قلوب مدينة الجديدة في قبضة عزرائيل

قلوب مدينة الجديدة في قبضة عزرائيل
الثلاثاء 28 فبراير 2017 - 02:06

تعتبر مدينة الجديدة قبلة للسائحين على مدار السنة، وتفتح ذراعيها للمصطافين من مختلف جهات المملكة في فصل الصيف؛ حيث تعد من المدن الفريدة في المملكة التي تزخر بشواطئ جميلة، ومناظر طبيعية تستهوي الناظرين، حتى قيل في شاطئها سيدي بوزيد إنه مرقد إله البحر الإغريقي “بوزيدون”.

وتروي حكاية تاريخية أن الرحالة القرطاجي حانون استكشف هذا الشاطئ، فانبهر بمنظر غروب الشمس في المكان، وهكذا أطلق عليه مسكن إله البحر الإغريقي “بوزيدون”. وكباقي الأسماء، خضع هذا الاسم مع مرور الزمن إلى تحوير وتصحيف أولجه في ما بعد عالم المقدس تحت اسم ما يعرف بسيدي بوزيد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عددا من الأولياء في الثقافة المارابوتية المغربية طالهم تحوير في الاسم، كإله اليهود الذي يدعى شيمهاميفوراش، وتم تحريف اسمه في منطقة الأطلس ليمسخ إلى كائن جني يدعى شمهاروش، هذا بالرغم من وجود هذا الاسم في حكايات وأساطير قديمة.

إن عروس الشواطئ مازاكان لازالت تستقطب صناعات مختلفة، وشركات متعددة الجنسيات؛ إذ أصبحت قطبا اقتصاديا يجلب أياد عاملة أجنبية ومحلية من مختلف أنحاء المملكة، وبالرغم من هذا التقدم الحاصل اقتصاديا، وارتفاع عدد الساكنة، ناهيك عن الهجرة القروية، تعاني المنظومة الصحية في هذه المدينة من جملة أعطاب، سنتطرق إليها بالتفصيل في مناسبات قادمة، لكن ما أثار حفيظتنا اليوم هو موت صديق عزيز علينا من جراء التفريط والنقص الحاصل في الكوادر الطبية بالمدينة.

إن موت العميد السابق لكلية الآداب، الأستاذ محمد المهناوي، من جراء ذبحة صدرية ثانية بعد أن نجى لسنوات مضت من الذبحة الأولى عبر رحلة مكوكية بسيارة أحد الأصدقاء من مدينة الجديدة إلى مدينة سلا حيث أجريت له عملية جراحية أنقذت حياته آنذاك، لدليل واضح على غياب بنية تحتية لمواجهة مخاطر انسداد أحد شرايين القلب (infarctus)، وهو خطر يتربص بجميع المواطنين دون تمييز من لاعبي كرة القدم مرورا بعامل الإقليم إلى أطباء القلب والشرايين أنفسهم.

إن مدينة الجديدة تعاني غيابا تاما لجراحة القلب والشرايين، مما يضع أكثر من نقطة استفهام حول مصير ساكنتها في مواجهة مخاطر الذبحة الصدرية التي لا تتطلب فقط حقن الأدوية لإذابة تجلط الدم، بل في غالب الأحيان تستدعي عملية قسطرة لإعادة فتح الشريان المصاب، وهكذا، إذا أصيب أحد سكان المدينة أو الإقليم بذبحة صدرية تسببت في انسداد أحد شرايين القلب، وتستدعي تدخلا سريعا لإنقاذ حياته، نتساءل كيف سيتم إسعافه وإنقاذ حياته من موت محقق؟

في هذا السياق، سيجيبك آلاف المواطنين الجديدين وتروى لك الحكايات عن المغامرات الطرقية والرحلات المكوكية إلى مدينة الدار بيضاء لإسعاف مرضى القلب؛ إذ يتم هذا غالبا بوسائل جد بدائية مقارنة مع الجارة أوروبا، فتلجأ الساكنة إلى نقل المريض على وجه السرعة على متن سيارة الأسرة أو الأجرة، أو على متن ما يشبه سيارة إسعاف مهترئة تكلفهم مئات الدراهم، لكن غرائب هذه الرحلات وعجائبها تكمن في نهايات مأساوية على الطريق الوطنية، وقد يتوفى المريض في أي لحظة لا يستطيع معها التنفس، والرجوع إلى عالم الحياة.

إنها رحلة سيزيفية، تنقل صاحبها إلى المجهول، إما أن ينتصر على ملك الموت ويصل إلى الطبيب المنقذ أو لا يتخطى عتبة سمرقند ليعانق ملك الموت ويعلن الرحيل.

عزيزي القارئ الجديدي، موعدنا أنا وأنت في سمرقند. لماذا سمرقند؟ تلك حكاية تعبر عن مأساة الرحيل خلال سفر المريض الذي يعاني ذبحة صدرية إلى مدينة الدار البيضاء، وقد تكون سمرقند هي نقطة بئر الجديد أو حد السوالم على أكثر تقدير.

لا نفشي سراً غيبيا إذا قلنا إن غياب جراحة القلب والشرايين بمدينة الجديدة يضع ساكنتها في مرمى قوس عزرائيل، وليكن في علم النخب التي تسير المدينة أن رماح عزرائيل تقنص كل من تعثر قلبه عن الخفقان، ولا تميز بين طبيب وأستاذ ورجل أمن وباقي الغوغاء. أمام رماح عزرائيل، سنسقط لا محالة قانصا في ثوب أبيض ملفوف، ثم نحمل على الأكتاف إلى مقابر الخلود.

ماذا وقع لمدينتنا حتى يُشحن فيها مريض يعاني ذبحة صدرية في سيارة أجرة أو ما يشبه سيارة إسعاف، ثم تسابق المركبة الريح في اتجاه الدار البيضاء أو ربما المجهول؟ إنه مشهد درامي يذكرنا بحكاية سمرقند التي أشرنا إليها سابقا. هل هو موعد مع ملك الموت في الطريق إلى الدار البيضاء؟ هل قدر الجديدين الموت في الطريق؟

تتحدث حكاية سمرقند عن ملك الموت الذي زار جنديا بالعراق وسأل عنه خليفة البلاد، فلما سمع الجندي بخبر حلول ملك الموت بالمدينة، وبسؤاله عنه، امتطى جواده، وسابق الريح فارا إلى سمرقند، ولما سأل ملك الموت الخليفة عن الجندي، أجابه الخليفة بأن هذا الأخير هرب من الموت متجها نحو سمرقند، فابتسم ملك الموت ضاحكا، وتعبّس وجه الخليفة الذي سأله عن سر ابتسامته، فأجابه ملك الموت: “ضربت موعدا مع هذا الجندي في سمرقند!”.

تعتبر حكاية سمرقند بمثابة خطاطة ثقافية بنيوية تتكرر في كل مكان وزمان، ونعتقد أن سكان مدينة الجديدة لهم لقاء مع ملك الموت في سمرقند المغرب، فمنذ انطلاق السيارات المتجهة نحو الدار البيضاء، وملك الموت يرافق المريض، متهكما ساخرا من غباء المنقذين وبدائية أدواتهم، فغالبا ما يعانق المريض في منتصف الطريق عند نقطة البئر الجديد أو حد السوالم على أبعد تقدير، ليصطحبه إلى مثواه الأخير.

لن تستغرب عزيزي القارئ، إذا قيل لك إن ملك الموت حين يرافق مريضا يعاني ذبحة صدرية في أوروبا تجده متوترا وعلى أعصابه، نظرا لقوة الخصم وكثرة المسعفين وارتفاع درجة حرفيتهم، فغالبا ما يحول فريق المسعفين المدججين بوسائل تكنولوجية حديثة على متن سيارة الإسعاف بينه وبين عناق مريضهم؛ إذ يشكل انطلاق سيارة الإسعاف المجهزة التي تتوفر على طاقم طبي يرافق المريض تعسيرا في مهمة عزرائيل الذي يراقب الوضع عن كثب، وقد يعود أدراجه خالي الوفاض منتظرا موعدا آخر.

نحن نعي أن لكل نفس أجلها، لكن الأجل المسمى لا يجب أن ينسينا أو يحجب عنا مسؤولية الدولة في الحفاظ على سلامة وصحة مواطنيها، ونتساءل في هذا الصدد عن عدد الضحايا الذين رحلوا عنا في غبن وتهميش ونسيان وإهمال.

رسالتنا إلى من يهمهم الأمر، ونتوجه بتحذير من مخاطر الذبحة الصدرية إلى السيد وزير الصحة وعامل الإقليم، أننا جميعا في مرمى قوس عزرائيل، وما دامت المدينة لا تتوفر على سيارات إسعاف مجهزة بطواقم طبية، وغياب جراحة القلب والشرايين بالمدينة، سنظل نقامر بحياة عوائلنا في رحلة هروب إلى سمرقند.

ما السر وراء غياب جراحة القلب والشرايين بالمدينة؟ لماذا هذا الإهمال في رسم خريطة علاجية متوازنة من طرف الوزارة الوصية على القطاع؟ ليكن في علم السيد عامل الإقليم أنه، لا قدر الله، إذا أصيب أحد أفراد عائلته بذبحة صدرية سيضطر هو الآخر إلى امتطاء جواده والسفر إلى سمرقند.

أيها الجديديون، أين المفر؟ البحر من ورائكم، وسمرقند أمامكم، وليس لكم والله إلا الصبر والاستسلام!؟

(ولنا عودة في مقالة أخرى لتسليط الضوء على معاناة مرضى السرطان وغياب مركز جهوي للأنكولوجيا بمدينة الجديدة)

*أستاذ بجامعة شعيب الدكالي

‫تعليقات الزوار

2
  • youssef
    الثلاثاء 28 فبراير 2017 - 08:40

    وما ذا نقول عن مدينة أسفي التي يفوق تعداد سكانها 600 الف نسمة , وينقصها جل أنواع الاختصاصات, ولا يوجد فيها حتى طبيب جلد كفأ أو طبيب جنسي واحد في المدينة برمتها.وهذا يجري على أغلب المدن المغربية, فالأطباء يحبون العمل في المدن الكبرى.والمسؤولون استسلموا لهم بعد الاضرابات التى قام بها الاطباء الجدد.

  • saccco
    الأربعاء 1 مارس 2017 - 17:37

    لماذا لا يتحرك المجتمع المدني الجديدي بحراك شعبي للضغط بقوة على المسؤولين والوزارة المعنية بكل الاساليب السلمية حتى إحضار الاجهزة الطبية لانها مسالة تتعلق بحياة المواطنين اوموتهم
    راه هاد الدولة كامونية ما تعطي الريحة حتى تتحك

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة