ذكرى ملحمة أنوال .. لنتعلم من الريف

ذكرى ملحمة أنوال .. لنتعلم من الريف
الجمعة 21 يوليوز 2017 - 03:42

ستظل ملحمة معركة أنوال، بقيادة بطل الريف محمد بنعبد الكريم الخطابي، وشما لن ينمحي من الذاكرة الوطنية للشعب المغربي؛ لما قدمته وخلفته من دروس وعبر في مقاومة الاستعمار، بإباء وروح وطنية عالية متحررة من أي أفق محلي ضيق.

نعم، قضى عنف التحالف الاستعماري على ثورة الريف؛ ولكن “بقيت مادتها المتفتتة ترسل إشعاعها عبر تاريخ المغرب”، كما قال المؤرخ جيرمان عياش، إذ شكلت فيما بعد مرجعا لكفاح جيش التحرير والمقاومة بالجنوب المغربي بل ولحركات التحرر العالمية، ومرشدا للحركة الوطنية الحديثة.

وفي هذا السياق، يقول الزعيم الوطني الديمقراطي الراحل عبد الرحيم بوعبيد: “بعد هذه المرحلة، مرحلة الجهاد المساح التي استمرت إلى 1935، جاءت مرحلة الكفاح السياسي مستمدة قواها وعملها المتواصل من الدروس القيمة التي خلفتها ثورة الريف..” معتبرا ثورة بن عبد الكريم “أكبر مدرسة للوطنية” (ع الرحيم بوعبيد، الشباب المغربي أمام مسؤولياته، ص 36)؛ وهو ما يعني أن إستراتيجية ثورة الريف لم تكن غير مقاومة المستعمر لا الانفصال وكما قال بن عبد الكريم الخطابي مؤكدا ذلك: “لم يكن غرضنا التشويش على المخزن (… ) ولكن قصدنا الأهم هو الدفاع عن وطننا العزيز الذي كان أسلافنا مدافعين عنه” (انظر ملف مجلة زمان، العدد 45).

لقد انطلق الخطابي، في تصوره لمقاومة الاستعمار الإسباني، من اقتناع عميق بأن أية حركة مقاومة محكوم عليها بالفشل السريع إذا لم تتمكن من صياغة أسس وحدة تذوب فيها النزعات القبلية وتنحل ضمنها العقلية المحلية الضيقة.

ومن هنا، فأكبر إنجاز قام به بن عبد الكريم – بحكم مؤهلاته الذاتية- هو رص صفوف القبائل المتصارعة وبناء وحدة متماسكة بينها وإقناعها بضرورة الانخراط في معركة التحرير ككتلة واحدة. وبفضل ذلك، حققت ثورة الريف انتصارات كبرى كانت ملحمة أنوال عنوانها الخالد.

لقد تميزت ثورة الريف بوضوح الرؤية الوطنية المؤطرة لها: فلم يكن وراء مقاومة الاستعمار الإسباني نزوع انفصالي. فبالرغم من تأسيس “جمهورية الريف”، فقد ظل الخطابي يعتبر أن تقرير المصير هو حق الشعب المغربي لا “الشعب الريفي”، وظل لسانه ناطقا باسم طموح وتطلعات جميع المغاربة إلى الاستقلال. وهذا ما كان يؤكده طيلة عشرينيات القرن الماضي، وما بعدها، فقد صرح في 1925 لأحد الصحافيين بأن شروط السلام مع إسبانيا تتمثل في “انسحاب جميع الجنود الإسبانيين من المغرب إلى حدود الأطلنطي حتى تخوم الحدود الشرقية (… ) ونحن نطالب ذلك باسم الأمة المغرية بأسرها” (انظر كتاب “تنظيم الحماية بالمغرب، خير الدين فارس، ص 436).

كما أنها (ثورة الريف) تميزت باستيعاب عميق للظاهرة الاستعمارية لا كظاهرة “صليبية” تقتضي “جهادا دينيا”، إذ ميز بن عبد الكريم بين حرب التحرير وبين الجهاد، يقول في هذا الصدد: “لم نعلن الجهاد لأن الزمن ليس العصور الوسطى أو الحروب الصليبية. إننا نرغب ببساطة أن نعيش مستقلين”. (المرجع نفسه).

وبناء على ذلك، فإن جمهورية الريف التي أثارت الكثير من الجدل والتوجس من “أهل الريف” وخلفت تمثلات خاطئة حولها، ما زلنا إلى اليوم نجد من يرددها عن جهالة، لم تكن ذات أهداف محلية وانفصالية؛ بل كانت جوابا منطقيا على سلبية ظاهرة التشتت القبلي، وحاجة ذاتية لمقاومة المستعمر.

وقد حققت الجمهورية هدفها “الانتقالي”، حيث توحدت صفوف القبائل وساد النظام والقانون؛ وهو ما جعلها شوكة في حلق الاستعمارين الإسباني والفرنسي، بحيث أصبحت – كما عبّر عن ذلك ليوطي- “نقطة جذب ليس للمستقلين فحسب، ولكن لكل تلك العناصر المغربية خصوصا الشباب الذين توسعت آفاقهم وتطورت عندهم مسألة رفض الأجانب”.

إن نعت جمهورية الريف بالانفصال هو، في الأصل، دعاية استعمارية فرنسية كان هدفها التأليب ضد ثورة بن عبد الكريم الخطابي التي لم تكن -كما تثبت ذلك مختلف الدلائل والدراسات التاريخية- سوى لحظة أو محطة ضمن سيرورة النضال الوطني من أجل استقلال المغرب ووحدته..

كتب الناقد الأدبي نجيب العوفي مقالة بجريدة “أنوال” سنة 1980 حول ذكرى ملحمة أنوال تحت عنوان “الذكرى والمآل”، أقتطف منها هذه الفقرة الدالة والعميقة:

“لأجل وصل حقيقي للماضي بالحاضر، ولأجل أنوال جديدة مزيدة ومنقحة لأنوال القديمة، ولأجل الحفاظ على صيرورة النار المشتركة؛ فإن الملحمة ترفض لنا بقوة أن نتخذ منها عزاء أو ما يشبه العزاء، ومضخة نفرج عبرها الهموم والأحزان، كما اتخذ منها الأعداء كوميديا مرتجلة وسرادقا كرنفاليا (…) وتدعونا قبل ذلك إلى أن نتعلم منها ونعي ونستوعب رموزها وعبرها، وهي رموز وعبر واضحة وعميقة في آن”…

فهل تستوعبون، وتتعلمون وتصححون تمثلاتكم الخاطئة والمجحفة في حق ثورة الريف، وفي حق مواطنينا ومواطناتنا في الريف الشامخ الذين لا يرضون عن الكرامة بديلا؟ وها هم (هن) بعد 96 سنة على ملحمة أنوال يسطرون اليوم فقرات جديدة من أجل “أنوال جديدة”، فقرات هي أيضا من صلب نضالنا الوطني والديمقراطي، غايتها الوحيدة العيش في وطن يضمن الحق للجميع في الخبز والحرية والكرامة…

‫تعليقات الزوار

3
  • KANT KHWANJI
    الجمعة 21 يوليوز 2017 - 08:37

    العلم الوطني المغربي الحالي صممه المقيم العام ليوطي,أحمر اللون،بنجمة خضراء سداسية في البداية!!
    و موسيقى النشيد الوطني من تأليف المقيم الفرنسي الكابتن ليو مورغان!
    استمر عزف النشيد الوطني(الفرنسي التأليف) دون كلمات إلى غاية سنة 1970 حين تأهل منتخب كرة القدم لكأس العالم بالمكسيك لأول مرة في تاريخه،حيث اعتمد الملك الراحل الحسن الثاني على كلمات من تأليف الشاعر علي الصقلي مع الحفاظ على نفس اللحن ليردده اللاعبون بالمكسيك أثناء عزفه.! بعد ذلك أصبحت كلمات علي الصقلي كلمات النشيد الوطني رسميا!
    أما أول نشيد وطني مغربي فكان، سنة 1924 و هو نشيد جمهورية الريف التي أسسها أسد الريف سنة 1921، وانتهت على يد هجوم مشترك فرنسي إسباني مخزني, بأسلحة كيماوية سنة 1927، وهو من تأليف الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان الملحن اللبناني محمد فليفل، وفيه شبه كبير بالنشيد الوطني اللبناني الحالي( فن ونجوم (قناة MBC):"سرقة النشيد الوطني اللبناني من المغرب"- 12 إبريل 2011
    ويقول:
    كلنا يعجب بفتى المغرب
    كلنا يطرب لانتصار الأبي
    أين جيش العدا إن دعا للجهاد
    ..إلخ
    KK

  • المغرب الكبير
    الجمعة 21 يوليوز 2017 - 11:26

    السلام عليكم ورحمة الله
    لست أدري لماذا يتعامل المغاربة بازدواحية مع الريف .تراه يعتز اعتزازا بتاريخه البطولي..ودفاعه عن الوطن من خلال شخصيات عظيمة مثل عبد الكريم الخطابي وكثيرون ..فضلوا البقاء في الظل ..والتواضع..ولكن في الذاكرة الشعبية المغربية نتعامل كما قلت بازدواجية…ونتهكم من الروافة ..كما تهكم منهم الملك الحسن حين نعتهم باقدح الكلمات..ونتهمهم بالانفصال…هل المغاربة يعانون من حالة انفصام .المكون الامازيغي هل هو وافد..او اجنبي…او لاجئ في المغرب مثل السوري والعراقي ..والفرنسي الاجنبي بشكل عام …أليس الامازيغ هم أصحاب الارض والساكنة الأصلية…وهم قلب المغرب التاريخي..فلماذا..المغاربة يستنفرون كلما تعلق الأمر بالامازيغية…وهم مسلمون بل اكثر إغراقا في الاسلام لماذا المغاربة..لا يستفزهم النمودج الفرنسي والغربي والاشتراكية وحتى الشيوعي اليس لدينا حزب شيوعي في الحكومة…لماذا. الناصرية والبعثية …والقومية العربية والعفلقية وكتاب أخضر.ليبي كان يقرأ في المغرب ولا يقرا كتاب حول الامازيغ….أسئلة نود الإجابة عنها ..لنشفى من مرض الانفصام الجماعي..واظن هو سبب تخلفنا وليس نقص الموارد

  • والله اعلم
    الجمعة 21 يوليوز 2017 - 12:06

    المغاربة قدموا ارواحم ملاحم
    والملاحم المغربية كثيرة
    ولكنها كانت في سبيل الله ثم الوطن
    لأنها كانت من دون رياء وسمعة وشهرة
    أما….
    ..

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب