شعب المسنين!

شعب المسنين!
الأحد 22 يناير 2017 - 23:00

مسؤولونا لا يستفيدون من العمر.. السن عندهم مجرد أرقام كيلومترية..

ولا يستفيدون من الزمن.. وكأن الإهمال لن يطالهم غدا أو بعد غد..

الغرور ما زال يأكلهم واحدا واحدا..

وعامل السن يلتهم أيامهم ولياليهم.. وسوف يدركون – بعد فوات الأوان – أنهم لو اعتنوا بحقوق المسنين، لسنوا هذه الحقوق، كي تكون لهم ولغيرهم، غدا أو بعد غد..

لكنهم لا يستفيدون..

والزمن يسابقهم..

– ودعهم في سباتهم العميق!

فهم يحسبون – خطئا- أن حوادث السير لا تقع إلا لغيرهم.. وأن “نهاية الحياة” هي فقط لغيرهم..

– إنهم أغبياء!

وكم من مسني اليوم كانوا بالأمس مثلهم.. مثلهم تماما.. يفكرون بنفس الطريقة.. وهم اليوم بين كماشة “منتهى العمر”.. في طابور العجزة.. المسنين..

وإن المسنين عندنا اليوم، هم أكثر من 3 ملايين.. وعددهم في تزايد..

وحكوماتنا المتعاقبة تتوارث حلا واحدا، هو الإهمال.. وبه واجهت المشكل منذ عقود.. باللامبالاة تملصت من مسؤوليتها، ودفعت بالمسنين إلى الزمن، لكي يتكفل بأحوالهم..

والزمن لا حل له إلا جعل هذه الفئة الاجتماعية تزداد عجزا وهشاشة.. وتستسلم لقدرها.. وتنتظر..

وبهذا الأسلوب واظبت حكوماتنا على التخلص من المسنين.. والعجزة.. وتركهم للإهمال.. واللامبالاة..

ينتظرون.. ثم ينتظرون.. إلى أن يأتي الأجل..

وهي لا تعبأ بهم، وفيهم مشردون بالشوارع.. وربما في هؤلاء المشردين بعض أقاربهم، أو رفاقهم في المدرسة.. وربما فيهم مهندس أو طبيب أو أستاذ أو حتى وزير…

“فقدان الذاكرة” لا بستثني أحدا..

والعمر لا يلتفت إلى الخلف.. هو يتقدم.. ويزحف بأحشاء كل شخص، كائنا ما كان!

وحكوماتنا وأحزابنا لم تعبأ بالمجتمع..

والحالية منها لا تعتني إلا بمن يخدمها.. وكأن من ليس منها، لا يستحق “حقوق الإنسان”!

ولا تعير المسنين أي اعتبار، ما داموا لا يشكلون قوة انتخابية تمكن مرشحي الأحزاب من استغلالهم.. وليس المسنون – في أغلبهم – ذوي ثروات، أو أراض قد تمكن مرشحي الأحزاب أو غيرهم من الترامي عليها..

منطق “المصالح المادية والسياسية” يطغى على تعامل الأحزاب والحكومات مع قضايانا الاجتماعية..

وحكوماتنا تعاملت مع “ملف المسنين” وكأننا في “قانون الغاب”..

أو كأن مسؤولي هذه الحكومات لن يصلوا إلى دورهم في قائمة المسنين المحتاجين لأبسط مساعدة..

وما زالت الأحزاب لا ترى في المسنين، بمن فيهم متقاعدون، إلا “كائنات” تنتظر موعدها مع القدر..

و”السياسيون” – على العموم – يتعاملون مع المحتاجين بعجرفة وكبرياء.. وكأنهم هم لن يحتضروا غدا على فراش الحاجة القصوى.. أو كلهم سيجدون الرأفة، والرحمة، والحب المطلوب من أقرب أقربائهم..

وكثير منهم استولى أقرباؤهم على ما نهبوه من حقوق الفقراء، ووجدوا أنفسهم في نهاية المطاف وحدهم، مسنين مهمشين، وإلى جانبهم إخوانهم المسنون.. الفقراء.. المهمشون..

ومع ذلك، فإن المتناوببن على الكراسي الكبرى، لا يأخذون العبرة من سابقيهم.. يعتقدون أنهم سيبقون كما هم، بكامل الصحة والعافية، وأن الجاه سيستمر معهم، وأن الزمن لن يخدعهم..

وهؤلاء، مثل سابقيهم، يمارسون – هم أيضا – هذا السلوك الأرعن الممنهج في حق “شعب المسنين”.. والعجزة.. ولا يرون لهم علاقة بحقوق الحياة.. يرون فيهم رابطا واحدا.. وهذا يقود إلى المقابر..

سياسيونا لهم وجهان..

وجه يتظاهر بالرحمة.. وآخر يأمر بالاستيلاء حتى على أقل ما يملك العجزة، إن كان لديهم أصلا ما يملكون..

وفي مواقع العجز، يبقون عرضة لقطاع الطريق والمنحرفين واللصوص..

وبهذه “السياسة” يفارقون الحياة.. بينما عجزة آخرون يكونون على نفس المنوال، وفي تزايد، إلى نهاية محتومة..

هو ذا “قانون الغاب” مارسته حكومات متعاقبة، بحق مواطنين، في أرذل العمر..

والضحية كالعادة هي الحلقة الأضعف بالمجتمع.. والأضعف هو الأكثر هشاشة.. ومن أكثر هشاشة غير المسن؟ والعاجز؟ والمحتاج؟ ومن ينتظر، دون جدوى، عونا من الآخر؟

والحكومة “الملتحية” عندنا، هي الأخرى، لم تعبأ بالمسنين، رغم أنها تعودت على مخاطبة المواطنين بالقرآن والأحاديث.. اعتبرت المسنين – هي أيضا – طابورا ينتظر “الأجل المحتوم”..

– ليست للعجزة أدنى حقوق!

وعلى مجتمعنا أن يتنبه لضرورة التكافل، بما فيه من تراحم وتضامن، لكي يتآزر الناس لحماية مواطنين، نساءا ورجالا، بمختلف مراحل العمر، وفيها “سن اليأس”.. وهكذا يقوم المجتمع بما لم تقم به لا حكومة.. ولا أحزاب..

والمسنون عندنا في ارتفاع مضطرد.. وفيهم من يعيشون بمفردهم.. بدون أسرة.. ولا أحد يتكفل بهم..

وفي “دور العجزة” هم مجرد “نزلاء”.. وحالة الإهمال عليهم واضحة.. يوضعون هناك لكي لا يكون لهم وجود على الرصيف.. ولكي لا يشاهدهم سياح أجانب..

يتم نقلهم إلى هناك، حتى لا يتبين أن مسؤولينا لا يعبأون بحقوق المسنين..

وعندنا في مجموع البلد حوالي 50 مركزا لإيواء العجزة، وهذه غير كافية، وحتى هذه لا تتوفر على ظروف حياة كريمة..

فكم من “دور إيواء” يحتاج بلدنا لاحتضان مئات الآلاف من المسنين الشديدي الهشاشة؟

وكثير من المسنين ليست لهم أدنى مداخيل.. ولا تعليم.. وهم أحيانا من فاقدي الذاكرة.. وفي حالة بؤس شديد.. ومنهم من نجدهم في الشوارع.. يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء..

أليس عيبا أن يكون في بلدنا ملايين من العجزة، بدون أدنى حقوق؟

– ألا يتطلب الأمر خطة وطنية للاعتناء بالمسنين في المغرب؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • المهدي
    الإثنين 23 يناير 2017 - 09:55

    بنية المجتمع برمتها تخلخلت بفعل أمراض العصر الاستهلاكية واللهاث المحموم لاقتناء ما نحتاجه وما لا نحتاجه فدمرت نواة الاسرة التي كانت في وقت مضى صمام أمان الأفراد عجزة وشبابا رجالا ونساءا ، اصبح الصغار عرضة لشتى انواع الانحراف والكبار عرضة للتشرد والضياع وهم في ارذل العمر ، لم يكن الشيوخ في الماضي ينتظرون عطفا من الدولة ولا ينشدون بناء مراكز إيواء بل كان الابناء الدرع الواقي لهذه الفئة من عثرات الزمن ، وكان الجار جارا والصديق صديقا قبل ان تبتلع الفردانية الناس بحيث لم يعد يعرف الجار جاره ولا الابن أباه ولا الأخ أخاه ، كانت الحياة على بساطتها حياة نابضة بالمشاعر الانسانية والتراحم والألفة والقناعة فصارت كئيبة متجهمة رغم مظاهر البهرجة والوجاهة الاجتماعية الزائفة ، نحن جيل تعلمنا ان نحمل آباءنا على ظهورنا ان هم عجزوا ولا نئن من وطأة ثقلهم ، نفعل ذلك ونحن سعداء وإحساس دفين يساورنا بأننا لم ولن نستطيع ان نرد لهم ولو واحدا في الالف من جميل ما فعلوا وكابدوا من اجلنا ، لا احد كان ينتظر من الدولة شيئا متى تعلق الامر بعلاقة الفرع مع الأصل ، الله يرحم الوالد ويطول في عمر الوالدة .

  • الرياحي
    الإثنين 23 يناير 2017 - 21:35

    في الصميم سي المهدي.مع الاسف المغرب ليس بلد الاستثناء وجرى ما جرى واصبحت البلاد مثل كل البلدان تماسيح وحيتان
    ما كنا ننتظر هكذا شيا لا يواتينا ولا يتناغم مع قيم البلاد وثقافته السحيقة الماجدة.البادية وحدها لا زالت كما عهدنا اما المدينة فاكلت ابنائها ورمت ولفظت كا تعثر او انقلب عليه الزمان.
    نفهم جيدا معنى "الله يدينا في الضوء" وكان هذا الدعاء استشرف المستقبل .من كان ولو في تيه عظيم يتوقع ان تطالب الناس بفتح دار العجزة ؟ بل تعطى الرشوة للدخول !
    قديما كان الفقر شيئ مقبول وطبيعي اما الان فيضعون مساحق
    وبودرات وفوتو شوب لمحيه …

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس