في عيد الأم .. أمهات معتقلي الحركة الإسلامية سنوات الرصاص

في عيد الأم .. أمهات معتقلي الحركة الإسلامية سنوات الرصاص
الخميس 23 مارس 2017 - 12:30

تكاد تكون ، سنة 2016، 2017، الفترة الأكثر حملا للأحزان إلى بيوت المعتقلين السياسيين الإسلاميين السابقين، معتقلي الحركة الإسلامية سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، الذين تشرفوا بأن كانوا أبطال المحاكمات السياسية الأولى في تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، بعد أن كان شرف الاعتقال السياسي حكرا على مناضلي اليسار وحدهم.

فقد رحلت عنا قريبا إلى دار البقاء أم أحمد الحو، النزيل السابق لزنازن الإعدام، وليس بعيدا كذلك، ودع جيل الحركة الإسلامية، جيل التأسيس والإبتلاآت والسجون، أم محمد حقيقي، وأم عبدالله معزي ، وأم محمد لفضالي ، ووالدة عبدالله حايدو، ووالده المقاول محمد حايدو، الرجل الفريد في عطاآته الحاتمية ، لسجناء الحركة الإسلامية، طيلة السنوات المديدة من ٱماد الاعتقال السياسي، والرجل الفريد أيضا، في إمداد المعتقلين الإسلاميين عند زيارتهم، بكل الجديد والخفي في كل مايدور في الدائرة الأعلى للسلطة، حول قضية مجموعات الاعتقال الإسلامي، والموقف الأعلى من منحى الإفراج ومن عدمه، نظرا للعلاقات الوثيقة التي كانت تربط الرجل بصانعي القرار ٱنئذ، المقربين من الملك الحسن الثاني، أحمد رضا اكديرة، وأحمد بنسودة، وإدريس البصري.

في ذلك الزمن القاتم من سنين السبعينيات والثمانينيات، سنين القمع والكتم والخنق، كان أولئك الأبطال، أبطال الإعتقال السياسي الإسلامي، في غضاضة العمر، وغضارة العود، تلاميذ في الثانويات، أو طلبة في الجامعات، بعضهم بالكاد قد تجاوز مبلغ الحلم بقليل، وهن ، أمهات هؤلاء الأبطال، كن في أوج الثلاثينات من أعمارهن، أوبداية الأربعينات، تستمتعن بغدق السعادة تفيض عليهن، وهن يرمقن أبناءهن بعيون الإطمئنان والاغتباط، وقد تميزوا على أترابهم وأقرانهم بالنجابة والنباهة والطهارة في السلوك والدماثة في الخلق، كن يرمقن من وراء هذا التفوق الدراسي والتميز الخلقي، أنوار المستقبل الوضيء الواعد الخلاب، فيتفانين في خدمة هذه النجابة المتميزة، بكل ماأوتين من قوة ونشاط واهتمام، وبكل ماإستطعن من سهر وحدب وإعتناء، ولم يكن يخطر على بالهن، مثقال ذرة من شك، أن هذه النجابة وتلك الطهارة ستقلب عليهن الحياة رأسا على عقب، وأنهن سيتحولن من وادعات ربات البيوت إلى ثاويات جنب بوابات السجون والمعتقلات.

حتى تلك اللقاأت في بيوتهن، لأبنائهن مع أخلاءهم، والتي كانت تتأخر إلى أن تلامس كبد الليل، وكن يجتهدن في الإكرام ويبالغن في الإقراء والضيافة، فهي في حسبانهن لقاآت دراسية، وإعداد للامتحانات، هذه اللقاآت شرحها الدهر لهن في المحاكم وعلى أرصفة السجون والمعتقلات أنها كانت إجتماعات خلايا سرية، وأنها كانت جلسات ثورية ومؤامرة على النظام، لايرى النظام لها جزاء وفاقا سوى الحكم بالإعدام، حتى ولو كانت وجوه أصحابها تقطر بالنداوة والصبح والإشراق.

ولازالت ذاكرة المعتقلين الإسلاميين تحتفظ بإحدى الطرئف المضحكة في محاكمة المجموعة ال71، سنة 1984، حينما رافعت النيابة العامة فطالبت بإنزال عقوبة الإعدام بأغلب المعتقلين لأنهم تٱمروا على النظام ودعوا إلى ثورة مسلحة، وأمام دهشة الأمهات وصدمتهن، وكن يحضرن أطوار المحاكمة، سألت إحداهن ابنها كي تستجلي تفسيرا لذلك، وهي المرحومة أم الحو أحمد، عن هذا الذي نطق به الوكيل العام للملك، فأجابها ليكفكف من مخاوفها، ياأماه إن ما نطق به الوكيل العام هو طرح النيابة العامة، وأن طرحها يبقى مجرد طرح مطروح، فأجابته ياأحمد، مالك تتفلسف علي، آش من طرح هذا؟ أنا لاأعرف إلا طرح الخبز في الفران، هذاك راه الإعدام ٱولدي، وفيما كان المعتقلون ينفجرون بالضحك، كانت الأمهات تنفجرن بالبكاء والألم، في منظر درامي ضاحك باكي.

أغلب هاته الأمهات كن غير متعلمات، لاتعرفن قراءة ولا كتابة، ولكن أطوار المحاكمة الماراطونية القاسية، علمتهن الفصول القانونية الجنائية التي تستهدف رؤوس أبنائهن، فأصبح لهن فهم كفهم المحامي والقاضي، ثم ولما انتهت المحاكمات وجاءت الرحلات المكوكية إلى مختلف السجون القاصية، وإلى حيث المسؤولين في وزارة العدل، وفي الإدارة العامة للسجون، وفي الديوان الملكي، وإلى حيث مقرات الأحزاب والصحف، وجمعيات حقوق الإنسان ، وإلى حيث النضالات الطلابية في الجامعات، أصبحت هؤلاء الأمهات، رغما عن إختياراتهن وأقدارهن مناضلات من الطراز الرفيع ، على دراية تامة بثقافة النضال، وعلى قدرة من إجادة فنون الحوار والمطالبة والضغط.

بعد أن حكم على أبنائهن بالإعدام، وبالسجن المؤبد، وبالعشرين سنة، نسيت هاته الأمهات حياة الجمال والدلال، وتخلين عن نصيبهن من إنشغالات النساء، وترف النساء، وأصبحن كالعسكر في ساحات الوغى، يقطعن الأسفار في الليالي الحوالك، ويبتن على أرصفة السجون في القر والبرد القارس، وفي المصيف والحر الشديد، ويحملن على كواهلهن أحمال المؤن والكتب والدواء، ماإن أثقاله لتقطع الأوصال وتنوء به أولي العزم والقوة من أشد الرجال . وكم تكون حسراتهن وألامهن بعد أن ينفقن يوما وليلة من الطهي وإعداد الٱطعمة، ويوما وليلة من السفر المضني، ثم يفاجئن بأبنائهن وقد دخلوا في إضرابات عن الطعام دفعا للظلم، ودفاعا عن الكرامة.

بعد هذا المنعطف الكئيب في حياة هاته الأمهات، لم تعد لهن من قضية في حياتهن سوى قضية الدفاع عن كرامة و حقوق أبنائهن في السجون، ونذرن حياتهن كلها للكفاح وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين كل السياسيين ، وأنشأن من أجل ذلك تكتلات عائلات المعتقلين السياسيين ، كانت في انتظامها وإنضباطها أرص صفا من صفوف التكتلات الحزبية.

إن مما يدعو إلى كبير من الإجلال و التقدير والتوقير لأمهات المناضلين والمعتقلين السياسيين، هو أنه في الوقت الذى إختار أبناؤهن طريق العمل والنضال والموقف والتضحية بناء على إرادة طوعية ناضجة بالفكر والعقيدة والتنظيم، فإن الأمهات وجدن أنفسهن وقد فرض عليهن الانخراط في نضال أبنائهن، وأقحمن أنفسهن في الإختيارات الفكرية والسياسية التي لم يكن لهن بها سابق عهد ولا سبق إعداد، وقد كن نساء قاعدات في بيوتهن خاملات الوعي والإطلاع ، وفي لحظة من انقلاب العمر أصبحن في الخط الأول على جبهة التضحية والعطاء، وفي غاية من التجرد والإخلاص.

في ذكرى عيد الأم، المجد والخلود لأمهات المعتقلين السياسيين، والدعاء للمرتحلات منهن إلى دار البقاء بالرحمة والمغفرة.

*محام ومعتقل سياسي إسلامي سابق

‫تعليقات الزوار

2
  • citoyenne du monde
    الخميس 23 مارس 2017 - 21:23

    C'est beau le sacrifice des mères. C'est beau qu'un Islamiste pense à la fête des mères qui ne fait pas partie de nos traditions (un peu comme la bonne année). C'est beau qu'un ex-détenu Islamiste soit devenu avocat pour faire l'éloge de ceux qui voulaient renverser la monarchie et plonger le Maroc dans le chaos.

  • كاره الضلام
    الجمعة 24 مارس 2017 - 13:33

    حتى الامومة اقحمتم فيها الاحقاد و دنستموها بالايديولوجيا ، حتى المعاني السامية لوتثموها بسواد دواخلكم ، لم تتركوا معنى نبيلا الا و ميعتموه و لونتموه بالطائفية و الانانية ،فالاخوة اخوة في الله و الطفولة قابلة للنكاح و الان جاء دور الامومة لتقحم فيها احقاد الماضي و تحصرها في طيف من المغاربة، اي قدرة لديكم الى تسويد النقاء و تدنيس الصفاء و تلويث منابع الطهر في عالم البشر، لو كانت لديكم درة من حب الام لما اقحمتموها في اغراضكم السياسوية و لو كنتم تعرفون معنى النبل لما استعلمتموه لتصفية حسابات او تسجيل نقط سياسوية،فالاسلاميون هم الدين يقحمون الاطفال في معراكهم الايديولوجية و العسكرية ايضا و هم الدين يتزوجون الطفلات و هم الدين يعادون الاخ الشقيق من اجل المعتقد ،فكيف يتغنى بالامومة من لا يعرف الطفولة و الاخوة و الصداقة الخ الخ،؟ امنا هو المغرب و هو الام التي تجمعنا جميعا و ابناء الامهات التي تدافع عنهن اساؤوا الى امنا و بالتالي فنحن نعتبرهم اعداء ،نحن لا يدغدغ مشاعرنا اي شيئ حينما يتعلق الامر بامنا العظيمة التي هي الوطن

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب