دواعي استنبات العنف الديني في خطبة الجمعة

دواعي استنبات العنف الديني في خطبة الجمعة
الثلاثاء 17 يناير 2017 - 10:40

بديهي أن يكون الناس على درجات متفاوتة في الفهم والإدراك والذكاء، لكن أن يبقوا بسطاء في التفكير -لا يطوّرون مكتسابتهم العلمية ولا مهاراتهم التحليلية، ولا يستزيدون علما متخصصا ينفعهم ولا اطلاعا منفتحا واقعيا يؤهلهم- يَضُرُّ أكثر مما يُصلِح، وهم بهذا يُفسِدون في الأرض ظانين أنهم يحسنون صنعا، خصوصا إذا تعلق الأمر بمن يتحمل أمانة الإرشاد ومسؤولية التوجيه، وبصفة أخص من ينبري للإمامة مقترحا نفسه لتوجيه الحياة من خلال منبر الجمعة عيد المسلمين. ومثال هذا حاصل في مسجد حيّنا الجامع مع الأسف الشديد.

لن أخوض في مؤهلات خطيب الجمعة، ولا فيما سمعناه منه من مختلف الأحكام الاعتقادية والفقهية التشريعية المجانبة للصواب، هي في أحسن أحوالها سطحية لم يقل بها أغلب العلماء، ولا تسبر مقاصد الشرع الحنيف؛ لأن معتمدها نصوص ظنية مبتسرة مقطعة من سياقها، هذا فضلا عن التكرار الممل المنفّر، وطَرْق موضوعات لا تمت إلى مهنة الخطابة من قريب ولا من بعيد بصلة، ورفع الصوت في مُكبِّره الملتصق بالفم المشمئز للنفوس قبل الآذان.

وحسبي لتقريب الصورة للقارئ أن أذكر نموذجا واحدا يتعلق بدعوة المأمومين إلى الالتزام بالصلاة في المساجد لا في بيوتهم، وهذا ما أرْشَدَتْ إليه مُحبِّبَةً -بطبيعة الحال- كثيرٌ من النصوص كتابا وسنة. لكن الخطيب لم يقتصر على التحبيب بل تعداه إلى استنباطات تُوهِمُ أن النصوص دالة عليها، حيث صدع أمام المأمومين بجعل من لا يصلي جماعة في المسجد منافقا فاسدَ العبادةِ وعليه تصحيحُها [وفسادها: رأي داوود الظاهري كما سيأتي]، وهو في دركات جهنم، ولا تغفر له خطاياه لأنه لا خطوات له إلى المسجد التي يرفع الله بها الدرجات ويغفر بسببها الخطايا.

ولا يخفى ما لإطلاق الكلام على عواهنه من سيئ النتائج ووخيم العواقب التي تؤدي إلى النظرة الدونية لكل من صلى في بيته، هذا إن لم يكن صلى في مساجد مملكتنا المبثوثة في مختلف الأحياء، مما يولد كراهية في العلاقات وبغضاء في الوشائج المجتمعية، بل داخل الحي الواحد، بل الأسرة الواحدة.

إن عدم أهلية خطيب الجمعة في إيراد الدليل المناسب لتوجيه المأمومين المناسب يوقعه المهاوي فيَضِلّ ويُضِلّ، ولو أن خطيب الجمعة اطلع اطلاعا قبْليا على ما سارت به ركبان الفقه الإسلامي، ممن يحكون الخلاف العالي من أحكام الشرع الموضوعية المنصفة والواقعية، لأراح نفسه وأراح البلاد والعباد من بذور الفتنة والحقد والكراهية التي تلتصق بنفوس المأمومين مستندة إلى تمويهات بتأويلات نصّية بعيدة عن مقاصد الشرع السمح.

مثال هذا ما قاله ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد -1/140 من كتاب الصلاة-: “الفصل الأول في معرفة حكم صلاة الجماعة، في هذا الفصل مسألتان، إحداهما: هل صلاة الجماعة واجبة على من سمع النداء أم ليست بواجبة؟ …..

أما المسألة الأولى فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الجمهور إلى أنها سنَّةٌ أو فرضٌ على الكفاية. وذهبت الظاهرية إلى أنَّ صلاةَ الجماعة فرضٌ مُتَعيِّن على كل مُكلَّف”.

هذا وبالغ داوود الظاهري فجعلها شرطا في صحة الصلاة، كما نص عليه ابن حجر في “فتح الباري” في شرح حديث تحريق بيوت المتخلفين الآتي.

وبهذا تكون أحكام الفقه الإسلامي لدى جمهور العلماء واقعية موضوعية؛ إذ يستحيل أن يكون في شرع الإسلام تكليف بما لا يطاق، ومن رام أن ينهج غير ذلك فقد ضيق واسعا وأبعد الناس عن رحمة الله الواسعة. وإن مرونة ديننا الإسلامي تتميز بمنهجية تنزيله في واقع المجتمع المتآلف أهله والوافدون عليه، وليس لأحد أن يفرض فهما خاصا -هذا إن لم يكن خاطئا طبعا- تتنازعه فهوم أخرى، بل قال بخلافه أكثر العلماء المعتدلين، ويستنسخ طريقةَ تنزيلِ بعضِ إخوانِنا المشارقةِ الإسلامَ في واقعهم ليفرضها في واقعنا.

إن ما غاب عن خطيبنا -بعدم اطلاعه وتهييئه لخطبته- هو التفريق بين “الإجزاء” و”الكمال” في العبادة، فصار يخلط كل شيء ويقذف بـ”الأحكام” كيفما اتفق، متوهما أن ما يحفظه من معاني بعض الأحاديث كاف لإلقاء خطبة وإصدار أحكام مصيرية، رافعا صوته موهما أنه يصلح النفوس ويحبّبها للخير والتزام العبادة، ومتوهما أن ما يدركه من فهم بسيط لبعض نصوص القرآن والسنة يؤهله لاتخاذ مواقف واستنباط أحكام، دون التنبه لما سطره المتخصصون من مقاصد نبيلة معتدلة واقعية من مجموع تلك النصوص، تدفع إيهام دلالة ظواهرها على نفاق من لا يصلي جماعة بالمسجد، من مثل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المخرج عند الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وَالَّذي نفسي بِيَدِهِ، لقدْ هَمَمْتُ أن آمُرَ بِحَطبٍ فَيُحْطَب ثمَّ آمُرَ بِالصّلاةِ فيُؤَذَّن لها ثمَّ آمُر رَجُلا فَيَؤُمُّ الناسَ، ثمَّ أُخالِف إلى رِجالٍ فَأُحَرِّقَ علَيْهِم بُيوتَهُمْ”؛ إذ ورد في المنافقين حقيقة، وفيه أن الرسول الرحيم همّ ولم يفعل؛ مبالغة منه عليه السلام في التحفيز والتحبيب في الجماعة.

وإن مثل هذا يدل دلالة واضحة على أن من اقتنع متشبعا بآراء محمد بن عبد الوهاب (المنسوبة إليه الوهابية) في المشرق ممن التزموا بأحكام الظاهرية المخالفين لأغلب علماء الإسلام: [“وذهبت الظاهرية إلى أنَّ صلاةَ الجماعة فرضٌ مُتَعيِّن على كل مُكلَّف” كما سبق قبل قليل من قول الإمام ابن رشد المالكي]، هم من أثروا في أغلب أبناء الحركات الإسلامية في عالمنا اليوم بهذا الحكم المؤسس للعنف بالنظرة الدونية لمخالفيهم، فتبنّوه بوعي وبغير وعي في نظرتهم لعموم المسلمين الزارعة لبذور العنف والفرقة.

إن ما ورثناه عن علماء المغرب وحكامه وبقي شاهدا إلى اليوم، هو التيسير العملي لآليات الحفاظ على أمننا الروحي مثل تنظيم الصلوات الخمس بالمساجد، بجعل مساجد تُسْرِعُ في إقامة الصلاة مباشرة بعد الانتهاء من الآذان، وأخرى تُقيمُها بعد وقت يتمكن فيها البعيد من إدراكها، وأخرى تُقيمُها بعد نصف ساعة أو ساعة يتمكن الأبعد من إدراكها أيضا.

وإن مقاصد الدين المركزة على التيسير دون التعسير والتبشير دون التنفير هي مدار الإسلام بعقيدته وشريعته، ومن يتخصص في الترهيب بحق وبغير حق، وفي تصيّد هوامش ظواهر النصوص وتأويلات التنطع ليخاطب المأمومين بشتى أنواع التنقيص وحصرهم في زاوية أنهم لا يتصرفون إلا بالخطإ وأنهم ليسوا على الجادة، لا يسعى في إسعاد الناس وصلاحهم، إنما يحل عقدة أو مشكلة نفسية لديه.

‫تعليقات الزوار

7
  • عبد الرفيع الجوهري
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 11:33

    يا أستاذ الفقر والحكرة هما سبب التطرف فأنا 25 سنة وأنا أسمع خطبة الجمعة وقليل من الخطباء من تجد خطبته في المستوى وبالتالي ليس لهم تأثير على العقل المغربي كما تدعي فالناس جالسين بالمسجد وعقولهم مشتة بسبب القروض ومشاكل الأبناء المتطرف إنسان فاقد للأمل وإذا أردت معالجة التطرف فامنح المواطنين الأمل أو باراكا من التفلسيف شكرا

  • وأما بنعمة ربك فحدث
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 11:49

    ردا على.
    أسكن في قرية بالريف
    ولمن لا يعرف الريف فسمته
    التباعد بين الدور فتجد دار هنا ودار هناااالك
    ودارنا أبعدهم عن المسجد حيث يوجد مسجد في رأس التلة
    حيث الصعود على عقبة شبه واقفة مسيرة ليست بالهينة
    وهناك واد نادر الماء يفصل قريتنا عن قرية مجاورة
    لهم مسجد أيضا في أعلى التلة
    حين أكون بالدار أقول لنفسي البعد قد يقبل الله صلاتي بالدار
    وحين أسمع النداء تتحرك في داخلي قوة أو شيء ما
    فأجد بقائي بالدار للصلاة شيء منفر مكروه
    فأنطلق إلى المسجد بالقرية المجاورة لأنه أقرب نسبيا
    فأنزل ثم أقطع الواد ثم أصعد
    وحدث ذات مرة أن صعدت وجدت المسجد مغلق
    الإمام مسافر
    فانزلت التلة وقطعت الواد
    وصعدت التلة ومررت بجانب الدار ثم أكملت صعود التلة
    إلى أن وصلت المسجد
    وجدت الإمام يصلي
    فصليت وأنا كلي انشراح ولله الحمد
    يااااه
    ياللذة التي وجدت ياللانشراح ياللسعااااادة يالرضى
    والله أفعل ذلك يوميا حين أكون بالقرية أمضي عطلتي
    ولكل صلاة بما فيها صلاة الفجر في الظلمة وخطر الكلاب تنبح و…
    ياسلاااااام
    الخلاصة
    والله لو أن في الهيملايا
    والمسجد في القمة
    لأصعدن
    وصلت أو لم أصل لأصعدن
    في الظلمة والخطر
    لأصعدن
    وقلييييل من يفهم

  • Samir
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 16:42

    À chaque fois je dis je vais au jomoea juste pour prier et pas écouter de la khotba. J'en ai marre de ces discours qui font la personne dormir et ils nous considèrent comme des robots sans intelligence ni pensées. Vous écoutez les mêmes mots le même language. On en a vraiment marre.

  • عـــــاقل بعقله
    الثلاثاء 17 يناير 2017 - 21:56

    خطبة الجمعة باختصار :

    1 بكاء وتحسرعلى السالفين
    2 زجر وتوبيخ وإهانات للحاضرين
    3 تَشَوُّفٌ وانتظار للمُخَلِّصِين المَجهولين القادمين
    4 دعوة على باقي الناس من غير من يُسمون بالمسلمين
    5 استغاثة واستنجاد بالسابقين العادلين الميتين
    6 تلخيص مشاكل الواقع في الابتعاد عن الدين
    7 وتأجيل لحلول مشاكل الواقع إلى حين
    8 وختاما دعوة على الكفار اليهود منهم والمسيحيين والملحدين والعلمانيين، وعلى الرويبضة العقلانيين، ثم تمنيات بأن يُفني بعضهم بعضا في حروب لا تلين، وأن يَخرج المسلمون من بين الدمار سالمين غانمين.

    وبعد الخطبة إذا قيل للخطيب "عندنا مشاكل في الحي" كيف نصلحها، أجاب العمل الصالح هو الصلاة والحج وباقي العبادات وما عليكم إلا أن تصبروا حتى ينزل المسيح أو المهدي، أو خليفة المسلمين ؟

    وإن قيل له هناك جمعية للمعاقين في الحي لمذا لا تتطوع فيها إلى حين، كما يفعل كهنة المسيحيين، أجاب إن دخلوا جحر ضب لدخلتموه ورائهم، فانصرفوا عن كل تلك الجحور واكتفوا بالعبادات، واتركوا المستنقع على حاله لأنه دار عبور إلى الأخرة، ياشيخ ربما غرقنا في المستنقع، أجاب ذلك أفضل عجلتم آخرتكم وبشرى للمُعَجلين .

  • حسن
    الأربعاء 18 يناير 2017 - 12:22

    مئات الملايين من الساعات هدرت و تهدر في سماع خطب الجمعة في كل انحاء العالم.
    إذا استثنينا نسبة هزيلة منها كمفيدة, يمكن أن نجزم أن أغلب الوقت يذهب هباء لأن جل الخطب غير مجدية و لا ترجى منها أي فائدة دنيوية أو أخروية. بل الكثير من الخطب تعد مزيجا من الصخب و الشتم و الكراهية و الخزعبلات.
    في غياب خطب مفيدة و علمية و روحية و متسامحة و مفعمة بالحب و الخشوع, أنصح المسلمين و المسلمات بمقاطعة المساجد و مباشرة القراءة و هي أول ركن من أركان الإسلام. و بالقراءة نكتسب معارف و مهارات تحليلية و قدرة على استنباط العبر و الفهم , بدل نمكث كقطيع يكرر ما يملى عليه من الخرافات بإسم التدين.
    الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. و لهذا يستحيل شرعا تكليف الإنسان العاقل بما لا يطيق. والإنصات لخطب الجمعة المفعمة بالكراهية و الحقد و دعوات الزلزلة و الترميل و الترهيب ضد الأغيار و التهجم ‘لى المرأة تكليف شاق و مصيبة عظمى.
    أنا مسلم هجرت المساجد فوجدت الله. إلاه المعرفة و الرحمة و الطمأنينة و حب البشرية.

  • ياسين البويحيوي
    الأحد 15 مارس 2020 - 21:51

    خطبة الجمعة اصبحت دليل المسلم الوحيد من اجل التعرف على الدين الصحيح من واجب الخطيب ارشاد المامون بطريقة صحيحة وان تكون رسالته واضحة نحو المتلقي وعدم اتباعه لميولاته الشخصية وان يعي بمسؤولية الامانة التي يحملها من اجل ان نرى المجتمع الاسلامي شعاره الوسطيلة والاعتدال ولا مكان فيه للعنف والغلو.

صوت وصورة
تراويح مسجد الحسن الثاني
السبت 16 مارس 2024 - 12:13 1

تراويح مسجد الحسن الثاني

صوت وصورة
احتجاج عمال  شركة "كيتيا"
السبت 16 مارس 2024 - 01:11 2

احتجاج عمال شركة "كيتيا"

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | قراصنة سلا
الجمعة 15 مارس 2024 - 23:00 1

مع الصديق معنينو | قراصنة سلا

صوت وصورة
المدينة القديمة | شفشاون
الجمعة 15 مارس 2024 - 22:30

المدينة القديمة | شفشاون

صوت وصورة
ملفات هسبريس | الساعة الإضافية
الجمعة 15 مارس 2024 - 22:00 12

ملفات هسبريس | الساعة الإضافية

صوت وصورة
رمضانهم | التمسماني من إسبانيا
الجمعة 15 مارس 2024 - 21:30 2

رمضانهم | التمسماني من إسبانيا