مَا السِّرُّ فِي تَمَاسُكِ حِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَّةِ وَعَدَمِ انْقِسَامِهِ؟

مَا السِّرُّ فِي تَمَاسُكِ حِزْبِ الْعَدَالَةِ وَالتَّنْمِيَّةِ وَعَدَمِ انْقِسَامِهِ؟
الجمعة 28 أبريل 2017 - 00:48

يُثار، منذ مدة، حديث عن احتمال انفكاك عرى حزب العدالة والتنمية، وانشطاره إلى تيارات متفرقة، وتوجهات متضادة؛ وذلك منذ بدأت حُمَّى المشاورات الحكومية التي ترأسها السيد سعد الدين العثماني، تلقي بظلالها الكزة الجاحدة، على النقاش الداخلي للحزب، الذي تحول إلى جدل غير مسبوق، لم يستطع حكماء الحزب أن يكتموا تداعياته، ويَحُدُّوا من سخونته، حتى حولوا غسيل حزبهم الداخلي إلى فضاء الرأي العام الوطني عبر منابر التواصل الاجتماعي، وصفحات الجرائد الإليكترونية، وازدادت حدة هذا النقاش المُزلزل بعد ظهور نتائج المشاورات، وتَبَيُّن التشكيلة النهائية للحكومة. حيث سقط في أيدي الكثير من مناضلي الحزب الذين كانوا يمنون أنفسهم بولاية حكومية ثانية، تحث قيادة “الزعيم” بنكيران؛ أكثر انسجاما، وأقوى برنامجا. لكنهم صُدموا بحكومة هجينة، وتشكيلة مُرَقَّعة لا تحمل أي سمة من سمات الانسجام، ولا أي ملمح من ملامح القوة والنجاح. فزاد احتدام النقاش بين أعضاء الحزب الحاكم، ووصلت حدته إلى درجات تُنذِر بانتهاء عمر الحزب الإسلامي، وتداعي بنيانه، وتلاشي عُراهُ.

ومع هذا الصراع الظاهر، والتراشق الذي لم يعد يَخفَى على متتبع؛ انبرى صحافيون، ومحللون سياسيون، ومتتبعون مهتمون، بل وقراء عاديون، يتكهنون بقرب انفراط عقد الحزب الإسلامي، ونهاية مرحلته. بل منهم من ذهب بعيدا في البحث عن مساراتٍ حزبية مماثلة تعرضت لهكذا صراعات داخلية وانتهت إلى بوار، وانمحاء. وهو الأمر- حَسَبَهُم – الذي لن يشذ عنه الحزب الإسلامي، وسيصير على مَهِيعِهِ، مادامت ذات التداعيات، ونفس المؤشرات التي طفحت على سطح هذا المخاض الصِّراعي الداخلي، هي التي عرفتها هذه التعبيرات الحزبية. ومثلوا لذلك بحزب الاتحاد الاشتراكي الذي تحول من القوة السياسية الأولى، إلى بقايا حزبٍ، بعد ان تشظَّى إلى مُزَقٍ، ونُتَفٍ، لا يجمع بينها جامِع، ولا يوحدها موقف ولا قناعة.

غير أن المتتبع للتداعيات الآنية لهذه الهزة الداخلية التي عرفها حزب العدالة والتنمية، والتي لم تُخلِّف كبيرَ أثرٍ على التماسك الداخلي للحزب، مما يُكذب التهويل المبالغ فيه الذي ما فتئ الأغيار يروجون له، والخلاصات الأكثر تشاؤما التي ظلت الأقلام والتصريحات تروج لها؛ سيجعله يفكر أكثر في حقيقة السِّرِّ الثاوي خلف هذه الاستمرارية التنظيمية، وهذا التلاحم التضامني الذي حافظ على هذه اللحمة الحزبية التي تعرضت لكل هذه الهزات المزلزلة، ولازالت تقاوم دون أن تظهر لها آثار سلبية على ساحة المدافعات الداخلية. فما رأينا ولا سمعنا، حسب علمنا، استقالات، ولا تيارات، ولا انشقاقات، ولا “تِرحالات”،…مما اعتدنا أن نسمع ونشاهد نظيره عند غالبية الأحزاب التي تعرف صراعات داخلية بما هو دون ما سمعناه عن هذا الحزب.

فما السر، يا ترى، في تماسك حزب العدالة والتنمية، وعدم انقسامه؟

إن الأحزاب العضوية التي تتميز بالوضوح المذهبي والأيديولوجي، والتي تؤسس التعالقات بين أعضائها على تعاقدات عقدية وأيديولوجية، تجعل الرابط العضوي بين أفرادها يتجاوز المصالح الذاتية أو حتى الجماعية الضيقة، ويترفع عن كل الامتيازات المحرمة، المحصورة في الزمان والمكان، وعن كل السباقات المصلحية، المتلهفة نحو المناصب والكراسي والقيادات… إن هذه التعابير الحزبية والتنظيمية التي تُكَوِّن الفرد/العضو على حب المعنى والترفع عن قضايا الطين والماء، وتجعل من الكراسي، والمناصب، والمسؤوليات، مجرد وسائل لنشر الفكرة في مجالات أوسع، كما تجعل من عمارة الأرض، وحكم الناس، وتدبير شؤونهم، خدمة لغاية أفضل، ونهاية أسعد.. لا يمكن أن تفقد تماسكها التنظيمي بسهولة، خصوصا إذا كان “الصراع” الداخلي يرتكز على أقضية ومسائل دون الغايات السامية التي مثلت قاعدة الانتماء، وأُسَّ التعاقد والولاء.

إن الذي يحمي حزب العدالة والتنمية وما شاكله من الأحزاب ذات الوضوح الإيديولوجي، يمينية كانت أو يسارية، من التشظي والانقسام، هو هذا التعاقد القيمي والعقدي الذي يلحم العلاقة بين أعضائه، ويشكل صمام الاستمرار، والانسجام، مهما اختلفت الآراء، وتضَادَّت المواقف، واشتدت المواجهات. لأن الأصل في هذه التعالقات الفردية، والجماعية، مُؤسَّس على ميثاقٍ لَدُنِيٍّ، وبيعة عَبْدِيَّة، تشكل، بالنسبة للتيارات الإسلامية، مناط الفلاح، والنجاة، في الدنيا والآخرة.

فحزب العدالة والتنمية هو امتداد لحركة اسلامية ظلت تؤطر أفرادها، وتكونهم على عقيدة اليوم الآخر، وتجعل من الدنيا، وكراسيها، ومناصبها، مجرد وسائل للإصلاح، لا غايات تستحق الخصومات، والصراعات، وإنقاض العهود، وقلب الطاولات. وإنْ وَقَعَ ذلك فسيظل في حدود الغيرة المشتركة على استمرار نشر الفكرة، والدعوة إلى الخير، والإصلاح، من مواقع المسؤولية.

فمقارنة حزب العدالة والتنمية، الذي هذه إحدى ملامح بنائه البشري الداخلي، بحزب الاتحاد الاشتراكي قياس مع الفارق. فهذا الأخير لم يستطع أن يجتاز اختبار السلطة بنجاح بعد أن فرط في مشروعه الأيديولوجي الأممي، وارتمى أعضاؤه على الكراسي حُفاةً عُراةً من أي قناعة أيديولوجية، أو التزام عضوي بالمبادئ الاشتراكية التي جعلت من هذا الحزب، ذاتَ تاريخٍ، القوة السياسية الأولى في المغرب، والملاذ الأسمى لكل التعبيرات اليسارية المتلهفة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فلما فرط الحزب في هذا المخزون الأيديولوجي تحول إلى هيكل بلا روح، وتحول أعضاؤه إلى نُشَّادِ الكراسي، والمناصب، وسقط بعضهم في جرائم المال، وفضائح الأخلاق، وتحول الحزب إلى كيان بلا طعم ولا لون ولا رائحة.

فمقارنة حزب العدالة والتنمية بحزب الاتحاد الاشتراكي، مع محاولة إسقاط واقع انسلخ فيه الحزب الاشتراكي عن عقيدته، وتحول إلى حزب مُدَجَّن، وبلا روح؛ مقارنة مُتَعَسِّفة، وغير ذات مغزى. فحزب العدالة والتنمية لازال يمثل، بوضوحه الأيديولوجي، العصبة المستعصية عن أي محاولة للتقسيم. وإن كل ما نَضَحَ على السطح من نقاش شديد، واختلافات عميقة، وقلق داخلي، لم يَبْرَحْ أمورا دون القضايا المصيرية التي تجمع الأعضاء، وتوحد صفوفهم، وتربط بين قلوبهم، و يتوقف عليها المصير الحقيقي لكل عضو على حدة.

فحينما تسمع قياداتٍ حزبيةً، إسلامية أو علمانية، تضع المنصب والكرسي، مناط الصراع وانفكاك العرى، في مكانه الذي يستحقه، وتعده مجرد وسيلة لغاية تتعدى الطين والماء إلى الهم الأكبر، والشغل الأعظم، والذي يتوقف عليه حسن العمل، والعمل الحسن؛ تعلم إلى أي حد سيستعصي التمزق والتشظي وذهاب الريح على حزب، هؤلاء قادته ومناضلوه ..!!

دمتم على وطن..!!

‫تعليقات الزوار

5
  • some1
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 03:10

    حزب البيجيدي "باقي" غراب أبيض في وسط أحزاب غربان سوداء و رمادية وأخرى تغير لونها متى إقتضت الضرورة
    أركز على كلمة باقي لأنه قد يتغير مستقبلا مثل باقي الغربان

  • argazz
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:27

    سراحة و بكل تواضع ما كنت اظن ان مثل هذا التحليل السطحي البسيط لازال له مكانة في التحليلات السياسية و المستقبلية لو قال الكاتب ان السبب الذي سيجعل هذا الحزب سيستمر موحدا لان الله يحفظه و يرعاه من كل سوء . لا يا استاذ حاول التعمق والتحليل اكثر دون عاطفة فربما تغيب عنك اشياء كثيرة و اعضاء الحزب هم بشر و ليسوا ملك والزمن سيكشف على كل شيء و المصالح تنموا و تكبر كما الريش و الشحم كما للطبيعة قانون التعرية لها ايضا قانون التراكم و الترسب والمصلحة هي الشيطان . و بيننا الزمن و سترى بام عينيك ان احياك الله و كما قال الحكيم اكلت يوم اكل الثور الابيض و بكل بساطة دون منطق اعطاء الدروس راجع معطياتك و تحليلك بعيدا عن العاطفة و الحب و ستبو لك امور اما كنت تغض الطرف عنها او تجهلها و مرة اخرى الزمن يكشف و يفضح

  • الجوهري
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 13:24

    حسب أحد المقربين من الحزب هناك استياء داخل الحزب مما حصل من تنازلات ومن تبخيس لقيمة الحصيلة الإنتخابية لكن ما يجمعهم ليس مثل ما يجمع باقي الأحزاب فهؤلاء ليس منخرطين في المشاريع التجارية ولا يتاجرون بالمناصيب ولا ولا يحمون الفساد لأن هذه العناصر هي البارود الذي يفجر الحزب عند المنعرجات أما حزبهم فهو مثل البحر إما في حالة المد أو الجزر بكل عناصره وبالله التوفيق

  • Ali
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 15:22

    نعم حزب البيجيدي باق ما دام هناك نسبة مهمة من المواطنين لا تفرق بين الجماعة والحزب، بين الدين والسياسة، وبين الفكر الشمولي الذي يُضحي بالفرد من أجل الجماعة ( والذي أثبت على مر التاريخ أن التضحية في الحقيقة تكون من أجل القادة) وبين الفكر "الفرداني الغيري" الذي يفكر في مصالح الفرد دون الضرر بمصالح الغير، والذي أثبت نجاعته في البلدان التي انضطت بصدق وحزم لمبادئ تهم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان
    كان على الكاتب، وهو يتغنى بدور التدين والتفكير في الأخرة في تماسك حزب البيجيدي، أن يتذكر مثالا واحداً وهو الصين، أكبر دولة في العالم ينتشر فيها الإلحاد، يحكمها حزب وحيد هو الحزب الشيوعي، تأسس سنة 1921 ومازال باقٍ، أعضاءه 90 مليون شخص، يحكم مليار و380 مليون من البشر، ويقود أقوى اقتصاد تطورا في العالم حاليا، فهل يحق لنا التسائل : ما السر في تماسك الحزب الشيوعي الصيني؟؟
    1/2
    تابع

  • Ali
    الجمعة 28 أبريل 2017 - 15:59

    2/2 تتمة
    حتى لو رفعنا جدلاً من قيمة شعبية البيجيدي، حزب حصل فقط على 1,6 مليون صوت في بلد الـ36 مليون نسمة، فإنه فقط في الفكر الشمولي يسكننا هم الجماعة/الحزب على حساب الفرد، لا نتسائل ماذا قدم الحزب للفرد المواطن ولكن نخاف على الحزب من التهلهل، ونُهلل له فقط لأنه ما زال متماسكا (أو على الأقل لأنه يبدو لنا كذلك)
    وهكذا سنجد حزب شمولي في الصين يحقق أعلى المعدلات الإقتصادية في العالم ولكن نسبة مهمة جدا من الشعب الصيني ما زالت تعاني الكثير
    وسنجد حزب مغربي ذو فكر شمولي ديني ما زال أتباعه يتغنون بتماسكه بالرغم أن الحقائق أثبتت أن أقصى أمنيات قادته هو المساهمة السطحية في تنفيد أوامر السلطة الفعلية في البلاد، أما معاناة الفرد المواطن المستمرة مع الصحة والتعليم والقضاء و و و…. فلا تهم، المهم هو الحزب/الجماعة
    ملاحظة أخيرة: الرئيس المقبل لفرنسا قاد حركة عمرها لم يتعدى العام

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب