لاحظ الرأي العام الوطني خلال مناقشة مشروع قانون المالية 2017 بالبرلمان بروز حملة إعلامية حادة من بعض الأطراف بشكل يحاول ترسيخ عدم دستورية المادة 8 مكرر لدى المواطنين، وكنا ننتظر من الخبراء والأكاديميين وأساتذة القانون العام والمتخصصين في العلوم الإدارية أن يتصدوا بالنقاش العلمي لمضمون هذه المادة ومستجداتها الهامة، إلا أن الضغط الإعلامي بقي موجها من قبل فئة واحدة تعتبر نفسها معنية بشكل مباشر بهذه المادة.
وإذا كنّا نستغرب لانحراف النقاش عن جوهره ولمحاولة افتعال هذه الضجة الادعاءات التي رافقت المناقشة والتصويت على المادة 8 مكرر، فإن حجم الاستغراب يزداد عندما نلاحظ محاولات من هذه الأطراف لتصوير هذه المادة وكأنها تهدف إلى وقف تنفيذ الأحكام القضائية، وهذا مخالف تماما لمضمون المادة 8 مكرر.
أولا: نقاش حول قابلية الأموال العمومية للحجز
تعتبر مسألة الحجز على الأموال العمومية مسألة جد معقدة ولا يمكن تناولها بالنقاش بشكل عرضي، نظرا لارتباطها باستمرارية المرفق العام وتهديد السير الطبيعي لجميع الإدارات العمومية والجماعات الترابية، بما يعني ذلك من توقف الخدمات العمومية وتهديد مصالح المواطنين.
وقد كانت المحاكم الإدارية في السابق ترفض الترخيص بالحجز على الأموال العمومية لهذا السبب، خاصة وأن المادة 25 من قانون المسطرة المدنية يمنع على القضاء الترخيص بأية إجراءات من هذا النوع، إلا أن المحاكم الإدارية أصبحت ترفض في السنوات الأخيرة تطبيق مقتضيات هذه المادة، وهو أمر جد مستغرب، خاصة وأن الحجز على المال العام ممنوع في مختلف الأنظمة القانونية المقارنة، خاصة في أوربا وعدد من الدول العربية.
لذا كان من المفروض أن يخضع هذا الموضوع لنقاش قانوني وعلمي بعيدا عن المزايدات السياسية أو المطالب والمصالح الفئوية، على اعتبار أن جل الأنظمة القانونية الدولية تمنع الحجز على الأموال العمومية وتعتبرها أموال المجتمع بأكمله وليس أموال المؤسسات أو الجماعات المعنية، ولا يحق توجيهها لغير الأهداف التي من أجلها تم استخلاصها من المواطنين.
فضمان استمرارية المرفق العام تعتبر مسألة ذات خطورة بالغة ولا يمكن السماح بتوقيف أو عرقلة عمل الإدارات والمرافق العمومية لأي سبب من الأسباب، وهو ما جعل الأنظمة المقارنة تمنع صراحة الحجز أو التصرف في الأموال العمومية.
لذاتعتبر المادة 8 مكرر تجسيدا لمبدأ استمرارية المرفق العام، فلا يعقل أن نحرم المجتمع من الخدمات العمومية الأساسية عبر الحجز على أمواله، أما تنفيذ الأحكام فله عدة آليات أخرى تضمن حقوق الأفراد دون الإضرار بمصالح المجتمع.
ثانيا: مبدأ فصل السلط وتخصيص الاعتمادات المالية
يعتبر فصل السلط مبدءا دستوريا رئيسيا لا يمكن تجاوزه أو مخالفته، فالميزانية العامة (الدولة أو الجماعات الترابية) تخضع لمسار قانوني محدد دستوريا، يتعلق بتحديد اختصاص ومجال تدخل كل سلطة أو مؤسسة دستورية.
فلا يعقل إذاً أن تقوم السلطة التشريعية بالتصويت على القانون المالي ومنح الحكومة ترخيصا ماليا محددا لأداء النفقات، وتأتي المحاكم لتقوم بضرب هذا المبدأ عبر تغيير تخصيص الاعتمادات المالية والأمر بصرفها لغايات أخرى غير التي تمت المصادقة عليه، ونفس الأمر بالنسبة لميزانيات الجماعات الترابية التي تعتبر بدورها مؤسسات دستورية.
فالمحاكم الأدارية بأمرها بالحجز على مجموع أموال الدولة والجماعات الترابية للأداء المباشر للتعويضات، دون احترام القانون التنظيمي للمالية وقواعد المحاسبة العمومية، تقوم بتغيير المخصصات المالية التي صادقت عليها السلطة التشريعية والمجالس التداولية للجماعات الترابية، وهذا يعتبر حلولا للسلطة القضائية محل السلطتين التشريعية والتنفيذية في ممارستها لاختصاصاتها، وهذا ما يتناقض مع مبدأ فصل السلط ومع القواعد الكبرى المتعلقة بدور القضاء على هذا المستوى.
ثالثا: مطابقة المادة 8 مكرر للدستور
تضمنت المادة 8 مكرر عدة مقتضيات هامة تنظم عملية تنفيذ الأحكام، وتنص على مسطرة واضحة هي الأولى من نوعها في المجال التشريعي المغربي، كما تُلزم بشكل واضح الآمرين بالصرف ببرمجة الاعتمادات اللازمة لتصفية الأحكام القضائية، لأن هذا المقتضى هو المسار الطبيعي الذي يجب أن تسير عليه الأمور.
ففي السابق كان هناك فراغ قانوني على هذا المستوى، وبالتالي كانت المحاكم الإدارية ترفض تطبيق المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية، فجاءت هذه المادة لتضع قواعد واضحة تتعلق بتنفيذ الأحكام وليس العكس كما يتم ترويجه بسوء نية.
فهذه المادة تنص صراحة على تنفيذ الأحكام وليس العكس، لكنها بالمقابل تمنع الحجز على الأموال العمومية، وهو نفس المنحى الذي سارت عليه معظم الأنظمة القانونية الأوربية، بل إن محكمة النقض الفرنسية رفضت الحجز على جميع الأموال والممتلكات التي توجد رهن إشارة المقاولات العمومية رغم طابعها التجاري والصناعي، واعتمدت مبدأ فصل السلط وعدم اختصاص القضاء بالتدخل في تخصيص الأموال العمومية حفاظا على استمرارية المرفق العام ومصلحة المجتمع.
لذا لا يوجد أي ناقض للمادة 8 مكرر مع أحكام الفصل 126 من الدستور، فهذا الفصل ينص على أن الأحكام القضائية ملزمة للجميع، وهذا ما أكدته المادة 8 مكرر التي وضعت إجراءات تنفيذ الأحكام، كما نص الفصل 126 أيضا على وجوب تقديم السلطات للمساعدة على تنفيذ الأحكام وهذا واضح ولا يحتاج إلى تأويل، لذا نجد أن المادة 8 مكرر ألزمت الآمرين بالصرف ببرمجة الاعتمادات اللازمة لأداء التعويضات.
أما مسألة الحجز على الأموال العمومية فموضوع كبير ولا يرتبط بهذا الأمر، لأن الحجز بطبيعته يعتبر آلية فقط من آليات عدة لتنفيذ الأحكام، وحتى قانون المسطرة المدنية يمنع الحجز في حالات كثيرة، لذا من المنطقي أن يتم منع الحجز بقانون على الأموال العمومية لأنها أموال دافعي الضرائب ولا حق لأحد في وضع اليد عليها إلا وفق ما ينظمه القانون.
رابعا: مسطرة تنفيذ الأحكام القضائية
كانت عدد من المحاكم الإدارية تتحجج بعدم وجود أية قواعد قانونية تتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية على المستوى المالي، وكانت ترفض الإجراءات المحاسبية التي تمنع صرف النفقات دون توافر الاعتمادات المالية، وتعتبرها مجرد إجراءات لا تلزم المحاكم، لذا كان من الضروري وضع قواعد قانونية واضحة لتنفيذ الأحكام باحترام تام لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية الذي يعتبر بمثابة دستور مالي ملزم لجميع السلطات.
لذا جاءت المادة 8 مكرر لتضع إجراءات قانونية واضحة لتنفيذ الأحكام، وكذا لضمان تنفيذها رغم عدم توافر الاعتمادات المالية خلال السنة الجارية، وهي مقتضيات ملزمة قانونا لجميع الآمرين بالصرف تحت طائلة رفض ميزانياتهم من قبل السلطات المختصة، وهو ما يندرج في إطار احترام مبدأ فصل السلط، وأيضا تحت طائلة إثارة المسؤولية الشخصية للآخرين بالصرف وهو ما يعتبر بدوره آلية فعالة لتنفيذ الأحكام.
لكن للأسف لم تتم مناقشة مضمون هذه المادة بشكل علمي، ولاحظنا حملة إعلامية من فئة معينة تعتبر نفسها متضررة من منع الحجز على الأموال العمومية، في حين أن مصالح المجتمع برمته واستمرارية المرفق العام كانت مهددة، لذا نتمنى أن نرى مناقشة موضوعية يساهم فيها أهل الاختصاص القانوني.
*متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
هذه المادة 8 مكرر التي ادخلها فريق العدالة والتنمية على مشروع قانون المالية تجهز على حقوق المواطنين في تعزيض ممتلكاتهم التي تنزعها منهم الدولة. وعلى طول المقال لم يتطرق صاحبة للنقطة الرئيسية فيه، وهي التي تنص على "في حدود ما تتوفر عليه اعتمادات الدولة" أي أن تعويض المتضررين قد يكون السنة المقبلة وقد يكون السنة التي بعدها وقد يكون بعد انصرام قرن من الزمن. إنه التدليس بعينه على القراء.
نقاش نظري يمكن احترامه لكن الإبهام الذي يلفه ينم عن مشكلة نظرية لم يتطرق لها هذا المقال. مما لا ريب فيه أن هنالك تناقض بين مصالح من نعتبرهم مع الكاتب عامة الشعب وبين مصلحة من قضت المحكمة الإدارية لصالحهم مع الزامهم بالتروي ريثما يقرر ولي أمر المصلحة العامة برمجة وتبني التعويضات.
هناك من سيقول لا بد من مراعات شرف وكرم ما قضت به المحكمة أولا ثم هناك من سيرى أن ما يسمى المصلحة العامة يمكنها أن تأجل التنفيذ ولا يهمنا إن انتحر صاحب المقاولة أو مات جوعا من يعملون بها لان مواصلة حياة المصلحة العامة لا يمكنها ان تكترث لمن يتوفون بسبب تماطلها. وهذا لربما هو الظلم بعينه. ظلم يتستر ويتلبس بلباس أو باسم الشعب أو باسم المملكة أو الجمهورية أو ما شابه ذلك من عبارات تترفع عن بني البشر المظلومين. لربما الحل الوسط هو أن تكون الدولة تتوفر على مبالغ مبرمجة مسبقا للإمتثال لما يصدره قضاءنا من حكم ولا نحتاج لحجز اموال مؤسسة خاصة وفي نفس الوقت لا نتمادى في ظلم المظلوين.
يا سيدي الإدارات العمومية والجماعات المحلية
إذا تريد الحفاظ على مرفقها العام وسيره الطبيعي فيجب عليها دراسة كل خطوة ستقدم عليها من شأنها أن توقعها في مثل هذا الوضع هذا أولا ثانيا فالمواطن مقارنتا مع الإدارة فهو الحلقة الضعيفة وهو من يجب صيانة حقوقه والدفاع عنه وثالثا اذا تريدون حماية المرفق العام فبإمكانكم انجاز صناديق على شكل assurance للتدخل في مثل هذه الحالات الشاذة و ضمان حقوق الجميع والله أعلم
المادة 8 مكرر تجسيدا لمبدأ استمرارية الظلم والعبودية
واش انتا مازال كتناقش الدستور والزعت والكذوب،راه جيين ليكم والله هاد المرة مانتفكو معكم حتى نطهر ارضنا منكم
وداك الدستور ديالكم غير شبعوا به، النظام فاسد فاسد فاسد بل متعفن
والشعب المغربي سيقول كلمته للمفسدين،لا لحكم الظلمة لا للمستبدين
لا لحكم من يرون انفسهم فوق البشر،لا لحكم الالهة البشر،لا لحكم من لا يمكن محاسبته
لا لحكم المقدسين،والمغرب ارضي حرة والفساد إطلع برّة
علميا، وفي كل البلدان حقوق المواطن يجب أن تصان قبل كل شىء. وتنفيذ الأحكام على الدولة يجب أن تكتسي أسبقية قصوى لمافي غير هذا تشريد وتفقير للمواطن. أما الدولة فعليها ان توفرالامكانات المالية الضرورية عند وضع اليد على أملاك الغير أو شق طريق ربما يمر بمنزلك أو تنفيذ مشاريعها… كم تسببت الدولة في إفلاس مقاولين والبعض منهم دخلالسجن بسبب ديون متراكمة وتلكأ الدولة في الأداء. إن كان تنفيذ الاحكام لا يخضع الا لرغبة الدولة ولا يخضع لمتطلبات السرعة في التنفيذ فان هذا يعتبرا سلبا ونهبا مقننا…
النقاش الدستوري والقانوني والمجتمعي حول تطبيق الفصل 8 مكرر جيد من الناحية النظرية بين المؤيدين لإقراره وبين من يسعون بجميع الطرق للتراجع عنه وإسقاطه. لكن من وجهة نظري، ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى محاربة الفساد من خلال السعي إلى إحداث اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد والوقاية من الرشوة بجميع اشكالها، فإن الإبقاء على الفصل 8 مكرر كيفما كانت المبررات سيؤدي فقط إلى خلق بؤرة جديدة من بؤر مخاطر الرشوة ونافذة تتسلل منها أساليب استغلال النفوذ والمحسوبية والزبونية. وهذا وحده كاف للتراجع عن هذا المقتضى
القضاء الاداري بالمغرب اضطر للجوء الى الحجز على اموال الدولة من أجل مواجهة ظاهرة امتناعها عن تنفيذ الاحكام القضائية، فكان هذا الحل بمثابة الحل الوحيد المتاح عمليا من أجل انصاف المظلومين.. كنا نتمنى من حضرتك ان تقوم بتسليط الضوء عن اسباب عدم احترام الدولة والجماعات والادارات العمومية للاحكام القضائية وضربها عرض الحائط لا ان تدافع عن هذه المادة الفضيحة التي تكرس للافلات من رقابة القضاء.