"التمسرح الإداري"

"التمسرح الإداري"
الجمعة 24 مارس 2017 - 03:34

بين الفرجة والتمسرح:

من الفرجة أن نحتفل بقضايانا مسرحيا، ومن الاحتفال أن نبدع في آفاق المتخيل ونتأمل في الواقع، ومن الفرجة أن نتمسرح إداريا، وأن نبحث عن الروح التي يبعثها المسرح في شخصية الممثل والمتفرج.

ومن الفرجة أيضا أن نبحث عن رسائل المسرح للتعليم، وعن نبضات تلامذة ثانوية مولاي إدريس بفاس سنة 1924 حين كان الاهتمام بالتعليم كثقافة للمجتمع وليس همًّا للدولة. قبل ذلك، دعونا نحدد معنى “الفرجة”؛ فالفرجوي، كما يرى د. حسن يوسفي، هو ما يثير الحواس لمظهره الخارق غير المنتظر، وتجاوزه لمعيار مقبول، يتميز ببعده التاريخي، فمحتوياته تتغير بتغير العصور، له علاقة بالمعيش، بالسياق السياسي والاجتماعي، بتاريخ الذوق والحساسيات والأيديولوجيات، والفرجوي نقيض المعرفي والعقلاني، فهو لحظة تأمل لأن أثره يجمد الفكر والوعي، ولا يسمح لحظة التنفيس بإحساس التفكير، من خلال هذا فهل تفكيرنا الإداري فرجوي؟

أما التمسرح، كما يعرّفه أيضا د. يوسفي في كتابه “التمسرح من الاستعارة إلى الخطاب”: “هو الذي يؤسس خصوصية هذا الفن ويهدمها في الآن نفسه، وهنا تكمن المفارقة.. ومفهومه صيغ على غرار الأدبية بالنسبة للخطاب الأدبي، ولم يعد قضية تخص المسرح وحده بل يتعدى حدوده ليحقق تمظهرات مختلفة عبر خطابات متعددة، منها ما هو اجتماعي، سياسي، ومنها ما هو علمي، معرفي. ولعل هذا هو ما دفع أحد الباحثين إلى التأكيد على أن التمسرح موجود في كل مكان”.

وأظن أن الإدارة هي مجال للخطاب التعبيري والجسدي الذي يتجلى عبره التمسرح، والباحث في المتون القديمة يجد دلالات تأصيلية للإدارة تشير إلى “التحول” باعتباره عنصرا في البناء التراجيدي؛ حيث التحول من السعادة إلى الشقاء أو العكس.

إن تمسرح المتخيل هو ممارسة ذات خلفية معرفية راهنت على طرق التشخيص الدرامي أكثر من المراهنة على تمثيل الواقع، واختلفت بين التمسرح التغريبي لبريشت، والتمسرح الطقوسي لأرطو، والتمسرح المضاعف عند بيرانديلو، والتمسرح العبثي عند كتاب اللامعقول، ونحاول أن “نجرب” الحديث عن “التمسرح الإداري”، احتفالا باليوم العالمي للمسرح.

التمسرح الإداري:

غاية المسرح القدرة على التعبير والتأثير في الغير وتلبية الاحتياجات وحل المشاكل، وتلك أهداف القائد الإداري، فـ”الإداري المسرحي” يتفحص الشخصيات و”الموظفين” ولا يحكم عليهم أو يتخذ منهم موقفا، بل يعرف كيف يفكرون وما سر سلوكهم؛ فالحكم على الشخصية حكم ذاتي، أما الحكم على السلوك فمقاربة للموضوعية، هكذا يكون التأمل في الإنسان.

و”المخرج الإداري” له “خبرة مسرحية” هي مخالطة الناس و”القدرة على التمثيل” ومعرفة الأدوار، وتوزيعها كل حسب قدرته واحتياجاته وتكوينه النفسي، ينزل كل واحد منزلته الإدارية والاجتماعية؛ فلا يوجد عاطل ولا شبح بأقنعة غير مسرحية في الإدارة، يبحث عن السلوك الإنساني قبل السلوك الإداري؛ فقد يحترمك الموظفون لكنهم لا يمنحونك الثقة، الثقة التي تجعل غيابك حضورا، ويجعل النسق الإداري يتحرك تلقائيا.

إن التمسرح يعلمنا “التطهير” من الانفعالات الضارة، ويعرف الإداري بـ ” نفسه الإدارية ” بقدراته ومواهبه التمثيلية المساهمة في “التنمية الإدارية”، إنه حركات إدارية قبل بداية العمل، شأن طقوس الإدارة اليابانية التي يؤديها الجميع، رؤساء ومرؤوسين، في صف ووجهة واحدة، يتداخل فيها البعد الروحي بالعملي، ويبدو العمل الإداري “لعبة درامية حركية” تحرك الجسم والعقل وتقوي رابطة الإدارة والرغبة في “الهندرة” وخدمة “جمهور خشبة المجتمع”.

إن “التمسرح الإداري” يفتق الذوق الجمالي والرشد الإداري، تجربة غنية للتكيف مع مواقف الحياة المختلفة، إنه مجال للتكوين والتأطير والتثقيف، يستجيب للتلاقح الحضاري للمجتمعات باختلاف رؤاها وتوجهاتها، وللحاجات الفطرية الإنسانية.

التمسرح الإداري ثقة وتوازن ذهني:

إن التمسرح الإداري هو تحقيق للتوازن الذهني والشخصي، وإذا أردنا تحقيق تقدم نوعي، فلنغير تصورنا الذهني للإدارة؛ فالإنجازات العظيمة هي تغيير لأساليب التفكير القديمة ونفاذ لبصيرة الإدارة، وأفضل الوسائل لذلك هو التأكيد على رسالة المسرح.

إن التعزيز بالاحتفاظ على الأسلوب الإداري نفسه هو انغلاق على الذات، وإشعار الآخرين بالمخاطرة؛ فغياب الثقة يؤدي بالموظفين إلى العمل دون الإيمان برسائل الحياة، ومن لا يؤمن بالشيء لا يستخدمه.

إن الثقة أهم من النزاهة، رغم ارتباطهما معا بالكفاءة؛ فالثقة قرينة الأداء المهني، ومن يفتقد إلى النزاهة، كيف يكسب ثقة الآخرين؟ وإذا افتقدت الإدارة الثقة، فكيف تحافظ على أفضل موظفيها؟ وإذا لم تقم الإدارة على قيم ورسائل، فكيف تصدق في تمسرحها وتعالج النفاق الإداري؟

إن الثقة انتماء لا انعزال، مشاركة لا تفرج؛ فالمتفرج ليس له سوى الصمت أو الهتاف الذي تتداخل فيه الأصوات، والمتفرج ليس هو الممثل الإداري المشارك في تقرير المصير.

إن الثقة تخرج الموظف من دائرة التهميش إلى حيز الفعل، إنها ممارسة للديمقراطية، نقد وانتقاد، سؤال ومساءلة، حساب ومحاسبة، ثقافة مدنية تقوم على الحوار وقبول الآخر.

وبإسدال الستار، نطلب من المتهندرين النظر في المرآة ليروا حقيقة قناع الثقة والنزاهة.

‫تعليقات الزوار

2
  • الفيزازيك
    الجمعة 24 مارس 2017 - 11:32

    بغض النظر عن تضامننا مع فرويد و نظريته للموظفين و اصولنا المشتركة باعتبار الحياة مسرحا تصعد المخلوقات على خشبة الركح مجرد وجودها على الارض لاداء دورها المسرحي المينوط بها و تنزل باطنها لحظة موتها .بالنسبة للوظيفة ، الراتب قد يؤطرني من الانفلاتات و انني اصلي كما قالت فيروز الشرق .

  • محمد الصابر
    السبت 25 مارس 2017 - 09:31

    أنا أضيف الى ماقاله سي ادريس : المسرح الاداري المعطوب ، فالمسرح في بلادنا ليس ثقة وتوازن بل هو اهتزاز وارتجاج فالركح العام للادارات العمومية مازال يعيش في دهاليزه على السباع والحلاليف التي تطلق على الزبائن من المحكومين لمقارعتهم وربما افتراسهم كما تعيش على حفلات الزرود والمحشي مايقابل احتفالات ديونيسوس لدى اليونان،والسبب في ذلك هو فساد الجسم الاداري سواء في رائحة الكثير من أصحابه النتنة أو في الطعم والذوق السخيف الذي يقضون به حوائج الناس. فالوقوف على المسرح الاداري وهم لقضاء الاغراض الادارية دون محسوبية وابتزاز وهوبطء سلحفاتي في فرض المراحل والمحطات وهو أكثر من ذلك عقم فكري وبلوكاج لدى أصحابه لاعتقادهم أن كل العالم يتلخص فيهم وفي ادارتهم،والواقع يقول أن الادارة في بلادنا تحولت الى مطعمة يتغدى أصحابها وجبتان الاولى وسط النهار ثم على الساعة الرابعة والنصف والزبناء المتفرجون ينظرون ويصفقون ويحتجون أحيانا في الكواليس، أما الموظفون فهم يعيشون بدون نزاهة ولاثقة ولا روح انسانية ،يؤدون أدوارهم الجافة معتقدين أنهم يحركون الشمس ثم القمر. ومع ذلك يكثر التصفيق في انتظار الصفير والعويل.

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي