”، وما يستتبع ذلك من توزيع عادل ومعقول للشعب والقضايا.

وتأسيسا على كل ما سلف، يتضح أن وزارة العدل والحريات، كانت، ولازالت، رهينة لثقافة الإنتاج الكمي على حساب الكيف في تقويم عمل القضاة والمحاكم، بما ترتب عن ذلك من مضاعفات سلبية نالت من سمعة العدالة ببلادنا، وهو ما يتحتم معه توافر إرادة واضحة وصادقة للقطع مع تلك الممارسات، وذلك باستغلال المرحلة الراهنة لتقعيد المناخ القانوني والمادي المناسب لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المرحلة المقبلة.

*رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة

‫تعليقات الزوار

8
  • FOUAD
    الأربعاء 7 دجنبر 2016 - 13:46

    و زارة العدل تتكلف خصوصا بالادارة اي التسيير لانه "ياكل" اغلب وقتها و اما العدالة فينتجها القضاة الذين – في مجملهم – يحكمون بالجور و الظلم و الطغيان ! و من اراد الدليل يذهب الى "اي" محكمة "بالمملكة" و يجلس في ممراتها ساعة – 60 دقيقة – فقط ! و "يرد علي لخبار"
    Mon salam

  • المهدي
    الأربعاء 7 دجنبر 2016 - 18:28

    الانتاج هو على حساب مهنة الدفاع كدلك أستادي ، فطالما انتظر الدفاع على الحصول على وتائق مهمة ولم تمهله المحكمة كونه استنفد عدد المهل هههههههه ،
    الجمعية العمومية أو ما أسميه ببرلمان القاضي الصامت ، كونه لا يقترح ، وفقط ينفد قرارات الاخر ، وقراراته لا علاقة لها بالانتاج حتى و ان تم تفسيرها بذلك كون أن حقيقة الامر لها علاقة بالناتج و العائد المحتمل من وضع x ; y في الموضع المناسب حتى تكون الحصيلة جيدة لكن عن أي حصيلة يمكن الحديت عنها ؟ حصيلة الوزراة بعدد الاحكام ؟ ام حصيلة المقرر في الجمعية ….. ؟

  • منصور
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 11:57

    عن أي عدالة تتحدث.في المغرب الحق يعطى فقط لمن يدفع اكثر او بمعنى اخر حقك يجب ان تشتريه.المحكمة مجرد سوق ينشط فيه قضاة ومحامون وسماسرة..رحم الله العدل والغريب كيف ينام القاضي والناس مظلومين وكيف يلقى ربه وقد ظلم

  • منصور
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 12:49

    عن أي عدالة تتحدث.الحق في المغرب يعطى فقط لمن يدفع اكثر.والمحكمة مجرد سوق استثمار يدر دخلا مهما على الدولة سوق ينشط فيه قضاة ومحامون وسماسرة.والغريب كيف ينام القاضي والناس مظلومين والاغرب كيف يلقى ربه وقد ظلم

  • عبده
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 12:50

    مقال بداية المجتهد ونتمنى ان لايكون هناك نهاية لمقتصد وما اشرت اليه استاذي العزيز ليس سوى غيض من فيض لازال اهل الاختصاص ينبهون لما يترتب عليه. ومن باب اهل الاختصاص اقول مادامت الامور يتحكم فيها غير اهلها ولاينصت لكلام العلم والمنطق فسوف نبقى في دوامة فكيف يعقل ان الادارة تتصرف بمنطق نحن اهل الدار واهل التصرف فيها والامر ان تسمع باذنيك من مدير مسؤول وقاض بندوة قوله ان بعض وزارة العدل في غنى عن التخصصات العلمية ولاتحتاج الا للقانونية والشرعية؟ كيف سيتواصل معه صاحب تخصص الجودة الشاملة وكيف سيتبنى سياسات تطويرية بمديريته اصلا وهو لايعتبر لاعلم التدبير ولاعلم التسيير ولا التحديث ولاولاولاولا. كما يقال مكاينش معامن ههه. وإلى الله المشتكى. ورغم كل هذا تحية عطرة لاثارتكم للمشكل ومحاولة التحليل والله الموفق.

  • منصور
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 13:17

    عن أي عدالة تتحدث.الحق في المغرب يعطى فقط لمن يدفع اكثر.والمحكمة مجرد سوق استثمار يدر دخلا مهما على الدولة سوق ينشط فيه قضاة ومحامون وسماسرة.والغريب كيف ينام القاضي والناس مظلومين والاغرب كيف يلقى ربه وقد ظلم

  • منصور
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 13:39

    عن أي عدالة تتحدث.الحق في المغرب يعطى فقط لمن يدفع اكثر.والمحكمة مجرد سوق استثمار يدر دخلا مهما على الدولة سوق ينشط فيه قضاة ومحامون وسماسرة.والغريب كيف ينام القاضي والناس مظلومين والاغرب كيف يلقى ربه وقد ظلم

  • Maria nouri
    الجمعة 24 فبراير 2017 - 09:46

    كلامكم يا استاذ في واد والواقع المعاش ذاخل أدراج المحاكم في واد آخر، القضاء عندنا هو قضاء التعليمات، لا غير، والقاضي يحكم بما يمليه محاظر الظابطة القضاءية والتي في مجملها مزورة، فأين هو القانون.
    لماذا لا تنقلوا التجربة القضاءية الفرنسية بحدافرها، حيث لا أحد فوق القانون.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات