ديمقراطيات آيلة للسقوط!

ديمقراطيات آيلة للسقوط!
الخميس 23 مارس 2017 - 09:00

إن أي عملية تغيير، خاصة إذا كان هدفها البناء الديمقراطي، لا يمكن أن تكون إلا بالوسائل الديمقراطية وداخل مؤسسات الديمقراطية الكفيلة بتأمين الاجماع أو الاعتراض حول خطوات التغيير هاته، وتحيطها بحزام الأمان من أي اختراق أجنبي، وإلا كانت عمليات نحو تغيير فاشل، بل ودرسا في أضحوكات محصلات ”دوباج” الديمقراطيات.

تلك الديمقراطيات اللحظية التي مبتدؤها حميمية موائد الإطعام ملأ دفء المناسبات الخاصة، بيد أن الديمقراطية منهج يعني الجميع وليس فئة تقاطعت حول مصالح الشخصنة؛ فكل ديمقراطية لا تتغيى التنظيم من داخل المؤسسات كان عرشها نشوة الأوهام!

ولنا في دروس الربيع العربي أسوة عبر المزيد من التمحيص! صحيح أن للوسائط الافتراضية أهميتها في العناوين البراقة نحو “التغيير “، إنما تظل معيبة في غياب المزاوجة مع أشكال ووسائط النضال الترابية والتنظيمية بصفة مسترسلة، وإلا اتصف الفاعلون فيها بالانتهازيين الموسميين سراق أحذية النضال؛ لذلك فالتغيير حتما قادم لا محالة، لكن في أي اتجاه؟ وهل للتغيير أن يكون خارج الأدوات الديمقراطية؟ وبعيدا عن المؤسسات الديمقراطية؟ ففي أي مبادرة بعيدة ذلك هو تعسف ورفس على كل التضحيات الجسام التي قدمتها.

الديمقراطية ليست لعبة إلكترونية تجنى فيها المكاسب ونحن جالسون على المقاعد الوثيرة في زوايا البيوت الوثيرة، إنما هي رياضة مجهدة بفعل تمارين شاقة في النضال اليومي ترابيا وعلى مستويات متعددة تحتاج إلى تضحيات ودأب وعرق ونزيف في أحيانا كثيرة، تحتاج إلى صدق السريرة لتكون الروح فيها ذات جذب طوعي وليس ابتزاز قهري تساوم فيه احتياجات الناس فتذعن فيه أعناقهم!

الديمقراطية أمل غير زائف ولا مغشوش ولا زر أزرق أو أخضر تحت الطلب، بل مطلب يحتاج منا سلامة العقيدة بجدواها وتجلياتها الديمقراطية وسيلة ورسالة نورانية تسهم في إنارة الطريق للأجيال نحو جدوى تقوية المؤسسات دونما إملاءات من الخارج.

الديمقراطية حياة مهددة بالسرطنة إن طغت عليها الشخصنة.. الديمقراطية سلوك ومنهج مستمر وليس نزوة عابرة.. الديمقراطية دائما كانت تأتي من الـ”تحت” وكل ديمقراطية مستوردة منزلة من أعلى مصيرها آيل للسقوط!

الديمقراطية روزنامة عبر ودروس تعطى للمناضلين بكرم العرق المتصبب في الطرقات وفي التفاعلات المستمرة مع المناضلين وفي الاستماع الدائم إلى نبض معاناتهم، وغير ذلك تبقى جذوة زيف التغيير شعارا واهما يزكي شساعة الفجوة بين “الينبغيات” من الشعارات في ظل التعسف على ديمقراطية المؤسسات، وبين التوقعات المبنية على المتمنيات غير الخاضعة لمنطق الاعتراف بعموم الأطراف المعنيين بآلية الديمقراطية دونما تراتبية وفي احترام تام للقوانين والمؤسسات، وإلا سيتضخم صوت السقوط فوق درجة المتوقع لضبابية الرؤية وتعثر المنطلق، ولذلك لابد من جردة حساب واقعية حفظا للجهود المبذولة في دوامة الفراغ الرؤيوي.

لنا في تباشير الفجر موعد يكشف زيف الانجذاب للأضواء الكاذبة على قارعة الطريق، وغد يعزز أن طرق التغيير ساحاتها مواقع النضال الترابي والمؤسساتي المسترسل أو التفاعل الفكري معه، وهو كذلك يشكل ساحة كبرى للنضال.

وأن أسلوب التغيير ليس خيارا ذاتيا وإنما يقرره الواقع الموضوعي وحقائق ميزان القوى الخاضع للغة الفعل وليس لغة القول أو الرسائل الحالمة أو الواهمة، في إدراك تام بأن أي تغييرعليه أن يحفظ قوة المؤسسات لا حقوق فريق ظل شاردا في كل الجولات والمعارك النضالية مرتديا أدوار المتفرج من أعلى في أحيانا كثيرة.

وأن يتم الوعي أن ركوب مركب العصبيات القبلية في المعركة من أجل حفظ المقاعد الأمامية في تقاسم السلطة هو مركب انتهازي وخطير في تمزيق الوحدة المنشودة لتقوية المؤسسة دونما تغليب مصلحة هاته المؤسسة على النزعات الخاصة، وإدراك أن تسويق الوهم المبني على القرب من الدوائر الضيقة للقرار الخارجي حمال أوجه؛ لذلك على ”أصحاب المصالح” في هاته الرؤية الكف والتوقف على محالفة الأجنبي والاستعانة به في معركة هذه الدوائر من أجل السلطة أو ”النفوذ الديمقراطي”؛ لأن ذلك يطعن في شرعيتها وفي لوثة قيمها المستدرجة لهذا التغيير.

‫تعليقات الزوار

6
  • مضامين الإصطلاحات
    الخميس 23 مارس 2017 - 11:42

    من الإشكالات الكبرى للفكر عندنا عدم دقة الإصطلاحات ، فكثير ما نتحدث عن الديموقراطية دون أن نحدد مضامينها ، فإذا قلنا هي حكم الشعب ، نلاحظ أن الوقائع تدحض هذا المنطوق لأن ديموقراطية أثينا كانت تستثني ثلثي الشعب من العبيد ، وهو ما بقي مستمرا إلى اليوم حيث تحكم الأقلية المنتخبة (بفتح الخاء) الأغلبية المنتخبة ( بخفض الخاء) .
    لقد تم حصر الديموقراطية في الإنتخابات التي تحولت إلى مبارزة لا تختلف عن المبارازات الرياضية مثل كرة القدم التي يكون فيها لكل فريق أنصاره.
    لقد بدأ المفكرون في الغرب يبرزون عيوب الإنتخابات التي صارت تخيف بسبب صعود اليمين المتطرف والزعماء العنصريين أمثال الرئيس الأمريكي ترامب ، كما صارت الإستفتاءات مخيفة كذلك بسبب إلزامها حكام بريطانيا مغادرة الإتحاد الأوروبي.
    وقس على ذلك إصطلاح "المرجعية الإسلامية " أو "الإسلام هو الحل" ، أو "الخلافة الراشدة" هل المقصود إسلام وخلافة السنة أو الخوارج أو إسلام وإمامة الشيعة ؟.
    وهل المقصود تطبيق أحكام الشريعة من قطع الرؤوس و الأيدي بالسيف والرجم بالحجر والجلد بالسياط أم ماذا ؟

  • KITAB
    الخميس 23 مارس 2017 - 12:04

    ومتى كانت لنا ديموقراطية بالفهوم المتعارف عليه؟ لدينا فقط كليشيهات عنها وصور ورقية نجترها في مناسبة وغير مناسبة؛ فالديمقراطية هي أن نراها ونحسها ونعيشها وتصحبنا في غدونا ورواحنا أينما حللنا وارتحلنا وهي بهذا المعنى منعدمة تماما. تحياتي

  • ريفي
    الخميس 23 مارس 2017 - 12:56

    لابدا من التغيير الان هناك اعتقاد ممن يديرون الحزب في باب العزيزية . في وجود تنظيم محكم وعمل يدبّر في الخفاء بأهداف سرية مغايرة لما يتم الإعلان عنه في ظاهر الخطاب، وهي أهداف تكتسي طابعا سلبيا يجعلها مصدر تهديد و خطر داهم. ينتج عن هذا الإعتقاد شيئان اثنان : حالة من البارانويا لدى الأفراد والجماعات الذين يشكون في كل شيء ويتوجسون خيفة من أي تحرك أو عمل أو مشروع باعتباره قد ينطوي على مآمرة، وينتج عن الإعتقاد المذكور من جهة ثانية عدم الإهتمام بخطاب الخصم و محتوياته وصرف النظر عن الإستماع إليه باعتباره عديم المصداقية، فمادام الخصم متآمرا فالمطلوب تحطيمه والقضاء عليه وليس محاورته أو الإستماع إليه أو مبادلته الأفكار والتجارب .مشروع نزار بركة مشروع وحدوي يتسع لرئي و الرءي الآخر يجمع بين طياته كل ختلاف.

  • الرياحي
    الخميس 23 مارس 2017 - 13:10

    تحية ل KITAB
    في الصميم وكما تفضلت الديمقراطية هي قبل كل شيئ تعامل وإعتبار الآخر وأشياء أخرى كثيرة متشعبة وأما الحزم بالتصويت فهو آخر شيئ نحتاج إليه.
    تحياتي

  • KITAB
    الخميس 23 مارس 2017 - 14:26

    إلى الرياحي، تحية… يؤسفنا كقراء لهذا الموقع أن تتكاثر بيننا أقلام بمواضيع إنشائية لا تستند إلى صمامات الحياة، كلها معرضة لهبوب التكشيطات الحمراء… أعرفك منذ وقت مبكر كقارئ محترف وبنفس قل نظيره حتى أكاد أجزم بأن كل مقال وارد في هذا الموقع يمر من تحت ناظريك قبل أن يصل باقي القراء، تحياتي

  • الموضوعي
    الخميس 23 مارس 2017 - 16:30

    انت تتكلمين عن الديموقراطية ولكن للاسف
    لا تعرفين معنى الديموقراطية ويظهر ذلك من خلال استعمالك "الربيع العربي " الذي يحمل ثقافة الابادة وليس ثقافة الديموقراطية .فهل هذا الربيع ان كان فعلا ربيعا شارك فيه العرب فقط لتسميه كذلك ؟

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي