على هامش زيارة ميدفيديف

على هامش زيارة ميدفيديف
الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 07:58

من المرجح أن تفتح زيارة العمل والصداقة التي قام بها الوزير الأول الروسي ديميتري ميدفيديف إلى المغرب، يومي 10 و11 أكتوبر الجاري، آفاقا واسعة للتعاون بين البلدين، وأن تساهم في جعل العلاقات بين البلدين تأخذ بعدا جديدا، شريطة أن يتم استثمار وتفعيل نتائجها بواقعية، سواء من لدن الرباط أو موسكو، عبر الاستفادة من المؤهلات والمكانة الاستراتيجية والموقع الجغرافي للبلدين في قارات إفريقيا بالنسبة للمغرب وأوروبا وآسيا بالنسبة لفيدرالية روسيا الاتحادية.

وإذا كانت زيارة ميدفيديف قد تميزت بالتوقّيع على 11 اتفاقا بين البلدين في مجالات التعاون الجمركي والفلاحي والعسكري والدبلوماسي والإداري والتجاري والثقافي والنجاعة الطاقية والطاقات المتجددة والاستعمال السلمي للطاقة النووية، فمن شأن تفعيل هذه الاتفاقات أن يمثل لبنة جديدة في صرح بناء العلاقات المغربية الروسية، وأن يساهم كذلك في تقوية الشراكة الاستراتيجية المعمقة التي دشنتها زيارة الملك محمد السادس إلى روسيا في أكتوبر 2002. وتعززت هذه الشراكة الاستراتيجية أيضا بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المغرب في شتنبر 2006، وتعمقت بزيارة الملك محمد السادس إلى روسيا في مارس 2016 التي توجت آنذاك بالتوقيع على 16 اتفاقية.

ويلاحظ أن التعاون الاقتصادي والتجاري قد هيمن على أول زيارة يقوم بها الوزير الأول الروسي إلى المغرب، وتم تناول جوانب أخرى، كما جاء في تصريح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، منها “الفرص الجديدة لتطوير التعاون العسكري التقني، وكذلك التعاون الأمني” بين المغرب وروسيا، وهما المجالان اللذان شرع البلدان في الآونة الأخيرة في التعاون فيهما، ويشكلان آفاقا جديدة.

وبغض النظر عن أن زيارة المسؤول الروسي إلى الرباط تندرج في إطار استراتيجية “الدب الروسي” لتوسع نفوذه وتقوية حضوره في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المنطقة الاستراتيجية القريبة من القارة الأوربية، فإنها شكلت مناسبة لرغبة روسيا في الاستفادة من التجربة المغربية على المستوى الدولي والجهوي وفي محاربة آفة الإرهاب؛ إذ اعتبر ميدفيديف أن المغرب يظل شريكا استراتيجيا في العالم العربي وفي بلدان المغرب العربي وإفريقيا، مشيدا أيضا بـ”الموقف المستقل والبنّاء للمغرب” من القضايا الدولية الراهنة، خاصة الوضع في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب.

وإذا كان هناك تطابق في وجهات النظر حول العديد من القضايا الدولية، منها تسوية النزاعات الدولية والإقليمية بالطرق السلمية، واحترام وصيانة ووحدة أراضي الدول، ومكافحة الإرهاب ودور الأمم المتحدة في تنظيم العلاقات بين الدول وتعزيز الشرعية الدولية، فضلا عن تنامي المبادلات وارتفاع وتيرة التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي والتجاري والأمني، فإن البلدين مطالبان أيضا بإعطاء دينامية أكبر لعلاقاتهما المستقبلية، وهو ما يجعلهما يبذلان الكثير من الجهد لتذليل الصعوبات، واستكشاف فضاءات جديدة للتعاون، بتطوير المبادلات التجارية والاستثمارات وإيلاء أهمية خاصة لقطاعات التربية والتعليم والثقافة والسياحة والإعلام؛ وذلك من أجل الارتقاء بالعلاقات المغربية الروسية إلى مستوى العلاقات السياسية التاريخية بين البلدين التي تعود إلى القرن الثامن عشر.

ورغم الإقرار بضرورة اعتماد هذا التوجه الجديد للمغرب نحو روسيا الاتحادية، وفق استراتيجية استباقية شاملة تستهدف تنويع علاقاته وشركائه الاقتصاديين والسياسيين، فإن هذا لا يعنى بالضرورة مراجعة وإدارة ظهر المملكة لعلاقاتها مع شركائها الاستراتيجيين التقليدين في الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، وهي العلاقات المحتاجة بدورها إلى إعطائها دينامية جديدة وتحينها استنادا إلى المعطيات الدولية الراهنة.

فعلاوة على كون زيارة الصداقة والعمل للوزير الأول الروسي، كما ذكرنا سابقا، كانت مناسبة لتعزيز العلاقات القائمة بين الرباط وموسكو على أكثر من صعيد، فإنها تندرج ضمن ما يلاحظ في الآونة الأخيرة من نزوع العلاقات الدولية وتطور الأحداث، بشكل مضطرد وأكبر، نحو عالم متعدد الأقطاب، خاصة بعد انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب، وفي خضم المبادرات المغربية الأخيرة الرامية إلى تنويع شراكات المملكة مع بلدان من خارج أسواقها التقليدية.

وعلى الرغم من أن التوجه الجديد للدبلوماسية المغربية اتجه في الآونة الأخيرة نحو القارة الإفريقية، إلا أننا نعتقد أن هذه الدبلوماسية مطالبة أيضا بالتوجه نحو البلدان الصاعدة من قبيل الصين وروسيا، الدولتان المؤثرتان في ميزان القوى الدولية المنخرطتان في حلحلة العديد من النزاعات الإقليمية التي تهدد السلم والأمن العالميين، فضلا عن قيادتهما لـ “البريكس”، المجموعة التي تحقق حاليا أسرع نمو اقتصادي عالمي وتطالب بقيام اقتصاد عالمي منفتح وشامل يمكن جميع الدول والشعوب من تبادل منافع العولمة والالتزام بنظام تجارة يعتمد على الشفافية والتعددية، وهو ما يشكل عاملا إضافيا للانفتاح عليهما.

وبهذا تظل العلاقات المغربية الروسية التاريخية تتراوح بين جدلية نفعية رابح رابح، وإرادة ورهان تنويع الشركاء بالولوج إلى أسواق جديدة والانفتاح على الفاعلين الإقليميين والدوليين الجدد في الساحة العالمية.

‫تعليقات الزوار

2
  • WARZAZAT
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 11:56

    روسيا عندها الغاز و القمح و الحديد و الألومنيوم و الخشب باغي تبيعهم…و زيد عليها المفاعل النووية المدنية لانتاج الطاقة و تحلية مياه البحر و لكن يجب إستئذان فرنسا و أمريكا أولا بأعتبارهم من يملك المغرب وكذلك إن ارادت المشاركة في خصخصة أراضي و بحار الصحراء.

    لذا لا فهم زيارة ميدفيديف…كان عليه أن يذهب إلى باريس. هناك يعيش أصحاب القرار…الفرنسيون و المغاربة.

  • ع الجوهري
    الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 13:29

    يوم يصبح المغرب سيد قراره حينئذ يمكنك كتابة هذا المقال فالباطرونا جل ثروتها في بنوك فرنسا وممنوعين من دفتر الشيكات

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس