هل من حقنا الحلم بطه حسين مغربيا وزيرا لمدارسنا؟

هل من حقنا الحلم بطه حسين مغربيا وزيرا لمدارسنا؟
السبت 23 شتنبر 2017 - 18:33

فقط أود تحت كنف هذه الشذرة الانفلات قليلا، عبر ومضة حالمة، من سياق واقعنا المقرف، المنغمس تفننا في إنتاج الغباء، والاحتفاء به، ثم تجريده نحو أعلى عليين. فقط، أتوخى مجرد الاستمتاع، في غفلة مني ومن الآخرين، بهذه المساحة اللغوية، التي لا يمكنها سوى أن تكون في غاية الإيجاز والاقتضاب، مادامت تأسيسات الحلم صارت بعيدة، بل مستعصية يوما بعد يوم.

بكل تأكيد، استمرت للوقائع الكبرى بداياتها بواكير أحلام صغرى. هكذا، بنين التاريخ الإنساني تحقاقاته على نحو أفقي ذي مقصدية غير قابلة بتاتا للانعكاس. بالتالي، طه حسين، مشروعا ونموذجا؛ عقلا وروحا؛ رؤية ورؤيا وروية، شخصا وفلسفة، أديبا ومفكرا؛ مناضلا، مثقفا موسوعيا، مربيا، ملهما وصدقا وشجاعة، تحقق مرة إلى الأبد؛ ولن تتفتق عنه زبدة التاريخ وتقطير ترياق عصارة ما جرى معه، سوى كلمح البصر. التاريخ لا يعيد نفسه على مقاس ما أدركناه بوعي، بعد زمن انقضائه.

إن فضل تحقق من عيار وعيِّنة طه حسين، على مسار بلده مصر خاصة ثم المنظومة العربية – الإسلامية عموما، ليس هينا بالمطلق. يكفي فقط ذكر، ويكفينا في هذا المقام تذكيرا، يَجٌبٌّ ما قبله وما بعده، كونه الرجل الذي أنقد أجيالا بأكملها من ظلمات الجهل بل مصائبه، متحولا بها نحو نورانية العلم بمختلف خيراته.

بناء على شعارات في غاية التحضر، مثل:1 -التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن، 2- الجهل حريق لا ينفع معه التقطير، 3 –لا يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقية دون أن يتعلم الشعب، 4- إن الجامعة تتألف من طالب حر وأستاذ حر…وغيرها غزيرا، عزيزة جدا على فؤاد طه حسين، بحيث لم تتوقف مؤلفاته العديدة والمتنوعة والغنية والمختلفة؛ كمِّا ونوعا؛ شكلا ومضمونا؛ كي تبثها وتذيعها حسب هذا النحو أو ذاك؛ لأن طه حسين، راهن على سعي واحد فقط، حقيقة على منوال سياق سلالة علماء الإنسانية: المدرسة.

تبدو المقارنة المستخلصة غير مطروحة أساسا: طه حسين أفضل وزير تعليم عرفته مصر، وطبعا كل البلاد العربية. ثم بالمطلق وحتما على ارتدادات ابتسامة صفراء متعبة، لن تعاود معرفته ثانية. ببساطة لأنه مصلح عبقري، بالمعنى المتكامل للمفهوم. والعبقرية نماذج متفردة أحادية؛ وواحدة. تحضر أيضا، على غير هدى توقع؛ تختفي وتغيب، وقد رسمت خضما بلا هوادة، لتوقعات شتى.

لم يحطم طه حسين بنفاذ بصيرة لا تنتهي، وحماسة مفكر نهضوي لا يقهر، تلك الأسوار العالية التي نصبتها عاليا الملكية الإقطاعية في مصر أمام أبناء الفلاحين والفقراء، بحرمانهم من التعليم، وبالتالي من الحياة الكريمة قصد تأبيد ذات البنية الهرمية المجتمعية التي تصب منعرجاتها في نهاية المطاف عند ذات مركزية استفادة تحالف الملك والأعيان.

لذلك حينما كتب طه حسين عمله: ”المعذبون في الأرض”، متطرقا من خلاله إلى الأوضاع البئيسة لفقراء مصر، سرعان ما قذفه المعسكر المناوئ بالشيوعية، ما دفع بداية الملك فاروق كي يعترض على ترشيحه وزيرا للمعرفة في حكومة النحاس باشا، ثم حدث التراجع بعد ذلك. أقول إن عميد الأدب العربي، أكثر من كونه فتح أبواب الارتقاء الاجتماعي لأبناء الغالبية العظمى من الفقراء والبؤساء، عبر تمتيعهم بسلاح العلم مجانا؛ ومن ثمة ممكنات ارتقائهم الطبقي– بالفعل أغلب أعضاء النخبة المصرية الثقافية والفنية والسينمائية ابتداء من سنوات السبعينات يعود فضل تشكلها وبروزها إلى دور طه حسين – فقد قوض جوهريا متاريس الجهل الجاثمة طيلة أزمنة سحيقة على انبجاس العقل العربي من سباته.

اعتُبر كتاب ”مستقبل الثقافة في مصر” (1938) بمثابة المشروع النظري المتضمن رؤية طه حسين للتعليم، بمختلف تفاصيلها الجزئية. مباشرة، بعد انتقاله إلى المجال التنفيذي، انكب على التفعيل العملي لقناعاته العلمية تلك. تجلى الأمر بداية عندما اتخذه أحمد نجيب الهلالي، الذي تولى وزارة المعارف، مساعده الأول، فاشتغلا معا، على تكريس مبدأ مجانية التعليم، إلى أن صادقت عليه الحكومة خلال العام الدراسي (1943-1944). في المنطلق، همت الخطوة المرحلة الابتدائية والإعدادية. بين سنتي (1950-1952)، رشح بإلحاح كي يشرف طه حسين على مسؤولية وزارة المعارف أو التربية الوطنية، مثلما تغير اسمها، لكنه أصر بدوره على عدم قبول المنصب إلا إذا تواصل تطبيق مبدأ المجانية كي يشمل السلك الثانوي ثم الزيادة في الميزانية المخصصة للتعليم. حينما وصل عبد الناصر إلى سدة الحكم، بعد نجاح الثورة، ضاعف الرئيس الوطني رغبة العميد حسب ما يليق بمقامه وأثراها بتشريع مجانية الجامعة.

هكذا نجح طه حسين الأنواري والعالِم المتعدد في تعميم المجانية، أنشأ جامعة أسيوط وأرسل بعثات عدة إلى الخارج، تعاقد مع أساتذة فرنسيين وإنجليز، كي يلقنوا الطلبة المصريين، ويتمكنوا بمستوى رفيع من اللغتين، متوخيا إنشاء منظومة تعليمية رصينة، بوسعها منافسة نظيرتها الغربية. امتلكت كل مدرسة مسرحا وقاعة للموسيقى والفنون التشكيلية… إلخ.

كما صرحت أعلاه، تبقى هذه الديباجة السريعة مجرد استعانة متلهفة بالحلم، على ترهل واقع تعليمي وتربوي وقيمي مغربي، بينه وبين مثال طه حسين، ما بين كوكب المريخ والأرض.

http://saidboukhlet.com

‫تعليقات الزوار

12
  • كاره الضلام
    السبت 23 شتنبر 2017 - 19:04

    لك انت تحلم انت ان يسودك عميان المشرق اما المغاربة فاكبر من دلك بكثير،احلموا بقادة عميان لكن بعيدا عنا فنحن المغرب لا نبصر و عيوننا معمية عن رؤية المبصرين هناك فكيف بالعميان؟ لك ان تحلم بالظلمات كما شائت لك فطرتك المحاكية الكومبارسية و لكننا هناك لا نحاكي الكبار فكيف بالمتخلفين؟ان اي امي مغربي ينطق الفرنسية افضل من وزير الظلمات ،اما الطلبة فهو امامهم بهيمة عجماء، فليحلم الكومبارس المجبولون على المحاكاة و اتبجيل باتفه ما انتجب البشرية فهو معفيون من الانفة و الاعتداد بالنفس،
    لو كان حسين موجودا الان لتمنى ان يكون تلميدا مغربيا و هو الروائي التقليدي و المفكر المقلد و عميد الانبهار العربي بانتاج الغرب
    طه حسين افضل وزير ثقافة في العالم العربي؟ لقد كان الاسوء على الاطلاق،
    ما هي انجازاته في الوزارة يا ترى؟ ان نهضة مصر اسسها سينمائيون و ملحنون و مطربون كبار و لا علاقة لعيمد الانبهار بدلك ،و لا علاقة للادب بالتدبير السياسي و لدلك فاحلموا معشر المستلبين المكتئبين بقيادة ظلامية مشرقية و اما نحن فلا نقبل بالمتنورين الاغراب فما بالك بالمتخلفين

  • ع الجوهري
    السبت 23 شتنبر 2017 - 19:24

    يا إبني رآه التعليم عندنا هو رآه طاه حسين والله العظيم ضحكتيني شكرا هسبريس

  • طنسيون
    السبت 23 شتنبر 2017 - 21:45

    المشكل في عصرنا هذا ليس في شخص. بل هو في وعي وفكر وتصور ورؤية لتعليم يواكب العصر. هي مشكلة تنشئة فكرة منظور تعليمي عصري يحقق رغبة وتطلعات المجتمع في التنمية وإنتاج الثروة واستثمار مواردها لمنفعة المواطنين والدفع بعجلة الاقتصاد وبالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة في كل القطاعات. فلا ينفع ولا يمكن بتاتا أن نطمح لأي ارتقاء وتطور بنظام تعليمي يكرس منظورا تقليديا متخلفا ويستمر به لعقود مستقبلية. بل يزيد من تكريس العبثية والارتجالية والنمطية في تدبير القطاع. فعن أي إصلاح نتكلم ؟ وأية استراتيجية ورؤية مستقبلية سنصدق ؟ وأي شخص هذا سنأمن صلاحه وإصلاحه ؟

  • مواطن
    السبت 23 شتنبر 2017 - 22:21

    السيد 1 كاره الضلام (الظلام) أراك محب للظلام و ربما لم تقرأ شيئا للعميد طه حسين ، دامت لك عيناك.

  • Hassan
    السبت 23 شتنبر 2017 - 22:24

    Mais Taha hussein n'était pas pour une université de de masse si ma mémoire est bonne, mais élitiste

  • كاره الضلام
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 00:10

    ادا كان طه حسين حلما فكيف تكون الكوابيس؟تطور المغرب ليس في التعليم و لا في غيره و انما في تخطي احلام صغاره المستلبين الحالمين بتخلف المشرق،علينا تخطي الاعاقة الدونية و الاستلاب المخزي ،نهضة المغرب تكون باستعادة الانفة المغربية و التخلص من الكائنات المشيئة عاشقة الاقزام، حينما نتخلص من اقزامنا المعقدين المقلدين للمقلدين حينما سينصلح حال التعليم و الصحة ووو من تلقاء انفسها، ادا كان الشعب كله من فصيلة المستلبين عشاق التخلف فارقى المدارس لن تغير الواقع، المشكلة في طينة المواطن ولا ارى كيف يرقى بالتعليم المغربي من ولد محنيا تابعا ممجدا للهباء ساجدا للتخلف الاجنبي.
    يقول لك ان حسين حقق مجانية التعليم و كان التعليم في المغرب كان يوما ما غير مجاني، و اين هي نتائج ما فعله على ارض الواقع؟ اي علماء و نوابغ انتجت المدرسة المصرية؟ اين هي النتائج التي حققها حسين يا ترى؟اقسم لو قراك مصري لوقع على ام راسه من الضحك، المغرب بتعليمه الحالي المتردي تلاميده اكثر راهنية و دكاء من حسين الازهري البليد الدي يقيس الازمنة الادبية بمعيار الفحش و المجون مثل الفقهاء

  • مغربي
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 00:52

    من حقك ان تحلم به ليعلمك وابنائك فقط , انا لا من فضلك , لست مهووسا به ولم يقدم المسكين للبشرية شيئا ذا قيمة نافعة ;

  • ali tayane
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 02:38

    هنيئا لك أخي الكاتب، فأنت على الأقل استطعت أن تحلم ولو افتراضا، أما أغلب المعلقين فإنهم تحكمهم نرجسية المتنبي، فهم كرهوا كما كره المنافقين من قبلهم أن يحكمهم النبي ص، وكرههم هذا نابع من كون الأعمى بصريا والثاقب بصيرة استطاع أن يخلد اسمه في تاريخ البشرية رغم عمى بصره، والمجتمع المغربي يرفض رفضا لا نقاش فيه أن يسودهم العميان وهو الذي يستكثر عليهم كونهم تعلموا وفهموا أكثر مما تعلمه وفهمه أغلب أغبياء هذا الشعب، وليسأل هؤلاء أنفسهم: الى أي حد يمكن أن يقبلوا أن يتعاملوا مع العميان في كافة مناحي الحياة؟ وشر البلية ما يضحك فإني من تجاربي مع لي كايشوفو ولا أقول المبصرين حتى لا يشكل عليهم الأمر، من تجاربي معهم ألاحظ أن كل الشعب يريد أن يمتطي ظهور العميان ليدخل الجنة. بالإضافة الى أن شر هذه الأمة قادم من قبل هؤلاء المتنطعين الذين يطعنون في الرموز والقدوات، فليأتونا بأحسن ما جاء به أسلافهم إن كانت لهم مصداقية فكرية، ثم أني هنا لا أدافع عن طه حسين إلا أني أريد مجابهة الفكر بالفكر لنغني الرصيد الفكري للأمة. فلا نامت أعين الجبناء

  • مغربى
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 03:35

    و كان مصر الشقيقة اليوم بفضل العلامة والنابغة المتنور والعبقري في مصاف الدول العظمى او على الاقل ككوريا الشمالية بفضل المؤلفات العديدة الغنية والمتنوعة

  • ali tayane
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 04:04

    عضويات طه حسين
    •مقررا للجنة الترجمة والتبادل الثقافي بمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب
    •مديرا للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية
    • رئيس المجمع اللغوى بالقاهرة
    •عضوا مراسلا في الأكاديمية التاريخية الملكية بمدريد والمجمع العلمى ببغداد.
    • رئيس نادى القصة.
    • رئيس نادى الخريجين المصرى.
    • رئيس تحرير جريدة الجمهورية.
    مؤلفاته
    المعذبون في الأرض
    دعاء الكروان
    الأيام
    طه حسين واخرون –
    هؤلاء هم الإخوان
    الوعد الحق
    الفتنة الكبرى عثمان
    الفتنة الكبرى، علي وبنوه
    في الشعر الجاهلي
    ذكرى أبي العلاء
    فلسفة ابن خلدون
    الظاهرة الدينية عند اليونان وتطور الآلهة وأثرها في المدينة
    قادة الفكر
    حديث الأربعاء
    في الشعر الجاهلي
    على هامش السيرة
    من بعيد
    الحياة الأدبية في جزيرة العرب
    من حديث الشعر والنثر
    شجرة البؤس
    جنة الشوك
    فصول في الأدب والنقد
    رحلة الربيع
    ما وراء النهر
    مستقبل الثقافة في مصر
    أديب
    مرآة الإسلام
    الشيخان
    مع أبي العلاء في سجنه
    في تجديد ذكرى أبي العلاء
    في مرآة الصحفي
    حافظ وشوقي
    ألوان
    الحب الضائع
    جنة الحيوان
    من آثار مصطفى عبد الرازق
    شروح سقط الزند

  • كاره الضلام
    الأحد 24 شتنبر 2017 - 13:50

    ينظر احدهم في المرآة فيرى خلقة بشعة و شفتين مورمتين و جبينا مسطحا و انفا لا حل معه و شعرا حار فيه الجيل فيصاب بالاكتئاب فيخرج ناشرا حالته النفسية على العباد ،و يكره الشباب الوسيم و يهاجم برامج المواهب لانه يرى شباب حبورا فرحا و يتهجم بلاوعي على كل ما فيه جمال و شباب و حياة، ان بشاعة الخلقة قمينة بانتاج مثل هده الكوابيس و قد تجعل صاحبها يرى ظلمات القرن الماضي افاقا لمستقبل المغرب،ان بشاعة الخلقة لا يمكن ان لا تقزم نظرة صاحبها الى نفسه و تجعله شيئا تابعا قانعا بالسجود ،و الغريب ان من ينتقدون التعليم العمومي هم نتاجه و لكنهم يعتبرون انفسهم نوابغ و غيرهم فاشلون و الاغرب ان ينتقد التعليم من يحشو مقاله بعشرات الاخطاء التعبيرية و النحوية عدا عن النفسية المرضية،و نحن لا نستغرب من المصابين بالاكتئاب ان يقترحوا علينا هتلر كوزير للدفاع او بوكاسا وزيرا للعدل لانهم يرون العالم مقلوبا من فرط السداجة و البله،فادا اقبعوا في كوابيسكم الى ان يهرول اسيادكم المتخلفون الى اثارنا ليتبعوها،طه حسين مغربي! برا الباس

  • rachidoc1
    الإثنين 25 شتنبر 2017 - 14:08

    نفس الملاحظة كنت خططتها على صفحتي منذ مدة

    واش وزير التعليم يخلط بين "تَتْقين" و "إتقان" ؟؟؟

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات