إعلام "امْبَارْكْ عواشرك"، الدين، جشع الاستهلاك!

إعلام "امْبَارْكْ عواشرك"، الدين، جشع الاستهلاك!
السبت 20 ماي 2017 - 12:42

من أهم المقولات القيمية النوعية التي اختزلت إليها كليا الدينامية الاجتماعية في المغرب تلك المتعلقة بهذا الاستحضار الإعلامي غير المفهوم بتاتا، الذي صار أكثر من دائم، وهو بصدد التفعيل الجماهيري، لتبادل التهاني والتبريكات. احتفالات لا تتوقف افتراضيا، بـ”أعياد” صارت لا تنقطع دوريا، تحت دافع ومحفز الهرولة بجنون إلى الأسواق قصد مزيد من الاقتناء والاقتناء. مواقيت لـ”العواشر” نفخت بشراهة حد إضاعتها لجل مضامينها الإنسانية الفعلية، على الأقل الحمولة الشعورية العميقة لإصلاح المجتمع، وأمست مجرد كرنفالات عبثية للاستهلاك النزوي، وتكريس العطالة العقلية أساسا بل الفراغ.

المنظومة الرسائلية لـ:” امْبَارْكْ عواشرك”؟ وإن كنت شخصيا لا أستوعب تدقيقا أبعادها الاصطلاحية، فقد ظلت مجرياتها الدلالية محتفظة لعقود بمجالها المعين، واستمر سياقها خجولا بالمفهوم الجميل، متواريا عن الأنظار، عفيفا، نبيلا، معتزا بنفسه أيما اعتزاز، لا يحضر إلى المشهد العام، سوى عندما يشعر فعلا بأنه مطلوب ومرغوب فيه بقوة. بالتالي، كانت مناسبات الاحتفالات الدينية، المنصبة عليها أساسا قصديات ”امْبَارْكْ عواشرك”، محطات متباعدة بشكل محترم، ثم نوعية من الناحية السيكولوجية، تمثل إعادة تهذيب عقلية وسلوكية، وصياغة جديدة لمساحات الآخر والجماعة، كما الشأن مع مختلف التمرحلات الزمانية المغايرة، التي يلزمها أن تشكل بالنسبة إلى الفرد مرآة للمكاشفة والبوح والاعتراف والتقييم.

إذن، هذه لـ”امْبَارْكْ عواشرك” أو”عواشر مباركة”، التي لم تكن تحضر سوى لماما وبصدق إلى حد ما، تعكس بشكل شفاف مستويات المحبة والتسامح والسلم الاجتماعي، التي يعيشها المجتمع، الظاهر كالباطن، انتقلت حاليا فيما ألاحظ وأتابع، من بعدها القيمي والأخلاقي المجردين، اللذين يثريان العمق المجتمعي بمرتكزات السلم والسلام والمحبة والاحترام واقتلاع جذور العنف والجور والحروب الرمزية، إلى مقولة مائعة وفارغة بغير دلالات، أو أساسا ورقة مربحة اقتصاديا، تروج وتكرس إعلاميا، ووصل المجتمع دون رحمة بدوامة جشع الاستهلاك، والمستفيد الوحيد هم أصحاب الاحتكارات والأبناك ومؤسسات القروض: استهلك ثم استهلك !المرتكز على جدليتي الادخار والإنفاق، لتفعيل سياق ”امْبَارْكْ عواشرك” كي تكون سعيدا، فـ”العواشر” تحيل على الابتهاج الجماعي؛ لكنه تحقق لم يعد يضمر أي معنى للفرح، بمعنى ارتقاء وتساميا بالمشاعر الفردية والجماعية.

في المقابل، ينتج عن هذا اللهاث خلف سراب سعادة – الاستهلاك، واستهلاك السعادة إعلاميا بشكل زائف ومبتذل، أمراض ما فتئت تستفحل، مثل :العنف بشقيه المادي والرمزي، التشيؤ، التبضيع، التضبيع، التأليه، السطحية، الإذلال الاحتقار، الاستعباد، الاستغباء، الاستحمار، تفريغ الفرد من كنهه…

طبعا، وانطلاقا من الإشارة السابقة، ودون الدخول في تفاصيل العلاقة الجدلية التأسيس بين الديمقراطية والإعلام، ذلك أن مجتمعا تحكمه مؤسسات فاعلة ومشبعة بروح الديمقراطية، لا يمكنه إلا أن يفرز إعلاما جادا، رصينا، ناضجا وذكيا يستشرف أسئلة المجتمع الكبرى، ويشكل حلقة وصل مع الأفق الكوني.

فقط استحضرت بسرعة هذه الإشارة، لإسقاط المقارنة على إعلامنا في جزء كبير منه.. وقد أدمن هذه لـ”امْبَارْكْ عواشرك” صيفا وشتاء، وبمناسبة وغير مناسبة، وأفرغها من أبعادها الايتيقية، مختزلا إياها إلى مجرد ماكينة لغويا تجتر اجترارا، وتدار آليا، لطحن الناس استهلاكيا بحجات زائدة، واستمالتهم نحو الاقتناء الأعمى والأبله لكثير من الكماليات.

هكذا، وتحت المحفز الهلامي لسطوة “امْبَارْكْ عواشرك”، يجد المواطن نفسه مثل كرة تتقاذفه من كل الجهات، منظومة استهلاك مرعبة، بحيث لا يخرج من مدار إلا وتلقفه آخر، ضمن البوثقة ذاتها حد التيه والغثيان. هذه المناسبات و”لعواشر” المتتالية والمكلفة: رمضان بمفهومه الفولكلوري التجاري الجاري حاليا وليس الإيماني الشخصي، الخروج المدرسي، العطلة الصيفية، معاودة الدخول المدرسي، الأعياد الدينية التجارية دائما، التوقفات المدرسية البينية، ثم رمضان ثانية، وهكذا دواليك..

لحظات، تترصدها الأجهزة الإيديولوجية الدينية والاشهارية والفنية …، لإعلامنا وخاصة المسموع والمشاهد والمرئي، بسبب تسلط الثقافة الشفوية، على حساب الإعلام المقروء في جانبه الورقي الأصيل، المحيل بالردة ذاتها على التراجع المهول للفكر النقدي العقلاني والتأملي.

إن إعلام السعي بكل ما أوتي من الحيل الرأسمالية للعبة الاستهلاك الماكرة، قصد جر القوافل نحو تجمعات المراكز التجارية، لا يمكنه سوى هدر فصول السنة وهو يبرر بكل المرجعيات الدينية والدنيوية، الفيزيائية والميتافيزيقية، لـ:”الشْهيواتْ”، صيحات ألبسة الرجال والنساء، هندسات القفطان والجلابية، وأدعية الفقهاء كي تحل بسحر البركات جميع مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ثم نشفى من جل الأسقام والأمراض في ظل غياب بنية صحية مادية، وتتحقق مختلف مسارات التقدم والازدهار، ثم وصفات “الكوتشات” لكي ننعم بالسعادة ونستوفي شتى التوازنات السيكولوجية والعقلية والتواصلية، إلخ..

هكذا، سنقضي رمضان في الاقتناء والأكل، والصيف في ملاحقة عروض شراء الشقق، والخريف في اختيار جنس الكبش السردي الفحل دون غيره، والشتاء في التصويت على من سيفوز بمسابقات الطبخ التلفزيونية. ثم الربيع، كي نتهيأ من جديد لنفس دهاليز تلك الدوامة الاجتماعية.

أخيرا، تجب الإشارة أيضا إلى أن من ينعتون أنفسهم جهارا، بكونهم ”فنانين” ولا يكفون عن استعطاف ضحكنا بتكرارهم الممل، عبر الجاهز المطروق، لخطاب ذلك البدوي المسكين المقهور اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وهو يحرف الكلمة عن موضعها بـ: “ابّارْكْ عواشرك” عوض ”امْبارْكْ” منتقدين رمزيا حسب هذا السياق ”تخلفه”.

هؤلاء أنفسهم من شرع في ملاحقة هذه التأريخ لـ”امْبارْكْ عواشرك” بغير مناسبة في جل الأحيان، فقط لأنها المسوغ الاستثماري التجاري كذلك ولا علاقة له بتاتا بالفني بالمفهوم السامي للكلمة، كي يقذفوا وينفثوا في وجوهنا سخافاتهم البليدة..

يا إلهي، كم اتسعت المسافة التي بيننا وبين العصر الحديث !

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

10
  • المهدي
    السبت 20 ماي 2017 - 16:36

    هذه الظاهرة لا تخصنا وحدنا فالعالم كله يعاني حمى الاشهار والاعلانات الخاصة بالتحفيز على الاستهلاك ، في فرنسا مثلا يغرقون صندوق بريدك بهذه الإعلانات ( أعياد ميلاد المسيح ، رأس السنة ، العطلة الشتوية فالربيعية ثم الصيفية ، الدخول المدرسي ، التخفيضات مرتين في السنة إلخ ..) الغبي هو من ينساق وراء هذه الضغوط التي تدخل في باب التحرش بالمستهلك ، شخصيا لا أُعير اي اهتمام لهذه التفاهات سواء كانت pub أجدها في صندوق البريد حيث يكون مصيرها القمامة مباشرة او تلك التي تظهر في وسائل الاعلام ، والأنكى ان هناك شركات تامين واتصالات وغيرها تختار الوقت الذي تكون فيه ببيتك وغالبا حوالي الخامسة مساءا لتتصل بك هاتفيا لعرض منتوجها وهؤلاء لا ينفع معهم سوى : عفوا انا جد مشغول وغير مهتم بعرضكم حاليا .

  • mohammad
    السبت 20 ماي 2017 - 17:06

    لقدقام الأستاذ مشكورا بتفكيك بنية خطابرمركزفي أبعاده الدلالية والرمزية بل وا حالته علي قيم زادها المخيال الشعبي ثبوتا ورسوخا في الذاكرة الجمعية التي فاضت بتمثلات ربما لم تعد قادرةعلى تحملها بفغل ما تخزن فيها قيم أوبالأحرى سلوكات تتعرض يوميا وبشكل مفكر فيه لكل أنواع التوجيه من أجل أن يتحقق بعد واحد فيها ليس إلا. في إطار قيم الكذب الأبلق الذي يخفي بنية نفسية مشبعة بالزيف والنفاق الإجتماعين المركزة على كل ماهو مادي استهلاكي مشاهد ومعاين يعيد للذات اعتبارها من دون أن تكون هناك حاجة محقة تستدعيه أو تبرر وجوده ،في حمأة هذا الميل الجماعي إلى الشراءمن أجل الشراء لاغير،تتم على مستوى الواقع عملية تبذير ما أزل الله بها وما أمر ب ،اتباعها .ما يستتبع مقولة العواشر يجب أن يكون نقيض المعاين والمشاهد نظرا للضرر المادي الذي يترتب عنها بالنسبة للعائلات الهشة والفقيرة ،إلا عدوى ثمثل نموذج محكوم بمنطق الإستهلاك ولا غير غيره إم زيغا للنفوس أو كلاهما في إطار تمثل منظومة القيم من أسفل الهرم العرض ،تستبعه أضرار أكيدة ويكفياستحضاركرولوجية الزمن .رمضان المبارك فعيد الفطر ثم العطلة ثم الدخول المدرسي ..يتبع

  • عبد الرحيم فتح الخير
    السبت 20 ماي 2017 - 17:13

    عيد للأم فأين عيد الأب أليس غريبا أن نحب أمهاتنا أكثر من آباءنا صحيح أن الأم تجنح لاظهار الحنان ولكني أكيد أن الأب أكثر حنانا صدقوني رغم الصلابة المصتنعة والملامح الحادة الأب منبع الحنان اذا أردت أن تتأكد من مقدار حنان أبيك فضع عينيك قبالة عينيه وهو في أرذل العمر وطأطأ رأسك وقبل يداه الكريمتان فستجدهما ترتعشان من لهف عليك . شكرا لكل الآباء شكرا للأمهات وعواشركم مباركة مبارك عواشركم

  • mohammad
    السبت 20 ماي 2017 - 17:26

    تتمة ..ثم عيد لأضحي إن كنت لم أخطئ في الترتيب …فهل هناك من نظرية يمكنها حل هذه المعضلة؟فهل نحن نسيرفي اتجاه المعادل القائمة عن منطق كم ،كم تنفق كم تشتري ،كم تمتلك؟الأكيد ان اختزال الإنسان في معادلة له أضراروأفدحها التبذير،تبذيرالأكل والغذاء…

  • المهدي
    السبت 20 ماي 2017 - 18:04

    الأخ عبد الرحيم ، هناك ايضا عيد الأب la fête des pères الذي يصادف هذه السنة 18 يونيو المقبل ، تحياتي .

  • KITAB
    السبت 20 ماي 2017 - 19:12

    مثل هذه العادات ،أيام المناسبات والأعياد خاصة من الصعب جداً خضوعها لمبضع سوسيولوجي أو أنثروبولوجي فهي في عمقها ذات حمولة اجتماعية متوارثة تشهد على تساكن وتجاور عائلات وتؤكد في آن التحام الناس تجاه الزمن وما يمور به مآسي وكوارث، فلم لا نجشم أنفسنا عناء توسيع رقعة البحث في قاموس اجتماعي أوسع دلالة من قبيل "الله يرزقكم الصبر" "مبروك عيدكم " "الله يكمل عليكوم بالخير" … "الله يبقي الستر" …"حنا متايبين لله" … "لهلا يخطيك،،، الله يحفظك "… البحث في دلالات هذه المعاني تحيلنا على مجموعة من الإحالات، كالعقيدة والعائلة والعادات والمجتمع والتاريخ، ويأتي أخيرا الاقتصاد الذي لم يكن حاضرا بقوة مثلما هو عليه اليوم، فأنت تفكر في حلول رمضان ليس من الجانب التعبدي بل من الجانب الاستهلاكي الاقتصادي، وهذا ما سعى في اندثار الكثير من الطقوس التي كانت ترافق مناسباتنا، تحياتي.

  • عبد الرحيم فتح الخير
    السبت 20 ماي 2017 - 20:48

    5 – المهدي .
    أخ مهدي أشكرك على المعلومة أرأيت أخي الكريم حتى عيد الأب يمر مر الكرام لابهرجة ولا اشهار وأكاد أجزم ان من بين ألف رجل رجل واحد يعلم أن له عيد. معليش هانية أوعواشرك مبروكة

  • الصومعة والنفار
    الأحد 21 ماي 2017 - 01:54

    الذين كانوا يتداولون مبارك عواشركم بصدق اجتماعي وعن قناعة روحية لم يبقى منهم الا القليل أغلبهم قضى نحبه .لم يكونوا يعرفون عن الاسواق العصرية الاستهلاكية أي شيئ كما انهم كانوا يعيشون مناسبات أعيادهم/رمضان بسطاء في لباسهم ومأكلهم ( حريرة رغيف طاجين شاي والعبادات .لم تظهر علامات الأسراف وسلوك التباهي وأسلوب النخوة إلا بعد ثمانينيات القرن الماضي حيث زاغ الناس عن مقاصد التدين نحو قيم السوق ومظاهر الاستهلاك ، على كل حال الكلام كثير .رمضان كريم .

  • khalid
    الأحد 21 ماي 2017 - 18:11

    اظن ان عيد الاضحى ,او كما يسميه المغاربة عيد لكبير, يعتبر مناسبة" القص " من الدرجة الاولى, كل شيء فيه يدور حول الطواجين والشواء كان المغاربة خرجوا لتوا من اضراب عن الطعام

  • الحسين
    الإثنين 22 ماي 2017 - 02:34

    اخي الكريم اذا كان قصدك الاعياد الاسلامية .فنحن في الاسلام لا يوجد عندنا الا عيدين اثنين في السنة لاغير عيد الفطر ،وعيد الاضحى. ولا حرج ان يوسع الانسان في ادخال على اولاده الفرحة والسرور في هادين العيدين.لمافيهما من الاجر والثواب.فصد المستطاع
    لكن اخي الكريم نرى في بلادنا من يحتفل باعياد النصرى .مثل راس السنة وعيد الام وعيد الحب وعيد الاب وعيد المراة. الخ ويصرفون اموالا كثيرة على الخمور والحلويات وغيرها .ولا يتكلم احد عن هذه المناسبات .
    ولوتكلم احد عنها لاتهمنا بالتطرف والتشدد..

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة