حيوانات وملاعب.. قواميس لغة السياسيين المفقودة الشفرات

حيوانات وملاعب.. قواميس لغة السياسيين المفقودة الشفرات
الإثنين 16 يناير 2017 - 23:18

السياسة تواصل، والتواصل حركات وأفكار، والأفكار لغة ورموز. وبين بنكيران وأخنوش ينسج خطاب ولغة التواصل بينهما حول قواميس استعارية، تحمل في عمقها دلالات حول شخصية الرجلين وخلفيتيهما الثقافية ونظرتيهما للمشهد السياسي والحزبي، سواء لجؤوا إلى استعمال مصطلحات لها حمولة وفهم خاص لدى المغاربة أو فعلوا ذلك بشكل عفوي ينم عن طبيعة الرجلين.

الخلفية الثقافية والتعليمية والتكوينية في مسار تكوين شخصية السياسي لا شك في أنها تنزل بثقلها على جهازه العصبي والمعرفي لينتج اللغة والخطاب الذي يتماشى معها، بل ويتطابق معها أحيانا كثيرة بشعور أو بدونه، وتدفعه إلى اختيار الرموز والأمثلة في تواصله مع العموم ومع الخصوم، وكذا في إيصال الرسائل إلى من يهمه الأمر من قريب أو من بعيد.

والمغرب يتميز، منذ القدم، بوجود هذه اللغة الرمزية، عرفت شكلها الممتاز في حلقات الأسواق والساحات العمومية، والتي جسّدت منصات للتواصل بين الحاكي وبين الجمهور الذي يستمتع بالاستماع إلى قصص خيالية، فيها الغول وعيشة قنديشة والفرسان وغيرهم، في إشارات غير مباشرة إلى موازين القوى داخل البلاد والمجتمع.

لا تبتعد لغة السياسيين المذكورين عن هذا المنطق؛ غير أن لكل واحد منهما رموزه ورؤيته للمشهد مختلفة تماما، بل ومتناقضة في المدلول والمآل النهائي.

عبد الإله بنكيران، الأستاذ المدرس والفقيه المتشبع باللغة الأدبية والفقهية الشرعية، استعمل رمزية الحيوانات التماسيح حينا في إشارة إلى قوى مفترسة قاتلة تبتلع كل شيء وسريعة الحركة، لا تقنع بالقليل بل وقاطعة طريق أحيانا، ولها قدرة على التحرك في البر والبحر مهددة بقاء الجماعة الأليفة ولا يقوى حتى الأسد على مقاتلتها نظرا لشكلها الممتد في الأرض ولقوة جسدها وفكيها.

وظّف الأمثال، التي نجدها بكثرة في القرآن الكريم؛ فاستعمل مصطلح الجمل وسمته الصبر والجلد والقدرة على التحمل ولما له رمزية دينية حسنة في التراث، ثم مصطلح العفاريت المتميزة بالتخفي والسرية والمس في الخفاء. وكلها مرتبطة بنظرته إلى المشهد السياسي، مستعملا لغة حكواتية روائية ليدعها تقول ما لا يستطيع الإفصاح عنه بشكل مباشر؛ وهي كلها مصطلحات لها ارتباط بثقافته الأدبية الإنشائية التقليدية فرضها تكوينه العميق وعلاقاته الاجتماعية الجمعوية والدعوية، يعي من خلال استعمالها وجود معاني هذه المصطلحات في المخيال الشعبي العام من دون أن يحدد صورها في الواقع بشكل مباشر.

في المقابل، أول ما بدأ عزيز أخنوش باستعماله بشكل لافت في هذا الباب هو تحدثه عن البطاقة الحمراء التي يستعملها الحكم لإخراج لاعب غير منضبط لقواعد اللعبة داخل الملعب في مباراة فريقين بالطبع يحضرها جمهور كبير في إشارة إلى كرة القدم.

لغته هاته تثير عدة استفهامات، لا ندري إن كان استعملها وهو يعي حمولتها ويهدف منها إلى بناء رسالة من جنس آخر، أم أنه استعملها عفويا وتلقائيا كرد فعل شخص محب لكرة القدم وجدها أحسن مجاز للرد على موقف بنكيران في بلاغ “انتهى الكلام”.

إن البطاقة الحمراء تفترض بداية وجود ملعب، فيه فريقان اثنان لا ثالث لهما، وتفترض أيضا الندية والتنافس واللعب الجماعي من أجل تسجيل الأهداف على مرمى الخصم. كما تقتضي التمتع بروح متسامحة توصف بالرياضية، وضرورة حضور جمهور يتابع اللعبة دون السماح له بالتدخل فيها، بل وممنوع عليه ذلك تحت طائلة الزجر والعقاب ومحاطا برجال الأمن لحماية اللعبة وتأمينها. قصة الطرد من الملعب ببطاقة حمراء، في إشارة إلى مشاورات تشكيل الحكومة، تفترض تمتع بنكيران بصفتين: لاعب مع فريقه وحكم في الوقت نفسه. وعليه، طبقا لقواعد اللعبة، أن يتخلى عن إحداهما؛ إما أن يلعب الكرة أو يتحلى بصفة الحكم، وهي محرمة عليه بحكم جماعته وبحكم القانون والعرف، لأن الحكم عندنا هو شخص آخر بعيد عن الطبيعة الندية ومحكوم عليه بتطبيق قواعد اللعبة على الأطراف.

إذا كان أخنوش لا يعني ذلك بتاتا، فهذا يدل على خلل في موازين اللغة الرمزية لفائدة بنكيران الذي يحدد مسبقا هدفه لكل رمز ينطق به أمام الملأ، ولا يستعمل لغته الرمزية عن هوى وإنما من أجل إيصال رسائل متعددة إلى أطراف متنوعة.

ولربما خلفية رجل الأعمال، أخنوش، الذي تتسم حركته بالندية، المنافسة والبحث الدائم عن الربح، تعكس خياره اللغوي الرمزي، سواء حدد مسبقا أهدافه من خلالها أو عبر عنها عفويا دون نية في إحداث أثر تواصلي ذي مغزى أو معنى وذي نظرة لواقع اللعبة السياسية وللفاعلين فيها ولأهدافها.

هكذا هم “سياسيونا”، غفر الله لهم، لا يتحدثون اللغة المباشرة كما باقي الخلق السياسي في بلدان المعمور، ليتعمدوا إدخالنا في متاهة فك شفرات خطابهم. هذه الشفرات غير الموجودة حتى عند جهابذة قرصنة فك طلاسمها في العالم، هذا إن كان فعلا للغتهم مدلول اجتماعي يجيب عن حاجيات البلاد وتحتاج فعلا قراءة وتناول بالفحص والتحليل.

هذا وناهيك عن حراك “سيميائي” من نوع آخر، يمارسه بنكيران وعدد من خصومه عند استعمال المصطلح الديني كمكون للخطاب، هذا الاستعمال الذي لا ندري هل هو قناعة فكرية أم مجرد توظيف سياسوي لغزو المراكز على الخشبة؟

‫تعليقات الزوار

1
  • عبد الرحيم فتح الخير
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 01:10

    جمالية الخطاب لاتهمنا في شيء نحن كشعب ليس لنا الا الواقع المعاش . وهو واقع بئبس . بنكيران دخل قويا كان ارادة ملك وكان ارادة شعب . كلماته القوية والمزلزلة دغدت مشاعرنا اعتقدنا للحظة أننا أمام بطل أثبتت الأحداث تباعا أنه كان من ورق فتح الملفات الكبرى هدد وتوعد وفجأة اغلقها ودون سابق انذار وبشكل مهين ودون أن يطيح ولو بتمساح من صغار التماسيح .انقلب كسابيقه ولم يجد أسهل من الفقراء ليمارس ضغطه الجبان فحرر قطاع المحروقات وترك المواطنين يواجهون من لايرحم فحتى واسعار النفط في الحضيض أبى سعر اللتر الواحد الا أن يتشبت بالعشر دراهم كحد أذنى . أغلق باب الوظيفة العمومية ملاذ البسطاء وهي سابقة لامثيل لها في تاريخ المغرب المعاصر خلاصة القول بن كيران لم يكن رحيما الا في تسامحه مع الكبار . ومن مفارقة الزمن البئيس ومن المضحكات المبكيات أن بعاد انتخابه لولاية ثانية . الأكيد أننا شعب قاصر يستحق حاكميه يكفي أن تكون المرجعية قال الله قال الرسول لننبطح . حتى ولو جلد ظهرنا حتى لوأخذ مالنا ما أقيمت فينا الصلاة . أخيرا سيدي رئيس الحكومة أين أكثر وعودك دغدغة للمشاعر أين رواتب الأرامل والمطلقات . انتهى الكلام .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب