أزمة العزوف عن التعلم

أزمة العزوف عن التعلم
الثلاثاء 22 غشت 2017 - 15:44

يلاحظ المدرس أحيانا بين أفراد جماعة الفصل الدراسي وجود فئة مهملة ومعرضة عن بناء التعلمات والمشاركة فيها، فيصدر عنها أحكاما قيمية نهائية، وقد يتشكل لديه تمثل سلبي عن مثل هؤلاء الأفراد طيلة حياته المهنية، وقد يعمد إلى إقصائهم أو الدخول معهم في مشاحنات تزيد الأمر تعقيدا.

في الواقع مثل هذه الحالات تحتاج إلى تفهم ومعاملة خاصة مهما كان مستوى خروجها عن تعاقدات الجماعة وتأثيرها على اتجاهاتها. قد يحتاج الأمر إلى بحث نفسي واجتماعي يمكن أن يميط اللثام عما هو مخفي بما قد يغير نظرة المدرس تماما. العزوف والإعراض العمدي أحيانا والإمعان في ذلك والحرص على إظهاره للمدرس ولجماعة القسم قد تقف خلفه عوامل ذاتية نفسية أو اجتماعية مرتبطة بالمحيط العائلي أو نتيجة هيمنة تمثلات على ذهنية المتعلم، تمثلات سلبية قد تكون خاطئة وقد تكون مبررة ومعقولة. قبل أن يلج المتعلم حجرة الدرس يجد نفسه محاصرا بجميع هذه العوامل المعرقلة: نظرة متشائمة للمستقبل، مواقف سياسية واجتماعية غير مؤطرة، تمثل سلبي عن المدرسة كفضاء مغلق رسمي وقانوني، عن الإدارة، عن المدرس، عن الجماعة الفصلية، عن المادة…الخ

هذه اشتراطات قد تغيب عن المدرس، وقد يكون مدركا لها إلا أنه يعتبرها خارجة عن نطاق عمله. وهنا تتعقد مشكلة العزوف أكثر بحيث يمكن أن تعيق السير العادي للدراسة.

في مدارسنا يتم القفز على كل هذا المعطيات، والاتجاه نحو التنميط السلوكي للمتعلم على أساس وجود مواصفات مرجعية للمتعلم يتوجب أن تنسحب قصرا على الجميع. فنكتفي في من منطلق هذه النظرات الشمولية بحشر المتعلمين في فضاءات مغلقة وضيقة وإجبارهم على الانخراط في التعلمات نفسها وبالوسائل نفسها والمعينات والطرق الديداكتيكية والأساليب التواصلية على أساس أن جماعة الفصل منسجمة وتمثل كلا متماثلا متشابها له نفس الاستعدادات النفسية والذهنية والعقلية…والحال أن ثمة تفاوتات على هذه المستويات، ولا يوجد أفضل مكان للتعبير عنها سوى في المدرسة، وتحديدا داخل فضاء القسم كتعبير عن ”انتفاضة” و”تمرد” على كل ما هو رسمي وشكلي وتنميطي يتجاهل واقع اختلاف الاستعدادات والقدرات والحمولات الثقافية الذاتية والموضوعية.

قدرات المتعلمين مختلفة، لذلك تنقسم جماعة القسم منذ البداية إلى جماعات متناقضة تسعى كل واحدة إلى فرض توجه معين. قد يكون المدرس واهما إن اعتقد أن تشتت الجماعة الفصلية يعد أمرا في صالحه لجهة مساعدته على قيادتها. ولذلك فإن بحث المدرس في الجوانب الاجتماعية والنفسية قد يكشف الكثير من أسباب العزوف، وقد يساعد على حل الكثير من الإشكاليات. فعلى مستوى القدرات، سنجد تفاوتا كبيرا بين أفراد جماعة القسم على مستوى الملكات والذكاءات، بينما نحن نحشر ذوي الملكات الفكرية والأدبية جنبا إلى جنب مع ذوي القدرات الحسية أو الحركية أو الجمالية أو الإبداعية أو الفنية، ونجبر الجميع، مع اختلافاتهم تلك، على الانخراط القسري في نسق تعلمي واحد، قد يكون مملا ورتيبا بالنسبة للبعض، وفاقدا للجدوى بالنسبة للبعض الآخر، وبعيدا عن الواقع بالنسبة لآخرين، أو بعيدا عن ميولات واهتمامات البعض الآخر.

مراعاة هذه الاختلافات أمر هام، ولكنه مكلف، ويحتاج إلى تغيير جذري في منهاجنا الدراسية، ومراجعة الأقطاب، والبرامج، وتوفير إمكانيات مالية ولوجيستيكية وبشرية مهمة، قد لا تكون متاحة في بلد لا يراهن على التعليم، ويقتصد في الإنفاق على قطاع إستراتيجي بهذه الأهمية، ويتحين الفرصة للتخلص من الأوجاع التي يسببها في أوضاعه الحالية، فبالأحرى الانخراط في مسلسل الإصلاح الجذري.

وأمام هذا الانحباس المقلق في استعدادات المتعلمين وفشل المنظومة التعليمية في استيعاب تعدد قدرات ومهارات المتعلمين، يبقى الضمير المهني لرجال ونساء التعليم هو الملاذ الأخير لإنقاذ مدرسة عمومية تحتضر، من خلال القيام بالأدوار المتعبة والمكلفة التي يتطلبها إشراك الجميع وفق استعداداتهم المختلفة.

*كاتب وأستاذ باحث

‫تعليقات الزوار

11
  • الرياحي
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 16:43

    يروم الأستاذ الكريم إلى منهج "enseignement différencié " يعني برنامج لكل مجموعة حسب مستواها وقدراتها .
    لكن كما أشار إليه الكاتب "توفير إمكانيات مالية ولوجيستيكية وبشرية مهمة" وهنا مربط الفرس وعصب الحرب لأن الأدوات التقليدية أبدت مدى حدودها ومردديتها المتدنية ويجب إبتكار طرائق أخرى مشخصنة وكثير مال من تجهيزات اللتي لا ننسى يجب إستبدالها كل خمس سنوات. لا يفوتني أن أذكر أن البرمجة etc..أصبحت في متناول طفل بسن ثمانية كما بعض البرامج (geogebra google libre office …أصبحت من يوميات quotidien التلاميذ إبتداء من الصف الخامس .كما أن enseignement transversal أصبح ضرورة ملحة.
    وأخير إعادة النظر في التقييم ومن يهمه الأمر فلينظر "la constante maccabre / André Antibi
    لكن ياعزيزي وإن أتيت ب"فرورة" البحث العلمي التربوي اللذي أمتد من 2006 إى يومنا ودخل حيز التطبيق التدريجي منذ سنتين أرى أن حكومتنا "خارجة مايلة من الخيمة" ها هي حكومتنا الجشعة تمدد التعويضات عن الزجاج إنها حكومة خيمتها زجاج أرميها بنعلي ولعني
    مع المودة والتقدير.
    à suivre

  • Lamya
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 16:47

    شكرا للاستاذ عبد اللطيف الركيك على اثارة هذا الموضوع. لا يجب المراهنة فقط على ضمير و لطف المدرس في هذا الامر (رغم ان هذه الميزات يجب التركيز عليها في اختيار المدرسين خلال تكوينهم و تدريبهم و التساؤل هل لديهم موهبة و قدرة ومؤهلين ان يكونوا مدرسين اصلا) و لكن يجب تلقين المدرسين مادة البيداغوجيا مع التكوين المستمر في هذه المادة. بالاضافة الى تهييئ الفضاء الملائم في القسم و المدرسة مثلا مشكل الاكتظاظ فلى يجب ان يتعدى عدد التلاميذ 30 تلميذ, بالاضافة الى عدد الاقسام التي يتكلف بها المدرس. و توفير له ادوات بيداغوجية صور, كومبيوتر, اوراق مختلفة الالوان, ادوات للرسم…مع ترك حيز من الحرية له في الابداع البيداغوجي و مناقشتها معه في اجتماعات بيداغوجية مستمرة و منظمة مثلا مرتين في السنة. مع المراقبة المستمرة لمردوديته و سمعته و مكافاته عليها و لو رمزيا و معنويا, لتحفيزه…

  • سفيان
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 17:42

    احكام القيمة قد تبعد المتعلم بشكل قاطع عن مسايرة المادة ويجعلها من المواد التي لا يطيقها … المدرس محكوم ومرهق بالتخطيط والتدبير والتقويم … وبين هذه العمليات هناك ارهاق مرتبط بجدول الحصص …. ومع ذلك فهو مطالب باسم شرف المهنة والمبادئ التي يتحملها ان يقوم بما هو فوق طاقته وخارج مهامه لضمان القدر الادنى من الانضباط والاصلاح … اذا كان المدرس واعي بحجم الأمانة التي على عاتقه فهو مطالب بفعل كل ما يمكن القيام به … وهو "فدائي" و "مناضل" للحفاظ على ما تبقى للمدرسة من اعتبار، بل هو مناضل من اجل ارجاع هيبة المدرسة العمومية … قد لا يكون هناك عدد كافي من هؤلاء لكنه لا يسوغ للفئة القليلة من المدرسين ان ينجروا مع التيار … اساتذة من طينة الركيك (صفحة التاريخ والجغرافيا بالمغرب) هم امل المدرسة العمومية وهم اخر فرسان هذه المدرسة التي نعول عليها كثيرا في اخراج منظومة التربية والتعليم من نفقها المظلم … نعول على مدرسة تستجيب لكافة تطلعات المتعلمين وتبرهن على انها فضاء حقيقي للنهوض بمواهبهم وصقلها … اشكر الاستاذ عبد اللطيف الركيك على هذا المقال … متابع لكل ما تخطه ايديكم … دمتم بخير.

  • رابي
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 17:47

    مع كل التقدير والاحترام للاستاذ الكاتب والباحث ارى ارى بصفتي من اهل الدار ان المشكل عويص ومعقد ومتشعب. لكن سؤالي هو ما الجدوى من هذا المقال البسيط غاية البساطة.تقديم (حلول) ضعيفة لمشكل غاية في الخطورة اليس من وجوه الشعبوية؟ارحمونا فحتى ضمير الاساتذة المنتبهين والغيورين على قلتهم لا يكفي.مع الشكر.

  • les métiers,le salut
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 17:53

    les échecs scolaires sont planifiés pour dérouter le maximum ,
    un tout petit élève avec un cartable pesant plus de 8 kg ,des livres pleins de bavardages ,
    l'enseignement théorique ne sert plus à rien,
    l'enseignement des métiers à partir de 15 ans est le seul enseignement valable pour permettre au futur adolescent de gagner sa vie,car le diplôme seul ne sert plus à rien,
    pourquoi ne pas faire participer des menuisiers, des artisans ,des professionnels à l'enseignement pour l'aider à sortir de ces échecs qui conduisent les jeunes aux rues pour être les proies des malfaiteurs

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الثلاثاء 22 غشت 2017 - 21:11

    تحية تقدير وإجلال مشفوعة بدعاء.
    اللهم خذ بيد الأستاذة والأستاذ الذين يحرمان الخوض في الدروس الخصوصية لتلاميذتهم .
    فالأستاذة والأستاذ هما العمود الفقري بالنسبة للتلميذ ودورهما حاسم في العملية التعليمية وهما المسؤولين عن تحبيب المادة لمن هم مؤتمنون عليهم رغم أن هنا صعاب ومشاكل ولكن سأدلي بمثال : أستاذة اللغة الإنجليزية تدرس شعبة العلوم 3 ساعات وعندما يتم الحصول على الباكلوريا يتجهون لدراسة اللغة الإنجليزية نظرا لإستيعابهم هذه المادة وهذا ليس بالأمر السهل.( الضمير وما أدراك ما الضمير ) .
    هناك أساتذة لا يتقنون فن التواصل الأمر الذي يستدعي الخضوع للتكوين المستمر .
    وطوبى لكل المخلصين لهذا الوطن .

  • خبراثور
    الأربعاء 23 غشت 2017 - 12:07

    ما فهمت من كلام الكاتب هوالتربية الفارقية

    التربية الفارقية مع العقارب والافاعي

    هناك فديو اعلاه تحت عنوان: مدرسة في وضع مزر

    مشكلة مثقفين انهم يعيشون في برج عاجي ولايتحلون بالواقعية

    ونستورد نظريات غريبة عن واقعنا .

  • samiya
    الأربعاء 23 غشت 2017 - 15:33

    Un jour notre professeur d éducation islamique nous avait dit que les jnounes avaient des yeux vert

  • الرياحي
    الأربعاء 23 غشت 2017 - 20:56

    ء خبراثور
    من حق التلميذ المغربي أن يستفيذ من أحدث الطرق التربوية ما تطرح أنت وتتحجج به مشكل آخر منفصل ليس من إختصاص الأستاذ بل مشكل عام يخص الدولة والجماعات الترابية.فلعلمك المدرسة أعلاه لا بأس بها إن أنت انتقلت لولاد فرج في دكالة ورأيت إسطبل يستقبل فيه التلاميذ.دولتنا الشريفة لها عديد من الأولوات أخرى كريع ومعاش الوزراء والنواب وهم يقدرون بالآلاف منذ الإستقلال ومن مات ترث زوجته المعاش ,كما ان لها أسطول يقدر ب125 ألف سيارة تشغل ليلا نهارا و"الزيادة من رس الأحمق".

  • المنسي
    الخميس 24 غشت 2017 - 09:51

    اشراك الجميع وفق استعداداتهم المختلفة …كيف؟
    لا تنس ان تتحدث عن الشروط والظروف التي يوجد فيها الاستاذ. لأنك استطعت فعلا أن تتحدث عن الشروط والاسباب التي تمنع التلاميذ من التعلم بتحليل العوامل الاجتماعية ولكن لا تنس ان الاستاذ خاضع لنفس النسق الاجتماعي ومحكوم ايضا بمنهاج و"اجندا"…الفرض بتاريخ كذا… الامتحانات بتاريخ كذا…المقررات يجب ان تنتهي …إذا ادخل الاستاذ هذا الهدف اوهذه الاعتبارات"حقا" في صميم عمله فلن ينتهي أبدا من المقرر….وعندما يأتي المفتش او حتى عندما تنتهي السنة الدراسية فلن يكون هناك اي ظرف ملوم سوى الاستاذ…الوزارة تنمط المتعلمين فعلا وحقا بل تجعلهم جميعا ذوي مستوى واحد وغذا فشل تلميذ ما فإن اللوم على الأستاذ وحده…ألم تسمع وزير الوظيفة العمومية؟

  • طنسيون
    الخميس 24 غشت 2017 - 14:18

    الأكيد هو أن النظام التعليمي يظل تقليديا ونمطيا يجتر مخلفات التعلم لعقود ولم يتطور، بل هو زاد ترديا حتى بإكراهات اهتراء البنيات التحتية والتجهيزات ومع انتشار الاكتظاظ وتدني وضعف مهننة التعليم وافتقادها زاد الطين بلة. ولعل تكديس البرامج والتدريس بالمواد كرس منهجية الازدحام والحشو والتلقين أقصى بدرجة عالية شخصية وذاتية المتعلم واعتمد الالقاء الجماعي في الفصل مما أنتج عنه الفروقات والمستويات المتعددة في نفس الفصل. الغريب هو هذا التشبث بهذا المنظور التقليدي المتخلف رغم فشله واحتلاله دائما المراتب الأخيرة. ورغم تحول كل الطرق الكلاسيكية للتربية والتعليم في العالم لا يزال تعليمنا مصرا على إصلاح ما فيه من اختلال ويختار الاستمرار في الترقيع والتجميل ويرفض رفضا باتا التغيير والتجديد.

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 1

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 8

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء