محمد طارق السباعي مدرسة عليا في النضال

محمد طارق السباعي مدرسة عليا في النضال
الثلاثاء 23 يناير 2018 - 11:52

لكل إنسان أعماق لا يمكن رصدها ها هنا، وربما أسرار لا يبوح بها سوى لأقرب المقربين.. وأما من خاض في الحياة العمومية من باب المجتمع المدني وليس من بوابة المنصب الرسمي، وتجرأ بتأسيس هيئة لحماية المال العام، وحارب الرشوة، ورفض الظلم، في بيئة ملغومة ووسط مجتمع اشتدت معاناته النفسية والمادية والمعنوية، فقد يضطر إلى إعمال شيء من الدبلوماسية وبعضا من السياسة، وربما قد يلجأ إلى عقد اتفاقيات مع بعض الجهات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن أجل اكتساح مساحة إضافية من حرية التعبير ولو متفاوض عليها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في سبيل توعية الناس وفضح بعض من الفساد تدريجيا ومناصرة المظلومين قدر المستطاع.

قد يكون لمن يخوض في الحياة العمومية هدف ظاهر؛ ولكن لا بد له من هدف خفي، والمناضلون أصناف. فليس من يناضل من أجل تحسين وضعيته الاجتماعية الشخصية كمن يناضل من أجل تحسين الأوضاع العامة؛ فإما أن يتوفر المناضل على روح بطولية لا تتركه يزيغ عن سكة الرفض لكل أشكال الظلم، أو أن يكون مناضلا في مهب الريح.

لا يمكن تخليق الحياة الإدارية وتحسين أداء السلطة من خارج الإدارة، كما لا يمكن تخليق الحياة العامة من خارج المجتمع المدني؛ فالمناضلون المخلصون يعملون كل من موقعه بنكران للذات، ويتحملون المشاق والصعاب في صمت وصبر عظيم يصعب وصفه، ويقدمون التضحيات الجسام ولا يطلبون جزاء أو شكورا، آملين فقط أن يروا بلدهم في يوم من الأيام مزدهرا لا تمس فيه كرامة المواطن ولا يظلم فيه بشر ولا حتى حيوان.

هكذا عرفت وحسبت أداء الحقوقي والمناضل محمد طارق السباعي، كصديق وكمؤسس ورئيس للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب.

كان المناضل محمد طارق السباعي قد أعجب بالكتاب الذي أصدرته سنة 2005 تحت عنوان “كلمة قائد”، حيث كنت قد وجهت في مقدمته نداء إلى المجتمع المدني من أجل مساندة النيات الحسنة، فلبى السباعي النداء وحضر في حفل التوقيع بكل تواضع، صحبة ثلة من أصدقائه ورفاقه المناضلين، بعد توصله بدعوة سلمها إليه صديقي بمثابة الأخ الأستاذ المحامي هشام بنعمرو، ثم كانت الاتصالات واللقاءات المفيدة والمثمرة في مجالات عديدة ثقافية سياسية نضالية سلمية سليمة، إلى أن جاء يوم صارحني فيه محمد طارق السباعي بتأسيس الهيئة وطلب رأيي في الموضوع. فقلت، وأما إذا كانت هيأة وطنية- وطنية فأنا أساندها مساندة تامة. فأكد أنها فعلا وطنية ثم طلب مني أن أكون عضوا فيها، فأجبت بأنه تكفي مساندتي لها لأنني لا أريد الانضمام رسميا إلى أية جهة من الجهات نظرا لبعض الظروف. فما كان لطارق، بذكائه الثاقب، ومعرفته بخبايا القانون والأعراف والسياسة أيضا، إلا أن اقترح عليّ العضوية الشرفية، فسلمني فورا بطاقة العضوية الشرفية وضعتها بفخر واعتزاز في محفظتي الخاصة، تحت نظراته التي لا توازيها سوى ابتسامته التي قليلا ما كانت تغادر محياه مؤقتا إن كان بصدد استنكار ظلم أو الدفاع عن مبدأ راسخ أو في ردهات المحاكم.

ثم تسارعت الأحداث والمواقف البناءة والندوات في محطات تاريخية حافلة بذكريات رائعة وجميلة مع البطل محمد طارق السباعي، الذي ناضل كثيرا وعمل كثيرا وتعب كثيرا؛ فهو الفارس الشجاع الذي ترجل أخيرا ليستريح بعد معارك ضارية ضد ناهبي المال العام.

محمد طارق السباعي رجل سيفتقده الكثير من المظلومين. إنا لله وإنا إليه راجعون. لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ارحمه. اللهم اعفو عنه. اللهم أدخله الجنة.

إن المناضل صاحب الروح البطولية والنية الصادقة الحسنة في عذاب ما دام حيا، بالرغم من كل ما قد يظهره من ابتسامة ومرح ولا مبالاة، إذ لا بد له من خوض المعارك العادلة ولو كانت “يائسة” بشرف؛ لأن مهمته في هذا الكون أن يقول لا للظلم. فالمنتصرون هم من يناصرون الحق والحقيقة وليس من يكسبون معارك بئيسة بإعمال الخبث والمكر وأساليب إبليس البالية. الحمد لله على نعمة الموت، حيث المحاسبة على إخلاص النية من لدن الله العليم الخبير الجبار العدل الحكيم المتكبر.

لقد كف القلب الطيب المتعب للحقوقي والمناضل الشرس محمد طارق السباعي على النبض صباح يوم الخميس 18 يناير 2018، يوم مبارك يبشر بالعفو والمغفرة لهذا الرجل. فكم كنت سعيدا لما أبلغني السيد الفاضل المناضل المهندس مصطفى حدفات عند باب مسجد الرضوان بحي السلام بسلا، قبيل صلاة العصر وإقامة صلاة الجنازة، أن محمدا طارق السباعي أمضى آخر أيامه مواظبا على الذكر والصلاة. تقبل الله منه العمل وكل كلمة حق تفوه بها لنصرة المظلومين، آمين يا رب العالمين.

‫تعليقات الزوار

7
  • محمد بلحسن
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 15:51

    رحم الله الفقيد محمد طارق السباعي.
    تحية لكاتب المقال الأستاذ يونس فنيش.
    تحية احترام و تقدير للأستاذ هشام بنعمرو.
    تحية احترام و تقدير للأساتذة محمد الهيني و محمد عنبر و و و و
    ها هي القائمة تكبر و من إيجابياتها أن مساحة الديموقراطية تكبر بنفس الوثيرة.
    شكرا هسبريس.

  • sifao
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 17:53

    لا اعرف عن محمد طارق السباعي سوى كونه "رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب " اما الملفات الني اشتغل عليها او المبالغ التي انتزعها من جيوب المفسدين واعادها الى الخزينة العامة فأجهلها جهلا تاما ، لذلك لا استطيع ان اقيم اداءه سلبا او ايجابا …
    ما اثار انتباهي في هذا المقال هو هذه الفقرة:
    "طلب مني أن أكون عضوا فيها، فأجبت بأنه تكفي مساندتي لها لأنني لا أريد الانضمام رسميا إلى أية جهة من الجهات نظرا لبعض الظروف. فما كان لطارق، بذكائه الثاقب، ومعرفته بخبايا القانون والأعراف والسياسة أيضا، إلا أن اقترح عليّ العضوية الشرفية، فسلمني فورا بطاقة العضوية الشرفية وضعتها بفخر واعتزاز في محفظتي الخاصة …" دليل قاطع على ان مكتب الهيئة تم طبخه خارج الجمع العام ودون اللجوء الى الاليات الديمقراطية المعروفة بالاضافة الى توزيع بطائق العضوية الشرفية مسبقا قبل اي استحقاق جمعوي ،ولم افهم كيف تم طبع بطائق لمنخرطي الهيئة حتى قبل تأسيسها…!!! أتمنى ان لا يكون فهمي للفقرة صحيحا ، او ناتج عن خلل في التعبير أ اما غير ذلك فأتمنى ان لا تكون هذه المدرسة قد تخرج منها تلاميذ….

  • محمد الباز
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 20:56

    العضوية الشرفية أو العضوية العادية لا تحتاج إلى انتخابات أو تصويت؛ تكون تلقائية ممن يريد الانخراط.
    عضوية في الهياكل التقريرية هي التي تحتاج إلى تصويت و انتخابات…
    رد متواضع على التعليق رقم 2؛ و اذكروا موتاكم بالخير.

  • محمد
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 21:08

    رحمه الله و جازاه خيرا عما أسداه من خدمة لهذا البلد.

  • مواطن درجة ثانية
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 22:30

    السلام عليكم، حقا أستاذ فنيش، كان (رحمة الله عليه) مدرسة عليا في النضال، رجل عرف بمواقفه و نضاله ضد الفساد و نهب و تبديد المال العام، لم يركن أو يستكين حتى و هو في عز مرضه ظل يصرخ في وجه الفساد و يعري و يفضح شخوصه، فاللهم إغفر له، إرحمه، إعف عنه و عافه.

  • sifao
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 22:59

    محمد الباز
    يا سيدي ، اقرأ المقال جيدا قبل ان ترد ، العضوية الشرفية تُمنح للذين يقدمون خدمات لجمعية او هيئة وليسوا اعضاء في المكتب المسير ، العضو الشرفي له الحق في حضور اجتماعات المكتب وابداء رأيه في المشاريع والبرامج دون ان يكون له الحق في التصويت ، قبل صاحبنا بالعضوية الشرفية رافضا الانتماء بشكل رسمي الى الهيئة لاعتبارات خاصة به ، حسب تعبيره ، مما يعني انه يتحدث عن العضوية في المكتب المسير وليس العضوية في الجمع العام …هذا ليس بجديد في تأسيس الجمعيات في المغرب ، اغلب المكاتب يتم طبخها خارج الجمع العام ، لكن حين يتعلق الامر بهيئة وطنية ذات طابع خاص ومسؤولية كبيرة فالامر يختلف ….مع احتراماتي

  • خالد
    الأربعاء 24 يناير 2018 - 15:51

    أستادنا المشمول برحمة الله كانت له جهود مضنية في محاربة ناهبي المال العام حتى بعد اعتلال صحته . وأشهد أنه وقف الى جانبي ضد مهندس بلدية الرباح بالقنيطرة في قضية رشوة ولم يطلب مني درهما واحدا التزاما منه بخط الهيئة .الناعقون والناهقون كثر في هذا الزمن الرديئ ، ويا ليث من ينتقده يفعل ربع ربع ما قام به المرحوم أدخله الله فسيح جناته. والله إني لا أحس أنه إنسان لا يعوض.

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء