الأمن القومي المصري الفلسطيني المشترك

الأمن القومي المصري الفلسطيني المشترك
السبت 22 يوليوز 2017 - 00:43

حب الشعب الفلسطيني لمصر لا يقل عن حبه لبقية البلدان العربية، بل إن حبه وتقديره لمصر له خصوصية نابعة من الجوار الجغرافي وتاريخ التعايش المشترك والنضال المشترك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إنه حب نابع من عمق الانتماء القومي للفلسطينيين ومن إحساس الفلسطينيين بأن نهضة مصر وتطورها واستقرارها يعني نهضة الأمة العربية واستقرارها، وانتكاسة مصر انتكاسة للعروبة وللاستقرار في المنطقة.

صحيح أن العلاقة بين الشعبين تخللتها أزمات وتوترات، إما بسبب تصرفات ومواقف من أطراف فلسطينية أو مصرية، فيها إساءة فعلية للطرف الثاني أو نتيجة سوء فهم لهذه التصرفات والمواقف التي لم يكن المقصود منها الإساءة، ولكن في النهاية كان صوت العقل والمصلحة القومية المشتركة يتغلبان على المشاكل وتعود العلاقة سوية تؤَسَس على تقدير واحترام الشعب الفلسطيني لمصر الشعب والقيادة والأخ الأكبر، وتفهم مصر لخصوصية الحالة الفلسطينية وتشابك وتعقد مكوناتها وثقل التأثيرات الخارجية عليها.

خصوصية وعمق العلاقة بين مصر وفلسطين تسمح لنا بالحديث عن الأمن القومي المشترك بين الطرفين، الذي يفترض أن لا تؤثر عليه أي خلافات سياسية عابرة. والمقصود بذلك وقوف الشعب الفلسطيني شعبا وقيادة إلى جانب مصر في كل ما يمس أمنها القومي، سواء تهديد وحدة أراضيها وشعبها أو إرهاب الجماعات المتطرفة. وفي الوقت نفسه وقوف مصر شعبا وقيادة إلى جانب الشعب الفلسطيني لحماية أمنه القومي في قضيتي وحدة الشعب ووحدة أراضي السلطة والدولة الفلسطينية المنشودة من جانب، ومساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه من جانب آخر.

كانت السنوات الأربع الأخيرة الأكثر سوء في العلاقة بين الطرفين. ففي مصر اشتدت وتيرة خطاب التحريض والتشكيك بالمواقف والسياسات لتنتقل من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي وإلى المنابر الإعلامية إلى درجة شيطنة الشعب الفلسطيني بكامله، وفي المقابل تشكيك بعض المنابر والأطراف الفلسطينية في موقف مصر من القضية الفلسطينية.

كان للتداخل والارتباط بين حركة حماس والإخوان المسلمين وعلاقة حركة حماس بمحاور عربية معادية لمصر الدور الأكبر في توتير العلاقة بين الطرفين، ثم دخل عامل جديد هو علاقة أطراف سيادية في مصر مع محمد دحلان المعارض للرئيس أبو مازن لتصبح العلاقة أكثر تعقيدا وإرباكا، وخصوصا بعد مبادرة الرباعية العربية حول المصالحة الفلسطينية التي رفضها الرئيس أبو مازن.

الطرف الفلسطيني دائما هو المتضرر من أي توتير في العلاقة بين فلسطين ومصر، صحيح قد تتضرر مصر من بعض السلوكيات والمواقف الفلسطينية، وخصوصا في الجانب الأمني وفي ما يتعلق بالتباس الوضع في سيناء وعلى الحدود مع مصر، ولكن في الحسابات الاستراتيجية، فإن فلسطين ستكون هي الخاسر الأكبر من الخلاف مع مصر؛ حيث لا توجد دولة عربية أو غير عربية يمكنها ملء فراغ غياب مصر أو تراجعها عن دورها في الشأن الفلسطيني.

نعم، قد يشعر الشعب الفلسطيني بالاستياء أو يعتب على مصر بعض المواقف والسلوكيات، وهو عتاب الأخ على أخيه، ولكن الشعب الفلسطيني لا يقبل بأي شكل من الأشكال أن تتضرر المصالح القومية المصرية أو تصاب مصر بأي سوء، بغض النظر عن النظام السياسي القائم؛ لأن هذا أمر داخلي يخص الشعب المصري وهو الأقدر على تقييم أوضاعه الداخلية واختيار من يناسبه من الحكام.

وفي الوقت نفسه يتمنى الفلسطينيون على الأشقاء في مصر احترام وتقدير الشعب الفلسطيني الذي لا يقل في عراقته وتاريخه عن عراقة وتاريخ مصر، وأن الفلسطينيين لا يقبلون بأن تُمس كرامتهم حتى وإن جار الزمن وموازين القوى على قضيتهم، وتواطأ عليهم وخذلهم حتى من يُفترض أنهم إخوة في العروبة والدين.

وانطلاقا من ذلك، فإن الفلسطينيين يستشعرون خطورة ما تتعرض له مصر من أعمال إرهابية، وإذ يدينون هذه الأعمال فإنما لإدراكهم الأهداف الخبيثة للجماعات الإرهابية ومن يمولها، وهي أهداف تتعدى حدود مصر لتمس الأمن القومي العربي برمته؛ ذلك أن الإرهاب والإرهابيين ومن يدعمهم، وبعد أن عاثوا خرابا ودمارا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وبعد أن تمكن الشعب المصري وقيادته بعد ثورة 30 يونيو 2013 من تجنيب مصر مصير الدول المُشار إليها، وبعد أن استشعروا أن مصر تستعيد قواها وتتهيأ لأخذ دورها القومي، بعد كل ذلك يسعون إلى ضرب الاستقرار في مصر، ومن خلاله يسعون إلى تخريب أكبر وأهم قلعة عربية يمكن المراهنة عليها لاستنهاض المشروع القومي العربي.

لقد رأينا كيف أن الجماعات الإرهابية التي توظف الإسلام لتبرير تصرفاتها ذهبت لتقاتل في كل مكان في العالم إلا فلسطين التي تحتلها إسرائيل وتدنس فيها مقدسات المسلمين، ورأينا كيف أن إرهاب هذه الجماعات ومن يدعمهم ويوجههم دمر دولا عربية -العراق وسوريا وليبيا -كانت الشعوب العربية تراهن عليها لاستنهاض الحالة العربية ومواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني، وقد دفعت القضية الفلسطينية ثمنا باهظا نتيجة أعمال هذه الجماعات.

وعليه، يصبح من الواجب الوطني والقومي على كل الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأحزابه، ليس فقط إدانة الأعمال الإرهابية التي تتعرض لها مصر الشقيقة، بل التنسيق الكامل مع الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية لمحاربة هذه الجماعات؛ لأن كل عملية إرهابية في مصر لا تمس المصريين فقط، بل تشكل أيضا طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني. وإن كان هذا التنسيق يبدأ أمنيا من قطاع غزة، فيجب أن يمتد سياسيا إلى تجنيد كل قدرات النظام السياسي الفلسطيني للوقوف إلى جانب مصر في حربها ضد الإرهاب. فعندما ندعم ونساند مصر، فإنما نساعد أنفسنا وقضيتنا الوطنية ونحمي الأمن القومي العربي.

‫تعليقات الزوار

2
  • مصر الحقيقة
    السبت 22 يوليوز 2017 - 01:42

    مصر منذ افقرها تهور الزعيم عبد الناصر لم تعد تملك زمام أمرها وأصبحت تسير من البيت الابيض ومن تل أبيب . علاقتها المتوترة مع حركة حماس ليست وليدة الامس القريب كما تدعي سيدي ، كلنا يعلم أن حصار غزة يعود لفترة مبكرة من حكم مبارك ، وليس له الا الامثتال والرضوخ عن يد وهو صاغر ، والا فليقل على المساعدات السلام .

  • المغرب الكبير
    السبت 22 يوليوز 2017 - 10:39

    السلام عليكم ورحمة الله
    عندما تتحرر المناطق الامازيغية من القهر والاستبداد والوصاية العربية القومجية وترد لها الحقوق اللغوية والثقافية والقانونية عندها سيكون العرب في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين والأقصى بحول الله…مسألة منطقية ولاغبار عليها …لانه لا يمكنك أن نتباكى..على قضية شعب نهبت واحتلت ارضه من طرف عدو اسرائيلي غاشم..وانت تقهر شعبا آخر في نفس الوقت وتقصيه من كل شيء ..حتى من موارده الطبيعية ومن أن يرسم لغته ..لا يستطيع مستبد أن يدافع عن مظلومين طالما هو مستبد..لا يلتقيان لهذا نرى أن الواقع العربي لا يكذب ذلك…الزعماء والسلاطين العرب يقهرون شعوبهم …ويزجون بها في السجون…ويدرفون دموع التماسيح على الأقصى ..يهبون منجا مالية لإنعاش الاقتصادات الأمريكية والغريبة..ب 400مليار دولار .ويتهمون الامازيغ بالخيانة لانهم يريدون تعلم لغتهم لفهم ما يجري في العالم ..إذا استمرت العرب على هذا المنوال .فإنهم سينقرضون لا محالة..كما أشار إلى ذلك مفكرهم السوري والشاعر ادونيس .في إحدى اللقاءات وهو ادرى بشعاب العروبة …

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب