استقالة الياس العماري .. ماذا بعد؟

استقالة الياس العماري .. ماذا بعد؟
الجمعة 18 غشت 2017 - 11:28

تعتبر استقالة إلياس العماري من الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة حدثا بارزا خلق رجّـة في المشهد الحزبي والسياسي بالمغرب، وخلّف أصداء سياسية، من خلال مختلف المواقف المعبر عنها، داخل البلاد وخارجها؛ وذلك بالنظر إلى حجم التفاعل الاعلامي مع هذا الحدث الاستثنائي.

تأتي استقالة قائد “الجرار” في خضم محيط سياسي وحزبي متداع، أدانه ملك البلاد في الخطاب الأخير لعيد العرش، ووجه فيه جـام نقده إلى الطبقة السياسية، خصوصا المنتخبين والإدارة والأحزاب المسؤولين مباشرة عن تنفيذ مشاريع التنمية.

وعندما يقدم الياس العماري استقالته أثناء اجتماع المكتب السياسي لحزبه، ويؤكد حيثياتها وأسبابها الواقعية في ندوة صحافية خصصت لتسليط الضوء على قراره هذا، فإنما كان كمن يلقي حجرا في بركة راكدة، وكان من المفترض أن تحدث تموجات ورجع صدى، على الأقل بحجم قرار استثنائي في وضع سياسي استثنائي.

لا مجال للجدل أن الخطوة التي أقدم عليها الياس العماري باستقالته من قمرة قيادة “البام” أتت في إطار تفاعل إيجابي لفاعل سياسي مع مضامين خطاب العرش، باعتباره معنيا أولا، كما عبّر عن ذلك أمام الاعلام، بما ورد في هذا الخطاب، وإخلاصا أولا وأخيرا لمبادئ وقناعات الرجل.

كما يمكن أن نعتبر كذلك أن هذه الاستقالة أحرجت نظراء لـه في عديد من الأحزاب، خصوصا من يسعى منهم جاهدا إلى تطريز ديمقراطيته الحزبية الخاصة به، وتفصيلها على مقاسه، في تجاهل نكاد نقول سافرا، سواء للقوانين الحزبية المنظمة أو للأعراف البسيطة للسلوك الديمقراطي في أي بلد أو لأسس الاختيار الديمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا، وأخيرا وليس آخرا، لتوجيهات الملك الذي قـال في الخطاب السامي المذكور: “وفي غياب روح المسؤولية، والالتزام الوطني، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة، من عيش حر كريم”، بل إن كثيرا من قـادة أحزابنا من ينتظر، من جديد، ما سوف يتضمنه خطاب ملكي آخر، في مناسبة أخرى لاحقة.

في مقابل هذا، أثارت هذه الاستقالة اهتمام الرأي العام الوطني، من خلال التصريحات السياسية ومقالات الرأي والآراء المتداولة في وسائط التواصل الاجتماعي، بالتنويه والاشادة، وأحيانا بالنقد والتشكيك، إلا أنها أجمعت على شجاعة ومسؤولية رجل سياسة أوفى بما ناضل من أجله، في احترام تـام للمبادئ التي عُـرف بالدفاع عنها قبل الحزب وأثناءه. لهذا فقد أصر العماري خلال الندوة الصحافية على الترجل من قيادة حزبه ورجوعه ضمن قواعده، وفيا ومنسجما مع قناعاته.

على المستوى الحزبي الخاص بالأصالة والمعاصرة، الأمر يكاد يشبه آراء ومواقف الرأي العام، وصور استيعاب هذا الحدث، على أهميته، لا تكاد تكتمل بعد. لهذا فمن الطبيعي أن تتوزع الآراء المعبر عنها لدى مسؤولي ومناضلي الحزب في التعاطي مع حدث الاستقالة بين فئة، وهي عريضة، تدعو إلى التفاعل مع هذا الوضع بمسؤولية في حجم الحدث، من خلال اجتماع المؤسسات الحزبية، خصوصا المعنية منها بالأسباب التي ساهمت بتقديم العماري لاستقالته، ونقصد هنا بالخصوص المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لمنتخبي حزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان ينبغي أن يتداول تلقائيا وبشكل استعجالي حول استقالة الأمين العام لحزبه، والتعبير بوضوح عن رأيه وموقفه، لاسيما وأن أداء المنتخبين وضع على المحك، إن في الخطاب الملكي أو في حيثيات استقالة الأمين العام لحزب “الجرار”.

أما الفئة الأخرى، فتضم بعض مسؤولي الحزب، الذين حاولوا جاهدين، في ما يشبه هرولة وهروبا إلى الأمام من الوضعية الجديدة التي خيمت أجواؤها على الحزب، التنصل من مسؤوليتهم بتوجيه الاهتمام بأن ما حصل، سواء تعلق الأمر بقرار العماري أو بالأسباب التي ساقت إليه، إنما هو، من وجهة نظرهم، نتيجة حتمية لوضع عـام، سـاد أداء أجهزة الحزب برمتها، مما يومئ باختلال تدبيري يعرفه الحزب، ويؤشر، في اعتقادهم، على مسؤولية أمينهم العـام عن هذا الوضع.

وبالطبع، فإن الدفع بهذا الرأي يقصد منه تهريب النقاش حول الاستقالة ودواعيها، درءا لكل تحلّ للمسؤولية فيما حدث، ويتقاطع بذلك مع مواقف بعض خصومه.

إن ما قـام بـه الياس العماري يسائل الجميع: نخبة سياسية وكـل الفئات المجتمعية، عن جدوى وقيمة العمل السياسي ضمن الشروط المعقولة، وضمن كـل المبادئ الانسانية والوطنية التي يمكن أن يعانقها أي شخص، وانطلاقا من أية مرجعية كـانت، وأعـاد باستقالته، تلك، قيمة أن يفي المناضل بمـا آمن بـه من مبادئ وخصال.

نكاد نشهد، لأول مرة ربما في تاريخنا السياسي والحزبي المعاصر، مسؤولا سياسيا يشهر استقالته دفاعا عما يعتقد ويؤمن بأنه صواب لوطنه ومجتمعه، بعد أن جعل من حزبه في وقت وجيز قوة سياسية حاملة للمشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي الذي حلم به المغاربة يوما، ويتموقع من جديد ضمن صفوف حزبه للدفاع عنه، وربما بشراسة أقوى مما سبق.

‫تعليقات الزوار

12
  • مراد امغار
    الجمعة 18 غشت 2017 - 11:55

    قرار العماري تاريخي بجميع المقاييس، وقد استطاع أن يثبت للجميع أن لوغاريتمات فعله السياسي مختلفة تماما عن البقية..
    برافو إلياس اينو

  • رضى المغربي
    الجمعة 18 غشت 2017 - 12:06

    الاستقالة عرض عورة عدد كبير من السياسيين داخل البام وداخل المشهد السياسي ككل،

  • ربيع منير
    الجمعة 18 غشت 2017 - 12:10

    لا زلنا ننتظر ردود فعل باقي السياسيين ومدى تجاوبهم مع خطاب العرش،
    أما بعض الأسماء فحزب الأصالة والمعاصرة فلا حرج عليها بالنظر إلى ما هو معروف عنها من استغلال لكل شيء في سبيل مصالحهم الشخصية

  • استقالة العماري
    الجمعة 18 غشت 2017 - 12:41

    استقالة العماري وفي هذا الوقت بالدات شبيهة بقبطان جبان يغادر السفينة وسط الأعاصير سؤال فقط لماذا لم يستقل الياس قبل الانتخابات وقبل الحراك لماذا كانت وسائل الاعلام تسوق لرجل يجلب الاسثتمارات ويوقع الاتفاقيات

  • محمد السالكي
    الجمعة 18 غشت 2017 - 13:49

    الموقف السياسي الذي أعلن عنه العماري أحرج الجميع الصراحة بمن فيهم الدولة،
    فكيف لحزب حقق نتائج سياسية استثنائية أن يقدم استقالته وهو في أوج قوته؟
    العماري محارب نبيل

  • العماري نموذج ناجح
    الجمعة 18 غشت 2017 - 14:56

    بعدما تصرف الياس العماري بنبل المحاربين النبلاء، وبعدما أثبت أنه الأقدر على تجسيد البديل السياسي بكل رقي، أعتقد أنه آن الأوان ليتحمل باقي القياديين في حزب البام جانبا من المسؤولية، وذلك بأن يعلنوا على مبادرات عملية تؤكد قدرة الحزب على النقذ الذاتي وسمو قيم ومبادئ المشروع المجتمعي على المصالح الشخصية، لأنني وبكل صراحة يحزنني أن حدث الاستقالة لم تتفاعل معه قيادات الحزب بمفس القدر من الاهمية، وأنها فضلت التواري الى الخلف الى حين مرور العاصفة، اعتقادا منها ان هذا السلوك سيحصنها في مراكز المسؤولية التي تتقلدها

  • Bahmi
    الجمعة 18 غشت 2017 - 15:00

    من يحب السيد إلياس العماري و يقدره يجب أن يقدر تضحيته هاته من خلال الاشتغال بجد و مسؤولية أكبر عبر كل المواقع سواء التنظيمية داخل هياكل الحزب أو الانتخابية، من أجل بناء حزب أقوى و أقرب لنبض الشارع المغربي وفق المسار الذي يرسمه كل مناضلي و مناضلات البام..هكذا نعبر عن تقديرنا لشخص إلياس القائد الذي رسم لنا معالم خارطة الطريق الذي يفترض أن يدركها كل من سيتحمل مسؤولية الأمانة العامة الجديدة و الأمانات الجهوية و الإقليمية و المحلية و كذا التنظيمات الموازية..أما تقديم الاستقالة فهو خيار من يقدر الأمور بالعاطفة و لا يتقاسم حس المسؤولية المشتركة التي بها نواصل التحدي و نحقق الأفضل لحزبنا و لمحيطنا و وطننا.
    السيد الأمين العام لم يقدم استقالته من الحزب بل من الأمانة العامة فقط..و القيادة لا تكون دائما من خلال منصب الأمين العام فقط!

  • أمر مؤسف
    الجمعة 18 غشت 2017 - 15:46

    مؤسف حقيقة، لا يوجد في الاصالة والمعاصرة شي قيادي بنفس نبل واخلاق العماري، وحتى هو يقدم الاستقالة ديالو من باب تحمل المسؤولية

  • الياس في أوج قوته السياسية
    الجمعة 18 غشت 2017 - 16:14

    حتى وإن رضخ العماري لمجموع الضغوطات التي تمارس عليه من مختلف الجهات، سيقى رمزا سياسيا، نبيلا وراقيا، ولا قبل لخصومه بشخصيته ووفائه وانسانيته والتزامه، لذلك أنصحهم بأن لا يراهنوا على أفول نجم الرجل لأنه باقي ويتقوى، وكل هذه الضربات لا تزيده الا قوة

  • محطة في مشوار
    الجمعة 18 غشت 2017 - 16:27

    العماري استنفد الادوار التي اعطيت له في مراحل سابقة، ولا بد انه سيدخل في مرحلة استراحة محارب ليكمل المشوار من موقع آخر

  • تحية للعماري
    الأحد 20 غشت 2017 - 14:07

    أحيي السيد العماري على قراره الشجاع والتاريخي، فهو السياسي الوحيد الذي قال أن الخطاب الملكي يعنيني، وأعتقد أنه الفاعل السياسي الوحيد الذي يستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كما هي فعلا.

  • العماري اذا وعد وفى
    الأحد 20 غشت 2017 - 14:18

    كيف ما دار معاكم بنادم وحل، الى الياس العماري تحمل المسؤولية واعطى الدرس السياسي للجميع وقدم استقالته، يقول البعض، إنها مجرد مناورة في اطار اعادة ترتيب المشهد السياسي، إيوا يا الرويجل حتى انت استقل واحرج الجميع وكن طرفا في اعادة ترتيب هاد المشهد السياسي، ولا كاتعرف غي تحل فمك

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي