الملف النووي الإيراني .. اتفاق الخصوم لا ديمومة له

الملف النووي الإيراني .. اتفاق الخصوم لا ديمومة له
الأربعاء 16 ماي 2018 - 14:42

دفع إصرار إيران على حيازة الأسلحة النووية بمنطقة الشرق الأوسط لسنوات العديد من الأطراف واللاعبين الدوليين إلى الدخول في صراع دائم للحيلولة دون انضمام طهران إلى نادي القوى النووية، حتى وإن كانت تبدي إيران ظاهريا أن أهدافها النووية هي سلمية بالأساس، كان الملف الإيراني النووي محط توجس للقوى العالمية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأت، وبعد صعود روحاني لسدة الحكم سنة 2013، معالم تكوين قنوات للتفاوض ما بين طهران وواشنطن، انتهت بإبرام اتفاق تاريخي حمل عنوان خطة العمل الشاملة المشتركة من أجل الحد من البرنامج إيران النووي، وبالتالي منعها من تطوير أسلحة نووية.

وشهد العالم، قبل ثلاث سنوات وتحديدا في أبريل من سنة 2015، حدثا تاريخيا، توصلت خلاله الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن إلى جانب ألمانيا وإيران في لقاء لوزان، إلى الاتفاق سالف الذكر، حيث قدمت خلاله إيران السقف الأعلى من التنازلات النووية -من خلال اتفاق وصفه باراك أوباما آنذاك بالتاريخي- توج مسار المفاوضات بقبول الملف الإيراني النووي الذي كان محط ضجة دولية ومسار مفاوضات مكثفة لسنوات عدة.

وافقت إيران والدول الست الأخرى بموجب هذا الاتفاق على ثلاثة أمور رئيسة هي كالتالي: تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة 30 ٪؛ خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 98٪؛ وتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67٪ -ما يكفي لمواصلة إنتاج ما يغطي احتياجات البلاد من الطاقة دونما الوصول لتطوير القنابل النووية، علاوة على السماح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بدورات تفتيشية لمنشآتها النووية.

قد لن يكتب لهذا الاتفاق التاريخي الاستمرارية بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب منه حينما نعته بالاتفاق الهزيل والكارثي في تاريخ الولايات المتحدة، قرار لم يكن بالمفاجئ من قبل الرئيس الأمريكي الذي قوض مسارا طويلا من المفاوضات قادتها إدارة أوباما، انتهى بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لنقطة الصفر.

استحالة مزاحمة الدول النووية الكبرى

في محاولة منا التعمق أكثر في خارطة الدول النووية بالعالم سنجد أنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تضم الدول ذات الشرعية الدولية لحيازة الأسلحة النووية هي الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، روسيا بما مجموعه 7010 رؤوس نووية – أمريكا بـ6650 – فرنسا بـ300 – الصين 270- المملكة المتحدة بـ215 رأسا وهي دول أعضاء بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ولها الشرعية الكاملة لامتلاكها.

بينما المجموعة الثانية وهي الدول التي تمتلك الأسلحة، بالرغم من عدم انضمامها للمعاهدة سالفة الذكر وهي باكستان 140 رأسا، والهند بـ130 رأسا، وإسرائيل بـ80 رأسا نوويا، فيما أن المجموعة الثالثة هي دول تمارس أنشطة نووية سرية وغير مشروعة وهي إيران وكوريا الشمالية وسوريا.

الجدوى من عرض هذا التصنيف هو معرفة موقع إيران ضمن الخارطة النووية للعالم، وأسباب ذلك المسار الماراثوني من المفاوضات والمباحثات التي توجت بالاتفاق النووي لسنة 2015 والتي ستعرف انحرافا كبيرا بالانسحاب الأمريكي الحالي، فبالرغم من التقرير الصادر في شهر فبراير عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي اعترف باحترام إيران لبنود الاتفاق النووي، ذلك لم يغير من القرار الأمريكي فكما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي الحالي مايك بومبيو في 30 أبريل: “نحن مصممون على التأكد من أن إيران لا تمتلك سلاحا نوويا فالصفقة الإيرانية في شكلها الحالي لا تقدم لنا هذا الضمان”.

لذلك يثير هذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية سؤالا عريضا مفاده: ما هي الاستراتيجية الجديدة لأمريكا اتجاه إيران ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي؟

مآل الاتفاق النووي الإيراني ونظيره الملف الكوري الشمالي

قد ينعكس هذا الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي بالسلب على إيران، سواء من الناحية الاقتصادية بإعادة تفعيل كل العقوبات الاقتصادية التي كانت موجهة ضد طهران قبل الاتفاق فضلا عن توجيه عقوبات ثانوية لكل الشركات الأجنبية التي تتعامل بصفة سرية ومحظورة مع الجمهورية الإسلامية، هذه العقوبات الثانوية التي لا يجب الاستهانة بها كذلك، حيث قد تدفع الأطراف الأخرى في الاتفاق -باستثناء روسيا- إلى إعادة النظر في المكاسب التي ستحققها من هذا الاتفاق طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية الطرف الرئيس في الاتفاق قد اتخذت هكذا قرار.

لذلك، يمكن القول إن العد التنازلي لزوال الاتفاق بدأ بمجرد الانسحاب الأمريكي منه، إذ لن يكون الموقف الفرنسي بالمخالف لنظيره الأمريكي، خاصة بعد توطيد العلاقات بين البلدين إثر الزيارة الأخيرة لماكرون والتي كان الملف الإيراني حاضرا بقوة خلالها، أو التوجه الذي ستسلكه المملكة المتحدة وألمانيا والذي من الراجح أن يكون مماثلا للتوجه الفرنسي. لذلك، فالطرفان المستفيدان من الاتفاق بالأساس -بالرجوع إلى سنة 1995 بعدما وقعت كل من إيران وروسيا اتفاقية تنص على بناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف في مدينة بوشهر الإيرانية من قبل روسيا- هما روسيا وايران.

من جهة أخرى، نجد أن الملف النووي لكوريا الشمالية قد يدخل في نفق مظلم كذلك؛ ذلك الملف الذي ظل محط مخاوف الدول الكبرى خاصة في نهاية السنة الفارطة، حيث بدأت تتضح تباشير نشوب حرب عالمية ثالثة بعد الاستفزازات المستمرة لكوريا الشمالية بتجاربها النووية والهدروجينية، حيث لم يترك كيم جونغ-أون فرصة إلا واغتنمها من أجل إرسال رسائله المشفرة نحو دول العالم خاصة الولايات المتحدة الأمريكية كان عنونها الأبرز أن كوريا الشمالية على خطى متزنة نحو تطوير صواريخ نووية باليستية عابرة للقارات قد يصل مداها إلى حدود الولايات المتحدة.

الغريب في الأمر هو أن هذا التصعيد الكبير من قبل كوريا الشمالية تلاه تغير جذري في سياسة بيونغ يونغ الخارجية، سواء نحو جارتها الجنوبية سيول وبعد أزيد من 65 سنة من حالة النزاع الدائم بينهما، أو في ما يخص الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية حول ملفها النووي الساخن والذي يعد كانفراج كبير في العلاقات بين البلدين، ليضعنا انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق الإيراني هذا أمام تساؤلات حول مستقبل الملف النووي الكوري الشمالي بعد تلويح هذه الأخيرة بالتراجع عن إنتاج الأسلحة النووية، تغير مفاجئ قد يكون نتيجة للعديد من الاحتمالات لعل أبرزها: الاحتمال الأول هو إغراء كوريا الشمالية من قبل الولايات المتحدة الامريكية من أجل التراجع والاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تقليص دورها مع روسيا وسوريا، وجذب الكوريتين نحو المحور الأمريكي، فيما أن الاحتمال الثاني هو مراوغة كورية من أجل الاستمرار في ملفها النووي و تحضير لمناورات قد تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية في المدى البعيد.

لذلك، فانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في هذا التوقيت بالضبط، وبعد ما عرفته العلاقات بين بيونغ يونغ وواشنطن من انفراج في الآونة الأخيرة، قد يجعل كوريا الشمالية أكثر حذرا من الدخول في صفقة مماثلة –للاتفاق النووي الإيراني- مع الولايات المتحدة.

مساعٍ دولية لعزل إيران ونوستالجيا الحرب الباردة

عجزت الإدارة الأمريكية لعقود عن التدخل عسكريا بإيران –على عكس العراق-، لذلك ظل الهاجس الذي يتربص بواشنطن هو كيفية الوصول إلى إيران عبر طرق ووسائل أخرى من أجل امتصاص قوتها الإقليمية التي تتمدد بشكل ممنهج وسلس، لذلك كانت حالة التقارب في إدارة أوباما خطوة ذكية من واشنطن واعترافا ضمنيا بهذه القوة الإقليمية، بينما كانت لإدارة ترامب الحالية رؤية مغايرة تماما نحو إيران دفعتها إلى خلق وسائل جديدة من أجل هدم تجبر هذه الدولة عبر الرغبة في قلب النظام الحالي وإنشاء نظام سياسي جديد في إيران، من خلال بوابة الشارع وتحريك احتجاجات اجتماعية مستغلة التصدعات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية للدولة، تلى هذه الخطوة والتي لم تعطِ أكلها بالشكل المطلوب الانسحاب من الاتفاق النووي والذي جاء ضمن إطار الاستراتيجية الأمريكية الذي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، حيث ومن غير الطبيعي أن تستمر واشنطن في اتفاق مع “أحد أكبر الدول الداعمة للإرهاب في المنطقة” كما جاء على لسان ترامب في إشارة منه إلى قوات الحرس الثوري الإيراني وامتداداتها في المنطقة، باعتبارها أكبر عائق للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

الواضح أن قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي لم يكن وليد اللحظة بل تم التخطيط له من قبل، عبر توجيه انتقادات إليه ودفع أطرافه وإيران إلى تعديل بنوده؛ وهو ما واجهته طهران بالرفض التام، فضلا عن ما قدمه نتنياهو من أدلة “دامغة” حول الوثائق النووية السرية الإيرانية والمفاعلات النووية التي تتستر عنها إيران..

لا يمكن لسياق دولي مماثل إلا أن تطغى عليه معالم حرب باردة جديدة بين الغريمين التقليديين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، لنفهم الخارطة الجيوسياسية العالمية الجديدة التي يتصدرها الحلف الروسي إلى جانب إيران، تركيا، الصين وسوريا والحلف الأمريكي الذي تصطف وراءه فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسرائيل ، هذه الحرب الباردة التي تجد سوريا كمنصة دولية مناسبة لمبارزة الغريمين بها من أجل إعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط.

ومن ثمّ، فإن الوجود الإيراني بسوريا -عبر حزب الله- المقلق للولايات المتحدة الأمريكية يدفع هذه الأخيرة إلى محاولة تطويق إيران أو حتى روسيا وباقي دول الحلف الروسي اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، أمر لن يكون إلا صعب المنال، خاصة أن امتصاص قوة إيران بمنطقة الشرق الأوسط قد يبث في الدول العربية السنية الأخرى لا سيما دول الخليج بقيادة السعودية ارتياحا نسبيا من هذا الوحش الذي يهدد أمنها القومي، والذي يرمي خراطيمه الشيعية ليتمدد بمنطق سلمي وسلس، والذي تظل عملية تعطيله أمرا صعبا.

*طالبة باحثة بسلك الدكتوراه تخصص علوم سياسية- كلية الحقوق أكدال.

‫تعليقات الزوار

4
  • ahmed
    الأربعاء 16 ماي 2018 - 21:20

    tien tien tien elle defend les americains les juifs les
    le hijab petrodolard une musulmane avec

  • سير تصلع
    الأربعاء 16 ماي 2018 - 22:04

    السلاح النووي لم يعد سلاح الاقتصاد وقيمة المواطن هي المعيار الدولي الذي يحترمه الكل اذا كان المواطن مرفوع الراس ومتحضر وسعيد ويحس بحس بوجوده ويتشرف بموطنه فهذا هو النووي الحقيقي.

  • ع عبد العدل
    الخميس 17 ماي 2018 - 13:11

    تقول الكاتبة : ''عجزت الإدارة الأمريكية لعقود عن التدخل عسكريا بإيران'' .

    لا أعتقد ذلك، فأمريكا تستطيع هزيمة إيران بسهولة لكن ليست من مصلحتها ذلك، فالدولتان تحالفتا معا للإطاحة بنظام صدام حسين وتدمير العراق وأفغانستان.
    دولة حليفة مثل إيران لن تتدخل أمريكا للإطاحة بنظامها عسكريا على الأقل في الوقت الحالي.

    تقول الكاتبة: ''الذي يرمي خراطيمه الشيعية ليتمدد بمنطق سلمي وسلس''.

    الحوثي في اليمن، حزب الله في لبنان، المليشيات الشيعية في العراق، المليشيات الشيعية في سوريا…، لا أعتقد ان هذا يسمى تمددا سلميا سلسا.

  • عبد الله طاهر
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 00:59

    لقد أعجبني تحليل الاستاذة الباحثة ماشاء الله ، رائع

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين