"المتخيل الحواري" بين "الكتلة التاريخية" و"الميثاق الوطني"

"المتخيل الحواري" بين "الكتلة التاريخية" و"الميثاق الوطني"
الثلاثاء 17 يناير 2017 - 19:46

من الدلالات اللغوية لـ”بلوكاج” هي الصد والسد والتوقف والتكبيل خوفا من شيئا ما، وهو برزخ بين المصالح الضيقة والمصالح الوطنية.

احتقان يدفعنا إلى البحث عن التلازم بين التاريخية وبين الوفاق الوطني، عن مشروع الوطن، عن برنامج تكتلي لا تستطيع فئة أو حزب أو جماعة القيام به لوحدها؛ فالكتلة في الاصطلاح السياسي تشمل معنى الاقتصادي والاجتماعي، وتجمع بين المادي والمعنوي، وتسعى إلى إعادة البناء السياسي على أسس الديمقراطية والعدالة.

ووجود تشكيلة تكتلية تستنهض الهمم لا يعني انتهاء صلاحيات التشكيلات القائمة، ولا حلا لأزمة طارئة، ولا سعيا إلى ائتلاف حكومي، بل ربطا للعلاقة بين البعد المعرفي والبعد بين السياسي، اعتمادا على “طليعة فكرية” لا حزبية تقود الكتلة أو الجبهة أو الاتحاد أو الميثاق، فلا مشاحة في الأسماء.

سنطرح تجربتين تاريخيتين مغربيتين لهما أفق وإيقاع يجمعان بين البعد المعرفي وبين البعد السياسي ويذهبان بالتأمل نحو التخوم، أفق مغرب حر فيه متسع للجميع، كلاهما طرح “مغرب الوحدة المتعددة “، المفكر محمد عابد الجابري والإمام عبد السلام ياسين، رحمهما الله، وفي البداية نطرح تصورنا لمفهوم إجرائي تكتلي.

“المتخيل الحواراي”.. إيقاع فكري وسياسي

إن حديثنا عن “المتخيل الحواري” أو “الحوار المتخيل” حديث عن “نماذج أصلية ” تحدد لنا التصورات والتفاعلات والقواسم المشتركة بين الأفراد والشعوب، والحديث عن الإيقاع هو إمضاء للذات المفكرة التي تصنع الواقع السياسي.

نريد أن نفتق الإمكانات الإبداعية، ونتمكن من المرور من الكائن إلى الممكن، ونكسر الحواجز ونبحث عن الكامن ونستخرج المسكوت عنه.

إن المتخيل الحواري هو بحث عن البنية العميقة لإحساسنا النفسي والاجتماعي، عن إنتاجنا الثقافي، عن رؤيتنا للعالم، عن القيم الفكرية والعلامات المشتركة والبنيات المتعالقة التي توحدنا، عن “المهيمنات” أو”الكليات” المتخيلة، كفضاء يجمع المبدعين باختلاف مجالاتهم، إنه ملتقى لـ”الواقعية المتخيلة” لخطابات متعددة.

إنه القانون المشترك للإحساس والتعبير والبحث عن “الوعي المتخيل” الذي يمنح التجانس الجوهري لا الشكلي، القانون الخفي لبنية الإبداع، يربط الأفق الفكري والسياسي، يحدد علاقة الإنسان بذاته وواقعه ولغته.

لقد ركزت أغلب الدراسات، التي تعرضت للمتخيل، على الجانب النظري وعلى رصد النسق الذي تطور فيه المفهوم، والوقوف عند مفاهيمه وتجسيداته والمجالات التي يمتح منها أو يتقاطع معها؛ لكن هاجسنا هو البحث عن كيفية تنزيل ذلك من خلال الأنساق الحوارية.

استطاع المفكر الفرنسي “جيلبير دوران” أن يضع نظرية في المتخيل من خلال ما أسماه “علم الأنماط الأصلية العام”، حيث يستنبط المتخيل من الثقافات الإنسانية، متجاوزا النظرة الأحادية التي تناولت المتخيل، ساعيا إلى وضع مسار أنثربولوجي متعدد المرجعيات النظرية.

فالمتخيل يصهر الوعي السياسي والتاريخي والاجتماعي، وبالتالي ينصهر الإيقاع العام بالخاص، ويصبح خلاصة تجربة نستفيد منها في سياقات أخرى.

إن البحث في المتخيل الحواري والاشتغال بتحليل ظواهره وقضاياه؛ متجذر في العمق البشري ومساير لمختلف الأزمنة الثقافية، فهو يمثل الوعي الإنساني، وبوابة لفهم النفس والكشف عن أسرارها الوجودية.

إن تجليات المتخيل في مجالاته المختلفة يستهدف الكشف عن كلام المجتمع، ورصد الخطاب المستشف من الرموز والإدراكات التي تنتجها مكوناته.

“الكتلة التاريخية”.. في السياق والأهداف

لاحظ محمد عابد الجابري، رحمه الله، في الثمانينيات التنازع القائم بين التيارات الإيديولوجية، الليبرالية والقومية والاشتراكية والإسلامية، وسيطرة النزعة الفردية وزعم كل طرف بحل الأزمة، ورأى أنها كلها عاجزة عن التغيير المنشود منفردة، إما بتحليلها المنحاز أو عدم استيعاب للتحديات أو للصراعات “السكولائية”، فطرح فكرة “الكتلة التاريخية” التي تجمع القوى الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية والنقابية والثقافية، والتغاضي مرحليا عن التناقضات، فالأمر يتطلب مراجعة ونقدا ذاتيا والتخلي عن الأحكام والمواقف والإيديولوجيات الثقافية والفكرية التي تتحكم في الوعي والسلوك.

لن نخوض في المؤاخذات على الجابري لماذا انتقل من الحديث عن الكتلة الوطنية الديمقراطية و”الجبهة التقدمية الاشتراكية” إلى “الكتلة التاريخية”، هل هو تراجع عن روح الحداثة والتنوير، أم غرضه الخروج من الخمول التاريخي والتخلص من الإمبريالية، أم غايته البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة والأمة؟ أو التساؤل حول استحالة هذه الكتلة التي تجمع بين الحداثيين والتقليديين وكيف تنفتح على كل التيارات السياسية والنقابية والثقافية؟ وهل الكتلة حاجة ضرورية أم “نزوة نظرية” لتبييئ وتعريب مفهوم مخالف لسياق عربي وإسلامي؟

كان حديث الجابري عن الكتلة إحساسا باستحالة معالجة الوضع بالأساليب والمفاهيم المعتادة، ويعود السبب إلى الترهل والتنازعات الداخلية والانشقاقات والعطالة التنظيمية والفكرية، والفراغ الإيديولوجي الذي يؤدي إلى التيه والغلو والتعصب.

ويمكن إرجاع حديثه إلى عوامل موضوعية وخارجية، تتمثل في تبعية الأمة العربية للهيمنة الغربية التي شلت الهمم، ثم للطبيعة التاريخية للمشروع وأبعاده القطرية التنموية والنهضوية الشاملة.

كان الجابري يحرص ألا يستثني أحدا من القوى الحية، سواء من النخب أو الطلاب أو من صفوف المساجد. ويمكن رصد هذه القوة في أربع: قوى الحركة الوطنية وما ينبثق عنها من نقابات وجمعيات مختلفتين، وقوى الجماعات الإسلامية التي يجب أن يفتح أمامها العمل السياسي كغيرها، والقوى الاقتصادية الوطنية، ثم القوى الفاعلة في المجتمع بما فيها التي تعمل داخل الهيئة الحاكمة والتي تسعى إلى التغيير لتحقيق الأهداف التاريخية الكتلوية.

والهدف كان أبعد، وهو تحقيق الوحدة العربية والإسلامية، والحفاظ على الوحدة الوطنية لكل قطر عربي ودرء التمزق العشائري بدل البعد المدني للدولة.

وتحقيق التنمية مرتبط بالتحرر من التبعية، والكتلة تتسع لتشمل مطالب قومية نتيجة الروابط اللغوية والتاريخية والدينية، وهذه خصوصية الجابري التي ميزته عن غرامشي.

فالكتلة التاريخية هي “الوحدة المتعددة ” أي واحدة في غايتها متعددة في مكوناتها، أو هي “الانتظام الفكري” أو”الإجماع الثقافي”، أي أن المثقفين يحولون الأهداف الفئوية إلى أهداف وطنية، فهي جامعة للبنيات؛ لكنها لا تحل محلها. وهذا ما يجعلها في حاجة إلى الحوار والإقناع والتوافق، أي الجمع بين التاريخية والواقعية، فالكتلة اعتراف بالآخر واعتباره جزءا من الذات.

إن كلمة “التاريخية” لا تشير إلى الماضي بل إلى المستقبل بما يحقق أهداف إستراتيجية للمجتمع، وهي ما يسميها الجابري بـ”المصلحة الموضوعية” التي تحرك من العمق جميع التيارات. هذه المصلحة هي الحرية والأصالة والديمقراطية والشورى والعدل والحق. وقد تلخص في الديمقراطية والتحرر والتنمية، أو بصيغة أخرى أهداف وطنية وقومية وعالمية، أو إنها تحقيق للنمو والاستمرار والاستقرار، وهي تحديدات يعبر عنها الجابري في كتابه “المسألة الثقافية”.

أما بعد

نخلص، في هذا الجزء الأول، إلى أن لـ”الكتلة” معنى وصفيا وديناميا: الوصفي يرتبط بأنها ائتلاف من طبقات وفئات وتيارات اقتصادية أو دينية أو ثقافية، ولابد لها من إستراتيجية وإيديولوجيا توحد الكل. أما المعنى الدينامي، فباعتبارها مبادرة واعية لها رؤية للعالم قادرة على التعبئة والإقناع وتوجيه التاريخ من جديد، وهي ليست بنية ثابتة بل في تغير مستمر، ففي كل مرحلة تاريخية الحاجة إلى كتلة، بعد أن تفقد القديمة صلاحيتها، فالتاريخ سلسلة من الكتل التاريخية، والأهداف تتجدد والأسماء قد تختلف، فقد يكون التكتل سياسيا أو ثقافيا أو فلاحيا لإنجاز مهام إستراتيجية.

إن الجابري استعمل المعنى الدينامي لا الوصفي لمفهوم الكتلة الذي يعبئ كل القوى السياسية. وهذا سر استعماله لـ”التاريخي”، حيث تجاوز النظرة الحزبية الضيقة والمحاولات السابقة التي عجزت عن التغيير.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب