استقالة الياس العماري: الأسئلة المطروحة

استقالة الياس العماري: الأسئلة المطروحة
الخميس 17 غشت 2017 - 03:38

يبدو أن محاولة اختزال استقالة الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، السيد الياس العماري، في ما جاء به بلاغ المكتب السياسي بالقول بأن الأمر مرتبط بقصور الأداء النيابي لبرلمانيي الحزب، أو للمشاكل التي يعرفها بعض رؤساء الجماعات، فيه كثير من الاختزالية السياسية؛ لأنه ليس باستقالة أمين عام سيتم تقويم هذه الاعوجاجات، كما أنها لن تفرز الحل السحري لحل مشاكل الجماعات. وبالتالي، فبلاغ المكتب السياسي لم يتناول الأسئلة الحقيقية الكامنة وراء الاستقالة.

وإذا كان سياق الاستقالة يفترض إصدار بيان سياسي في الموضوع من قبل المكتب السياسي للإحاطة بمختلف القضايا الكبرى للمرحلة، فإن بلاغ المكتب السياسي نفسه أفرغ الاستقالة من محتواها، وحولها إلى استجابة طوعية لمضامين الخطاب الملكي الذي خير المسؤولين السياسيين بين العمل أو الاستقالة. وهكذا، وبالنظر إلى تأشير البلاغ على المسؤوليات المباشرة للأمين العام في قصور أداء النواب البرلمانيين، لن تفهم الاستقالة، والحالة هاته، إلا كاستجابة طوعية من قبل أمين عام لحزب سياسي يعترف بأخطائه، ومستعد للاستقالة استجابة لمضمون الخطاب الملكي للعرش. وانتهى الموضوع.

والحال أن الاستقالة كما أفهمها، بالنظر إلى سياقاتها الملتبسة والمعقدة، لا ترتبط بقصور أداء البرلمانيين؛ لأن الأمين العام كان يعرف جيدا لمن كان يوقّع التزكيات للانتخابات التشريعية، وكان يعرف أيضا من هم نوابه المحتملون في حالة الفوز الانتخابي، كما أنها لا ترتبط بضعف إمكانيات الجماعات؛ لأنه يعرف جيدا بأن الاستقالة لن تصلح حال الجماعات، وهو رئيس جهة، ويعرف جيدا طبيعة العلاقة المختلة بين الجماعات وباقي المتدخلين.

وبالتالي، فان استقالة الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ينبغي أن تستحضر، في اعتقادنا، العناصر الآتية

– الهزيمة الانتخابية لـ 07 أكتوبر، وهي الهزيمة التي ألقت بظلالها على الوضع العام لمدة شهور.

– الخروج الاضطراري إلى المعارضة بعدما كان الحزب يتهيأ لقيادة الحكومة، وكان بعض أعضائه يتهيؤون للاستوزار.

– مأزق الأمين العام ما بين مسؤوليتين يجني من خلالهما كل أنواع الاختلالات الممكنة، مسؤوليته على رأس جهة مطالبة بالاستجابة لمطالب الساكنة، ومن ضمنها طبعا ساكنة الريف، ومسؤولية الأمانة العامة للحزب الذي يراد له أن يؤدي مهام ووظائف سياسية وانتخابية معينة، وأن ينوب في المحصلة عن اختلالات الدولة، وأن يتحمل مسؤولية شعاراته التأسيسية (حزب أكبر من الأحزاب).

– تأزم الأوضاع بالريف، (وإن كان الأمين العام قد نفى أية علاقة سببية بين الاستقالة وموضوع الريف)، وطبيعة المقاربة المعتمدة من قبل الدولة للتعاطي مع هذا الملف، مما يشكل حرجا كبيرا لنخبة الريف الموجودة على رأس الحزب بالرباط.

وبالطبع، هذه العناصر مجتمعة لا تستبعد استحضار الوضع العام بالبلاد الذي ينذر بتطورات سلبية. مما يسمح بقراءة الاستقالة كإمكانية محتملة لإعادة ترتيب موقع “البام” في الخارطة السياسية، في ضوء الأزمة التي ترتسم معالمها في الأفق، وضمن مخارج سياسية ممكنة تفرض انسحاب الأمين العام من المسؤولية المباشرة قصد ترتيب إمكانيات جديدة في صياغة التوضيبات المحتملة، التي تمر بالضرورة عبر الاستقالة كتأشيرة عبور لكل الخيارات المرتقبة. وهي بذلك، ليست استقالة داخلية، بل ورقة مرور نحو هذه الإمكانات السياسية المفتوحة نحو مخارج مطلوبة في المرحلة الراهنة.

ولأن الاستقالة تظل مفتوحة على هذا الممكن الذي قد يستدعي إنضاج الشروط لتحققه، فإننا، في المقابل، نستحضر بعض العناصر لتحليل ما جرى، وما يجري ارتباطا بأداء الحزب ككل، في علاقة برهاناته وإخفاقاته السياسية، وفي علاقة بأسئلة المرحلة.

في هزيمة 07 أكتوبر

عندما انتصر بنكيران يوم 07 أكتوبر، انهزم “البام” سياسيا. نعم، إنها الحقيقة التي يعرفها جيدا الأمين العام للحزب، وتجرع مرارتها كل من يقيس الهزيمة بعقله وجوارحه، وهي الهزيمة التي تهربت منها اللجنة الوطنية للانتخابات بالدرجة الثانية، والمكتب السياسي بالدرجة الثالثة.

وعوض تهييئ الأجواء المناسبة داخل الأجهزة للمحاسبة، وقراءة الوضع السياسي العام بالبلاد، وتهييئ محطة المجلس الوطني للتقييم واتخاذ القرارات المناسبة، فضل العديد من القياديين الهروب إلى الإمام والترويج لخطاب الانتصار بلغة المقاعد المحصل عليها. وهي المقاعد التي لم تتعطل اليوم للكشف عن مأزق الاستراتيجية الانتخابية التي أعلنت شعار “خاصنا المقعد” ضدا على كل الشعارات التي رفعها الحزب، وقالت “السياسة بشكل مغاير”، والتي بشرت بمشروع التحديث السياسي في المؤتمر الذي لم تمر عليه سوى بضعة شهور، لينقلب الحزب على نفسه، ويجد اليوم نفسه أمام واقع تهرب منه الجميع.

وإذا كانت محطة 07 أكتوبر قد أعلنت هزيمة الحزب الذي كان يتطلع للانتصار على العدالة والتنمية ورئاسة الحكومة، فإن تحويل الهزيمة إلى انتصار لم تكن مبرراتها قائمة على الإطلاق، وهربت النقاش في اتجاهات غير صحيحة تعاكس حقيقة الواقع، بل حتى قرار عدم المشاركة في الحكومة كان قرارا للأمين العام وللمكتب السياسي ولم يعرض على أنظار المجلس الوطني.

في العلاقة الملتبسة بالدولة

وإذا كانت تهمة التأسيس قد ظلت لصيقة بمشروع الحزب، بنعته من قبل العديد من الدوائر بأنه حزب الدولة، وبأنه الوافد الجديد على الحقل السياسي، وبأنه أداة مخزنية لتأدية وظائف سياسية تمليها شروط المرحلة الراهنة، وبأنه معادلة لتحقيق التوازنات الانتخابية المطلوبة لوقف الزحف الانتخابي للعدالة والتنمية، فإن خطاب العديد من القياديين بالحزب وممارساتهم ظلا يكرسان هذا المعطى في المشهد السياسي، وفي العلاقات العامة، وفي مجالسهم وعلاقاتهم الخاصة، حتى أضحت تهمة التحكم كافية لوحدها للنيل من المشروعية السياسية لقيام حزب الأصالة والمعاصرة، وتصويره أمام الرأي العام بأنه الحزب الحاكم الذي سيعيد النموذج السلطوي لأنظمة الحزب الوحيد.

وعوض أن ينتبه الحزب لهذه الورطة، ويحقق المسافة المطلوبة مع الدولة، موضوعيا، لإقناع كل الفرقاء السياسيين باستقلالية قراره، ظلت ردود فعله مسيجة بخطاب السلطة، وبوهم الاستقواء. وجاءت هزيمة انتخابات 07 أكتوبر لتضع الحزب أمام السؤال المتجدد، سؤال المشروعية السياسية.

مشروعية سياسية أم مشروعية انتخابية؟

إذا كانت العملية الانتخابية، بالنظر إلى رهانات المرحلة، قد تسمح بـ”فهم” طبيعة الإخراج الذي تم توضيبه بالشكل المعروف بالرهان على المقاعد على حساب إرادة القواعد الحزبية، والآليات الديمقراطية في اتخاذ القرار، وطبيعة المشروع السياسي لحزب أعلن منذ البداية، أمام شبابه، أنه يشكل بديلا نوعيا في المشهد السياسي، فإن تكلفة هذا الاختيار ستكون لها نتائج سلبية للغاية على المسارات التنظيمية للحزب؛ لأن اختزال العملية الانتخابية في المقاعد لم يؤسس للشرعية السياسية المطلوبة في المرحلة الراهنة، بل حتى جاهزية الحزب بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تسمح بعقد مؤتمراته الجهوية بالجدولة المصادق عليها، وبالدينامية المرجوة.

وعوض الرهان على البناء القاعدي، من التحت إلى الفوق، تتم إعادة الأخطاء نفسها، بالرهان على مؤتمرات جهوية فوقية لن تكشف إلا المزيد من الاختلالات، ولن تسمح بتأهيل الحزب في المرحلة المقبلة ليلعب أدواره المطلوبة.

هل “البام” حزب بالوكالة؟

ولأن مشروع الأصالة والمعاصرة سيتحول عمليا مع الدورات الانتخابية الماضية إلى ورقة لضبط التوازنات الانتخابية، فإن مشروعه السياسي الأصلي سيتحول، مع مرور الوقت، إلى بروباغندا سياسية عديمة الجدوى في المجال العام (توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وتقرير الخميسنية)، حتى أضحى ترديدها عديم الأثر والفائدة، ثم لاحقا مشروع الديمقراطية الاجتماعية الذي لم يسمح مع الأسف ببلورة خطاب اقتصادي واجتماعي وثقافي واضح عشية الانتخابات يكفل الخروج من دائرة الصراع مع العدالة والتنمية بأقل الخسائر الممكنة.

ولعل شعور الأمين العام للحزب بالمأزق السياسي ما بعد 07 أكتوبر هو الذي سيدفعه إلى التصريح، خلال الدورة الأخيرة للمجلس الوطني، بأن “البام” ليس حزبا بالوكالة، وهي الرسالة التي لم يلتقطها العديد من الفاعلين والمناضلين. وهذا الموقف يتجدد اليوم عبر الاستقالة، عندما يصرح الياس العماري بأنه لم “يكن يوما خماس عند شي واحد”، مما يعني أن الوظيفة التي أصبح يؤديها الحزب في المشهد السياسي أصبحت وظيفة انتخابية صرفة، ويراد لها أن تكون ضمن معادلات الهندسة الانتخابية المتحكم فيها سلفا.

مأزق اللحظة الدستورية

وإذا كان دستور2011 سيكرس الاختيار الديمقراطي كركن أساسي من نظام الحكم، وكحلقة جوهرية ضمن حلقات إصلاح المنظومة السياسية بالمغرب، فإن الوثيقة الدستورية الجديدة ستدخل الفرقاء السياسيين إلى مختبر “التأويل الديمقراطي”، بما يعنيه من صراع بين مرجعيات وخيارات ورهانات مختلفة. ولعل هذا ما يفسر جوهر الصراع الذي وسم العديد من الملفات المطروحة في أجندة استكمال القوانين التنظيمية، وكذا على مستوى تفعيل مقتضيات الدستور في العديد من المجالات.

غير أن المسار الدستوري اليوم لم يعد يطرح فقط سؤال “التنزيل”، بل أضحى يطرح، وفي الجوهر، إشكالية السياسات العمومية المتعارضة أصلا مع روح الوثيقة الدستورية. فإذا كانت الوثيقة الدستورية تشكل أرضية تعاقدية، وتكثف أهم الاختيارات، والتوجهات، والوظائف المرتبطة بسير المؤسسات، فهل من المقبول أن يتم إقرار سياسات عمومية تتعارض مع هذه الاختيارات والتوجهات من قبل الحكومات المنتخبة؟

وإذا كان دستور 2011 قد نقل المغرب من سنوات الصراع حول منظومة الحكم إلى إعمال مطلب الحكامة، فما معنى إذن أن يتم إقرار سياسات عمومية تضرب العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها دستوريا؟ وكيف الرهان على منظومات جهوية متعثرة؟

فأي معنى سيكتسبه التعاقد الدستوري في ظل التراجعات التي تضرب في الجوهر أسس هذا التعاقد؟

‫تعليقات الزوار

2
  • المهدي
    الخميس 17 غشت 2017 - 04:11

    قصور الأداء النيابي لبرلمانيي الحزب قد يكون ذريعة لكنه ليس بالطبع الدافع الأساسي للاستقالة ، فقصور الأداء أمر مألوف منذ عهود وعكسه كان سيكون شادّا ومفاجئا ، لكن يبدو ان السيد العماري ألهمته حاسة زرقاء اليمامة وهو يرى الطوفان من بعيد فاختار تطبيق حكمة " الخوف فالتيساع رجلة " وربما سيحذو الرميد حذوه كما راج مؤخرا ، وإلا فهل هذا القصور في الأداء لم يكتشف فجأة إلا بعد خطاب 30 يوليو ؟ وربما أوحي العماري من جهات نافذة داخل المربع الذهبي ان يحظى بسبق قَص شريط الاستقالة التي لم يتعود عليها مسؤولو هذا البلد فيكون بذلك قد نجا من آلة الحصاد التي ستكنس في طريقها كل مشمول بالخطاب الملكي وبذات الوقت خلخل النظرة التقليدية لاستحالة ربط المسؤولية بالمحاسبة وفق ما يبدو ان المؤسسة الملكية قد وطدت العزم على القطع معه ، العماري اعتقد انه أرنب السباق الذي سيجر آخرين وهذا ما بدا في لملمة الرميد لإطرافه حين شرب بدوره حليب السباع وهو يروج لاستقالة محتملة … سنرى ..

  • saccco
    الخميس 17 غشت 2017 - 12:02

    يبدو ان رهان الامس على حزب الاصالة والمعاصرة لمحاصرة وتقزيم المد الاسلامي لحزب بنكيران قد تبدد بعد إنخابات اكتوبر 2016 اما اليوم فيبدو واضحا ان رهان صناع القرار يجري على عزيز أخنوش كرجل المرحلة القادمة التي يستعد لها المغرب وهي حبلى برهانات سياسية وإقتصادية وإجتمناعية على المستوى الداخلي كما تحمل تحديات كبرى على المستوى الخارجي
    الرهان على اخنوش لم يأنتي من فراغ بل هو رهان على رجل ذو رساميا متعددة فهو خريج اشهر جامعات كندية في التسيير وله تراكمات سياسية وإدارية وإقصادية بفضل شغله مناصب متعدجدة وزالرية وإدارية ةتسيير مئسسات وطنية مالية وإقتصادية كما ان الرجل يتربع على عرش مجموعة من شركات الخاصة التي تفوق 50
    بعد انتخابات اكتوبر تحرك أخنوش كبديل لحزب الاصالة ليبدأ في التوسع على حساب حزقب الياس العماري ليقتحم معاقله الانتخابية بل بدأ في الاتصال بأعيان حزب العماري لضمهم الى حزب الحمامة مما أثار حفيضة الياس العماري ليهاجم اخنوش مباشرة وجعلت العلاقة بين الرجلين جد متوترة
    يبدو ان العماري ادرك انه يصارع خصما من الوزن الثقيل وخلفه طاقم حد محترف وما كان له الا ان يرمي قفازاتيه

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب