عـــــــدالــــــة ضــــائعــــة ..

الفرق بين العدل واقتضاء الإنصاف أن الأول يسري قسطاسه على الموازين، فلا تنحرف عناصر تماسكها وترابطها ولا تسقط. أما الثاني فمثال للمعاشرة والمواساة في الشدة والانطواء على المودة.

وفيهما تجري مقادير العباد في الذود عن حياض القيم وإنسية المواطنين، فلا يحتمل التأخير ولا التعليل في تأويل العدل والإنصاف بغير وازع ولا مناط عقلاني أو تفسير مبرر.

يتيه الضمير في حالات لا ينقص العدل فيها فقط، بل يغيب قسرا ويمتد للاقتراب ضدا على مفاهيم الاستبداد وتغول الظلم.

حالات تنسحب فيها المظلومية على فائض الحماس الزائد عن الحاجة ونفخ الشعارات وغلو الادعاءات فيما ليس حقيقة . فالأمر أضحى عادة لكل صفيق طليق الاعتداء والإسراف في عقر السلامة وضبط القوانين وتحقيق العدالة.

كأن الاعتداء على الناس في كرامتهم وحقوقهم صيد للأثمان المحذرة والمنكرة صفة للعذابات التي يلاقيها مرتادو المحاكم ومشاؤو الحطم، لا يسرفون في التفاؤل بالقدر الذي يأملون فيما يحصدون من الأحكام المنتظرة أن تكون أقل رحمة في ظلمها وتجاهلها واحتداد صكوكها.

ولئن جمعت مظالم الناس الذين يطرقون الأبواب وهم يبحثون عن ملاذ أخير يقيهم شرور الحزن وأهواله، لما استعرت من عددية الملفات المطروحة للتأمل نماذج أقل ما يقال عنها إنها تشيب لها الولدان وتطرح بها بطون الحملان؟

ولكن إذا كان من العدل ألا يقضي القاضي بإرجاع البيت للأب بعد شكاية الأخير بالاستعجال لإعادة الحق الضائع الذي انتزعه الأبناء بالقوة والعنف، فثمة ما يحجب العقل عن التفكير في مآل المشتكي، الذي هو صاحب العقار ووالد من أرهبوه وأنكروا عليه الحيازة ؟

وإذا كان العدل أيضا متقاعسا عن رد الاعتبار لامرأة طلقت خطأ بعد عودتها لبيت الزوجية وهي في حكم المعلقة، لا تدري هل يكون توأمها من زوجها الطليق حلالا أو حراما، مادام رجوعها للبيت تحت غطاء قضائي سليم أم منكوس؟

وقرارات الهدم المتحيزة لطرف يقيم دعوى كيدية من أجل إخراج أسر معوزة تحوز عقودا كرائية من أملاك مخزنية، دون إجراءات احترازية تضمن سلامة وأمن المواطنين الضعفاء وتساهم في حل جانب اجتماعي إنساني من حياتهم ؟

نوادر بالمئات من قضايا يعوزها التأني في قراءة مظانها ودوالها العنيدة، تستلزم النظر بعمق في تشكيلها، فتكون وصمة عار في جبين العدالة والإنصاف.

لا يملك الإعلام غير فضح أحكام هي في عجائبيتها وارتدادها عن الحق ونصره واجهة معتمة من كثير قضايا تدخل المحاكم ولكنها لا تخرج إلا موتورة الرأس مقلوبة الضمير.

ليس غريبا إذن أن تنتقد منظمات حقوقية دولية ومعاهد أبحاث ودراسات غربية وضعية المحاكم والأحكام ببلادنا. ليس آخرها تقارير العفو الدولية أمنستي أو منظمة الشفافية الدولية أو هيومان رايس ووتش .. وغيرها من المنظمات الحقوقية التي ترى في المغرب تأخرا ضمن مؤشر العدالة، حيث “المحاكم تستخدم بانتظام لمعاقبة المعارضين للحكومة، فيما يشارك مسؤولون في ممارسات الفساد مع الإفلات من العقاب” ـ حسب تقرير أخير لمؤسسة هرتاج الأمريكية ـ”

كما أنه لا يجب أن يستهان بالتقارير الحقوقية التي تنجزها المنظمات المغربية، وعلى رأسها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان ومراكز الحقوق وعلى رأسها المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي أعلن في ندوة صحفية عقدها مؤخرا بمراكش بمناسبة إنجازه للتقرير السنوي 2016 عن تراجع حقوق الإنسان بالمغرب بسبب تغول السلطة وتفشي الفساد وتقهقر العدالة والقضاء.

إن تصريف ملف إصلاح العدالة ضمن إواليات الصراع السياسي المحكوم بالمصالح الحزبوية الضيقة، وتبادل الاتهامات بين المتدخلين وفرض الأمر الواقع في الكثير من حيثيات القوانين ذات الصلة، كقانون الصحافة والحق في الحصول على المعلومة والقانون الجنائي ..إلخ، لا يمكن إلا أن يعمل على تعطيل مسار القضاء برمته وتأخير اندماجه في نسق التنمية والديمقراطية.

[email protected]

https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha