حِراكٌ الرّيف .. صيْحَة ينبغي فهمُها واستيعابُها والإستجَابة لها

حِراكٌ الرّيف .. صيْحَة ينبغي فهمُها واستيعابُها والإستجَابة لها
الخميس 18 ماي 2017 - 21:47

منذ انطلاق هذا “الحِراك” بعد مقتل شهيد لقمة الخبز اليوميّة الشّريفة، بائع السّمك المرحوم محسن فكري، وأصواتُه تتزايد، ومطالبُه تتعالى، واحتجاجاتُه تتفاقم، ووتيرتُه تحتدّ، وتتصاعد بدون انقطاع، حتى بلغت أصداؤه مختلفَ أصقاع، وبقاع، وأرجاء، وأنحاء، وضواحي، ونواحي، وأرباض البلاد، وخارجها، وأصبح أو كاد أن يصبح الشّغل الشاغل للناس والعِباد في مختلف المناطق، والعشائر، والمداشر، والمدن، والدوائر، والقرىَ والضّيع، والحواضر، القريبة منها أو الواقعة في أطراف المعمورة الدانيّة قُرباً، والنائية بِعاداً.

هذه بعض الانطباعات العابرة من وحي الخاطر حول ما باتت تعرفه هذه المنطقة من غليان، وهيجان، واحتقان.. الذي أطلِق عليه اصطلاحاً “حِراكاً ” وهو ليس عِرَاكاً، ولا شِرَاكاً كما يتوهّم البعض ممّن لا يتجاوز نظرُهم أرنبة أنوفهم.

منذ نعومة أظفارنا، وغضاضة إهابنا، وطراوة أعوادنا، وشرخ شبابنا، وريعان عمرنا أدركنا أنه في هذا البلد الأمين الذي قيّض الله لنا أن نرى فيه نورَ الحياة، في الرّيف الوريف، في هذا الصّقع النائيّ البعيد ذي التضاريس الطبيعية الوعرة، والأخاديد الجبلية الصّعبة، حيث عشنا على الفطرة، وترعرعنا على البداوة، والبساطة، وعلى عشق الحياة الحرّة الكريمة.

في ربوعنا، وأحيائنا، وأرباضنا، ومرابعنا ومرابضنا، وقرانا، ومداشرنا، وضِيَعِنا كنّا ندقّ أبوابَ الحريّة الحمراء دقّاً عنيفاً حتي تتضرّج بألوانها الزّاهية القانية، ولا نرضى أبداً بها أو لها انصياعاً، ولا إذعاناً، ولا بديلاً، تماشياً وامتداداً لأوتادَ الشّهامة، والنخوة والكرامة التي دقّها أجدادنا الميامين. كان حسنُ الجوار دأبنا، وكان الذّود عن حوضنا، وجيراننا ديدننا، كان عدم الرّضا بالظّلم، ولا بالضّيم، والجّفوة والجفاء غاياتنا، ومرامينا، شيمنا وهِمَمُنا، كانت مبادؤنا وسجايانا، وعاداتنا العريقة، وتقاليدنا الحميدة، وعوائدنا الرّاسخة التي تربّينا على منوالها، ونشأنا في كنفها… كلّ تلك الخصال، والشمائل كانت نبراس دربنا في مسالك حياتنا.. كانت معايشاتنا فيما بيننا، وبين جيراننا الأبعدين منهم والأقربين عفويّة، تلقائيّة، طبيعيّة، فطريّة، وكانت حياتنا بسيطة لا تصنّعَ، ولا مِراءَ ولا مصانعة، ولا محاباة ولا مداهنة فيها.

في هذا الصّقع الجميل، كنّا نعيش أحراراً مثل طيور القطا.. ننتقل من حقلٍ إلى حقل، ومن بستانٍ إلى بستان، ومن غصنٍ إلى غصن، ومن زهرةٍ إلى زهرة، نستنشق هواءَه العليل، ونتغذّى بخيراته، ونِعَمه وثماره، وحبوبه، وقطوفه، وحصاده، وبكلّ ما طاب واستطاب ممّا كانت تجود به علينا أرضُه الطيّبة، وطبيعتُه السخيّة المِعطاء، كنّا نستمتع بحرّه وقرّه، وببحره وسمائه، وشمسه وقمره، وجباله وغاباته، وحواضره وآجامه، وهضابه وآكامه، ووديانه وأنهاره، وسهوبه ومرتفعاته ووهاده، لم يكن يأتينا منه إلاّ الخير العميم، وكلّ ما يُرضي النفسَ، ويُسعد القلبَ، ويُنعش الرّوحَ ويُحيي الوجدانَ، ويَشدّ الكيان.

تُرى.. هل أصاب صرحَ الصّدق، والنبل، والوفاء، والشرف، والكرامة شرخ عميق.؟ فلم تعد الأمور كما كانت عليه بالأمس القريب، هؤلاء الأقصوْن الأبعدُون، ذوو السِّحَن الغريبة، والشعور الناعمة المنسدلة من جيراننا في الضفّة المقابلة الأخرى من البحر المتوسّط، كانوا يقومون بين الفينة والأخرى بغاراتٍ قرصنيةٍ على أراضينا وشطآننا، ودُورنا ومُمتلكاتنا، ومَزارعنا، ومَحاصدنا، وغَللنا، لم نكن نتوانى أو نتردّد قيد أنملة في دحرهم، وصدّهم، وردّهم على أعقابهم من حيث جاؤوا، كانوا يأتوننا كالأسود، ثمّ سرعان ما يفرّون ويعودون مخذولين منكفئين كالأرانب، يَجرّون أذيالَ الخيبة، والمهانة، والهزيمة والمذلّة من حيث قَدِموا، من داخل البرّ القريبّ، أو من وراء البّحر البعيد، حتى أضحى التنائي بيننا وبينهم بديلاً عن تدانينا، وناب عن طيب لقيانا بهم تجافينا.. ! لقد أمسى الألم يعصرنا، والمعاناة تهدّنا، والحنقُ يخنقنا، نتنفّس الصّعداء، ونرفع أنظارنا إلى السّماء، ونجيل بأبصارنا في فضاءاتها الواسعة مترامية الأطراف، ونحدّق في سديمها السّرمدي الأبدي الفسيح، وبقدَرٍ مُشْعَلٍ على شفاهنا نرجوها أمراً في قرارة أنفسنا، ونستعطفها سرّاً في أعمق أعاميق أعماقنا، نرجوها بلسماً شافياً، وترياقاً مُداوياً لجروحٍ غائرةٍ لا تندمل..! نعاتبُ الأيّامَ المدلهمّات، ونلوم الليالي الحالكات التي لا تُؤمَنُ بوَائقُها، عسىَ هذا الأمر الذي أمسينا فيه.. يكون بعده فرَجٌ قريب، ولعلّ الله يأتي بعد هذا الليل البهيم بصبحٍ مُشرقٍ باسم، ما برحنا نشكو الدّهرَ القاهر، ونناغي الزّمنَ الغادر..!

أجل.. ما أكثرهم.. هؤلاء الأقربون، الذين ولّوهم الكلام، والرّتب العالية، من ذوي الأصهار والأنصار.. أنصار العصر، أنصار صناديق الاقتراع، والمُحاباة، ألم يقل صاحب “مائة سنة من العزلة” غابرييل غارسيا ماركيز متهكّما ساخراً ذات مرّةٍ لأصدقائه بعد أن صفّقوا له طويلاً.. طويلاً، قال لهم: ليتَ تصفيقاتكم هذه كانت أصواتاً في صناديق الاقتراع..! المال أضحىَ رديفَ المداهنة والمصانعة في زمننا هذا الرديء، الشّاحب، المُثقل بالهموم والرّزايا، وليس للمعوزين، الكادحين المحرومين، العسيفين . هؤلاء الأبعدُون الذين يَعضّون على الحديد الصّلب، أو على الحجر الصّلد عضّاً مؤلماً حنقاً، وغيضاً.

سجّلها ذات يوم المؤرّخ البريطاني رُومْ لاَنْدُو، في تاريخه الموجز حول المغرب الحديث. قال عن هذا الصّقع البعيد، عند مروره بحيّهم ومرابضهم: “لقد لاحظتُ الأنفةَ والكبرياءَ، وعزّةَ النفس في مشيتهم الثابتة.. وفي همّتهم العالية، وفى خطواتهم الواثقة، يمشون صبباً في اعتدَادٍ واعتدَال”..

الأماجد منهم قدّموا أرواحَهم دفاعاً عن حوزة الوطن وحوْضه، أعطوا النّفسَ والنّفيس ذوداً عن عزّته، وصوناً لكرامته، سالتْ دماؤهم الزكية، وروتْ كلَّ ركنٍ من أركانه، أبناؤهم وأحفادهم يُعانون البعاد والتباعد، والإقصاء والتنابذ، والتهميش والجحود، بينهم وبين الآخرين برزخ واسع، ويمّ شاسع، وبحر عميق لا قعرَ، ولا قرارَ له.

القويّ السّمين يزداد قوّة وسمنة واعتدالاَ، والضعيف الهزيل يزداد ضعفاً وَوَهناً وهزالاً، مثلما كان عليه الحال في جاهليّة الزّمن الغابر مع المدعوّ “هَبنّقة ” الذي كان يُضرب به المثل في الحُمق والخَبل والجنون، فيُقال “أحمق من هبنّقة “، الذي قيل في حقّه إنّه من حمقه عندما كان يعمل راعياً للبقر عند أحد الميسورين من بني عبس، كان يقتاد البقرَ السّمان إلى المراعي الخصبة حيث وفرة الأعشاب، وكثرة الكلأ لترعى، ويأخذ البقر المهازيل إلى الأراضي القاحلة الجرداء من الأرض الكُلام (بضمّ الكاف) ويسرحها هناك، وعندما يأتي صاحبُ البقر ويرى ما رأى.. يستشيط غضباً ويعاتبه ويؤنّبه، فيسأله أنْ لماذا يفعل ذلك…؟ فكان يُجيب: أتريدني أن أصلح ما أفسده الله، أو أن أفسد ما أصلحه؟، فالبقر السّمان تستطيع أن تأكل وهي ذات شهيّة، لهذا أذهب بها حيث وفرة المراعي والكلأ، وأمّا البقر الهزال فلا شهيّة لها، وليس في مقدورها أن تأكل لضعفها ووهنها، ولهذا أذهب بها إلى القِفار القاحلة، والأرض الكُلام الصّلبة التي لا زرعَ ولا ذرعَ ولا كلأ فيها…! وما انفكّت هذه الحِكمة سائرة، قائمة، مأثورةً عندهم إلى اليوم !

كان هبنّقة من حمقه كذلك كثيراً ما ينسى نفسَه. وللتغلّب على هذه الآفة، توصّل إلى حلٍّ ناجعٍ على طريقته حتى يتعرّفَ على نفسِه بسهولة ويسر، ولا ينسى نفسَه مرّة أخرى، فوضع قلادة من قنّبٍ على عنقه، وعلّق فيها عظمةً صغيرة كان قد وجدها في أحد المهامه، وكان كلّما استيقظ من النّوم في الصّباح يبحث عن العظمة المعلقة في عنقه، ويلمسها بيده وبها كان يُدرك ويتأكّد أنّه هو… وحدث ذاتَ يومٍ أن نام عند أخيه، فقام أخوه في جنح الليل، ونزعَ عن طوْقه العَظْمة وعلّقها حول عنقه، وفي الصّباح عندما استيقظ هبنّقة ولم يجد العظمة معلّقة عليه ذهب عند أخيه ليسأله، فلمّا رأى العظمة معلقة حول عنقه أمسكَ بها وقال له مشدوهاً: يا أخي… أنتَ أنا، فمن أنا…؟ !.

إنهُمْ ما فتئوا ينظرون من الأعالي شزراً، إلى هؤلاء الذين هدّهم العَوَز، وأنهكتهم الخصاصة، يمشون عاصبي البطون مُرملين من فرط حرقة الطّوىَ، الآخرون يناطحون عنانَ السّماء، يعانقون هيادبَ السّحاب، يلامسون الثريّات، (إن كنتَ في شرفٍ مرومِ / فلا تقنع بما دون النجوم)، و(إن كنتُ في عدد العبيد فهمّتي/ فوق الثريّا والسِّماكِ الأعزلِ)، وبنو طينتهم، وأبناء جلدتهم ملتصقون بأمّهم الأرض الثّرى، (حَسْبُ الخليليْن نأيُ الأرضِ بينهما /هذا عليها وذاك تحتها بالي)، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، سقطتهم بلا رضوض، وأمّا سقطة “الأعلوْن” فكاسرة قاصمة، إنكم لن تخرقوا الأرضَ، ولن تبلغوا الجبالَ طولا، ففي القمم الشّمّاء، وفى العلوّ الشّاهق تشتدّ هبوبُ الريّاح، إنها هناك أكثر عتوّاً وقوّة، والزّوابع والتوابع بها لا تني ولا تنتهي، والعواصف هوجاء، فاخفضوا جناحَ الذلّ، وطأطئوا الرؤوسَ، ولا تشرئبّوا بالأعناق… فما أظنّ أديمَ الأرض إلاّ من هذه الأجساد، سيرُوا إن استطعتمْ في الهواء رويداً… لا اختيالاً على رفات العِباد، فَرُبَّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً، ضاحكٍ لتزاحم الأضداد.. وكلُّ بيتٍ للهدم ما تبتني الورقاءُ والسيّدُ الرّفيعُ العِمَاد ! إننا ما فتئنا.. نأسىَ ونتأسّى، ونلتاع حزناً أيّها المُتخمون، ثوبوا إلى رُشدكم، ارجعوا إلى أنفسكم، عودُوا عن غيّكم، فقد بلغ السّيلُ الزّبىَ، وفاض الجَامُ، وطفح الكيلُ، وربَّ عظيمةٍ دافعت عنهم… وقد بلغت نفوسُهم التراقي… !

وفى الختام، ولا ختام….هذه بعضٌ من الهواجس والدواعي التي دفعت بهؤلاء الشباب المتوهّج، والمتوقّد، والمتحمّس للخروج إلى الشّوارع، والأزقة، والميادين والسّاحات العمومية في مدينة الحسيمة وأرباضها منذ ما ينيف على سبعة أشهر ليذكّروا بجملة من المطالب التي غابت عن هذه المنطقة القصيّة من بلدنا الحبيب المغرب، هذه المنطقة التي لا ينكر أحد أنها عانت الأمرّين، والتي طالما طالها الإهمال والتهميش منذ عقود خلت مثل جهات ومناطق أخرى من البلاد.

إننا عندما نرجع بذاكرتنا إلى هيادب الماضي غير البعيد، وعندما نعود الزّمانَ القهقرىَ تتراءى لنا كيف كانت الحسيمة فيما مضى، وكيف أمست اليوم، كنّا لمّا نزل في مقتبل العمر، وكنّا ننبهر كيف كانت شواطئنا، وفي طليعتها شاطئ “كيمادو” الواقع في المنحدر النازل من أعالي المدينة.. كان هذا الشاطئ الذي يتميّز برمالٍ ذهبيةٍ كأنّها مسحوق التّبر الخالص دائماً غاصّاً بالسيّاح من كلّ الأجناس، كانوا يشاركوننا في الاستمتاع بشمس هذه المدينة الجميلة المضيافة، كانوا يلاطفوننا، يلهون معنا، ويأخذون لهم صوراً تذكارية لإقامتهم في هذا الثغر الاصطيافي السّاحر، وكانت الفيلّات المُجهّزة للإيجار المنتشرة والمتناثرة بين أخاديد السّفح الجبلي المتصاعد من الشاطئ إلى الدّور السكنية الشاهقة العليا التي تمتد من مقهى (ميرامار) حالياً (سوق الثلاثاء سابقاً) إلى فندق محمد الخامس الشّامخ. كما كان الشاطئ الجميل (كَالاَ بُونيطا) عند مدخل المدينة يغصّ كلّ صيف هو الآخر بالسيّاح المغاربة الذين كانوا يتقاطرون عليه من كلّ فجّ عميق من مختلف المدن المغربية، خاصة تلك التي لا تقع على البحر للاصطياف بنَصْبِ خيامٍ متوسّطة الحجم. وكانت البقع الأرضية التي تقام عليها تؤجّر لهم بأثمان مناسبة جدّاً، كانت مطاعم هذا الشاطئ -الذي يُنعت بالجميل لأنه فعلاً كان جميلاً إبّائنذٍ- تعمل بدون انقطاع، مثلما كانت تنتشر في السّاحل الطويل الممتدّ على شاطئ صاباديّا (الكورنيش الحالي) مروراً بحجرة تيمشظين، وإزْضيِ، وشاطئ المدّ، ووراءه كان يختبئ خلف الجبال الشّاهقة شاطئ (تَالاَ يُوسف) الفريد. وكان أجدير يحظى بنصيب الأسد في البنيات السياحيّة التحتية بالمنطقة، حيث كان يقع على شطآنه مترامية الأطراف (نادي البحر الأبيض المتوسط) الذي يجاوره شاطئ “الصّفيحة” الجميل قبالة حجرة النكور السّليبة، كان يعتبر من أكبر النوادي الاستجمامية البحرية من هذا النوع، (كان يحتوي على ما ينيف على ألف من أكواخ (أجنحة) المصنوعة من القشّ، والقصب، والخيزران المنصوبة بإتقان، وكان هذا النادي يستقبل آلاف السيّاح على امتداد خمسة أشهر من مايو إلى أواخر سبتمبر من كل عام. وكانت الطائرات النفاثة العملاقة تحطّ في مطار الشّريف الإدريسي القادمة من مختلف العواصم الأوروبية المعروفة على امتداد الأسبوع. ناهيك عن شاطئ “قوس قزح” (كالا إيريس)، الذي كان يومّه كذلك كلّ صيف العديد من السيّاح المغاربة والأجانب على حدٍّ سواء في جوّ اصطيافيّ بديع.

والخلاصة هي الشباب الذين ينزلون للتظاهر لم يقوموا قطّ بأيّ أعمال تخريبية، كما أنهم لم يُدعُوا قطّ إلى أيّ انفصال والعياذ بالله، فهم يعلمون حقّ العِلم أنّ الوطن الغالي يجمعنا، وهو مصدر قوّتنا، وعزّنا من وجدة إلى طنجة ومن مدينة ملتقى البحريْن إلى الكويرة في صحرائنا المغربية المُسترجعة العائدة إلى حضن الوطن الأب، وهم يدركون جيّداً أنّ ما كان لله دام واتّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.. وقد أجمع العديد من المراقبين المغاربة على هذه البدهيّات، وما فتئت الكلمات البليغة التي فاه بها في هذا القبيل الإعلاميّ المتميّز السيد أشرف الطريبق (من أسرة تحرير جريدة “هسبريس” الزّاهرة) خلال لقاء أجرته معه مؤخراً فرانس 24 (عربي) ترنّ في آذاننا وتشنّف مسامعنا إلى الآن، على الدولة، والأحزاب السياسية الممثّلة فيها تحمّل مسؤولياتها حيال هذه الأحداث التي ينبغي الإنصات والإصغاء لها، وفهمها، واستيعابها، والاستجابة لمطالبها، وإيجاد الحلول العاجلة والناجعة ليس لحراك الحسيمة وما جاورها وحسب، بل لكافة المناطق الأخرى التي عرفت أو تعرف تهميشاً مشابهاً لها لأسباب متعدّدة، والاستجابة لمختلف مطالب السّاكنة في هذه المناطق جميعها بالحوار البنّاء، وترجيح العقل، والحِكمة، والحِلم والسّكينة، والتفاهم، والتقارب، والتداني، واحترام تطلعاتهم، وهمومهم، ومشاغلهم وتوفير الثقة لديهم، ولدى مختلف المؤسّسات، والعمل على توفير فرص مناصب الشّغل بهذه الجهات؛ فمدينة الحسيمة – على سبيل المثال وليس الحصر- لا يوجد بها اليوم معمل أو مصنع واحد، في حين كانت توجد بها فيما مضى غير قليل من المعامل، أذكر منها مصانع التصبير وتعليب الأسماك المحليّة الشّهيرة التي كانت توزَّع في العالم أجمع، والتي رأيتها أوائل التسعينيات تُبَاع في المكسيك خلال عملي بها، وفي مختلف أسواق بلدان أمريكا اللاتينية.

الأمل الكبير.. كلّ الأمل معقود إن شاء الله تعالى على المشاريع التنموية الكبرى التي دشّنها ممنوناً جلالة الملك في إطار برنامج “الحسيمة منارة المتوسّط” للتنمية المجالية لإقليم الحسيمة (2015- 2019)، حيث يقوم هذا المخطط التنموي الضّخم على خمسة محاور أساسية، هي التأهيل الترابي، والنهوض بالمجال الاجتماعي، والصحّي، وحماية البيئة وتدبير المخاطر، وتقوية البنيات التحتية، وتأهيل المجالين الثقافي والديني، وسواها من المشاريع التنمويّة الضرورية الأخرى التي تنتظر التنفيذ الفعلي لها في هذه المنطقة وفي مختلف ربوع البلاد في أقرب الآجال بحول الله.

* كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.

‫تعليقات الزوار

6
  • KITAB
    الخميس 18 ماي 2017 - 22:11

    عرض الأستاذ على طوله قدم لأهالي المنطقة بمواصفات العزة بالنفس والشموخ والكبرياء… الخ من عميق التعابير الأدبية الرنانة، بيد أن "حراك الريف" لم ينل من النص سوى نتف ضعيفة اختزلها الأستاذ في أنها واقع مزر يجب إصلاحه…. في حين أن هذا الواقع جد معقد أكبر مما جاء في تصور الأستاذ ولو أنه إبن المنطقة، هذا الحراك في تقديري سيفضي إما إلى خلخلته أو إخماده بالنار وفي كلتى الحالتين سنشهد مقاربة جديدة للحكومة مع التعاطي مع كذا الحراكات الشعبية، حتى ولو وظفت فيها جيوشها من الفضاء الأزرق الفايسبوكيين، وتحياتي

  • الى الكاتب المحترم
    الجمعة 19 ماي 2017 - 07:29

    استمتعت بمقالك الرائع
    حبذا و انتم النخبة المثقفة الريفية العارفة بإساليب الديبلوماسية و مهارات التفاوض لو ساعدتم هؤلاء الشباب المحبط و الفاقد لمستقبله للوساطة بينه و بين الدولة و خاصة هناك مؤسسات أبانت عن رغبتها عن لعب دور الوسيط و محاولة انتزاع مطالب هؤلاء الشباب و هي مطالب كل الريفيين في الحقيقة من رفع العسكرة و التهميش و إطلاق صراح المعتقلين و إنزال تنمية حقيقية في الريف الخ
    لابد من التعلم من اخطاء الماضي فأجدادنا رووا هذه الارض بدمائهم الطاهرة لكن المنتهزين هم من قطفوا ثمار التضحيات التي قدمها أجدادنا و السبب هو ان أجدادنا يشملهم قول النبي ص اذا عاهدوا وفوا لكن الانتهازيين هم تعلموا فنون المراوغة و النفاق و الخناس

  • ALHOCEIMA
    الجمعة 19 ماي 2017 - 10:13

    ALHOCEIMA

    الحسيمة 60 سنة من العزلة
    Alhucemas 60 años de soledad
    Alhoceima 60 years of solitude
    Alhoceima 60 ans de solitude
    Alhoceima 60 anys de solitud
    Alhoceima 60 anos de solidão
    Alhoceima 60 anni di solitudine
    Alhoceima 60 års ensomhet
    Alhoceima 60 jaar van eenzaamheid
    Alhoceima 60 Jahre Einsamkeit

    شكرا يا محمد على هذا المقال، إشارتك إلى كتاب "مائة سنة من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز هي التي جعلتني أكتب هذه العناوين، و بما أن الآلاف من أهل الريف هُجِّروا و شُتِّتوا وحُرِموا من شمس وبحر وسماء الحسيمة ،لن نلقى صعوبة لإيجاد من يفهمها.

    الحسيمة التي ذكرتها في مقالك عشناها وهي التي بقيت راسخة
    في ذهوننا ونحملها معنا أينما كنا، و هي نفس الحسيمة التي أنجبت هذا الحراك. لو أرسلت مقالك هذا لحكومة سعد الدين العثماني لوقف من إرسال التعزيزات الأمنية الى المدينة، لأن تخويف من ينتمي ويحب تلك الأرض إلى ذالك الحد لا يجدي.

    سمعنا كثيرا "الحسيمة جوهرة البحر الأبيض المتوسط"،تلك الحسيمة كانت مزورة، لأن الجواهر الحقيقية تصنع في أعماق الأرض و تقذفها البراكين (الحراك).

    OSLO

  • المهدي
    الجمعة 19 ماي 2017 - 15:16

    كعادته كل مرة يتحفنا الكاتب الجليل بمقالة ولا أروع جمعت بين الأدب والدقة في الوصف والحبكة المتقنة لانسياب المقال في تماوج هادئ ، حكاية الراعي المعتوه/ الحكيم مع أبقاره ضربت مثلا غاية في البلاغة لسياسة إغناء الغني وإفقار الفقير ، مثال ينطبق على كافة ربوع المملكة وليست منطقة دون سواها ، حبذا لو تموقع الكاتب بين أقطاب حراك الريف كوسيط للمساعي الحميدة وقد خبر هذا المجال طيلة مساره الدبلوماسي – مع فارق اننا لسنا بصدد نزاع بين كيانين – حتى يبصم بثقله ووطنيته التي لا يرقى اليها الشك على وطنية الحراك ومشروعية مطالبه درءا لأي شبهة تسمه بالانفصالية وتجنبا لما قد يتركه ذلك من مشاعر متذبذبة بين التعاطف والتوجس ، فالكاتب المقتدر أدرى بهذا منا ونحن نتطلع لأمثاله من أبناء المنطقة الحكماء المثقفين المتنورين ان يلبوا نداء اللحظة ونداء التاريخ لحماية بيضة الحراك وبوصلة أهدافه من الزيغ والوقوع في المحظور لا قدر الله ، مرة أخرى تحياتي للاستاذ الجليل .

  • أمين
    الجمعة 19 ماي 2017 - 21:37

    أعرف رجلا ضحى بكل ما عنده لتعليم أبنائه … أرسل إبنة وإبن إلى فرنسا ,,, وتخرجا من أحسن الجامعات .. ورجعا بالماستير في فنون اللاقتصاد والتدبير والإحصاء .
    مند 7 سنوات والنت عاطلة تبحث عن عمل … ومند 5 سنوات ووالإبن يبحث عن عمل … ولا زالا يأخدان مصروف الجيب من الأب الكبير السن ..
    ترى هده العائلة كيف أن أبناء الأكابر يعيشون في بحبوحة .. وترى هده العائلة التي تعيش في دار الكراء وعلى معاش الأب كيف أن كلا الأحلام قد تبخرت ..
    الملك يهب الكريمات لما شاء ,,, والمحظوظون بالجيش وخدام الدولة ينعمون بسمك البحر والفوسفات وبالأراضي الفحية .. والسطوة الخ.
    كيف يمكن إقناع هده العائلة الشمالية بتكافؤ الفرص .. إن أساس الملك هي العدالة .. والله يمهل ولا يهمل وهو لا يترك الفاسدين والفاسقين يدمرون هدا البلد . حسبنا الله ونعم الوكيل .. نحن مع الحراك … والساكت عن الحق شيطان .

  • الله يهدينا
    السبت 20 ماي 2017 - 11:18

    المغاربة كلهم
    من طنجة الى الكويرة
    دون استتناء
    ابطال
    مجاهدون
    منفيون
    أشاوس
    وهده ليست خاصية باحد
    إن كان في اماكن اخرى نسج قصص وخرافات
    فمارشي سانطرال
    بولفار سويس
    بني خيران
    اولادحميد
    الكردان
    المزامزة
    والامثلة كثيرة
    واقع وحقيقة

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين