... "تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ".؟

... "تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ".؟
الإثنين 26 يونيو 2017 - 03:58

يبدو أن الترقيعَ تعب منا، وأن قشابةَ بلادنا قد ضاقتْ من السياسة الترقيعة المتبعة. مثلما يبدو أيضاً، أنْ ليس أمامنا سوى خيارِ الشروعِ في تشييد مغربٍ بلا قممٍ شاهقة النفوذِ والغنى والأنانيةِ والثراء، وبلا سفوحٍ شاسعةٍ غارقةٍ في وَحَلِ الضعفِ والفقرِ والعطالةِ والشقاء.

لقد صار هرمُنا الاجتماعي شبيهاً بهرمٍ فرعوني شاهق… أقلية اجتماعية تسيطرُ على السلطةِ والإدارة والمجال، وعلى غالبيةِ خيراتِ وعائداتِ الوطن، مقابل أغلبيةٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ محكومٌ عليها بالكدحِ والكفاف، وبالضرائبِ والديونِ والفقرِ والبطالةِ والتهميشِ والشقاء.

تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ… !

قال ملكُ البلادِ عن البلاد، في خطابٍ سابق: ” … إن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة”.

لكن الذي يبدو واضحاً، في حالتنا وأحوالنا تحديداً، أن “القسمةَ ضِيزَى” قولاً وفعلاً واختياراً نافذا… وهذه القسمةُ الضِيزَى هي أصلُ المشكل… وفي إعادةِ القسمةِ عدلاً وإنصافاً، يوجدُ الحل الصحيحُ، المستدام والمستديم.

لقد ترتبَ عن فترات انحطاطِ المغرب وتخلفه التي مهدتْ لاحتلاله المباشر، وعن تركةِ الفترة الاستعمارية التي تلتها، وعن نصفِ قرنٍ وعقدٍ من الزمن من الترقيعِ والتمييزٍ والتبعية بعد الجلاءِ شبه الظاهري للاستعمار، وإلى الآن… ترتبَ عن هذا كله نظامٌ اجتماعي وسياسي، طبقي تمييزي، تتمركزُ فيه الثرواتُ الوطنيةُ وفوائضُ قيمتها بأيدي الأقلية، كما السلطة والنفوذ والجاه تماماً.

لذلك، ولضمانِ استمرارِ هذ الأوضاع يٌلجاُ إلى سياسةِ الترقيع، أعني ترقيع الوضع القائم، سواء بواسطةِ ذر الرماد في العيون أو من خلال الإلهاءِ والقمعِ والتضليل.

إن “القسمةَ ضِيزَى” قولاً وفعلاً… وهي أصلُ المشكلِ، وفي إعادةِ القسمةِ عدلاً وإنصافاً، يوجدُ الحل الصحيحُ المستدام والمستديم.

يظهرُ اليوم، نجاح المستغِلين والاستغلاليين، عندنا وفي باقي البلدان الخاضعةِ شعوبها للاستغلال على طولِ الأرضِ وعرضها… يظهرُ أنهم نجحواْ حتى الآن، في “تقنيع الحقيقة” الوطنية المائلةِ في تناقضاتِ الواقعِ الاجتماعي، الملموسةِ والقابلةِ للإدراكِ والمعرفةِ بواسطةِ العقلِ والحواسِ والحساب… أقصدُ أنهم نجحواْ في وضعِ القناعِ فوق حدةِ هذه التناقضات، عبر توظيفِ الموروث الديني وبعض الهويات والعرقيات والأيديولوجيات، وبواسطةِ التكنولوجياتِ والدعايةِ والإعلام، بهدف إخفائها والإلهاءِ عنها، تضليلاً للمستغَلين. وهُن، وهُمُ الأغلبيةُ الواسعة.

الحقيقة التي يجتهدون في تقنيعها وإخفائها والإلهاءِ عنها، تتمثل في حقيقةِ حدةِ الفوارقِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ والثقافيةِ والمجاليةِ المائلةِ، والقابلةِ للإدراكِ والمعرفةِ بواسطةِ العقلِ والحواسِ والحساب.

ومن دون الانطلاقِ من مسحٍ دقيقٍ أو متخصص لهذا الواقع، نُدركً بالعينِ المجردةِ وبحساب الخُشَيْبات، حدةَ هذه الفوارقِ اجتماعياً، وكذا على صعيدِ توزيعِ السلطةِ والمجالِ والمعرفة. فمثلما تتركزُ الثرواتُ الوطنيةُ وفوائضُ قيمتها في أيدي أقليلةٍ اجتماعيةٍ متعالية، تتركزُ السلطُ والمعرفةُ لدى ذاتِ الأقليةِ السائدةِ، فتتمركزُ مختلف الأنشطة والخدمات وفوائض القيمةِ في المركز الإداري والاقتصادي، كإرثٍ استعماري وتمييزٍ مجالي وغنيمةٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية، في متناول المحظوظين.

أما بعد؛

إن “القسمةَ ضِيزَى” قولاً وفعلاً… والظلمُ الذي في هذه القسمةِ الظالمة هو أصلُ المشكلِ… وفي إعادةِ هذه القسمةِ، على قواعدِ العدلِ والإنصافِ والمساواةِ وتكافؤِ الفرص، يوجدُ الحل الصحيحُ المستدام والمستديم.

‫تعليقات الزوار

4
  • العدالة والآن
    الإثنين 26 يونيو 2017 - 05:12

    بون شاسع بين من لايجد كفاف يومه ، ومن يملك أموالا لاتأكلها البحار . تلك اذن قسمة طيزة ، صدقت كاتب المقال . الاصلاح لم يعد مطلبا بقدره ماهو قدر دونه الهلاك . سئم المغاربة سياسة سمكة ليوم … سووا الصفوف يرحمكم الله…الله أكبر

  • زكريا
    الإثنين 26 يونيو 2017 - 21:53

    تلك فعلا قسمة ظالمة. نعم الله هو الذي يقسم الارزاق لكن البشر هو الذي يوزع الفوارق الفادحة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع…بين كمشة من المتسلطين على خيرات البلاد كالجراد واغلبية من المتسلط عليهم المحرومين من ابسط حقوق العيش الكريم. هذه هي الحكرة

  • القسمة الضيزى ....
    الثلاثاء 27 يونيو 2017 - 01:21

    … عالمية يا أستاذ وليست خاصة بالمغرب.
    ألا تعلم أن 1% من مجموع سكان العالم يملكون أكثر من نصف ثروات العالم ، وأن النصف الآخر من الثروة يتقاسمه 99 % من سكان العالم.
    إنها طبيعة النظام الرأسمالي واقتصاد السوق ، أما أحلام الإشتراكيين في القضاء على الفوارق الطبقية ، فقد تبخرت بعد سقوط جدار برلين ( 1989) و فشل أنظمة البيروقراطية الإشتراكية في العالم .
    مع الأسف أن ليست هناك اشتراكية تغني الفقير دون أن تفقر الغني.

  • خديجة وسام
    الخميس 29 يونيو 2017 - 13:13

    ظيزى كلمة قرآنية غريبة ونادرة بحيث ان بعض المعلقين كتبها بالطاء. ينطلق كاتب المقال من تقسيم الشعب المغربي إلى حكام ومحكومين، الى أقلية غنية وإلى أغلبية فقيرة ومن مبدإ أن توزيع الثروات هذا غير عادل. ينطبق هذا التقسيم وهذا الوصف على أغلبية بلدان العالم.
    فهاته تشخيصات للداء يمككنا أن نتفق عليها. لكن الكاتب لا يتطرق لوصف العلاج ومدته وخطواته. لنفترض أن بضع عائلات مغربية تملك ثمانين بالمائة من ثروات البلاد وأننا نود أن يتبقى لها أربعون بالمائة وأننا سنعيد توزيع هاته الثروات في غضون الأربعين سنة القادمة. فما هي الوسائل السياسية التي يجب استعمالها ؟ وما هي مقومات نظامنا الإجتماعي الذي يجب بناءه ومن هي القوى والفئات الإجتماعية التي ستقوم بهذا التغيير ؟ لا يحق لأي أحد منا أن يشتكي ويبكي ويندد بالظلم دون أن يكسر مخه لتقديم وصفة الدواء. فمرضنا معروف ومشهور وسئمنا من الأنين والشكوى التي لا تسمن ولا تغني من فاقة.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة