قابلية الشباب للتغيير .. رؤية ثقافية إعلامية

قابلية الشباب للتغيير .. رؤية ثقافية إعلامية
الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 03:59

(2)

القابلية إذن ليست مسوغا للاستعمار كما سبق وألمح إلى ذلك المفكر الجزائري مالك بن نبي، على أساس جاذبيته النقدية الموسومة بالتأبيد والاستيلاب، بل إنه صياغة لمقدرة المستقبل ـ بكسر الباء ـ على التحمل القهري والاندفاع باتجاه الاندحار الذاتي وتقويض التاريخ.

نفسه التأويل السوسيوثقافي للتاريخ المصطلحي الذي يدمغ حتمية الترويض والانهزامية لدى تحميلنا لمصطلح قابلية الشباب في التدافع والانتقالية. يبرز هذا التأويل في تحديدنا لمحفزات القابلية، لمسوغاتها الموضوعاتية وتأثيراتها على بنى المجتمع والمحيط. بمعنى أننا بإزاء رصد لظواهر واستنتاجات قابلية الشباب وانخراطه في حشد الحلول والتقييمات من أجل التغيير والاستمرارية.

لكن دعونا قبل هذا وذاك نحاول توسيع تمظهرات هذا الخطاب المليء بالتبدلات الفلسفية والمراوغات البلاغية، للإحاطة بالرموز الموجهة للقابلية، باعتبارها روحا لكيمياء العبور إلى الزمنية المتحركة. فالشباب ينتمي إلى البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع ما يرتفقها من تأثيرات في الجوانب التاريخية والعرفية والثقافية وغيرها؛ وهو ملتزم بقناعات تراكم جوهر تعاليه عن إحداثيات وضوابط وانتقالات عقلية ومنطقية، ذاتية وغير ذاتية.

وعندما نبادر إلى تأسيس حتمية لتدبير هذه الميكانيزمات وتوكيلها لسلطة الدولة، فإننا نضع أمام أعيننا إستراتيجيات لتأهيل وتكوين وتأطير وإدماج وتقوية قدرات شبيبتنا وتحميلها مسؤولية الإشراف والقيادة والالتزام بجملة أنساق في سياق الحديث عن مدرسة وجامعة وتعليم محصن واستشرافي.

ومن ثمة لا بديل عن تعليم وتربية ناجعين وعن روافد لاستكمال الدور الريادي للشباب حتى يكون في مستوى طموحات قابليته للخدمة والإنتاج والجودة.

الأمر نفسه يتعلق ببزوغ دور الأبحاث العلمية في تشكل العقل الشبابي، إذ التعويل على بسط نفوذ هذه القيم المضافة للأبحاث الجامعية العلمية وتوسيعها على درجات فائقة وتحويلها إلى عوامل للمبادرة وتشجيع التفوق وإرادة الإنجاز وتحقيق القطائع، حتما يضفي على بعد ـ بضم الباء ـ قابلية الشباب صفات الاستباق واسترداد القدرات والتحصيل المؤدي إلى الطفرة والنهايات السعيدة.

إن حدوث التغيير رهين بالقدرة على إفراز مطامح قابليتنا من غلو النظريات وتشعبها وتعاليها عن جوهر التنزيل. إننا نرى من الخارج ونطيق استعمال الحشو الزائد عن الحاجة ونتمنطق بالبدهيات دون الذهبيات ونروم حجب الطاقات دونها العشوائيات.

كان الشباب دائما عبر السيرورات الحضارية في أوربا وكندا واليابان والصين وروسيا وعاء لاستجماع أسباب النهضة وتراكمها. بل إن الصين معجزة القرن تضع كل بيضها في سلة شبيبتها. أذهلت الصين العالم بتصميم شبابها على النهضة، ففي زمن قياسي وسريع انتزع الريادة وارتقى سلم العقول الخارقة.

ملايين الشباب يصممون يوميا ملايين الاختراعات بأقل التكاليف. حتى قيل إن شباب الصين العظمى غزى الكون كله، حتى ماما أمريكا التي فشلت في صد أفكار الشباب الصيني وأعلنت اندهاشها من طريقة عمله وإبداعه ونشره لثقافة بلاده وتضحياته الجسام من أجل رفعة وطنه.

يقول روبرت ساتلوف، أحد مستشاري معهد واشنطن، وهو أحد أهم مراكز البحث لصناعة القرار الأمريكي الحر: “من النبل الاعتراف بدافع الثورة الحديث في نظام الاقتصاد السياسي الصيني.. الشباب الصيني يكسر كل الحواجز الزمنية بما فيها النظرية العلمية ويحقق ما لم تستطيع تحقيقه مخططات التنمية وإستراتيجياتها المبنية على الدافع وتأطير الواقع وتحولاته..”، ويضيف: “ليست القابلية فقط هي التي تحفز على بلوغ ذروة المجد، فالشباب الصيني بالإضافة إلى كونه يعيش حالة خاصة من القابلية للثورة والرقي، فهو أيضا يواكب النظرية الوطنية والحزب ويؤمن بالتفرد الحضاري لأمته بغض النظر عن الأيديولوجيا ..”.

في منتصف القرن الذي ودعناه، وبعيد استرجاع المغرب لاستقلاله بين قوسين، وقف المهدي بن بركة في إحدى قرى الأطلس المتوسط مخاطبا مئات الشباب وهم على أهبة لبناء صرح طريق الوحدة: “.. إنكم رهاننا وقوتنا القادمة، وإن تحقيقكم لمطمح البناء يوثق الصلة بالمستقبل ويطوق مسؤوليتنا بالمبادرة بالفعل الوطني كدافع للارتقاء وكسلوك واع بالتحول والقدرة على البقاء..”.

كانت القدرة على التفاعل مع الخطاب الوطني، بالإضافة إلى دور الأحزاب في تأطير الشباب والانفتاح على مؤهلات طاقاته وتوجيهها وتعبئتها، أمرا حاسما ومدورا للحواجز الطبقية والأيديولوجية، وداعما للرؤية المشتركة في بناء الوطن وإعادة تأهيله.

أين اختفى هذا الاستشعار بعد مضي أكثر من نصف قرن من التيه والمخاصمة والتردي السياسي وانسداد أفق الإبداع وتقويض السلم الاجتماعي؟

لا نستطيع في مقام كهذا تفكيك نظريات من اللامعنى السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي في حيز زمني يتطلب منا عقودا.. الإحالة فقط إلى وجود ما يراكم تجربة الإخفاقات في كتابات العروي والجابري وبنسعيد والوقيدي والمنجرة وبنعبدالسلام والطوبي والحمودي .. وغيرهم ، يثير فينا الحاجة إلى ابتداع طرق جديدة لقراءة تاريخنا المشوه والمتآمر عليه.

إن حدا فاصلا بين قابليتنا لتحرير شبابنا من الشعور بالفشل وتسويره بالعلل الشائخة على مقاصل الرفض والتواري خلف ثقافة نكوصية ومعتدية على قيم الكونية وحقوقها الصميمة، وانفلاتنا عن همومه اليومية وطموحه للتغيير بأدواته واختياراته وقناعاته، يهدد في العمق مشروع الأمة ككل، بما هو تمكين لفئة خاضت صراعات ومجابهات ضد منظومة سياسية خرقت كل الأعراف الإنسانية وأسهمت في تأخير ركب نخبها الثقافية وأعدمت مصير أجيال، كانت لها اليد الطولى في يوتوبيا رسم خارطة طريق التنمية في بلادها.

صحيح أن أبعادا جديدة في بنائية مشهديتنا السياسية الجديدة بدأت تطل على استحياء من أجل إعادة تموقع شبابنا وتوجيه مكوناته للإسهام في تنمية لازالت تعاني كل أصناف البيروقراطية والديماغوجية وفساد الإدارة والإرادة، خصوصا بعد موجات الربيع العربي وانقشاع غيوم العشرين من فبراير اللمغربي من بين أشجاره الغامضة والمنفلتة، لكن حراس الاستبداد والردة الديمقراطية يقاومون بشراسة قابلية شباب التغيير، مراهنين على كثير إخفاقات في صفوف مبتدعي السياسة الحزبوية ومنافقوها الشواذ.

نعم تأخرت الأحزاب التي كانت إلى عهد قريب إحدى أهم دوافع التغيير وقابليات الشباب للتشبث به واعتناقه، تأخرت في بناء سيرورات ناجزة لشباب مغرب اليوم، وغلقت الأبواب عليه من كل النوافذ، وحجزته تحت إقامات جبرية وغالت في إهانته وتنميطه.

وفوق ذلك سوغت لتقسيمات دراماتيكية في بنى وهياكل التنظيمات الحزبية ضرب قدراته من حيث لا تدري، فحددت أدواره الجانبية وكرست القطيعة مع مكوناته بتقييده واستغلاله وتبخيسه.

ملخص مداخلتي التي شاركت بها في الندوة الوطنية: “الشباب المغربي الواقع والرهانات”، المنظمة من قبل مؤسسة خطوة للفكر، يوم الأحد19 فبراير 2017 بقصر المؤتمرات بورززات.

‫تعليقات الزوار

2
  • جد النمل
    الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 09:54

    أظن أنه من الواجب علينا استحداث تعريف خاص بنا لمصطلح الشباب. فالشباب في المغرب هم أغلبية مضطهدة. و هذا من كبرى المفارقات التي يجب أن تدخل في تعريف مسمى الشباب عندنا في المغرب. ثم إن هذا الشباب صار مجموعة بشرية عابرة للفئات العمرية فقد تجد بينهم من هو في الخمسين في العمر و لا يزال يتحين فرصته كأي شاب في العشرينات من العمر. و لذلك أقترح أن يكون تعريف الشباب بأولئك الذي ينتظرون انقراض من قبلهم كي يعيشوا حياتهم و يثبتوا ذواتهم. لأن من قبلهم لم يحصلوا على فرصتهم هم أيضا إلا بعد أن شاب شعر رؤوسهم. فبغير هذا التعريف لن تحل مشكلة الشباب ما دام المتحكمون في الوسائل المفتون في كل المسائل ينتمون لحقبة زمنية سابقة كان يجدر بهم التفاعل معها و ترك المجال لمن بعدهم يتفاعل مع حقبته الزمنية التي ولد فيها. لكن ظروف أولئك الرعيل حالت دون أن يكون لهم ما يريدون فزاحموا من بعدهم في ما ليس لهم.

  • مغربي
    الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 16:37

    شباب المغرب ليسوا أقل عبقرية من شباب اليابان و الصين و غيرها من البلدان .
    لكن ثقتهم بأنفسهم ضعيفة .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب