ماكرون، الرئيس المفاجئة لفرنسا متغيرة

ماكرون، الرئيس المفاجئة لفرنسا متغيرة
الجمعة 28 أبريل 2017 - 09:46

يعتبر إمانويل ماكرون الابن الشرعي للرئيس الحالي فرانسوا هولاند، حيث كان من مسانديه الأساسيين منذ 2007، ورفض عروضا متعددة من اليمين الفرنسي لولوج باب السياسة، خاصة عرضا بالعمل في مكتب الوزير الأول فيون سنة 2010. وعندما أصبح فرانسوا هولاند رئيسا، دخل ماكرون للعمل كمساعد للسكرتير العام للرئاسة وهو في سن ال34 سنة، وسيصبح بعد ذلك وزيرا للاقتصاد بعدما قرر الرئيس هولاند سنة 2014 تعميق التوجه الليبرالي لإصلاحاته الاقتصادية، فكان ماكرون الرجل الأمثل لهذا الاختيار الجديد.

خلال مروره السريع بوزارة الاقتصاد، أتبت ماكرون أمرا أساسيا، وهو قوة شخصيته ودفاعه القوي عن رؤاه ومواقفه السياسية واختياراته الاقتصادية دون أي اعتبار للتوازنات السياسية أو الحزبية، فهو يدافع بكل قوة بما يؤمن به إلى حد النجاح أو يقدم استقالته مقابل ذلك. حيث بعد أن مرر قانون ماكرون 1 الذي فرض إصلاحات حررت العديد من القطاعات الاقتصادية في فرنسا أمام قواعد التنافسية الحرة، بدأت شخصيته الاندفاعية والفريدة في استهواء الإعلام والصحافة التي أدخلته إلى الأضواء سريعا.

ذلك أن ما أبان عنه من دينامية سياسية فريدة مكنته من إعطاء مكانته حجما أكبر كل يوم في الرأي العام، انتهت بخلق أزمة بينه وبين الرئيس هولاند والوزير الأول أنداك إمانويل فالس، خاصة بعد إطلاقه لحركته “إلى الأمام En Marche !” وإرساله لإشارات تظهر رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية. ابتداء من هذه النقطة، بقدر ما ستتدهور علاقاته مع معظم وزراء وفريق عمل هولاند، سيصبح ماكرون ظاهرة إعلامية حقيقية وراسخة، حيث خصصت له ما يفوق من خمسين واجهة إعلامية بين أكتوبر وديسمبر 2016.

فهو زبون جيد للإعلام، من جهة نظرا لمواقفه الليبرالية والمبتعدة عن المواقف التقليدية للحزب الاشتراكي حول الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، ومن جهة أخرى لما أصبح يلعبه من دور مشوق كمنافس لهولاند وفالس بعد أن ارتفعت شعبيته في الرأي العام، خاصة بالنظر إلى السيناريو البطولي الذي يلف صعوده، والصورة التي خرج بها إلى الأضواء من تحت مظلة الرئيس هولاند، الرئيس الذي صنعه لينقلب عليه. حيث في شهر غشت 2016، سيغادر ماكرون وزارة المالية بعد سنتين تقريبا من تعيينه، و84 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون خروجه من الحكومة لعدم تمكنه من إرساء الإصلاحات التي يريدها. أنذاك صرح الرئيس هولاند بأن ماكرون “خانه بكل منهجية”.

في 16 نوفمبر 2016، أعلن ماكرون عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية وبدأ في جمع التبرعات حول مشروعه “إلى الأمام” التي بلغت حوالي 3.7 مليون أورو بنهاية سنة 2016، وهي ميزانية ضخمة تبلغ حوالي ثلاثة أضعاف ميزانية فيون لانتخابات الدور الأول لاختيار مرشح اليمين للرئاسيات. كما نشر كتابه “ثورة” الذي حقق أكبر المبيعات في فرنسا بحوالي مائتي ألف نسخة موزعة. كما رفض الدعوة إلى المشاركة في انتخابات الدور الأول للحزب الاشتراكي لاختيار مرشحه للرئاسيات الفرنسية، حيث اختار لمشروعه السياسي أن يكون فوق اليسار واليمين.

ولعل هذا التموقع الذي قاده بذكاء إلى النهاية هو السر الكبير في نجاحه في الصمود إلى أخر يوم من الدور الأول للرئاسيات الفرنسية والتي فاز فيها بالمرتبة الأولى ب24 بالمائة من نسبة الأصوات. لقد استطاع خطاب ماكرون التركيبي أن يجذب دائرة واسعة من الناخبين تتكون من اليسار الليبرالي، والوسط واليمين الجمهوري، حيث استفاد من فوز بونوا هامون الذي يمثل التيار الراديكالي داخل الحزب الاشتراكي على فالس الذي كان سيكون نجاحه كمرشح للحزب الاشتراكي للرئاسيات سببا في مشاكل كبيرة لماكرون لأنهما يتقاسمان نفس التوجهات الليبرالية (Socialisme libéral). أما وقد ترشح هامون، الذي تراجع إلى 6 بالمائة أمام قوة المرشح ميلونشون الذي ينافسه نفس التوجه السياسي والأيديولوجي داخل الحقل الانتخابي الفرنسي، فقد بقي جمهور اليسار الليبرالي بدون ممثل في اليسار، وهو ما سمح لماكرون بملئ هذا الفراغ والاستفادة من هذه الكتلة الناخبة المهمة المحسوبة على اليسار الليبرالي.

أما الوسط، فهو عادة ما يمثله المرشح فرانسوا بايرو الذي لم يترشح هذه المرة واختار أن يساند ماكرون في إطار تحالف زاد من مشروعية هذا الأخير ومن جدية ترشحه للرئاسيات. ولقد كان الحظ أيضا حليف السيد ماكرون، خاصة بعد انهيار المرشح فيون بعد أن كان أقوى مرشح للرئاسيات، إثر انفجار عدد من الفضائح المالية في وجهه، والمتعلقة بتوظيف زوجته وأولاده في وظائف وهمية مقابل مبالغ مالية مهمة، ما جعله يتراجع إلى أقل من 20 بالمائة في الرأي العام بعد أن كان متقدما بحوالي 27 بالمائة في نوايا التصويت، فكان هذا التراجع أيضا دفعة مهمة لماكرون إلى كرسي الرئاسة الفرنسي كثامن رئيس للجمهورية الفرنسية.

ذلك أن مرشحة اليمين المتطرف، السيدة مارين لوبين، لن تستطيع هزم ماكرون في الدور الثاني من الرئاسيات، وذلك على الرغم من كونها من المنتظر أن تحقق تقدما كبيرا في نسب التصويت في الدور الثاني قد يبلغ 38 بالمائة حسب استطلاعات الرأي، مقارنة مع ما حققه أبوها ماري لوبين سنة 2002، والذي حقق خلال الدور الأول 16 بالمائة و18 بالمائة خلال الدور الثاني. ففرنسا ليست مستعدة، إلى حد الآن على الأقل، لإعطاء اليمين المتطرف مقاليد الحكم، ولازالت في غالبيتها بعيدة عن الأفكار العنيفة لهذا التيار الذي يتزايد حجمه رغم ذلك بشكل ملحوظ ومتنامي.

في الأخير، يبقى أن نقول أن نجاح ايمانويل ماكرون في رئاسيات فرنسا، كما نجاح ترامب سابقا في رئاسيات أمريكا، يدل في العمق على المتغيرات الأساسية التي تعيشها المجتمعات المتقدمة وتجاوزها لتناقضاتها القديمة ونظم تفكيرها وتطلعها لمستقبل يتجاوز المقاربات التقليدية لأزماتها ومستقبلها، ومن تم ابتعادها عن الأحزاب التقليدية. وهو دليل على أن هذه المجتمعات تتطلع إلى بدائل حقيقية وجديدة تمكنها من تجاوز إشكالاتها المتعددة، وتفتح لها مستقبلا أفضل يبتعد عن الخيار الأسود، خيار الفوضى والعداوة والصراع الذي يمثله اليمين المتطرف. فهل ينجح ماكرون في تجديد الحقل السياسي والاقتصادي والأيديولوجي في فرنسا وإيجاد حلول ناجحة تعيد لفرنسا قوتها وتوهجها وتفتح لها ولأوروبا وللعالم عامة أملا يبعد شبح الكراهية والقومية المتطرفة والحروب. السنوات الخمس المقبلة ستعطينا الجواب على ذلك.

‫تعليقات الزوار

6
  • سويسو
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:21

    الخلايا السرطانية ستنبعث من داخل الجسم تحت تأثير الكذب و الخداع ،، الكذب و الخداع يحفزان عمل الخلايا السرطانية و مات بعد معاناة مريرة من مرض لم ينفع معه علاج

  • مراد بك
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 11:25

    يتوقع ان يفوز ماكرون ب بستون في المائة مقابل أربعين للوبين ، والكل ينتظر موقف ميلونشون اليوم على قناته الخاصة بيوتيوب وماذا سيوجه به أنصاره او يوحي لهم بشكل غير مباشر للتصويت لصالح احد المتنافسين رغم استحالة الدعوة الى التصويت لعدوته اللدود مارين لوبين ، اذ لا ينبغي الاستهانة بثقل أصوات حزب اليسار الذي احتل المرتبة الرابعة ويبدو من الآن ان الكتلة الناخبة لليسار الملونشوني ستصوت لصاح ماكرون كما عبر عن ذلك بعض أقطابهم on va voter pour macron le nez bouché ، بيد ان هناك من يدعو للتصويت الابيض voter blanc ، على كل هناك فئات عريضة ستصوت لأحد المرشحين دون اقتناع باي منهما وهذا وما تجلى في المظاهرات الطلابية التي انفجرت في بعض المدن كباريس ورين تحت شعار ni macaron ni le pen ، لكن ما يدعم حظوظ ماكرون ايضا ويضعف خصمته هو بقاؤه داخل الاتحاد الاروبي في الوقت الذي تدعو لوبين للانسحاب منه ما يراه الفرنسيون مجازفة غير محسوبة العواقب ، على أي فحتى لو فاز ماكرون كما تشير الى ذلك اغلب الاستطلاعات فما تعرف حقبته الرئاسية تغييرا حقيقيا لاحتواء المشاكل المتفاقمة فحتما ستؤول الرئاسيات المقبلة

  • أمين
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 12:21

    "الحب يصنع المعجزات"
    "وراء كل رجل عظيم امرأة"
    هذان القولان ينطبقان بصدق على المرشح للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون،ويكشفان الجانب العاطفي من حياته مع رفيقة دربه بحيث صنفت قصة حبهما على أنها قصة القرن.
    بريجيت ترونيو هي زوجة ماكرون،وتكبره بخمسة وعشرين عاماً،فما قصة هذا الفارق في السن بين الرئيس المقبل وزوجته؟
    تبلغ ترونيو 64 عاماً،وكانت التقت ماكرون للمرة الأولى في المدرسة الثانوية،ولكن ليس كزميلة،بل كانت تدرسه الأدب الفرنسي عندما كان ماكرون اليافع لا يتجاوز سن الـ15.
    وفي أحد تصريحاتها الى مجلة "باري ماتش" قالت ترونيو:"قال لي ماكرون عندما كان في السابعة عشرة:"مهما فعلت سأتزوجك"،أما بالنسبة إلى فارق السن فأوضحت دراسة فرنسية صدرت في سبتمبر أن ارتباط النساء برجال يصغرهن عمراً بات شائعاً بين الفرنسيات،ولا يمانعه المجتمع في شكل عام.
    وكان والدا المرشح الرئاسي ماكرون غير راضيين عن علاقة ابنهما المراهق بمعلمته البالغة آنذاك40 عاما،إذ طلبا منها الابتعاد عن نجلهما حتى بلوغه سن 18 على الأقل.
    وكانت ترونيو قبل ماكرون متزوجة،وهي أم لثلاثة أبناء كلهم ناجحون عمليا،أحدهم يكبر ماكرون بعامين.

    عن الحياة.

  • عبد الله
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 13:39

    ( اد ان اي تشتت لاوروبا هو في مصلحة المغرب )

    بعض الناس كالضواري لا يمكن أن يستمروا في العيش إلا على جثث الأخرين .

  • المهدي
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 15:41

    في لقاء لممثل لوبين مع جان كاك بوردان في برنامجه الصباحي أكد Aliot Louis أن لوبين في حال فوزها ستعمل دون تردد على الترحيل الفوري لكل اجنبي في حالة العود récidiviste كما سترحل ايضا اي مشبه به ادرج ضمن لوائح fichier S الذي تعتمده اجهزة الأمن لتصنيف المشتبه بهم ، اما من سيبقى داخل فرنسا فقد هيأت لهم اسباب كراهية البقاء من خلال عزمها تنفيد سياسة التضييق عليهم في الشغل بتحميل اي مشغل لمهاجر أداء زيادة بقدر عشرة في المائة عما يؤديه من واجبات تشغيل مواطن فرنسي ما سيجعل ارباب العمل يتخوفون ويرفضون تشغيل الأجنبي المقيم بصفة قانونية ، كما يتضمن برنامجها الاجتماعي إعطاء الاولوية في السكن المدعم من طرف الدولة APL للفرنسيين دوسوش ، هذه مجرد عينة من حزمة إجراءات تستهدف المهاجرين للإجهاز على مكتسباتهم وجعلهم يتبوؤون مرتبة دنيا مقارنة مع الفرنسي الابيض ، وهذا سيكون مشمولا بالتنفيذ الفوري حال اعتلائها سدة الرئاسة ، واتفق مع صاحب التعليق 6 عبد الله في تلميحه فالبعض يرى الاروبيين من خلال ذاته ومن خلال حالنا نحن العرب وان الخروج من الاتحاد الاروبي يعني انشقاقات بينهم وصراعات سوف نستغلها نحن المغار

  • حقّ الردّ .
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 17:13

    (ان وجود اليمين و اليمين المتطرف بالخصوص في السلطة الفرنسية يمكن ان يكون فرصة لا تعوض لنهوض بلدنا على انقاض اتحاد اوروبي متهالك)

    و كأني أقرأ تعليقا لأحد الدواعش بعد أن وصل إلى إمارة البغدادي و صار لا يخشى الأجهزة الأمنية من تبعة تصريحاته .
    الطيور على أشكالها تقع و مثل هذه التعليقات لا تصدر إلا عن شخص عنصري و قليل الأدب لا يتردد في وصف من يخالفه في الرأي بال(@#) ، على أي ، كل إناء بما فيه ينضح ، والعيب من أهل العيب ليس عيبا ، و الشيء من مأتاه لا يستغرب .

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد