هل سنجرب الرقية التيكنوقراطية؟

هل سنجرب الرقية التيكنوقراطية؟
الإثنين 27 فبراير 2017 - 09:59

في البدء أزهر الفرح:

لم يعد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المُعين، يستطيع إخفاء غصته، بل بؤسه الكبير، جراء ما آلت إليه مشاوراته مع الفاعلين السياسيين الحزبيين، الذين اختارهم لتشكيل الحكومة “الملتحية” الثانية، أو الثالثة إن شئتم.

اختارهم، وصنفهم، حسب عهده بهم وكُلّه ثقة في تجاوبهم، إن لم أقل في تهافت بعضهم، المألوف، على مقاعد الحكم، أو ظله.

ولعله قدّر أن زمن المشاورات لن يتجاوز أسابيعَ معدودة، تُصَبِحه فيها وتُمَسِيه البشاشةُ والسلاسة والكياسة، حيثما حل وارتحل.

كلها كؤوس شاي، وقهقهات من البحر الطويل، وحتى من حمار الشعراء، يجاريها الضيوف بوجوه محمرة خجلا، ونأيا بالنفس عن الإسفاف؛ لتقف الحكومة شامخة بأنف دستوري لا زكام به.

ولم يكن بنكيران متفردا في تقديره هذا؛ لأن تعيينه من لدن جلالة الملك، قبل أن يرتد إليه طرفه، ويعود إليه الهدهد، حمل أغلبَ الفرقاء السياسيين على الاقتناع بأن العهدة الحكومية الثانية أسلمت قيادها، فعلا، لأحكام الصناديق، وإن هزلت تمثيليتها.

حتى حزب الأصالة والمعاصرة، الفتي والقوي، سرعان ما صرح بأنه انتقل من نزال الصناديق الذي أفسده الريع الديني، وغيره، إلى نزال الممانعة؛ مُبادئا بإجهاض أيّ عرض قد يُفكر فيه رئيس الحكومة، من باب الانفتاح أو حتى الاستقواء بشعرة الأسد، كما يقال.

لو لم يكن الجرار واثقا، وقتها، بأن الأمر آل إلى خصمه، الشكاء والبكاء، والمبكي لَتَريث حتى ينجلي الغبار.

ولو لم يكن أسلم القياد السياسي لخصمه الديني لما دعاه إلى ما يشبه صلح الحديبية. ولولا ركون هذا الخصم إلى الثقة الزائدة في النفس والزمان، لما كان الجواب: نحن المنتصرون؛ مما يعني :

نحن الذين صبحوا الصباحا يوم النخيل غارة ملحاحا

أما أغلب المواطنين فأيقنوا أن ليس لهم إلا الصدق والصبر، عساهم يفتحون الأندلس ثانية، مع هذا الطارق الإسلامي الكبير الذي أحرق كل سفنهم، ومراكبهم صوب الوظيفة، التقاعد المريح، التعليم الفعال، العدالة العادلة، الصحة؛ وحتى صوب مجرد جزر الأمن والاطمئنان، حيث لا يُشرمل زيد عمرا.

ومن المواطنين من اختلط عليهم الديني والسياسي، فوم يعودوا يعرفون بأي منظار ينظرون، خصوصا حينما استفاقوا من أحلام الجنة الأرضية التي وُعدوا بها ذات حملات وأدعية، وتصويت من جنس زوجتك نفسي.

هل يغضبون لدينهم في دنياهم، حيث شحت الأرزاق، وانسدت الآفاق، وخَذلَ من زعم المشيخة في الرقية الشرعية للدولة؛ حتى لا تسقط نعجة في نهر ملوية إلا وعند الحكومة علمها؟ أم ينفرون مغاضبين، فقط، من أجل أقواتهم المهددة، صوب هذا الذي أثبت أنه يخاف بدوره من العفاريت والجن ؛ويسالم المفسدين من الإنس، ويَزاوَرُ سهمُه حينما يوهم بالتسديد؟

مشاورات أم رقصة فلامينغو؟

حيث تشمخ الأنوثة الإسبانية مُوقعة على الغواية، التي تنتهي بدق عنق الذكورة، تكرارا، على الركح الهزاز. أنثى الفلامينغو ضاربة بتفعيلاتها القَدمية المتتالية، والجامحة جموح فرس عربي.

تُغري بنهديها النافرين وترج الخلاخل حتى لا يقترب غير الفرسان.

ولكم أن تتصوروا بعد هذا غواية الكراسي الوزارية، وقد توّهم الرجل أنه يملك أمرها، ليزوجها من يشاء، مثنى وثلاث ورباع. ولكم أن تتخيلوا سُمَار الليل وزوار الفجر من فُتُوة الأحزاب؛ أولئك الذين لا يرون أنفسهم، يقظة ومناما، إلا على شكل كراسٍ وزارية.. ولهذا، لا يمكن أن يكونوا إلا وزراء، حتى وإن طالت لحية الحكومة.

فجأة، امتقعت الوجوه، وخفقت القلوب كمدا على وزارات كانت قاب قوسين من بعض أولاد حارتنا؛ فقد عاد الهدهد من دكار بأخبار غير سارة لأهل العريس والعروس، على حد سواء.

انفض العرس دون عرس.. وحدها راقصة الفلامينغو واصلت الغواية، في انتظار الفتى الساموراي.

لنجرب الرقية التيكنوقراطية:

لا تنفع الرقية الشرعية في تدبير الدول؛ ولا حتى وعود الجنة أرضا وجوا تصدر من سياسي محترف، متخم ريعا. الجنة لله والوطن للمواطنين، يتعهدونه كما يتعهدون صومهم وصلاتهم.

جرّب بنكيران كل حبات السبحة في تدبير حكومة لم تحاكم غير المواطنين البسطاء. جرّب القهقهة والبكاء معا. كما جرّب الوعد والوعيد. ولم يبق إلا أن يجرّب حكومة قوية يشكلها غيره، حكومة يرى فيها هناته ومثالبَه رأي العين؛ بل رأي المواطنين الذين لم يرتكب في أي يوم من أيام حكومته معصية تصديقهم في شكاتهم.

ومن صدّق رئيسُ حكومتنا، في الداخل المغربي، حتى يصدق مواطنيه؟

ألم يعلن عن نتائج الانتخابات بنفسه، غير مكترث حتى بالاختصاصات الحكومية، وهو على رأسها؟

كيف يقنعنا بأن نثق فيه، ونصبر، وهو لا يثق في أحد، ولا يصبر؟

على أيّ، فمارد الفساد، وبعد ولاية حكومية كاملة، سالمته وحاربت ضحاياه، لم يزدد إلا عضلا وشحما وفحولة؛ بل صار يبحث عن وزيرة مصونة يخطبها لنفسه من رئيس الحكومة، إذ الصهر حمى الظهر كما تقول العرب.

أو لم يُوسَد الأمر للعشق الوزاري والحركي، وفناني (السح السح مبو)؟

ألم يتم خفض العتبة الوطنية في كل شيء، بعوادي الحكومة والزمان؟

ألم يحفر الأحياء من المثقفين قبورهم، في جزر النسيان؛ منتظرين الخلاص الأبدي من أوزار العقل الفعال، وجرثومة المادة الرمادية؟

ألم يقبض الله حتى العلم السياسي؛ بعد أن اختار إلى جواره كبار الساسة؟

ومهما قلنا في الحكومة، فلا بد لنا من حكومة؛ لكن (ها العار) لا تجعلوها حكومة تصاهر الفساد، وكل زادها الرقية الشرعية.

إن أقرب وأفضل طريق صوب الحكومة المُستَحقة، بعد احتراق حكومة الصناديق، قبل ميلادها، هي الطريق التي يعبرها التيكنوقراطيون الأكفاء صوب نجاحهم الفردي الذي يقفز إلى عيون الجميع، قبل صرامة البراهين.

عصاميون لا يريدون أن يعرفهم أحد، لأن الشهرة لا تعني لهم شيئا مما تعنيه للسياسيين.

من يعرفهم؟

عصاميون مثلهم، لم تنزل عندهم عتبة المواطنة.

Sidizekri.ahlablog.com

‫تعليقات الزوار

5
  • محب الوطن
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 11:08

    مقال سياسي مصيب الهدف ، وزادته الصور البلاغية مسحة ، تجعل القشعريرة تسري في اوصال القاريء بيسر، الشيء الذي يدفعه الى قراءته اكثر من مرة ، لا لصعوبته بل لعذوبته .لا فض فوك . تحية من معجب مما يخطه قلمك ، حفظك الله.

  • معلقh
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 12:11

    تشخيص لواقع سياسي يعاني من مرض عضال بريشة فنان يستخدم الكلمات بدل الالوان.كلمات وازنة لها وقع يمتزج فيه الاعجاب بالحسرة والالم.بنكيران يبدو وسط الكلام كشيء منكمش على ذاته قد فقد طعم البشاشة التي كان يستشعرها وتصاحب دفاعه عن البرنامج الذي كلف بتنفيذه .على اية حال نحن في وضع اشبه ما يكون بتلك العلاقة التي يقيمها الفيلسوف الالماني هيجل بين الروح او العقل والتاريخ وصناعه.وابطاله فما هؤلاء في نظرة سوى بيادق او دمى يحكها ذلك العقل كيف شاء من اجل تحقيق اهدافه.بعد ذلك يلقي بهم في مزبلة التاريخ .لا نعرف ما اذا كان هذا الرجل واعيا بما يفعل ومشاركا في هذه اللعبة ام قام بذلك من دون شعور لاسباب شخصية وحزبية.وعلى فرض ان اصبح الرجل ميتا كرئيس حكومة هل من عودة للمكتسبات التي سلبت من اصحابها والتي كانت جزء من الادوية المنفسة للخواطر وجزء من حياة الغالبية العظمى من المواطنين.هل من كان يسميهم صاحبنا بالعفاريت والتماسيح سياتنسون ويتخلون عن عاداتهم السيئة وتمتلئ قلوبهم رحمة وشفقة ام سيزدادون طغيانا وقد راوا انفسهم مستغنين غانمين وانفتحت اعينهم على الجنوب.على اية حال لا نامل الا الخير.

  • امزوغ
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 14:03

    وقف الهدهد عند باب بنكيران
    استفسره بنكيران عن سبب تأخره
    فقال كنت عند مصباح فوجدت عنده المفتاح
    مفتاح الحكومة قد لاح عند مصباح
    التكنوتراط جاهزون منذ الصباح
    وعند مصباح الحل المتاح

  • عبد الرفيع الجوهري
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 15:30

    له ملك السماوات والأرض كل شيء لله الجنة والوطن وكل ما يخطر على بالك فهو ملك لله
    وكذلك مصير بنكيران بيد الله إلا إذا نسيت كيف
    أصبح بنكيران رئيس الحكومة بعد أن كان حزبه منبوذا وكان حزب سوبرمان واتقا من فوزه برآسة الحكومة فأتا أمر الله وأصبح بنكيران رئيسا للحكومة بحرفين كن فيكون كذلك تشكيل هذه الحكومة سيكون بحرفين الكاف والنون وشكرا لهسبريس

  • اقتراح وجيه ...
    الإثنين 27 فبراير 2017 - 16:53

    …لتجاوز المازق.
    ولنا خير مثال في تجربة الحكيم حمادي الجبالي الرئيس السابق للحكومة التونسية.
    حيث انه لما انتشى بفوز حزبه في الانتخابات وعد الشعب التونسي بخلافة اسلامية سادسة بعد خلافة عمر بن عبد العزيز.
    ولما اكتوى بنار الحكم اقترح حكومة التنوقراط تفاديا لتجاذبات الاحزاب.
    رفض حزبه الاقتراح فاستقال .
    ودارت الايام فتبين لقادة حزب النهضة ان رايه كان على صواب ، بعد ان استنزلت صناديق الاقتراع حزبهم الى الدرجة الثانية وفقد القيادة وصار من التابعين و ضاعت الاحلام.
    المخرج هو حكومة تقنوقراط برئاسة بن كيران.
    حياك الله يا استاذ راي وجبه وذكي لم يسبقك اليه احد.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب