أَيْنَ الْمُثَقِّفِ مِنْ كُلُّ هَذَا الزُّعَاقَ؟

أَيْنَ الْمُثَقِّفِ مِنْ كُلُّ هَذَا الزُّعَاقَ؟
الخميس 23 مارس 2017 - 19:28

لا يجب أن تستاء الدولة الرسمية من توفير حد أدنى لقيمة المثقف والشاعر والمفكر في أجندتها التنموية واستراتيجياتها في تدبير الشؤون العمومية، لأنها إن فعلت فإنما تؤكد كرهها لأن تكون نخبها وخاصتها من أهل الرأي والمعرفة في صلب نهضة حضارتها وإنسانها، وهو ما لا يمكن استساغته عقلا ومنطقا. فالشعوب المزدهرة تقوم على قواعد وبنى الثقافة والعلم، تتقدم بهم وتسمو بأفكارهم ومشاريعهم. وقيم الحضارات الفاعلة في الحوليات البشرية هي العقائد الأخلاقية التي تبني الجوهر وتحرص على الحفاظ على مدخراته والذود عنه في السياسة والعمران والذاكرة والحياة.

ظل الوضع الاعتباري للمثقف المغربي مثار نقاش وجدل لا ينتهيان. وضع تنوء بحمله الكلمات القليلات ها هنا، لأن المقام يقتضي تحديد فلسفة الوضع الاعتباري للكائن الثقافي قبل أي شيء. وهو تحديد يندمج وروح الدور الذي يمثله المثقف في نسق المجتمع وإوالياته، وكذا اتساع الهوة بين قطبي المثقف والثقافة، بين يوثوبيا الثقافة وواقعية المثقف، بين ثورة الفكر واستبداد التفكير التسلطي.

المثقف الذي تحدوه الرغبة في أن يكون وجودا بعينه لا نصا خارج سياق الفعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بالدرجة التي يتماهى فيها ذلك الوجود الرمزي لكائنيته مع الوقائع والتمظهرات والأشكال العاكسة لسيرورة الفعل، قابضا على جمرة بروميثيوس متعالقا بين قوة عضويته المجتمعية ومراهنته على الثورة من داخل حالة الانكشاف التي يعيشها كصورة تجل ومغامرة، لا يزال مفتوما بوحدته الجسدية ومسيجا بأسلاك التبرير والاتكالية ومغبونا تحت طائلة العسف السياسي وسلطة القرار وقوته.

إذا كان الحديث عن الثقافة لا يتم بمعزل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن الحقوق المشروعة للمثقفين لا تعدو أن تكون صيحة في واد وفرزا صاخبا للديماغوجية والاستهتار بمبادئ وقيم وسلوك إشاعة المعرفة وتنويعها وتقريبها لعامة الشعب. وإلا ما البديل الذي يفرضه السياسي على ظهر السلطة، للالتفاف على هذا المعنى وغصب كل ما من شأنه أن يبرز فعالية الثقافة وضرورتها في حياتنا ومآلنا؟.

ويلتبس معنى الوضع الاعتباري للمثقف في المجتمع المغلق بالانصراف عما يؤكد النبذ والإقصاء الممارسين عليه في ظل غياب رؤية منصفة وواعية بموقعه في صلب إدارة الحضارة. يكفي أن نتمعن قليلا في تقييمات التاريخ لهذا الوضع بدرجات متفاوتة متذبذبة لكنها حقيقة بالتفكيك والتأمل.

علامات مفصلية من تاريخ نهضة الأمم توثقها فعاليات فكرية وعلمية وازنة في العالم العربي والغربي على السواء، من ابن سينا إلى ابن رشد، ومن ابن الخطيب إلى ابن خلدون .. والقائمة طويلة، ترمز إلى مستوى انشغال السلطة بتمكين الثقافة والفكر وطبع مداراتهما بالجهوزية المستدركة لإعمال العقل وأبعاده، ليس في الصورة السطحية والترقيع كما هو منذور للهامش والتحشية، ولكن في عمق الرهان على تكريس الثقافة والفكر والمعرفة كشكل من أشكال التنمية، نسيجا في صناعة الحرية والعدل والخير والمساواة والكرامة.

وحتى لا نخفي الشمس بالغربال كما يقال فإننا مطالبون اليوم بإزالة التورية العقيمة التي أنتجتها فراغات المثقفين في منازل المجتمع ومناطقه المعتمة، إن على مستوى تقصيره في استرداد دوره الريادي والإصلاحي لتمثيل أمته واسترفاد خصوصيته الاعتبارية ورساليته، أو ضمور فعاليته وتواريها أحيانا تحت وابل التعتيم على موقعه في خارطة الحياة والمجتمع.

ولن تقوم له قائمة مادام رصيده في هذا الاحتدام منسلخا عن زمنية الحراك واتساع وسرعة العولمية، في وقت تتصادم فيه المعلوميات وتندثر الحشود الفاترة من وشائج الجمود والتقليدانية.

إن الوضعية الاعتبارية للمثقف هي الرصيد المتبقي من كرامته المهدورة أصلا في زمن تنحدر فيه القيم والأخلاق، وتتصادى عن ممكناتها ودواعيها. فلا اعتبار لوجوده مادام معدما وسلبيا ونكوصيا متغافلا عن تكسير طوق القيد الذي استبد به دون مقاومة من جانبه تكفيه شرور التسول والتقتير الممارس عليه.

وصدق دجون هوستن إذ قال وهو يفككك هذا التشوه الذي لحق بمثقف القرون الأخيرة من غرق الإنسانية:” لا مستقبل للمثقف وهو ينصرف غير عابئ بمخلفات المجتمع وأدرابه الوعرة. إن وجوده رهين بصعوده منصة المباهرة وإيثار الوعد والتضحية والصدقية …”.

[email protected]

https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha

‫تعليقات الزوار

4
  • الطالب الباحث .
    الخميس 23 مارس 2017 - 19:53

    .. المثقف اغتيل قبل ان يشرع في التثقف .. المثقف مسحوا كرامته .. المثقف اتسخ من راسه الى اخمس قدميه .. المثقف دمره مثقف .. المثقف تامر على المثقف .. المثقف يطلب لجوء ثقافي ..

  • Alucard
    الجمعة 24 مارس 2017 - 01:28

    ما يثير الاستغراب في الحالة الثقافية المغربية هو أن الليبراليين حاولوا "لَبْرَرَتَ" (من الليبرالية) كل شيء إلا دماغ الانسان المغربي، محولينه إلى زومبي استهلاكي خدمة لمصالحهم المادية الضيقة. وتاركينه إلى معاريف قديمة فلكلورية خرافية محنطة بحنوط "التراث والهوية".
    هذا الانسان الذي وصفناه هنا لا يمكن بأي حال أن يصبح مثقفا مهما قرأ من كتب-على اعتبار أن قراءة الكتب هو المدخل الأول للثقافة- والسبب واضح عندما لا تقرأ سوى ما يساير أفكارك المسبقة فقراءتك لا تجعل منك مثقفا بل حيوانا مُأدْلَجاً (من الاديولوجيا) ومودَمْغَجاً (من الديماغوجيا).
    هذا المخلوق سيعيش في شيزوفرينيا ما بينا حياة مادية استهلاكية وعقل مشحون بطوباوية بلهاء ما شاء الله أن يعيش بينهما ثم ينفجر في النهاية في جميع الاتجاهات كالألعاب النارية.
    الليبرالييون المغاربة يريدون انسان بدرجة من الذكاء-أو الغباء- على المقاس تتناسب ومصالحهم الاقتصادية، متجاهلين النتائج بعيدة المدى التي ربما بدأننا نراها الآن من ضعف المستوى العلمي والثقافي، تطرف ديني….
    وكما يقول Yuri Bezmenov "الليبراليون يبيعون الحبل الذي سيشنقون به في النهاية".

  • شيعي محب آل البيت
    الجمعة 24 مارس 2017 - 12:37

    والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)

    تعريف يتمتع بالدقة من الناحية السيكولوجية فلا يرتكز على أيدولوجية بعينها ولا على صفات شخصية قد تتوفر فيمن ينطبق عليهم هذا التعريف بل يرتكز في المقام الأول على كل من:
     وظيفة أفراد هذه الفئة، فئة المثقفين، في مجتمعهم (البعد الوظيفي)،
     موقعهم المتميز في بنية هذا المجتمع وعلاقتهم بأفراده (البعد البنيوي).

    السيد نصر الدين السيد

  • عصير الزيتون
    الجمعة 24 مارس 2017 - 16:07

    الجنود – بروليتاريا العصر الحديث

    إن ذلك يقودنا بالضرورة إلى الدور الخطير الذي يقوم به بعض المثقفين ورجال الإعلام من تعمية على عيون العامة بتاليه الحرب وأهدافها دون نبش الهدف الحقيقي للامبريالية من هذه الحرب وبالتالي فان الخيانة الأخطر تكمن في هذا الدور المشبوه من المثقفين المنظرين لأهداف الامبرياليين ممن يصوغون أحيانا هذه الأهداف ويقدموا لها التبريرات ويقولبونها في هالة من القداسة حتى لا يجرؤ احد على محاربتها بما في ذلك بعض الفقهاء المأجورين ورجال ….

    عدنان الصباح

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب