واقعنا الفني: تزايد سريع في أوزان الأجسام

واقعنا الفني: تزايد سريع في أوزان الأجسام
الأحد 22 يناير 2017 - 09:00

أود الإشارة إلى ملاحظة تثير انتباهي، لا أعرف إن كانت تستحق الوقوف عندها أم لا، على الأقل ضمن سياق إشكالية المقاربة الفنية الخالصة للفني، الجمالية لما هو إبداعي، الشعرية لما هو ذكي وخلاق. هكذا تفرض طبيعة المعجم نفسها، وتأخذ المفاهيم اللائقة بنيتها التوليدية، لأن الفن هو كل ذلك: الجمالي والإبداعي والشعري فالذكي، حيث الانصهار التام بين جمالية الذكاء وذكاء الجمال.

بالتالي، عندما تنعدم أرضية ثنائية كهذه، ويصير الأمر باعثا على الاشمئزاز، فلا شك أن التقييم لحظتها لما يجدر به أن يكون فنا محضا، أو على الأقل يجتهد بكيفية ما، صوب هذا المسعى، سيشرئب آليا جهة الغمز واللمز والتفكه حفاظا على رشاقة القلب وسداد العقل أو بالأحرى سلامته، وعدم انسداد مجرى الشرايين، احتماء من ارتدادات ضحالة ما يجري باسم الفن.

أقصد بالملاحظة، الشكلية أساسا، في ظل انتفاء شبه تام للمضامين، أنه بالكاد يروج إعلامنا لاسم، أكان ذكرا أم أنثى، ثم بطبخة عجيبة سرعان ما يكرس “فنانا” لا يشق له غبار، ولا يتناطح بخصوص مستوى عطائه كبشان، فيصبح نجما وكبيرا وعملاقا وهرما ورمزا يمثل البلد خير تمثيل، في جلسات الخيام الخليجية. ثم إن قصرت المدة الزمانية الفاصلة بين ذاكرتي، قبل وبعد، وموازاة مع ارتفاع وزن أحدهم داخل مواقع التواصل المعاصرة، ستتجاوز أيضا من ناحية أخرى كيلوغرامات وزنه الجسدي الحدود المعقولة، ما يصعب معه حاليا في ما يتعلق بجل النماذج المتداولة التمييز بين صورة فنان، أي ذلك الكائن الرقيق، المرهف الحس، وما تقتضيه متواليات التحديد من خفة طيف لا يكف عن التحليق في سماوات الخيال والإبداع، ثم خرتيتية (نسبة إلى الخرتيت) مصارع من مصارعي الأقفاص.

قد يكون “البورتريه” طبق النسخة الأصلية، بالأخص لدى الذكور، إذا كان صاحبنا أصلع الرأس تماما، أنبت وجهه لحية عمل على تطريزها بتأن، خرائطيا، بل كاريكاتوريا، ينزاح بها عن أي انتماء يميني أو يساري، بل ولا مجرد الانتساب للوسط، تدلت من يديه وأذنه وأنفه أساور ودمالج وأقراط، مع تزويق أذرعه المكتنزة بوشام، يشي عن مدى ضراوته وبسالته.

..لكي تتكامل صورة الإكسسوار، سيعصر أطرافه العلوية، صيفا وشتاء، بـ”تي شرت” ضيق جدا، على المقاس، بوسعه أن يوثق صدقا للفتوة والقوة أو أطروحة “التبوغيسة” كما يقولون، التي يتنافسون على استقراء دروبها..بل بعضهم أضحى مضنيا كل يوم صفحته الفيسبوكية بمشاهد ادعاء تواجده داخل قاعات كمال الأجسام، يتباهى على العشاق والعاشقات بكيفيات تشحيمه للعضلة ذات الرأسين والثلاثية والأفخاذ، ثم سروال جينز كالقميص من النوع الذي يرص رصّا، المشبع طلاء وتمزيقا.

قد تغيب لأسابيع عدة عن متابعة إنتاج تلفزتنا، غير مهتم باكتشاف جديد الحقل الفني، لكن حين ملاقاتها ثانية لن تصادف ما يستحق انتباهك، سوى أن هؤلاء المحسوبين على الصنف قد تضاعفت أرطال أجسادهم بشكل يبعث على التقزز، فتغيروا مظهريا بجلاء عما سبق. في المقابل، لن تتبين شيئا ذا قيمة فنية قياسا بتضخم الوزن واللغط الملحمي، ثرثرة، الذي يسحق حواسنا طيلة الجلسة المسماة فنية.

لا ألزم أحدا برأيي هذا، ولا أعممه في الوقت نفسه، بيد أني أعتقد أن ما يجري حولنا ويتم تنميطه وترميزه باعتباره فنا، أخذا بعين الاعتبار كذلك الضجيج الإعلامي المهول المرافق لحركات وسكنات أسمائنا الفنية، يظل ضحلا، هزيلا، في غاية الابتذال، لا يمكنه الارتقاء بالذوق وتهذيب السلوكات وإثراء الدواخل وإغناء المشاعر الآدمية وتفتيق ينابيع الذكاء المجتمعي، نحو تلك العوالم البناءة، التي ترسيها بكل تأكيد منظومات الفن المبدعة بالمعنى الحقيقي للمفهوم.

الفن مشروع رصين ورؤية وجودية في غاية الثقابة والحصافة، تكد في سبيل تأطيره الأمم والشعوب لاستمرارها الحضاري، لا يمكن عزل تعضيد لبناته القاعدية عن مسارات المنظومة المجتمعية عامة، ضمن أفق الماهية الإنسانية. لذلك تعكس التمثلات الفنية، حسب جِدتها أو تفاهتها، ما تطويه بنية هذا المجتمع أو ذاك، وما يعتمل بين طياته، وفق رجحان كفة هذا المنحى أو ذاك.

عموما، يفتقد عطاؤنا الفني في تمظهراته الجارية حاليا لمقصدية بناء المتلقي عقلا وروحا، مكتفيا بلغط تجاري جشع ينمي ويمركز الخواء والفراغ، مع مزيد من انفتاح أسواق “حداثتنا” السطحية، وبالتالي الهشة، على صيحات المنتوج التقني، فتألية وأتمتة عمقنا الإنساني بشكل فظيع، مع انتفاء مقومات حداثة أصيلة، متجذرة بأذرعها الفكرية والسياسية والاقتصادية والقيمية، حيث الأنسنة المستمرة الاشتغال.

استشرافا لهذه الوضع، ينبغي على فنانينا كخطوة شكلية أساسا أن يجعلوا حقا من شكلهم ومظهرهم شاهدا مقدماتيا على استحقاقهم للنعت الفني، فيتحولوا من أسانيد هرطقات: اللوك، ماركتينغ البوز le Buzz، “إحصائيات لي فان” les fans، يوتيوب، يانصيب البيترودولار، اللايكات، القفطان، مصحات الليفتينغ، المجوهرات، “البوغوس”، “البوغوسة”، …والاجترار الممل لاستهلاك ما استهلكناه منذ عقود، في ظل إدمان جلسات الأحاديث المجانية، التلفزية والأثيرية، باستمرار حد الغثيان، بدعوى تأكيد الحضور الفني.

جلسات لا تعمل أولا وأخيرا سوى على ترسب كميات الدهون في جسم الفنان، هكذا يفتقد نتيجة الارتياح والشبع والعطالة والوهم صورة الفنان الرقيقة والعذبة المفترضة، متحولا إلى هيئة مصارعي الوزن الثقيل، المفارقة تماما.

مقابل ذلك، تحترق دهوننا باستمرار، نحن المتتبعين والمستمعين، غمَّا وهمَّا، نتيجة الاستخفاف غير المقبول بعقولنا وأحاسيسنا.

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

4
  • كاره الضلام
    الأحد 22 يناير 2017 - 12:48

    يجب عليك اولا ان توضح مفرداتك في دهنك قبل ان توجهها للناس فانت حينما تتحدث عن الفن تقصد الغناء و بالدات اغاني الجيل الجديد،و لهدا يكون عموض في كلامك لان ما يسري على الموجة الغنائية الجديدة لا يسري على بقية الفنون،الخلط التاني لديك هو بين القيمة الفنية و بين النجومية،فالمظهر الخارجي للفنان و صورته و الاحاطة الاعلامية به و البوز الخ الخ يدخل في اطار النجومة و لا علاقة له بالقيمة الفنية و النجومية ليست وليدة اليوم بل انها قديمة و ليس كل نجم فنان كما ان كل فنان حقيقي لا يضيره ان يسعى للنجومية،و مسالة الوزن لا علاقة لها بالقيمة الفنية و الا لكان ديميس روسوس عديم الموهبة،الفيس بريسلي كان زائد الوزن و صباح فخري ايضا،ثم ان الموجة الجديدة في الغناء ليست كلا واحدا يسقط عليه نفس الحكم،كل فنان له اسلوبه و قيمته الفنية بل ان نفس الفنان تكون له اشكال مختلفة من الاغاني ،انت تقيم الفن بمعيار ايديولوجي واضح من مفردات الخيمة الخليجية و البترودولار الخ الخ و تبدا كلامك باحكام مسبقة و تبحث لدوقك الشخصي عن تبريرات موضوعية، ليس الفن هو الرديئ و انما مزاجك هو المعكر

  • كاره الضلام
    الأحد 22 يناير 2017 - 16:53

    العمل الفني الرديئ لا ينبغي ان يكون موضوع كراهية و غل، ادا لم يعجبنا نتركه ببساطة لا ان ننفث سمنا فيه، التهجم على عمل بدعوى انه رديئ هو في الحقيقة نقمة على الفنان اكثر منها على ما ينتج، انتم لديكم كراهية مسبقة لهؤلاء الشباب و غيرة منهم بسبب نجاحهم المادي و تبررون دلك بسوء انتاجهم الفني، ادعاء انتقاد الردائة هو غيرة من الوسامة و الاثراء و البريق،هدا بالضبط هو ما يجعل قطيع كبستان في الفايسبوك و غيره يهاجم الفنانين ،غيرة و حسد الفاشلين المحرومين من شباب بلغ النجومية و ان لم يحقق القيمة الفنية ، ثيوفيل غوتيي كتب بحثا عنوانه " البدانة في الادب" يطرح سؤال هل الفنان يمكن ان يكون ضخما ،و خلال بحثه يستنتج ان لا علاقة البتة لشكل الجسد مع الموهبة او العبقرية و يدكر بلزاك الدي كان ضخما و شرها في الاكل، فرفض موجة الغناء الجديد له سببان: الحسد و الغيرة من الفنانين اكثر من رفض منتوجهم الفني و السبب التاني هو الميول الكلاسيكي المحافظ المعارض لكل ما هو جديد و الدي واجهته كل الموجات الغنائية في بداياتها، تلقي الفنون يتطلب الحب و الابتسامة فان لم يعجبنا عمل نتركه ببساطة

  • دولت ع الحميد
    الأحد 22 يناير 2017 - 22:44

    الغناء فن, و الفن احد اهم ركائز الحداثة, لان الرابط بين الفن و الحداثة هو الاستيتيقا, الاستيتيقا التى عنون بها المرحوم هيغل احد اروع مجلداته.

    الفن مادة روحية, و المادة اذا كانت ذات طعم فاسد فان حواس الانسان لا تقبلها, لان السماع شيء و الانصات شيء اخر, و النظر شيء و الابصار شيء اخر.

    ما اروع المرحوم غاندي الذي قال"كن ذلك التغيير الذي تريده"; غاندي الذي هرب من النجومية من اجل تحرير بلده. على الاقل تعتبر الهند من الدول التي يحسب لها الف حساب بين الدول العظمى.

    شخصيا, اعجب لجمهور سهرات التلفزة "الهيت اللي جا يشطحو عليه". هذا لا يمنع ان يكون لفن الكتلة l'art de masse جمهوره, و كل راس تعجبه طناطينه.

  • سمير الليل
    الأربعاء 25 يناير 2017 - 22:05

    نقد فني ثاقب! شكرا للكاتب. أنت هو كاره الظلام الحقيقي، أما البعض فهم يتجرأون على كرهه و فكرهم ربما أدمس منه..!

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس