ارتدادات الحسيمة محك فعلي لـ''استثنائية النموذج المغربي''

ارتدادات الحسيمة محك فعلي لـ''استثنائية النموذج المغربي''
الثلاثاء 20 يونيو 2017 - 17:19

بعد التحويل المتعمد والمقصود لمسار الربيع العربي، من طرف القوى المنتعشة على استمرار توالد أشواك التصحر العربي، إلى وجهة نموذج الأرض المحروقة غير المبقية على أي شيء، المترسخة حتى الآن في سوريا وليبيا، أو الرمي بشعبي مصر وتونس تأديبا، ضمن أفق مدارات العبث اللامجدية؛ بحيث تدور وتدور مترنحا في المكان نفسه على شاكلة المصاب بداء الصرع، وبالكاد تتوقف النوبة وتستعيد وعيك نسبيا، فتتساءل ماذا يحدث؟ حتى تسقط مغميا عليك ثانية، وهكذا دواليك، مع فقد تام للإحساس بالزمان والمكان والعالم والناس والحياة.

في المغرب، طُرح كجواب آخر دستور ظل للأسف الشديد مجرد فصول وبنود قانونية، متعاليا على ما يجري حقا على أرض الواقع، غير متفاعل مع المشاكل اليومية المتفاقمة التي تمس مختلف المرافق الحياتية للشعب. التفسير البسيط لانفصام كهذا، كونه افتقد فضاء ديمقراطيا متطورا، وأجواء سياسية عاقلة، ومؤسسات فاعلة، بل قبل ذلك جميعا، إرادة سياسية شجاعة وصادقة مشبعة بالروح الشكسبيرية حسب قانون: نكون أو لا نكون.

في خضم ذلك، بدأت الأجهزة الإعلامية الرسمية وملحقاتها في ترسيخ وكذا الترويج، بمناسبة ودونها، لمفهومي ”النموذج المغربي” و”الاستثناء المغربي”، المختلف تماما نزوعه عن ممكنات مستنقع الشرق العربي.

طبعا، الخيار المفترض تضمينا، الذي استندت إليه مرتكزات الاختيار الثالث، إن صح التعبير، إحالته على خيار أولي ومطلق، ذاك الخط المستقيم الأقرب مسافة لبناء الدولة بمعناها الحديث المتمدن، والنهوض بالشعوب لمواجهة التحديات التي ما فتئت تتجدد كل يوم، بالتالي اختصار سبل الطواحين الدونكيشوطية والمعاناة والويلات والشرور ومكائد الشياطين، أي لا حاجة بنا للتفاصيل المملة كي لا تعثر الشياطين على مرتع خصب لإفراز عفنها. أقصد بالتأكيد خيار الديمقراطية المؤسساتية. وحدها الأخيرة كفيلة بضمان الاهتداء بالمجتمع ومعه الجميع إلى ملاذ الأمان. طبعا الديمقراطية في حاجة قبل كل شيء إلى أناس ديمقراطيين، سواء لدى هذه الجهة أو تلك. غير أفق كهذا يبقى لعبا غير محسوب العواقب بتاتا، يؤجل المشاكل بقدر مراكمتها، يشبه لعبة الرهان على بؤرة ضيقة جدا لا تقارب خطوة، ما بين شفا حفرة ثم الوقوع الفعلي وسط الحفرة حيث تُشرع أبواب جهنم على الجميع.

إذن ”النموذج المغربي” مثلما أومأ نحو التناوب والتعايش والتعدد والتضامن والتسامح وتبادل الأدوار والاصطفاء والانتخاب والعدل والاستحقاق…، بدلا عن أساليب الغاب الهمجية والرهيبة التي استسهلها دون تريث استبداد مستنقع الشرق، كي يقطع الطريق ويحسم خلافات السلطة والغنيمة والقبيلة، بلغة عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.

أقول، بعد استمراره لسنوات عند حدود التنميق اللغوي والازهرار الشعاراتي، يلزمه حاليا مع أول محك تاريخي حقيقي جراء انتفاضة الحسيمة، البرهنة حقا على قدرته كي “يؤمثل” ذاته. هذا ”النموذج المغربي” جعلت منه الحكومة المنبثقة عن انتخابات 2011، بزعامة السيد بنكيران، عائقا إبستمولوجيا، يجٌبٌّ كل ما قبله ويصادر ما بعده، وكأن التاريخ انتهى الآن وهنا: إلغاء تاريخ نضالات الشعب المغربي المريرة منذ مطلع الاستقلال التي نحتت في الصخر رويدا رويدا جداول صغيرة تصب نحو الهامش الديمقراطي، الذي رسم تقليدا شبه مألوف، لما ستألفه تلك الحكومة حكائيا خلال الجلسات المخملية في كنف المكيفات الهوائية صيفا والمدفئات شتاء، أمام طاولات مفعمة بما لذ وطاب.

أيضا، وحسب المنحى ذاته، فلا مستقبل لنا سوى هذا المستقبل مثلما يشاؤون وعلى النحو الذي يريدون. هكذا بقي رئيس الحكومة السابق يصرخ في وجهنا، كلما أحرجته أسئلة البلد الملحة: “شوفوا ألْخّوت أش واقع في سوريا وليبيا، راه احنا اللي عتقنا المغرب!!”. طبعا هو مسوغ مهلهل أساسا، وغير ذي قيمة، نظرا للمبررين الوجيهين التالين:

1. سوريا، ليبيا، إرثيريا، السودان، ومختلف محيطها، لم ولن تكون، جملة وتفصيلا، نماذج تذكر إيجابا أو سلبا. ففي بلدان كبلداننا، لم ولن تشرئب أعناقنا سوى نحو وجهة العالم الأول بجغرافيته الأوروبية والكندية والأمريكية.

2. أساس خراب سوريا وليبيا وما على شاكلتهما، التضييع الأبله لمفهوم الدولة المدنية ثم الانكباب باجتهاد في المقابل على شخصنتها، بالقطع مع كل روافد الديمقراطية.

نعم الديمقراطية، بمثابة الحلقة المفقودة بخصوص انتفاضة الحسيمة، ومشاكل كل ما جرى وما سيجري. فغياب ثقافتها وممارستها اليومية يجعل الأوطان حكرا على فئة صغيرة ماسكة بكل شيء، ومُؤدلجة في الوقت ذاته لكل شيء، حسب تأبيد مصالحها.

هكذا، تزداد شقوق التفاصيل، كما أشرت، وتربو الفجوات التي تجد فيها الشياطين موطنا. لذلك على ”النموذج المغربي” أن يصير حقا نموذجا كونيا، يحتذى وتضرب به الأمثال في الاقتداء، فيكبر وينضج ويستلهم حكمة الكبار مترفعا عن مختلف التفاهات التليدة الجاهزة، فيتعامل مع ارتدادات انتفاضة الحسيمة بعقلية حضارية مسؤولة تجسد فعلا منطق الدولة المرنة بقوة مرونة مؤسساتها، والقوية فقط بقدرتها على تجسيد أحلام شبابها وشيوخها وأطفالها، الدولة القادرة على الإحاطة والإلمام بكل الأسئلة، مهما تباينت، لأنها متمرسة أصلا على القيام بواجباتها.

أما التواري، بالقمع واستعراض عضلات رامبو والمحاكمات والتضليل وتلفيق التهم واختلاق المبررات وتحوير النقاشات عن مجراها الطبيعي وتأجيج الصراعات الهامشية وتأجيل جوهر المشاكل…، فلا يمكنها عبثا سوى توخي إخفاء الكدمات بمساحيق، سرعان ما تنمحي عند قطرة دمع أولى.

‫تعليقات الزوار

3
  • سلوى
    الثلاثاء 20 يونيو 2017 - 19:32

    المخزن التف على الربيع العربي و استغل بنكيران فاعتقد انه تجاوز مرحلة الخطر وأن الشعب سدج فأراد أن يعود للإستبداد بعد تعيين رموزه على رأس الحكومة فتفاجأ بانقلاب السحر على الساحر فهاهو في حيرة من أمره إذا تنازل ستتبخر هيبته وإذا قاوم سيتبخر هو و هيبته ربي كبير شكرا

  • المغرب الكبير
    الثلاثاء 20 يونيو 2017 - 21:23

    السلام عليكم ورحمة الله
    ملاحظة جديرة بالاهتمام .في تاريخ نضال القوى الديموقراطية سواء في المغرب او في الشرق .إنه كلما احتاج إليها الشارع..تختفي ولا تحرك ساكنا المفروض ان يتم تعميم فكرة حراك الريف على باقي المناطق المغربية..بنفس الزخم والوتيرة لو كانت القوى الديموقراطية حية وفاعلة وموجودة لما تم اعتقال النشطاء..وتعنيف المحتجين العزل .يحب أن نجعل من حراك الريف حراكا مغربيا..عندها لا يتجرأ المخزن بمعاقبة الريف لأنه ريف انفصالي وغوغاءي كما يروج له ويمارس ابتزازا مشينا امام أعين القوى الديموقراطية..ان الأوان أن تستيقظ.فالنضال نضالها ايضا شكرا

  • ابوهاجوج الجاهلي
    الأربعاء 21 يونيو 2017 - 12:29

    انه ريف كل المغاربة الغيورين عن بلدهم وليس ريف القوات القمعية التي تقتات بضرب وقمع هذا الشعب المسكين الذي لا حول له ولا مساند. لق ** الاحزاب الريعية التي كرهنا ان نرى بعض الوجوه مثل السيد عرشان واعضاء قبيلته وما فعله هذا الجلاد في عهدهم الجميل القديم الذي كان عهد جهنم للمظلومين من احرار هذا البلد. لم يتغير شيء. لقد باعوا لنا وهم المخططات الرباعية والخماسية لقد كسروا رؤوسسنا بمحاربة الهجرة من البادية الى المدينة والان اصبحوا يحرسون الحدود الاسبانية بالمقابل ويتركون المهاجر الاجنبي يتسول في الطرقات. لقد عربوا التعليم وقضوا عليه بدون رجعة وجاء بنزيدانهم ( وتبورد علينا مزيان ) لقد احابنا الله نحن المغاربة بهذا الرئيس المسرحي الهزلي صاحب نظرية الاستث———–ناء

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 1

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب