لا فرق بين الأيام!

لا فرق بين الأيام!
الإثنين 20 فبراير 2017 - 18:30

في منطق الزمان، لا فرق بين الأيام..

كل الأيام سواسية تحت السماء..

هي تسميات لوحدات زمنية.. تسميات هي من ابتكار الإنسان، لتثبيت تواريخ في الذاكرة البشرية.. وفيها ذكريات خصوصية وجماعية ووطنية ودولية، مثل الميلاد والعرس والحرب والعيد، وكل ما هو خير وشر..

ولا تمييز بين يوم وآخر، من حيث التسميات، إلا بكونها ذكريات في حياة أفراد وجماعات..

وكل الأيام تشكل وحدات زمنية..

ولا مجال لإضفاء هالة “التقديس الزمني” لأي يوم من الأيام.. ولا لفصل على حساب بقية فصول العام.. ولا لعام على بقية الأعوام.. ولا لعصر على بقية العصور..

هذا هو منطق الحركة الزمنية التي صنعتها مدارات الكون الشاسع الرحب..

وكل الوحدات الزمنية مسترسلة سواسية.. لا فرق بينها في تراتبات الوقت.. هي مجرد تسميات.. وكذلك الفصول والأعوام والدهور.. سلسلة زمانية متكاملة.. ولا مجال للقفز على يوم من الأيام.. ولا للتغطية على بقية الأيام..

ولا أحد منا يستطيع أن يعيش يوما مفضلا لديه، وألا يعيش بقية الأيام..

ولا فق بين الأيام إلا من حيث الضبط التاريخي..

والتاريخ ضرورة لتثبيت معلومات، لكي تتمكن الأجيال المتلاحقة من استحضار محطات من الماضي، لكي تستفيد من التاريخ..

– ولا وجود لتقديس في لغة الزمن..

الزمن له منطق آخر.. منطق حسابي، لا منطق الطوائف والمذاهب..

– لا مجال للتقديس، في منطق الزمن!

والتاريخ يتوقف عند أحداث، لاستحضار ما قد مضى، وأخذ العبر مما قد حصل، حتى لا تتكرر الأخطاء، ولا تفسد من جديد حياة البشر..

الأيام للذكرى..

والأشخاص رموز لهذه الذكرى..

والذكرى ذات فائدة في الحياة العامة المشتركة..

والاحتفاليات مناسبات لتذكر مرحلة من تاريخ أمة من الأمم، أو دين من الأديان، أو حزب من الأحزاب، أو شخصية من الشخصيات، أو غير هذه من التكتلات البشرية..

لكن، جاءت، عبر التاريخ، إيديولوجيات لتوظيف “هالة التقديس”، على بعض الأيام، دون أخرى..

وفي الناس من يقدسون أشخاصا للتذكير بقيمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية او ثقافية أو غيرها…

وفي الأنظمة التقليدية العالمية، المعروفة عبر التاريخ، تركيز على أفراد طبعوا سلالة بشرية معينة، وأثروا في مسارات الأحداث..

وفي العمق، لا تقديس لأحد، إلا بميزان ما قد فعل..

الفعل هو القيمة.. وبالفعل، تتحدد قيمة الفاعل..

وعلى العموم، الإنسانية، بصيغة المطلق، هي وحدها المقدسة..

الإنسانية هي أكبر القيم، من حيث تراتبيات الوعي البشري، من زاية الفعل، البناء، الإيجابي..

ويحترم البشر كل متشبث بالقيم الإنسانية.. ولا يفرق بين إنسان وآخر إلا بمدى احترام هذا الإنسان للقيم الإنسانية..

وتتعمق هذه القيم لدى فئات تكتشف أن هذا العمق الإنساني، هو من حيث صدق المشاعر، وإيجابية الفعل، وامتداد هذا الفعل البناء من الفرد إلى الجميع، وإلى الطبيعة، وإلى بناء التعايش، وقبول الآخر، واحترام الحياة، وحق الحياة..

وهذه القيم تمتد حتى إلى مستويات من الكائنات الأخرى، منها حيوانات أليفة، رغم أن هذه الكائنات تتفاعل بنسبة محدودة من الذكاء، وبتلقائية غريزية، ومشاعر تتميز بانجذابيات طبيعية..

وتبقى العلاقات الإيجابية طريقا سالكة إلى مشاعر متبادلة، ووفاء واحترام وتقدير..

وفوق هذه العلاقات تكمن “إنسانية” السلوك.. وحميميات بين أشخاص من ديانات وأجناس وأعراق مختلفة..

وهذا ارتقاء لبشر لا يرون في الاختلاف الشكلي ضرورة لتباعد في العمق..

العمق ثابت، يتجاوز كل الحدود..

والاختلافات دائما واردة.. ولكنها ليست مبررا لتصادمات وعداوات..

ووحدها الأنانية المفرطة، لا تتردد في معاداة غيرها، بمبرر أن هذا الغير يختلف عنها في الشكل أو اللون أو العرق أو الجنس أو طريقة فهم الحياة..

– لا فرق بين الناس!

ولا مبرر للتفريق بين الناس!

هكذا تقول كل الأديان والفلسفات والأدبيات الفكرية الإنسانية..

ولا فرق بين الأعراق والأجناس..

كلها مثل الزمن، وحدات متتالية: الأيام وحدات زمنية، والناس وحدات بشرية ذات عمق فيها الجسم والقلب والعقل والروح، ويضبطها الوقت، ويحركها التغيير، وتشحذها العلاقات..

ومن يحسب أنه أفضل شكلا من غيره، فهو واهم أو خائف أو مريض.. العمق هو الميزان، لا الشكل..

العمق الإنساني، المترجم إلى سلوك، هو ميزان القيمة الإنسانية، وهي أعظم القيم، لأي فرد وأية مجموعة بشرية..

كل الناس من التراب.. ومن جسد واحد.. وسائرون إلى مآل كوني واحد.. وبين الانطلاقة ونقطة الوصول، رحلة هي سجل لتجارب وخبرات متلاحقة، قد يستفيد منها المعنيون بها، وقد تكون في حياتهم مجرد ذكريات متكررة متلاحقة..

ومن رحلة الحياة هذه نتعلم أبجديات الحياة، وكيف نعيش ونتعايش..

والتعايش يعني أننا مختلفون شكلا، وفي العمق نحن كائن واحد.. نفرح للحدث المفرح.. ونحزن لما يحزن.. ونتألم.. وننام.. ونستيقظ.. ونتحرك.. ونحلم..

حركاتنا وسكناتنا متنوعة، وفي العمق هي تعلمنا كيف تكون حياتنا الفردية والجماعية إيجابية لنا ولغيرنا..

التنوع حاضر في حياتنا، زمانا ومكانا وكيانا وفكرا…

ونحن في الأصل متنوعون..

ومن يحسب نفسه أحسن، يبقى ما يحسب مجرد إحساس فردي، ذاتي، ولا يعني أن ليس في غيره أقوى وأعلم وأذكى…

نحن بالطبع متفاوتون..

والتفاوت يعني تسابقا بين المهارات على طريق واحدة..

وكل منا يبذل ما يستطيع، في طريق من شبكات الحياة..

ولا فرق بين أحد وآخر إلا بما يبذل من احترام للآخر، فكرا وسلوكا..

وكل أمة متشبعة بهذا التنوع، هي أمة غنية تعيش لنفسها وللآخر، وتبني لنفسها وللآخر..

هذه أمة لا تحيا لنفسها فقط.. هي توظف إمكاناتها لكي يشاركها الآخر في هذه الحياة، فتكون الحياة شراكة تشاركية، لا ملكا خصوصيا..

الحياة فضاء عمومي.. رهن إشارة كل من له ما يقدم، وما به يساهم في بناء هذا الصرح الحياتي المشترك..

وهذا المشترك المفيد للجميع، قيمة كبيرة.. تجمع ولا تفرق.. توحد ولا تقصي..

– وتبني ثم تبني، بسواعدها لا لنفسها فقط، بل أيضا لها ولغيرها..

وهذه هي الحياة المشتركة..

[email protected]

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 1

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب