لا خوف من النزهاء الأكفاء بعد اليوم..

لا خوف من النزهاء الأكفاء بعد اليوم..
الإثنين 25 شتنبر 2017 - 17:38

لا يمكن الاستمرار في محاربة الفساد كيفما اتفق أو كمن يخبط خبط عشواء. لا بد من وضع إستراتيجية معقولة واقعية قابلة للتطبيق، وتنفيذها بصرامة بعد حسن اختيار المنفذين لخطة محاربة الفساد.. هؤلاء الذين، كلما كان الأمر يتعلق بالوطن والصالح العام، يتجردون من العاطفة ويتنكرون لها تنكر “الابن العاق لأصله وأصوله”.. هؤلاء الذين لا تنفع معهم تدخلات أو مكالمات أو أموال الدنيا جميعها من أجل منعهم من القيام بواجبهم واستكمال مهمتهم الوطنية بنجاح تام.

سيداتي سادتي، لا هول ولا فزع، ولا خوف ولا هلع. فإني أقول بضرورة وضع إستراتيجية معقولة واقعية قابلة للتطبيق. يعني إستراتيجية لن تربك النظام أو الدولة أو المجتمع أو الشعب. إننا في مغربنا الحبيب نريد تغييرا شاملا بلا أدنى عنف.

نعم، يمكننا تحقيق هذه المعجزة، يكفي أن يجد هذا المقترح الملخص في هذا المقال، الذي بين أيديكم الآن، الآذان الصاغية من لدن من يهمهم الأمر، من علية القوم ومصادر الحكم والإدارة. المرجو القراءة بصبر وبصيرة، وبكل تواضع وهدوء.

لمحاربة الفساد تجارب عديدة في دول كانت نامية فأصبحت واعدة. سنغافورة مثلا. لقد اعتمد حاكمها، الذي خلصها من الفساد المنهجي (وهو الحاكم الذي استمر في الحكم لمدة 30 سنة)، فكرة أن عملية تنظيف الدرج يجب أن تباشر من الأعلى إلى الأسفل. فكرة نجحت في سنغافورة لأسباب تخص هذا البلد. تركيا أيضا، حيث صرح حاكمها مفسرا التقدم المبهر الذي عرفه وطنه في وقت وجيز بأنه اكتفى بمحاربة الرشوة ليعم الخير والرخاء. وهناك تجارب أخرى ناجحة طبعا.

سيداتي سادتي، لا تهم هنا أيديولوجية هذا أو ذاك؛ لأن الموضوع يخص ظاهرة الفساد في الدول النامية أو في الدول التي كانت كذلك قبل زمن قريب. فالمرجو التحلي بالصبر. طيب.

من أجل إنهاء الفساد “المنهجي أو الممنهج” في بلدنا الحبيب علينا، أولا وقبل كل شيء، وضع السياسة جانبا واعتبار أن قضية الفساد قضية إدارية محضة. هذا شرط أساسي. فكل إصلاح قد يهلل له سياسيون سيحاربه سياسيون آخرون وبشراسة تؤدي حتما إلى الفشل في كل الأحوال، وذلك لأن أصل الداء في السياسة والسياسيين، عموما، نظرا لظروف نشأة الديمقراطية -ببلدنا الحبيب- وتاريخها المرير الذي عرف صراعات أدت إلى سكتة قلبية حقيقية لن ينفع معها أي علاج سوى القضاء على الفساد حقيقة، ولكن بطريقة تراعي طبيعة المغرب والمغاربة، وتاريخ المجتمع المغربي ونظامه، كما تموضعه في الخريطة السياسة العالمية.

ولكن يجب أن نعترف بأن الفساد في المغرب بنيوي، كما يجب أن نتفق على أن لا أحد مسؤول على كذا وضعية فاسدة لأنها مترسخة منذ القدم، ولأن المسؤولية في ذلك جماعية… فداء الفساد داء قديم. فإذا كان هناك أناس يراكمون ثروات ضخمة من جراء الرشوة واستغلال النفوذ، وتهريب الأموال إلى الخارج، والاستحواذ على الأسواق والأراضي، مثلا، فلأن ذلك أصبح عرفا بل شبه حق بالنسبة إلى بعض ذوي النفوذ والسلطة والمناصب السياسية شئنا ذلك أم أبينا، وهذا بالضبط ما جعل جميع مبادرات محاربة الفساد تفشل فشلا ذريعا، إذ لا يمكن للذين يعملون داخل منظومة سياسية أو مؤسسة تقوم على أعراف قديمة، مثلا، “جعلت من بعض أشكال الرشوة واستغلال النفوذ حقا عاديا”، أن يقبلوا بالمحاسبة على ما يعتبرونه “تصرفا عاديا بل إخلاصا وعدم الخروج على العادة”، فهم إذا يتضامنون في ما بينهم ويستعملون جميع وسائل القوة التي بحوزتهم، بحكم مواقعهم داخل مؤسسات الدولة وداخل المنظومة السياسية، لإفشال جميع مبادرات محاربة الفساد التي تتحول إلى مجرد حملات انتقائية ومجرد تصفية حسابات محدودة قد تطال أبرياء بل نزهاء أيضا.

ومن ثمّ، لا بد من تخطيط دقيق لقضية محاربة الفساد في إطار إستراتيجية ممكنة وواقعية لن تربك النظام أو الدولة أو المجتمع أو الشعب كما أسلفت أعلاه. بعجالة وفي ثلاثة محاور واضحة:

أولا- وقف نزيف الفساد بقرار أو بمرسوم

فالمطلوب إذا وقف نزيف الفساد أولا وقبل كل شيء مع تحديد نقطة زمنية وإعلان تاريخها 24 ساعة فقط قبل انطلاق العد العكسي، وذلك حتى لا تتعبأ قوى الفساد ضد المخطط الواعد. إن وقف نزيف الفساد لا يمكن أن ينجح بإعمال القانون بطريقة مباغتة بل بتفعيل قرار إداري حازم ابتداء من وقت محدد لن يترك لقوى الفساد والفاسدين أية ذريعة للمقاومة، إذ سيحاسبون على ما قد يقترفونه ابتداء من اليوم المعلن عنه وليس على ما فعلوه من قبل.

ثانيا- تعيين النزهاء الأكفاء من أجل التنفيذ

حسن اختيار المنفذين لخطة محاربة الفساد. هؤلاء الذين، كلما كان الأمر يتعلق بالوطن والصالح العام، يتجردون من العاطفة ويتنكرون لها تنكر “الابن العاق المتنكر لأصله وأصوله”، الذين لا تنفع معهم تدخلات أو مكالمات أو أموال الدنيا جميعها من أجل منعهم من القيام بواجبهم واستكمال مهمتهم الوطنية بنجاح تام. ولا مجال أبدا لمحاربة الفساد من دون تحقيق هذا الشرط على أرض الواقع.

ثالثا- تفعيل استقلالية القضاة

إطلاق أيادي القضاة طولا وعرضا لتطبيق القانون على الجميع ولصالح الجميع، دون ريبة أو خوف أو انتظار إذن أو أمر ما؛ وذلك ابتداء من يوم صدور قرار وقف نزيف الفساد، مع إنشاء لجنة وطنية مصغرة لتتبع عمل القضاة.

خلاصة

سيداتي سادتي، إن الذي يجعل محاربة الفساد أمرا مستحيلا هو عدم اعتماد إستراتيجية وخطة ذكية ذات مصداقية قابلة للتنفيذ بصرامة. لا يمكن محاربة الفساد في المغرب وفي الظرف الزمني الذي نعيشه، إلا من منطلق إداري محض بعيدا عن كل اعتبارات سياسية أو أفكار مفادها استعمال القضاء لتصفية الحسابات أو للقضاء، مثلا، على كل من انتهت مدة صلاحيته السياسية..

سيداتي سادتي، إن الأوضاع ليست على ما يرام، فهي تعد بالانفلات التام العام في كل لحظة وحين. ولا يمكن للمقاربة الأمنية وحدها أن تضمن الاستقرار إلى ما لا نهاية. لا بد من القيام بخطوة ذات مصداقية في ما يتعلق بمحاربة الفساد، علما أن الكفاءة في هذا الصدد ما زالت رهن الإشارة…

سيداتي سادتي، لا خوف من النزهاء الأكفاء بعد اليوم.

‫تعليقات الزوار

5
  • سلوى
    الإثنين 25 شتنبر 2017 - 18:05

    سيدي لو تمعنت في الأغلبية الحكومية وماضيها وترتيبها في الإنتخابات الأخيرة ستكتشف أننا بعيدين على الإنتقال الديمقراطي وشكرا

  • المهم
    الإثنين 25 شتنبر 2017 - 18:16

    المفسدون في المغرب متحصنين و اكتسبوا خبرة كبيرة لا يمكن مراقبتهم و لا محاسبتهم و لكن سيكون لهم حساب عسير يوم القيامة ، ان الله يمهل و لايهمل ،

  • الطالب الباحث
    الإثنين 25 شتنبر 2017 - 19:49

    .. القانون يجب ان يكون كالموت .. لايستثني احدا.. ومطبق القانون يجب ان يكون كملك الموت ..

  • يوسف
    الإثنين 25 شتنبر 2017 - 20:17

    سيدي العزيز ، حينما سالوا مولاي الزين الزاهدي عن اختفاء 5 ملايير اجاب ببساطة ان الحسن الثاني ارسل السنوسي لاخذها من البنك … و حينما سالوه عن سبب عدم ملاحقة بعض المستثمرين اجاب بانه كان يتلقى مكالمات من القصر تامره بخض النظر عنهم…
    سيدي لقد قلتها دون ان تتوقف عندها كثيرا مع انها اصل القضية " تنظيف الدرج يبدا من الاعلى "..

  • passagère
    الثلاثاء 26 شتنبر 2017 - 16:10

    سيدي;اعتقد ان هناك محورا اوليا قبل كل شيء,هو تعريف الفساد وتاطيره دستوريا,والا سيكون من الصعب مواجهة المفسدين,اللذين يبرعون في ايجاد الفجوات القانونية,والتحايل على المساطر.
    ثم اقترح ان تراجع الدولة ميزانياتها,فهي تتسم بالبذخ او العكس وفقدان الدراسة ,كما نفتقد نحن المغاربة للمراقبة المستمرة…نحن نتميز بالتماطل ونهرع لاعداد التقارير اخر السنة المالية.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز