أحزابنا: ماذا تبقى لكم في سوق البراغيث؟

أحزابنا: ماذا تبقى لكم في سوق البراغيث؟
الثلاثاء 10 يناير 2017 - 07:55

حتما، ومنذ عهد ليس بالقصير، صار حقيقة كل حديث عن المآل الجنائزي لأحزابنا السياسية مجرد لغط لا طائل منه، تحصيل حاصل بلا طائل، أو بالأحرى نزوع مازوشي إلى رش الجروح المتقيحة بالملح الصخري. تشخيص وضعية الموت السريري، كل آن، أضحى معلوما للجميع، مطروحا على الرصيف، يعلمه العام والطفل والأبكم والأخرس والأبله، ثم من لا دخل له في حيثيات ما يجري.

اليوم، حتى الأطفال الصغار والفتيان فهموا جيدا خبايا اللعبة، ويتسلون تنكيتا وتبكيتا على الهواء، جراء كاريكاتورية السلوكات التافهة لرجالات أحزابنا، للأسف الشديد. أي نموذج هذا تنتجونه وتعممونه ولا تتوقفون عن تكريسه؟.

يدرس طلبة السنة الأولى في كليات الحقوق أن دور الأحزاب يكمن في التعبئة والتأطير والتكوين وإنتاج مفاهيم الثقافة السياسية وتهذيب الوعي السياسي لدى المواطنين، ثم إفراز النخب التي ستمسك بزمام مبادرة القيادة، وتطوير المنظومة والبنية في محدداتها المتكاملة.. مشروعها الأساسي مأسسة وترسيخ مبدأ تداول حقيقي وفعلي للسلطة؛ لأن غير هذا المشروع، أي كل تمركز في ظل غياب أحزاب محترمة وجدية، من شأنه حتما تقويض الديمقراطية بكل فضائلها ومميزاتها ونتائجها ومفعولاتها: المواطنة، التحضر، الشعور بالانتماء، العدالة، التسامح، الانفتاح، الاستحقاق، الكفاءة، الاختلاف، النجاعة، الفعالية، تقدم البلد.

بناء عليه، وكما يقر أطفالنا الصغار، دائما بفضل وعيهم المستلهم من الكرم الحاتمي لذكاء التقنية، لم يعد لأحزابنا أي دور يستحق مجرد الهمس، كي لا نقول الذكر، بخصوص وظائفها العادية جدا.

لقد استشرف رفاق السرفاتي واللعبي، منذ بداية سنوات السبعينيات، من داخل بنية هذه الأحزاب، طبيعة النهاية، مستخلصين نتيجة أنها أحزاب غدت تقليدية، ولم تعد تقدمية، وبالتالي لم يعد في مقدورها النهوض بالمهام التاريخية.. للتذكير هي مرحلة قادة من طينة عبد الله إبراهيم، علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، محمد بن الحسن الوزاني، علي يعتة و..و..و؛ ثم مناضلين حزبيين. يكفي ذكر، عمر بن جلون، عزيز بلال، عبد الله العياشي، عبد السلام بورقية…

لقد اختار هؤلاء الشباب طريقهم الخاص، موقفا، في غاية الشجاعة، اعتبر دائما مغامرة و”يسارية طفولية” من لدن التقارير الإيديولوجية والسياسية لأصدقائهم القدامى، أجبرهم على مواجهة مزدوجة بصدور عارية لقمع النظام الشرس وكذا التواطؤ الصامت والضمني للأوصياء. نعلم نتيجة مدى تضحيات جيل بأكمله من أفضل شباب المغرب، وإلا لما ظل قائما هذا الهامش لـ”الهامش الديمقراطي” الذي راهنت عليه الأحزاب التقليدية.

هناك ثلاث خلاصات برزت جليا مع مرور السنوات، وشكلت إطارا خصبا للوضع الذي نعاينه اليوم:

-1 عدم رغبة النظام منذ البداية في وجود طرف آخر، لاسيما المنبثق من القاعدة الشعبية، يتقاسم معه الحكم، بل أراد دائما الاكتفاء بزركشة السياق السياسي، حسب الكيفية التي تخدم مصالحه. لذلك عمل من خلال أجهزته المادية والإيديولوجية على نهج أسلوب الاستنزاف الصريح والضمني، والدأب على خلطه لكل شيء بكل شيء، حسب اللحظة ومقتضياتها. وقد تابعنا سيناريوهات ذلك: إنهاك الأحزاب التقدمية بالترهيب والترغيب، ضربها من الداخل، خلق أحزاب صورية بين عشية وضحاها، والنفخ فيها، ومدها بمختلف أنواع الدعم اللوجيستيكي، حجب الفكر الأنواري التحديثي والتضييق عليه وتهميشه إلى أقصى درجة ممكنة،

وإطلاق العنان للحركات الأصولية واليد الطولى لدعاة الغيبيات والخرافات…

2-أيضا، أضعفت هذه الأحزاب نفسها بنفسها عندما توجست بدورها خشية من تفاعل متواليات المنظومة الديمقراطية؛ أي السبيل الأوحد لاستمرارها قوية، بل حية، وفضلت الاستكانة إلى أقصر الطرق، المتمثل في تلك البيروقراطية العقيمة، ما قاد طبعا نحو صنمية الزعيم الحزبي، وتكريس بنية الولاءات، والتصدي للآراء المخالفة، فكنا نسمع بيانات الطرد، ومن لا يعجبه الحال فأرض الله واسعة، والوشايات، والنكايات، وضرورة التحلي بالواقعية السياسية، وبرغماتية ”الهامش الديمقراطي”… .

3-الانتهازية الفظيعة التي أبانت عنها بعض مكونات النخبة المغربية تباعا، من مثقفين وسياسيين وإعلاميين وأسماء وازنة في البحث الأكاديمي، بقيت لسنوات تنشد مغرب القيم الديمقراطية والحداثة و.. و..، لكنها لم تتردد دقيقة للانتقال صوب الجهة الأخرى، قلبا وقالبا، ما إن تلقت أول إشارة.

مع كل ذلك، لم يكن الواحد يتصور أن الأمور ستتجاوز حدود الحد الأدنى من الحكمة، ثم ننتهي إلى مختلف هذا العبث، حيث ”أحزابنا” بصدد عرض ما تبقى لها في سوق البراغيث، وهي تصيح: لله من يشتري يا ناس !! .

بالمطلق تعلمون أننا نعلم، يا أحزابنا، وأترك الكلام دائما لأطفال حينا، بأنه لا قلب لكم على هذا الوطن ولا يحزنون، وقد كسرتم رؤوسنا صباحا مساء بالمصالح العليا للوطن حين البحث عن التعلل والتحجج، ما دامت السياسة بالنسبة إليكم تظل استثمارا جوهريا للمال والأعمال وتقنينا للنفوذ. من يقدر حقيقة ثقل المسؤولية لا يسرع إليها، بل يهرب منها هروبا: ((لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو حرص عليه)) (حديث نبوي).

لذلك رجاء، وإبقاء لما بوسعكم الإبقاء عليه، انسحبوا عن منصات السياسة، وتحولوا بكل بساطة إلى ميادين التجارة أو النجارة، واتركوا أرزاق الناس للناس، وأحوال الناس لذوي النيات الصادقة، هؤلاء المشتغلون في صمت بنكران ذات وتفان…

إجمالا، لازال طريق الديمقراطية طويلا، كما قال أحدهم.

‫تعليقات الزوار

3
  • امزوغ
    الثلاثاء 10 يناير 2017 - 11:59

    نتوقف عند بعض ما كتبه جورج حبش الذي كان يعرف باسم "الحكيم" لكونه طبيبا وحكيما أي فيلسوفا، والذي شكل رحيله رحيل آخر عمالقة اليسار العربي، حيث يقول في إحدى مقالاته وقد كتبها قبل رحيله، "لا يمكن الحديث عن أزمة اليسار العربي، وأسباب حالة الانكفاء والتهميش التي وصل إليها اليوم دون مراجعة تاريخ هذه الحركة، والوقوف أمام أخطائها ومنعطفاتها على مستوى التكتيك والإستراتيجية"
    ويضيف أن "نظرة تقويمية لحركة اليسار العربي، تفتح باب الأسئلة حول تجارب الأحزاب اليسارية العربية. بجناحيها الشيوعي والماركسي القومي، خاصة أن كثيرا من القراءات لتجارب هذه الأحزاب باتت تسلم بإخفاقها عن استيعاب ووعي حركة الواقع، وبالتالي فشلها في تغييره

  • محمد أيوب
    الثلاثاء 10 يناير 2017 - 16:23

    لا جدوى:
    "إن الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي، تبقى فاقدة للشرعية الحقيقية طالما يوجد نفور من صناديق الاقتراع، وللتذكير فالنسبة الحقيقية لم تتجاوز 20%من الذين يحق لهم التصويت..".."..فالجدل الذي يرافق تشكيل الحكومة هو من أجل المواقع وليس من أجل البرامج السياسية لأنه سواء تولى عمر أو زيد الحكومة فشعار أين الثروة؟ ينتظر الجواب،وملفات فساد مثل“القطع الأرضية لخدام الدولة”يستمر علامة مميزة للدولة المغربية، والمديونية وخوصصة القطاعات تنتظر أبناء هذا الشعب"..اذن لا جدوى من تشكيل الحكومة..قصاحب القرار الحقيقي يمسك بين يديه خيوط اللعبة وهو الآن فرح ربما بما يراه من تهافت نخبة الدكاكين/الأحزاب على كعكة السلطة والنفوذ لأنها تدر على المستفيدين منها رواتب سمينة وتعويضات اسمن وامتيازات لا حصر لها.انه العبث اذن بمصير شعب مقهور مغلوب على أمره لا زال ينخدع بمسرحيات الانتخابات والاستفتاءات المخدومة مسبقا…قاطعت ولم أندم.وسأقاطع ان كان في العمر بقية باذن الله تعالى..فما أراه في نظري هو مجرد"لعب الدراري".فالمخزن بامكانه انهاء هذه اللعبة فورا.فلماذا لا يفعل؟انه السؤال الحقيقي…

  • WARZAZAT
    الثلاثاء 10 يناير 2017 - 21:17

    دور الأحزاب إنتهى لان الطبقات الشعبية من برجوازية و عمال، التي اخترعت هذه المو'وسسات، في طريقها إلى الانقراض.

    عدنا إلى القرون الوسطى يوم كانت السلل الملكية و العائلات الأستقراطية تدبر شو'ونها في الكواليس بعيدا عن العامة. ما يسمى ألان في القاموس النيوليبرالي بالنخب العالمية/الكسموبولتية التي تسكن في السماء و المنتجعات المسيجة مقابل المجتمع المدني الذي يعيش في قطاعات غزاوية. حتى الرو'وساءالجمهوريون يتيغيرون إلى سلاطين مدى الحياة. منهم حتى من يبدأ سلالته يورثها الحكم.

    و العجب أن الأمر لم يستثني الدول التي كانت اشتراكية شعبية. سورية كمثال و لكن حتى ليبيا و العراق، كوبا، روسيا. تركيا.

    أعجب هو ما يقع ألان في أمريكا التي طلع فيها ترامب من الشارع و خارج الأحزاب الى العرش. و هو ألان يستوحد بالبلاط و الحكم مع أسرته و حاشيته الخاصة.

    من يريد اليوم السياسة عليه أن لا ينخرط في حزب من أجل الكفاح و النضال. عليه أن ينادي لنفسه بالملك!.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين