البرقع والخمار واستراتيجية الأنـوار

البرقع والخمار واستراتيجية الأنـوار
الإثنين 16 يناير 2017 - 08:31

فجأةً، وبغير قليل من العجب، انتبه بعض “الحقوقيين” و”الديمقراطيين” إلى أن منع بيع لباس البؤس النسائي من برقعٍ وخمارٍ وكل ما يدخل في حكم “الدربالة الإخوانية”، إنما يدخل في باب المس بالحريات والحقوق!! ولا ضير لديهم إن كان ذلك القماش اللعين هو حمّال ثقافة مهينة للمرأة نفسها بحسبانها عورة يجب سترها، حتى لا نضيف إليه أنه ضربٌ للباسٍ مغربي أصيل هو جزء من ثقافة شعب بأكمله يريدون لها أن تختفي وينمحي وجودها من الفضاء العام تحت سطوة الثقافة الدينية القروسطوية.

وكم كنت أتمنى أن يكون لمنع هذا النوع من اللباس مبررٌ ثقافيٌ بالأساس أكثر منه أمنيٌ يعتبره غطاء تٌخفى بداخله الهويات وتُنتحل الصفات وتتوارى أجساد قابلة للانفجار، مع أننا نتفهم مثل هذه القرارات ذات الطبيعة الاحترازية في سياق تشديد الخناق على الخلايا الإرهابية، المتحركة منها والنائمة.

لا أحد يشك في كون المغرب نجح في مقاربته الأمنية لمحاربة الظاهرة الإرهابية، لكن طبيعة هذه المقاربة أنها تعالج النتائج والتجليات والتداعيات أكثر من المسببات، فتبقى معزولة في فاعليتها وتتسبب، أكثر من ذلك، في استنزاف مجهودات وإمكانيات الأجهزة الأمنية.

المشكلة إذن أكبر وأعمق إذا لم يتم إدراج المقاربة الأمنية ضمن استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف، الذي توطنت أفكاره وأوهامه في العقول بفعل نظامٍ تعليميٍ وتربويٍ زادت من حدته فوضى إعلامية وفضائيات تلفزيونية تطل من على شاشاتها عصابات من دعاة الفتنة في الدين والدنيا بعد أن توسعت لها مساحات التعبير وأٌغدقت عليها الأموال والهبات من التنظيمات والمشيخات…، فلم نكن نحتاج إلا إلى بضع سنوات حتى وقعت الواقعة ونشأت، في غفلة من الجميع، بيئةٌ حاضنةٌ لجيل قابل للتفجير والانفجار.

فأي جريمة هذه مع سبق الإصرار التي غُضَّ الطرف عن مقدماتها وفصولها والدولة تعلم علم اليقين أنها ستكون من أولى ضحاياها؟

لم يخطر ببال السلطة السياسية تقدير الكلفة الباهظة لأخطائها الفادحة جراء سياساتها السابقة في التغاضي عن نشر الفكر الديني المتطرف لغايات تعرفها، ولم تتوقع أيضا أن تلك السياسات ستضرب في العمق إحدى مصادر الشرعية والمشروعية للدولة والمجتمع على السواء، وهي هنا الإسلام المغربي والتديّنُ الوسطيُّ الذي جُبل عليه المغاربة منذ قرون، والذي شكل دوماً صمّام أمانٍ ضابطٍ لتوازنات الأمن الروحي للمغاربة.

لن تستطيع المواجهة الأمنية لوحدها اقتلاع الإرهاب والتطرف ولو امتلكت الدولة سلطة العنف المشروع، كما لا يكفي فصل هذه النزعات المتطرفة عن بيئتها الاجتماعية الحاضنة حتى تستقيم المواجهة الفاصلة، بل المعركة أكبر من ذلك بكثير: إنها فكرية وثقافية في المقام الأول، يكون هدفها تجفيف الينابيع الفكرية للظاهرة الإرهابية، وتستدعي لأجل ذلك قراءةً تنويريةً وتقدميةً للنص الديني، وتبيان براءته من كل ما ألصق به من تفسيراتٍ برّانيةٍ عن تعاليمه الأصلية ومقاصده الإنسانية والتحررية.

إنها بلا شك معركة شـاقة وطويلة النفس، تستدعي لإنجاحها امتلاك رؤية واضحة لطبيعة المجتمع الذي نريـد، بعد أن يتم تشخيص المعضلة بكل دقـة ويتم فيها إشراك شبكة واسعة من الفاعلين والمختصين، أفرادا ومؤسسات، على نحو ما كان عليه الأمر لحظة صياغة تقرير الخمسينية للتنمية البشرية في أفق 2025.

آن الأوان كي تكفّر الدولة عن أخطائها الاستراتيجية التي كادت أن تحفر بها قبرها بنفسها، وأن تعكف، عاجلاً، على إقرار استراتيجية للتنوير على شاكلة الاستراتيجيات التنموية المعتمدة في مجالات الفلاحة والصناعة والسياحة والتنمية البشرية…إلخ. فالأولى لا تقل أهمية عن الثانية، بل نحسبها البنية التحتية الأساس التي لا تقوم قائمة الاستقرار والتقدم بدونها.

ولعل إحدى المداخل الرئيسية وذات الأولية في هذا العمل الاستشرافي هو عصرنة نظامنا التعليمي والثقافي والديني، وذلك هو السبيل لصناعة جيل جديد من حملة الفكر التنويري والعقلاني، المتشبع بروح المواطنة المنتجة، والمستعد دوما للدفاع عن حريته ووطنه وأصالة قيمه.

‫تعليقات الزوار

9
  • amahrouch
    الإثنين 16 يناير 2017 - 10:16

    A peine les iraniennes commencent-elles à militer pour se libérer de cet accoutrement noir laid que nos femmes sursautent et s efforcent à prendre leur place et à s envelopper affreusement dans ce tissu triste et effrayant !Nos femmes veulent nous faire perdre du temps en suivant le chemin que d autres s appretent à abandonner !La femme est la femme quels que soient les vetements qu elle met dessus.Ses sentiments ne changeront pas par le changement de ses apparences.Elle est faite pour courtiser l homme et vice-versa.Si l accoutrement la contraint à étouffer ses pulsions,celles-ci pourraient bien jaillir brutalement et sévir !La pédophilie dans les milieux ecclésiastiques en est un exemple.Donc pas besoin de se radicaliser pour combattre la perversion.L identifier et essayer de l éviter en modérant ses prises de positions.Si le décolleté est un exhibitionnisme la Burqa est à la fois exhibitionnisme et voyeurisme car sa porteuse se met en spectacle et voit sans etre vue

  • كاره الضلام
    الإثنين 16 يناير 2017 - 12:50

    يعمل الدين على تحويل النسبي الى مطلق و الظرفي الى خالد و الثقافي الى عقدي، فكل متسمح بالدين يحول عقده و هواه و ثقافته و قناعاته الى مقدس،هكدا اصبح زي عرب الازمنة الغابرة فرضا على امة الاسلام في كل العصور،و كدلك الامر بالنسبة لكل مظاهر ثقافتهم الاخرى،و هدا هو سبب اصطدام الدين مع الحاضر من جهة و مع ثقافات الامم المختلفة من جهة اخرى لانه ليس سوى تلك البيئة المعتقة لبست لباس القداسة، فبما انه نشا في بنية القبيلة فانه يصطدم مع بنية الدولة و بما انه نشا في ثقافة العرف فانه يصطدم بالقانون و بما انه تاسس على مبدا السرية و التخفي فانه يصطدم مع ثقافة الوضوح و الاشتعال تحت ضوء الشمس، و بما انه تاسس على فكرة الجماعة فانه يصطدم مع الفردانية و لانه بدا كجماعة منغلقة يصطدم بالمجتمع التعددي المنفتح،و بما انه افكار ماضوية محنطة فانه يصطدم بالحاضر و العقلانية، و قضية البرقع تجمع كل هاته الامور،زي لقوم من الاقوام يصبح فرضا على كل امة الاسلام و يتعارض مع الدولة و قانونها و مع تجريم السرية و مع كرامة البشر و مع قيم الانسان المعاصر

  • كاره الضلام
    الإثنين 16 يناير 2017 - 13:18

    سخر كلود ليفي ستراوس من المتنورين العلمانيين العقلانيين الفرنسيين في خمسينيات القرن الماضي حينما هبوا للدفاع عن " بابا نويل" اثر مهاجمته من طرف كنيسة مدينة ديجون و التي اعتبرته طقسا خرافيا لا علاقة له بالمسيحية،و قال ستراوس ان المنيسة بدت و كانها هي حاملة التنوير و العقلانية بينما بدا اولئك التنويريون المزيفون و كانهم هم الكنيسة الظلامية، و دلك لان من يجعل همه مناكفة الخصم الايديولوجي عوض تحري الحقيقة يتحول الى نقيضه متى ما غير الخصم رايه، و من همه التموقع الايديولوجي و تسديد الضربات للخصم فسيكون على باطل كلما كان خصمه على حق و سيحيد عن الصواب كلما قاربه خصومه، و هدا بالضبط ما يحدث لبعض اشباه الحقوقيين المغاربة الدين يعرف الجميع ماضيهم الاجرامي الشمولي، فالحق الانساني عندهم هو كل ما يحرج الدولة في الخارج و كل ما يخدم الدولة مخالف للحق الانساني اوتوماتيكيا، هوس الاضرار بالدولة حولهم الى معارضين للحقوق التي يدعون الدفاع عنها و اصبحوا مدافعين عن الجريمة مهاجمين للضحايا، و يتبنون الراي و نقيضه حسب الاحوال و الظروف

  • عبد الهادي
    الإثنين 16 يناير 2017 - 14:06

    المثقف التنويري والعقلاني والتحرري، ليس هو الذي يحيل الأفكار الخصبة التي أُنتِجت حول التنوير والعقل والحرية إلى مجرد معلومات يرددها على شكل محفوظات، وإنما هو الذي يقيم علاقة نقدية مع ذاته وفكره، على نحو يتيح له أن يتحول عما هو عليه، بإغناء مفاهيمه عن الحرية والعقلانية والاستنارة. ولذا، فإن الذي يصنّف نفسه في ملكوت العقل والحرية، لكي يطرد سواه إلى خارج هذا الملكوت، لا يحصد سوى الخرافة والظلام والاستبداد، على ما آلت إليه التجارب لدى الدعاة، في العالم العربي بنوع خاص

  • WARZAZAT
    الإثنين 16 يناير 2017 - 16:09

    الواقع أكثر بساطة. النقاب و الخمار لم يكن قط لباس العامة. كان لباس الخاصة و الحريم .

    لباس نساء برجوازية المدن اللواتي كن يعشن في القصور في ظل البساتين يتجنبن الشمس حرصا على بياض بشرتهن. ليس فقط في الشرق الاسلامي و لكن حتى في الغرب .

    نساء العامة من خدم و عبدات و البدويات كن يقمن بالاعمال الشاقة في المصانع و المطابخ و الفلاحة و الرعي و لم يكن يتوفرن على رفاه الراحة و الجلوس في الظل . كن يرتدين نفس اللباس العملي كالرجال من جلابيب و سراويل و غطاء على الرأس يحمي من الشمس و الغبار.

    السعودية التي صار فيها النقاب بشكله الحالي الزي الرسمي و الذي يصدر حول العالم هو ظاهرة جديدة سببها البترول الذي أتاح للكثير من البدو و عامة القوم أن يعيشوا حياة البدخ و الكسل كما يعيش الخاصة و الأمراء و يلبسوا لباسهم….النقاب ليس رمز الفقر و التخلف. هو رمز البورجوازية و التميز الطبقي.

  • ايمان
    الإثنين 16 يناير 2017 - 19:03

    احب الحرية لنفسي لذا اتركها لغيري،احب ان البس ما اشاء لذا لا اتدخل في لباس الاخر،اذا دعوت الاخر بالارهابي سيدعوني بالكافر،اذا دعوته بالكافر سيدعوني بالارهابي،اذا حرمت لباس الاخر بدعوى انه لباس كذا وكذا سيحرم علي هو كذلك بدعوى كذا وكذا،هذا بلدي وكذلك بلده ،هل سندخل في صراع؟ هل سنتقاتل؟ام نحترم بعضنا البعض احسن ونتعايش ونتقبل بعضنا البعض كما نحن،ام نفعل ما تمليه علينا الدول التي تريد تفكيكنا بكل ما اوتيت من حيل،فبعد ان نجانا الله بما ابتلي به غيرنا الان ربما رمت لنا عضما سميكا،اياكم وسلب حرية الناس،نحن نذهب الى الامام لنضمن حرية اكبر ليس الى الوراء لسلب حرية البعض،كفى تهورا،حتى وان لم تحب هذا اللباس فهناك من يؤمن بانه هو لباس يامر به الله فهل تريدون حرمان الناس منه فقط لانه لا يروقكم،فحتى هم لا يروقهم لباسكم فما قولكم لو قامت الدولة بحرمانكم حريتكم؟

  • Hassan ben jaafar
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 00:24

    بعد أن يتم تشخيص المعضلة بكل دقـة ويتم فيها إشراك شبكة واسعة من الفاعلين والمختصين، أفرادا ومؤسسات، على نحو ما كان عليه الأمر لحظة صياغة تقرير الخمسينية للتنمية البشرية في أفق 2025.
    tu m'a fait rire Mr le "moutakaf" hhhhhhhhhh prakh
    awdi awdi tanmiya bacharya
    depuis 1956 on parle que de ça, rah lmahgrib had c'est une ferme de mama fransa et m6 n'est qu'un cabran dyal lfirma, il doit suivre les ordre
    Mais tu peut me parler de "nikab" utiliser par les tamassih pour piller les richesses du pays et vider les caisses de l'état et voler l'argent du peuple, sachant que ces tassasih laisses derrière eux des centaines voir des millions de victime que l'irhab et même la guerre ne laisse pas!! cha3b sait bien ce qui présente la vraie menace, mais laa hawla lahou wa lla kouwa, et surtout n'oublie pas que les génération changent et la notre sera la plus pire de l'histoire de l'unoivers et pas seul du maroc
    ya rba3a lkhawana

  • عبد الله المتوكل
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 17:33

    ياسلام على ثقافة (الأنوار)عفوا الفاسدين و الأشرار.الذين يمارسون الإقصاء وازدراء الدين وقيم المجتمع بلا استحياء ولا خجل.بئس ما تبشرون به أيها الأشباه السياسيين وبئس القوم الذين يصوتون على أمثالكم.

  • abdellah
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 18:31

    "والمستعد دوما للدفاع عن حريته ووطنه وأصالة قيمه."

    وأصالة قيمه !!!!!

    أليس الدين الإسلامي الأصيل السني المالكي من الاصالة
    كل إنسان أسير أفكاره ….

صوت وصورة
تراويح مسجد الحسن الثاني
السبت 16 مارس 2024 - 12:13 1

تراويح مسجد الحسن الثاني

صوت وصورة
احتجاج عمال  شركة "كيتيا"
السبت 16 مارس 2024 - 01:11 2

احتجاج عمال شركة "كيتيا"

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | قراصنة سلا
الجمعة 15 مارس 2024 - 23:00 1

مع الصديق معنينو | قراصنة سلا

صوت وصورة
المدينة القديمة | شفشاون
الجمعة 15 مارس 2024 - 22:30

المدينة القديمة | شفشاون

صوت وصورة
ملفات هسبريس | الساعة الإضافية
الجمعة 15 مارس 2024 - 22:00 12

ملفات هسبريس | الساعة الإضافية

صوت وصورة
رمضانهم | التمسماني من إسبانيا
الجمعة 15 مارس 2024 - 21:30 2

رمضانهم | التمسماني من إسبانيا