دهس المارة .. آخر هلوسات الإرهاب

دهس المارة .. آخر هلوسات الإرهاب
الخميس 17 غشت 2017 - 15:00

بقدر مراكمة الإرهاب لمنظومة جرائمه، زادت درجات قدرته على التأقلم والتكيف مع مقومات رقابة الموضوعي، مستوحيا صيغا مغايرة أكثر حربائية، بغية تخلصه من أجهزة الرقابة الأمنية والاستخباراتية. فكلما تطور مكر الإرهاب قياسا لوسائل كلاسيكية، إلا وأضحت آلياته، ومن ثمة نتائجه التخريبية، شديدة المباغتة غير قابلة للتوقع سلفا.

الاغتيالات المباشرة، اختطاف الرهائن قصد المقايضة، تحويل وجهات الطائرات، زرع متفجرات، وضع قنابل، السيارات المفخخة، الكاميكاز الياباني، الإرهاب البيولوجي، الإرهاب الإلكتروني، الذئاب المنفردة، ثم وصولا إلى دهس من تصادف وجوده على الطريق بسيارة أو شاحنة وسحق عظامه، ولا شك أن القادم أفظع.

تطوير الإرهابيين لوسائل جرمهم توخى دائما ثلاثة أشياء أساسية: أولا، تقويض المخططات الجاهزة لمنظومة الأمن. ثانيا، نجاعة العملية الإرهابية في الزمان والمكان، أي تحقيق أعلى نسبة مئوية على مستوى ممكناتها. ثالثا، نجاة الجاني أو الجناة.

طبعا، باختلاف مقدمات ومتواليات ومقاصد، مقومات الأساليب الإرهابية، تتعدد أيضا درجات اللوجستيك والدعم والتمويل ومدة الاستعداد ومكان الجريمة ونوعية العنصر البشري الموكول إليه المهمة، إلخ. هكذا، فمقتضيات الانتحاري مثلا أو وضع قنبلة، ليست بالترتيبات ذاتها المادية والمعنوية والنفسية، كما الحال مثلا مع توضيب خلطة بيولوجية سامة؛ بحيث قد يقتضي السعي وقتا طويلا وتهييئا جد دقيق، ثم لا تكون النتائج على القدر المطلوب، وقد يفشل المخطط قبل مباشرته، لاسيما مع قوة الأجهزة الاستخباراتية وتمرسها واستئناسها بالأساليب المألوفة، ثم رقابتها اللصيقة تقريبا للمرشحين المحتملين للتنفيذ.

انطلاقا من ذلك، يعتبر أسلوب دهس الناس وسط ساحة عمومية، بواسطة سيارة تنطلق بسرعة مجنونة، الذي توالت سناريوهاته البشعة مؤخرا، بعد محاصرة وتضييق الخناق على ما ينعت بالذئاب المنفردة، وسيلة مفارقة للوارد في الحسبان، سهلة، بسيطة، غير مكلفة، لا تحتاج إلى دعم لوجستيكي، وبشاعة نواياها مضمونة غالبا، كما تجلى الأمر بوضوح حتى الآن في فرنسا وإنجلترا وألمانيا والسويد وأمريكا. بل، يكفي امتطاء أحدهم عربة، ثم الإقدام على دعك الناس.

وهذا ما أكده قول النائب الاشتراكي الفرنسي سيباستيان بيترا سانتا أحد خبراء الإرهاب: “لا يحتاج هذا النوع من الاعتداءات لاستعدادات خاصة، بل هو منخفض التكلفة وفي متناول أي شخص”. إذن، بتحريك بسيط لمقود وعجلات، نحو هذه الجهة أو تلك، تتناثر شظايا وأشلاء أجساد هنا وهناك بدون حق، ويعم الفزع والرعب. يكون المنفذ أصلا، خارج كل حسابات التنبؤ والرصد والمراقبة والملاحقة، من هنا الخطورة النوعية، لهذا السلاح القاتل الجديد.

لقد تلاقت آراء المتابعين على كون الدهس عملية بسيطة، سهلة التخطيط، وغير مكلفة، بوسع فرد واحد القيام بها، تحايلت على الأساليب التقليدية فخلخلت نسبيا نسق الأجهزة الأمنية، التي لا يمكنها حتما حدس ما يجول في خواطر كل من يسوق آلية في مكان مزدحم، مما يؤكد فعلا أن جانبا كبيرا من مآلات يوميات الراهن المعاصر في حاجة فورية إلى مصحة عقلية، والمجهول أكثر سوء.

يقال بأن أحد الإسرائيليين أول من التجأ إلى أسلوب كهذا، وبالضبط في قطاع غزة عام 1987، وشكل صنيعه سببا لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما امتطى شاحنة ودهس عددا من الفلسطينيين انتقاما لموت نجله. لكن كل شاشات العالم، ستظهر على نحو ملموس، طبيعة هذه الهمجية، يوم 14 يوليوز 2016 في مدينة نيس الفرنسية حينما حصدت شاحنة كبيرة أرواح عدد كبير من الأبرياء، ثم تلاحقت مثيلاتها في برلين ولندن ونيويورك. والمجهول أكثر قتامة وسوداوية.

‫تعليقات الزوار

4
  • KITAB
    الخميس 17 غشت 2017 - 20:59

    كل أشكال الحوادث الإرهابية والتفنن في ابتكاراتها كان وراءها العرب ضمن مجموعات جد متطرفة من تفجير للأحزمة البشرية أو سيارات مفخخة أو متفجرات توقيتية timer أو دهس… والمفارقة أن يقع جل هذه الحوادث الإرهابية في بلدان أوروبية كان لها الفضل الأكبر في احتضان مثل هؤلاء الأشخاص ومحل ترحيب ومنحهم لحقوق لا يمكن لهم بحال أن يحلموا بها في بلدانهم الأصلية، وتحياتي

  • المغرب الكبير m
    الجمعة 18 غشت 2017 - 00:51

    السلام عليكم ورحمة الله
    لا حول ولا قوة الا بالله..انا لله وانا اليه راجعون. هذه مصيبة في الدين..ابتليت بها الامة….والسلام.

  • Axel hyper good
    الجمعة 18 غشت 2017 - 11:18

    المستهدف من هذه العمليات هي الجالية المقيمة في الخارج…..

    الاوليغارشيات الممولة للارهاب ترى في الجالية تهديدا مرتقبا لكون هذه الجاليات ساندت ربيع الشعوب

    ولانها تشبعت لحد ما بقيم الحرية وحقوق الانسان .

    فلا نعجب اذا تزامنت عمليات الدهس مع ارسال من يسمون ب " الدعاة" الى دول اوربا لالقاء محاضرات يحثون فيها الجالية على العودة لارض الاسلام.

    اضحكتني كثيرا ذريعة احد الدعاة البترودولاريين حينما ساله احد المهاجرين: " ومن اين نعيش اذا رجعنا للبلاد?".

    قال الداعية : " يا اخي كفاية ترجع لتسمع صوت الاذان".

  • عبد العليم الحليم
    الأحد 20 غشت 2017 - 02:42

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال سليمان الرحيلي أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية وأستاذ كرسي الفتوى فيها والمدرس بالمسجد النبوي :

    "متعطشون للدماء يقتلون من حرم الله قتلهم في فرنسا وفي بريطانيا وفي

    أسبانيا وفي بوركينافاسو وفي تونس وفي غيرها وإنهم في الإسلام مجرمون

    غاية الإجرام "

    وقال : "على كل مسلم أن يبرأ من الإجرام وأهله وعلى أهل العلم إدانة الإرهاب

    الإجرامي وبيان حكمه بوضوح دفاعا عن الإسلام ورحمة بالمسلمين وحفظا

    للدماء "

    وقال: " عملية وحشية غادرة جبانة يقتل فيها من حرم الله قتلهم وتشوه صورة

    الإسلام ويضيق على المسلمين وعلى الدعوة بسببها فمن المستفيد؟

    استفيقوا أيها المغرر بكم "

    وشكرا لهسبرس

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب