ونحن نحب التعليمَ إذا ما استطعنا إليه سبيلاَ

ونحن نحب التعليمَ إذا ما استطعنا إليه سبيلاَ
الخميس 8 دجنبر 2016 - 00:26

يعرف المغرب كغيره من دول العالم الثالث عدة مشاكل في تدبير القطاعات الاجتماعية وذلك بالنظر إلى المكانة التي تحتلها هذه القطاعات في رسم السياسيات العمومية، وحجم الاعتمادات المالية المهمة المرصودة لها في عملية إعداد الميزانية العامة، والأهمية التي تحتلها هذه القطاعات لدى مختلف الفئات الاجتماعية، في تفاعلاتها اليومية من جهة، مقابل نتيجة الخدمات التي تقدمها هذه القطاعات لمختلف المنتفعين منها والتي لا ترقى حتى إلى الحد الأدنى المطلوب من الفعالية والجودة التي يمكن من خلالها حصد نتائج ما تم استثماره عليها من ميزانيات ضخمة من جهة أخرى.

وتظل المسألة التعليمة محور القطاعات الاجتماعية ومن المسائل التي لا زالت محل جدال ونقاش كبيرين حول كيفية تدبيرها والحلول المقترحة لها والنماذج الواجب اتباعها والنصائح التي يستلزم سماعها وذلك بالنظر إلى المكانة التي تحتلها هذه المسألة بالنسبة لطرفيها، والزاوية التي يرى منها كل طرف هذه المسألة، فهي بالنسبة لـطرفها الأول يشكل التعليم ليس مجرد وسيلة من أجل إيجاد فرص الشغل أو الترقي في السلم الاجتماعي فقط، بل مسألة حياة، حياة ضد الجهل والأمية والتطرف والإنغلاق في أفكار ماضوية رجعية تخلفية وأيديولوجيات بائدة منهارة، مسألة حياة من أجل الاستكشاف من أجل الانفتاح من أجل التسامح، مسألة وجودية أكثر منها منفعية ووسيلة استرزاقية من أجل تحقيق مصالح مادية.

أما طرفها الثاني، فالتعليم بالنسبة له مجرد رزنامة وحزمة إصلاحات وأرقام يجب تحقيقها، لم يكن له فيها دور من التخطيط والتفكير إلا أوهام وأحلام نظرية لا ترتبط بالواقع إلا في اللحظات التي يتم فيها مجابهته من الطرف الأول عند طرحه لهذه المسألة للنقاش ومحالة الانقضاض عليه.

لم تكن المسألة التعليمية في المغرب محط نقاش وجدال تؤرق طرفي المسألة إلا مع بداية منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما استسلم المغرب رفقة مجموعة من دول العالم الثالث لرزنامة إصلاحات “المنقذ الكبير” البنك الدولي من أجل حل مشكلة المديونية التي وقعت فيها هذه الدول وهي في طريقها لتحقيق حلم التنمية كحق من حقوقها المشروعة بعد أن وجدت نفسها في ظل نظام اقتصادي عالمي مجحف أْسس خدمة لحماية مصالح الدول المتقدمة، هذا الحلم الذي تم إجهاضه بفعل اختلاف في تصورات الطرفين لمفهومها وتم إغراقها في دوامة المديونية التي نعاني من تبعاتها إلى يومنا، فانتقل الأمر بعد إجاهاض الحق في التنمية إلى محاولة إجهاض الحق في الحياة، فما كانت رزنامة هذا “المنقذ الكبير” إلا حزمة إصلاحات تقشفية بنيوية تمس شرايين الحياة لدى الشعوب من بينها شريان التعليم. فكان الحل السحري لهذا “المنقذ الكبير” كعادته هو تقليص، في أفق تحرير، حجم نفقات التعليم من الميزانية العامة، لفائدة الطرف الآخر من المسألة، بشكل تدريجي وسلس بداية بدفع رسوم تسجيل وانتهاء بدفع التكلفة كلية حسب ما تقتضيه قوانين العرض و الطلب.

إن مسألة التعليم ببلادنا مرت ولا زالت تمر بمنعرجات تتسارع درجة خطورتها بوثيرة تصاعدية، وهو ما يستلزم معه التعاطي معها بجدية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال رسم سياسة قطاعية بعيدة عن منطق الحسابات والمزايدات السياسية واختزال المسألة في مجرد أرقام وإحصائيات إرضاء للمؤسسات المالية العالمية، وجعل العنصر البشري محور المسألة والاستثمار فيه أساس لتحقيق التنمية المستدامة وحماية لقيم وهوية المجتمع، آخذة بعين الاعتبار أن المسألة التعليمية هي مسألة حياة قبل كل شيء.

“ونحن نحب الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاَ” محمود درويش.

* باحث في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية

‫تعليقات الزوار

5
  • مواطن مغربي
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 10:27

    "المعلمون في بلادي بؤساء ، أتعرف لماذا ؟ لأن حكامنا طغاة ، و الطغاة عبر التاريخ ضد تعليم الشعب مهما ادعوا ، فالتعليم يعني الوعي و ، الوعي يدفع الشعب للمطالبة بالحقوق و محاسبة هؤلاء الحكام "

    المفكر الشهيد علي شريعتي

  • مواطن صالح
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 11:55

    تحليل رائع ..اللهم اجعل هذا البلد امنا

  • محمد
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 14:10

    * نعم التعليم هو اساس الحياة إذا انقرضت الأمية .
    * فنطلب إصلاح التعليم وليس إلغاء مجانية التعليم.
    * التعليم هو اساس التقدم و ازدهار الدولة.
    * أين هو تعليم السبعينات؟
    * تحليلك يا استاذ جذاب تجعل فينا الغيرة على وطننا.

  • مواطن
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 14:20

    مقالة رائعة بالتوفيق إنشاء الله

  • معلقh
    الخميس 8 دجنبر 2016 - 17:15

    التعليم هو عملية بناء المواطن .عندما ينجح التعليم في اداء مهمته بمختلف اركانها التعلمية والتربوية فانه ينتج انسانا مكتمل التكوين والبناء،مواطنا بشخصية متزنة قوية وفاعلة وبناءة ومتماسكة ومواطنة.لكن عندما ينحرف التعليم عن مهمته او يعاني من النقائص والعيوب ويفشل في هذه المهمة تكون نتيجته سيئة وبحيث ينتج انسانا يفتقر الى التوازن ويميل الى الهدم اكثر منه الى البناء ،انسانا ضعيفا سلبيا مشتت القوى والقدرات .والمجتمع هو قبل كل شيء مجموعة افراد وكلما كان افراده اقوياء متزنين وفاعلين كان اقوى واكثر تقدما.فاساس التنمية وغايتها هو الانسان ولا يمكن ان تتحقق الا بتعليم ناحج .والحقيقة ان تعليمنا يستهلك جزءا مهما من ميزانية الدولة ومع ذلك فانه يعاني من خلل كبير.والاصلاحات التي استهدفته فشلت في تحقيق اهدافها اما بسبب الفساد المالي او نتيجة انعدام الحرص والجدية والحزم في تنفيد الاهداف منها.وهذه الحكومة بدلا من ان تتوجه الى اساب الفشل وخاصة استعادة الاموال المنهوبة من المخطط الاستعجالي تتعامل مع النتائج وتسير في اتجاه استخلاص فاتورة الفساد من جيوب الشعب بواسطة ما تسميه بالرسوم.عالجوا الاسباب اولا

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة