قهوة تركية بطعم الفودكا …!

قهوة تركية بطعم الفودكا …!
الجمعة 20 يناير 2017 - 09:13

وأخيرا، قبضت السلطات الأمنية التركية على الشخص الذي تسبب في مقتل وجرح العشرات من الضحايا بملهى “رينا” التركي ليلة أعياد الميلاد. المثير في الحادث هو أن المهاجم “بابا نويل” قتل شرطيا ومدنيا عند المدخل. وعند ولوجه إلى داخل الملهى حيث يوجد قرابة 600 شخص، بدأ بإطلاق الرصاص عشوائيا… الحادث مذبحة حقيقية كتلك التي نشاهدها في أفلام الرعب الأمريكية. قبل ذلك بأسبوعين تقريبا، طالعتنا وكالات الأنباء الدولية بخبر شخص آخر قيل لنا إنه تحايل على الأجهزة الأمنية واستطاع الولوج إلى داخل معرض يزوره السفير الروسي، الشخص كان متوترا ويفرك يديه، ويمشي من اليمين إلى اليسار وراءه، قبل أن يبادره بطلقات نارية أردته صريعا.. “القاتل والقتيل كلاهما في النار” في نظر الغرب الذي يقول لسان حاله: “اللهم أهلك الاثنين وأخرجنا من بينهما سالمين”.. إنهما حكاية الدب والرجل المريض، قصة القيصر والباب العالي، الجيش الأحمر والانكشارية، الفولغا والدون، والبوسفور والدردنيل، الفودكا والقهوة التركية.. نيقولا وعبد الحميد .. لينين وأتاتورك.. أردوغان وبوتين.

عندما قتل التركي السفير الروسي في أنقرة وهو لم يغادر العشرينات ليعلم وهو في الدار الأخرى أنه كان قارئا فاشلا للتاريخ.. فقد خاض الروس والعثمانيون حروبا طويلة امتدت من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. وكل ذلك بسبب قضية مملكة “خانية القرم” التي كان العثمانيون يدعمونها نكاية بالروس.. وكان الخاسر الأكبر هم الأتراك. في سنة 1853 م، أطلق القيصر الروسي على الدولة العثمانية اسم رجل أوربا المريض، ودعا بريطانيا إلى أن تشترك معه في اقتسام أملاك الدولة، ثم شاع هذا الاسم بعد ذلك، واستعملته الدول الأوروبية الأخرى. كان يمكن لحدث كهذا أن يفجر الأوضاع، ولا سيما أن الأمر يتعلق بالاعتداء على دبلوماسي دولة أخرى.. لقد ضرب باي الجزائر رئيس البعثة الفرنسية بمروحة كانت بيده وتسبب الحادث في استعمار البلد مدة تزيد عن قرن ونصف القرن.. وفي سنة 1996، أحكمت طالبان قبضتها على مزار الشريف في أفغانستان، فأعدم عناصرها دبلوماسيي السفارة الإيرانية، فحشد الايرانيون قواتهم على الحدود وكادوا يقحمون المنطقة في حرب ضروس، لولا أنهم تداركوا الأمر وتراجعوا في آخر لحظة. يذكر القارئ كذلك أزمة الرهائن بليما عندما سيطر مسلحون من منظمة ماردا على السفارة اليابانية لمدة تزيد عن مائة يوم ونصف اليوم، حيث تعاطف الخاطفون مع المخطوفين وسميت هذه العلاقة بمتلازمة ليما الشهيرة. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فمقتل السفراء يشكل سابقة توازي الاعتداء على الدولة نفسها؛ فرمزيتهم من رمزية الدول التي ينتمون إليها. ولا ننسى الولايات المتحدة الأمريكية التي قتل سفيرها بليبيا عام 2012، بعد خروج فيلم مسيء إلى رسول الإسلام.

ليس من السهل على رئيس دولة أن يوفق بين مصالح دولته الداخلية والخارجية، بل من الصعب أن يرضي الجميع بتوجهاته؛ فقد يصيب في أحيان، وقد يخطئ في أخرى. ونظام أردوغان خرج من انقلاب ودخل في مرحلة حرجة، فأعداء تركيا كثر منهم من يعيش بالداخل كـ”عقارب” تنظيم الدولة، و”مسامير” جماعة جولن وحزب العمال الكردستاني. ومنهم دول غربية وعربية خارجية ترى في صعود نجم العثمانيين الجدد خطرا على مصالحها إن كل الهجمات رسائل موجهة لأردوغان “لتأديبه” ولجم طموحاته، وما اختياره مكرها السير في ركب روسيا إلا لأنه فهم أن التاريخ لن يعيد نفسه هذه المرة، بحيث ينجح الغرب في دفعه إلى فك ارتباطه مع بوتين. بدون شك، ستبقى تركيا تعيش إلى أجل غير مسمى على وقع الكثير من العمليات الانتحارية والتفجيرات؛ فثمن التحالف سيكون باهضا ومكلفا جدا. بورك المتنبي، إذ قال :

وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ، تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا

فهل تنجح القهوة التركية في مجاراة الفودكا الروسية في مقهى السياسة الدولية؟ وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن ذلك؛ لكن الأكيد هو أن الزواج لن يكون أرثودوكسيا…

* باحث بمركز الصراعات المقارنة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا / لندن

‫تعليقات الزوار

4
  • مؤرح روحي
    الجمعة 20 يناير 2017 - 12:05

    حديث عن الحاجة الى ثورة جنسية

    مسك الختام :

    انا مع تدريس الجنس في المناهج التعليمية من ناحية بيولوجية ولست مع الثورة الجنسية . علينا فتح الحوار داخل الاسرة مع اطفالنا وحول اضرار الامراض الجنسية . انا مع الثقافة الجنسية لكنني ضد الابتذال والاباحية .

    وليد يوسف عطو

  • WARZAZAT
    الجمعة 20 يناير 2017 - 12:55

    كانت الشعوب المنغولية-التركية تهيمن بخيولها و نبالها على Eurosia إلى أن سقطت كازان، سنة 1487 على يد Ivan III / إيفان العظيم, مو'سس الدولة الروسية. كازان عاصمة التتار/الأتراك المسلمون في روسيا إلى يومنا هذا.

    سقوط كازان عاصر و يوازي أهمية سقوط سبتة. و الفاعل هو ظهور المدافع التي قضت على الخيالة و الاسوار كاسس الحروب.

    هذا الاختراع التكنولوجي سبب تحول تاريخي قلب موازين القوى لصالح شعوب الشمال على حساب شعوب الجنوب و مهد لسيطرة اروبا على العالم.

    كازان كانت تتحكم في Eurosia كما كان البوغاز يتحكم في غرب الحوض الابيض و المحيط……العالم الحديث ولد في سبتة و كازان !!!

    روسيا كانت منذ ولادتها تسعى إلى مخرج بحري دافيء. وقف الترك و الفرس في طريقها بعدهم الاروبيين ثم الامريكان. باضمحلال أروبا و إنتهاء الحرب الباردة و تحول منابع الطاقة إلى الشمال، الاسكا و سيبيريا, و إنقلاب الثقل الحضاري إلى الحوض الهادي. اعيد رسم خريطة العالم و فتح المجال , أخيرا, لروسيا لتحقيق حلمها الأزلي: مخرج بحري دافيء عبر إيران.

    بإنتهاء الحرب الباردة فقدت تركيا مكانتها الاستراتجية كحصن أمامي في وجه الدب الروسي.

  • زينون الرواقي
    الجمعة 20 يناير 2017 - 14:54

    اعتقد ان تعاطف المخطوف مع خاطفه تسمى متلازمة ستوكهولم نسبة الى حادث احتجاز رهائن بستوكهولم لمدة أسبوع داخل بنك هوجم من طرف عصابة ، عموما مقال شيق وغني كما عادة الكاتب اللامع .

  • Yunox
    الجمعة 20 يناير 2017 - 16:12

    ﻫﻬﻪ ﻣﻘﺎﻝ ﺳﺎﺧﺮ و ﻣﻤﺘﻊ و ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ
    ﺗﺸﻜﺮ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41

حملة ضد العربات المجرورة