خطورة عدم إبرام اتفاق اجتماعي جديد

خطورة عدم إبرام اتفاق اجتماعي جديد
الخميس 17 يناير 2019 - 13:41

تحقيق مبدأ التوافق حول القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي تطلب من الطبقة العاملة نضالات طويلة ومريرة تزامنت مع النضالات التي قادتها القوى الديمقراطية والتقدمية، والتي كان لها تأثير كبير على المجال الحقوقي، إلى أن تم التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996، وهو ما ساهم أيضا في توفير الشروط لمجيء حكومة التناوب التوافقي برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، حيث دخل المغرب مرحلة الاستقرار السياسي، مما يعني أن هذا الاتفاق لم تكن له أبعاد اجتماعية واقتصادية فقط، بل كان له أيضا تأثير كبير على الوضع السياسي للمغرب، وبعد ذلك تلته ثلاثة اتفاقات أخرى تمثلت في اتفاق 23 أبريل 2000، واتفاق 30 أبريل 2003، واتفاق 26 أبريل 2011.

ومن خلال ما أشرنا إليه سابقا، يتبين أن الحركة النقابية المغربية تتحلى بروح وطنية عالية حيث ظلت باستمرار قوة اقتراحية تقدم البدائل والحلول، وتتوفر على رؤية شمولية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية، دون إغفال باقي التحديات المطروحة على مستوى كافة المجالات، وبالأخص القضية الوطنية، وما يتعلق بالوحدة الترابية، والقضية الفلسطينية، ومصير الأمة العربية.

انطلاقاً من هذه الرؤية، فإن الحركة النقابية، وهي تواصل المطالبة بحقوقها المشروعة، تتعامل مع الحكومة الحالية بمثل ما تعاملت به مع الحكومات السابقة، وتتمثل هذه المطالب والحقوق في:

1. اعتماد مبدأ التوافق حول القضايا ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية:

لا يمكن التراجع عن مبدأ التوافق حول القضايا ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية بعد أن تم التعامل به منذ 20 سنة الماضية، وانسجاما مع ما جاء به دستور وفلسفة منظمة العمل الدولية وما نصت عليه الاتفاقات السابقة وما جاء به دستور فاتح يوليوز 2011، وبالأخص الفصل 13 منه، وهو ما مكن من تحقيق عدة إنجازات.

2. تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011:

إن تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، لا يتطلب إعادة النقاش من جديد، وما يجب القيام به هو اتخاذ الإجراءات العملية لترجمة ما تبقى مما تضمنه هذا الاتفاق على أرض الواقع، وأي تأخير في هذا الموضوع إذا كانت له أسباب تقنية أو إجرائية يتطلب أن يتم بعد استشارة النقابات وأخذ موافقتها.

3. تحسين الدخل:

تتعين الملاءمة بين الأجور والأسعار، وفي هذا الإطار اقترحت المركزيات النقابية معالجة هذه المسألة من خلال ثلاثة جوانب:

مراجعة الضرائب على الأجور، والاختلال هنا واضح لكون الأجراء يؤدون أكبر نسبة من الضريبة علما أن الضريبة على الدخل تمثل 74 في المائة، وهو ما يتطلب معالجته.

الرفع من التعويضات العائلية.

الزيادة في الأجور.

4. حق الممارسة النقابية:

الاختلالات الموجودة في هذا الجانب تتمثل فيما يتعرض له العمال والموظفون من انتهاكات خطيرة تمس الحق النقابي، حيث يتطلب اتخاذ الإجراءات والتدابير العملية لمعالجتها، مع إلغاء المادة 288 من القانون الجنائي، والمصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 حول ممارسة الحق النقابي.

5. تطبيق تشريع الشغل:

وهذا يتطلب معالجة الاختلالات القائمة بين فئة الموظفين ومراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية، وهيكلة القطاع غير المهيكل، ودعم جهاز تفتيش الشغل وفق ما نص عليه اتفاق 26 أبريل 2011، بما يؤدي إلى الرفع من المردودية وتحسين الأوضاع المهنية في القطاع العام والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والقطاع الخاص.

6. حق المفاوضة الجماعية:

ونقصد بذلك الحوار الثلاثي بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل بإجراء جولتين في السنة، في أبريل وشتنبر، ويجب أن يتوصل إلى نتائج واعتماده على مستوى القطاعات الوزارية تفعيلا لما تنص عليه الاتفاقية الدولية 151، وعلى مستوى القطاع الخاص بأن يتم تقوية دور اتفاقيات الشغل الجماعية بالعمل على إبرام اتفاقيات على مستوى القطاعات المهنية والمقاولات، مما سيساهم في تطبيق تشريع الشغل وهيكلة القطاع غير المهيكل وحماية المقاولة والرفع من المردودية.

7. الحماية الاجتماعية:

وضع برنامج لتعميم الحماية الاجتماعية من خلال تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامة التصريحات من العيوب وإصلاح ودمقرطة المؤسسات الاجتماعية، وتمديد نظام الحماية الاجتماعية ليشمل أصحاب المهن الحرة والعاملين لحسابهم الخاص.

8. إصلاح صناديق التقاعد:

لا اختلاف على ضرورة إصلاح صناديق التقاعد، ومن هنا يجب مناقشة هذا الموضوع دون طابوهات ودون مزايدات، مع التحلي بالموضوعية، على أن يتم الانطلاق من الأرضيات المطروحة، بما فيها وجهة نظر المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والحكومة، والنقابات، قصد الوصول إلى حل متوافق عليه.

9. إيجاد حلول لنزاعات الشغل الجماعية:

نظرا لأهمية موضوع نزاعات الشغل الجماعية وما له من تأثير على العلاقات المهنية، مطلوب تفعيل الآليات والقوانين المتعلقة بهذا الجانب بهدف إيجاد حلول استباقية لما يمكن أن يحدث من نزاعات وفق ما يحمي ممارسة الحق النقابي وتطبيق تشريع الشغل وحماية المقاولات وتقوية العلاقات المهنية.

10. توفير الشغل:

إن أكبر معضلة تواجه المغرب هي محاربة البطالة وخلق مناصب شغل جديدة، وهو ما يتطلب وضع برنامج بتعاون بين القطاعين العام والخاص، بدءاً بملء الخصاص الذي تعرفه العديد من قطاعات الوظيفة العمومية ومنها التعليم، الصحة، الأمن بجميع مكوناته، بمن في ذلك رجال الشرطة والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، تفتيش الشغل، بدل التشغيل عن طريق العقدة الذي لجأت إليه الحكومة في المراحل الأخيرة كبديل عن التوظيف المباشر، مما سيؤدي إلى انتقال الهشاشة في الشغل من القطاع الخاص إلى القطاع العام.

وعند مناقشة كل هذه القضايا، مطلوب التعامل معها بالأهمية نفسها دون تمييز، مع استحضار الأبعاد المهنية والاقتصادية والاجتماعية والتحلي بالموضوعية بهدف تحقيق التوازن حول مجمل القضايا المطروحة، مما يسهل الوصول إلى التوافق مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف الثلاثة.

ضرورة إبرام اتفاق اجتماعي جديد:

إن التوصل إلى إبرام اتفاق اجتماعي جديد ليس صعبا بالمقارنة مع الظروف والشروط التي أبرمت فيها الاتفاقات الأربعة السابقة، غير أن الصعوبات تكمن هذه المرة في كون الحكومة لجأت إلى اعتماد ممارسات تتمثل في:

– الاقتطاع من أجور المضربين دون اللجوء إلى الحوار قصد إيجاد الحلول للقضايا المطروحة.

– عدم انتظام دورات الحوار الاجتماعي مرتين في السنة (أبريل – شتنبر).

– التشكيك في الاتفاقات السابقة.

– افتعال ما اعتبرته تناقضا بين مطالب الطبقة العاملة ومطالب باقي الفئات الأخرى.

– عدم إيجاد الحلول للقضايا المطروحة رغم جديتها وموضوعيتها.

كل ذلك جعل حدة الاختلاف بين الحكومة والنقابات تزداد تعقيدا، علما بأن الحكومات السابقة لم تكن تلجأ إلى هذه الأساليب.

وخلاصة القول إن خطورة عدم إبرام اتفاق اجتماعي جديد تضرب ما تحقق من تراكمات ومكتسبات خلال المراحل السابقة، كما أن ذلك يعد تراجعا عما جاء به دستور 2011، وبالأخص الفصلان الثامن والثالث عشر منه، فكيف يعقل أن يتم التوافق بين الأحزاب على كل القضايا التي لها طابع انتخابي مثل ما حصل بالنسبة للعتبة في الاستحقاقات الانتخابية، في حين لا يتم التوافق مع الطبقة العاملة حول الملف الاجتماعي، وهو ما يضرب في العمق الطبقة العاملة ويهمش دورها الاستراتيجي الذي ظلت تقوم به خلال المراحل الماضية رغم مساهمتها الكبيرة والفعالة التي يعود لها الفضل، إلى جانب القوى الوطنية والديمقراطية، فيما حققه المغرب من تراكمات إيجابية.

ملحوظة: تمت كتابة هذا المقال في نهاية شهر يوليوز من سنة 2016 بمناسبة حلول الذكرى 20 لتوقيع التصريح المشترك لفاتح غشت 1996، ولكونه ما زال يحافظ على راهنيته، نعيد نشره من جديد.

‫تعليقات الزوار

10
  • عبدالرحيم .ص.
    الخميس 17 يناير 2019 - 14:28

    رغم ان مقال الاستاذ الرماح كتب في شهر يوليوز 2016 فانه يبدو وكان المداد الذي خط به لم يجف بعد وذلك لكون كل النقط المشار اليها لا زالت على رفوف الانتظار.
    التخوف ان تظل جميع المطالب النقابية لسنوات اخرى موضوع كتابات لا موضوع استجابات لان اليأس اصبح هو سيد الموقف

  • Maftouh Abdelhak
    الخميس 17 يناير 2019 - 14:32

    تحية نضالية خالصة لاستادنا عبدالرحيم الرماح على هاد المقال النير الدي ينير ليس عقول الطبقة الشغيلة ولكن حتى الباطرونا والحكومة
    نتمنى تطبيقه لكن يبقى تفعيل دستور 2011 على ارض الواقع مخرج وباب الدي سيحل عدة اشكالات فمتلا نرى الان خاصة الحكومة الحالية اخراج عدة قوانين دون استشارة او محاورة الطبقة المستهدفة من هده القوانين

  • hobal
    الخميس 17 يناير 2019 - 15:27

    المغرب لا يحكمه قانون واحد يسود كل المواطنين
    المغرب تحكمه بعض التيارات حتى ولو ان هناك تطاحن بينهم الا انهم متفقين على طحن الشعب كل بطريقته عندما يعصفون على بعضهم يعني يتهيؤون لتعرية المواطن عدم ابرام التفاق يعني التفاق على على مرجعية نحن الاقوى ومحصنين مهما حاول الشعب تسلق الجدار لن يفلح ابدا

  • العلمي
    الخميس 17 يناير 2019 - 16:33

    كما عهدناك الأخ الرماح دائما في الموعد،فهذا المقال لكثرة راهنيته،ولولا الملحوظة لظننته كتب في حينه.
    فعلا ما زلنا ننتظر نتائج الحوار الاجتماعي في ظل تعصب،وتشبث كلا الطرفين بموقفه،بينما تقف الطبقة العاملة تترقب،وتقول في قرارة نفسها:متى الحل؟لأن تأخر هذا الأخير يؤثر بطريقة سلبية على إبرام اتفاقات ثنائية داخل المقاولات.

  • أحمد الاكاديري
    الخميس 17 يناير 2019 - 17:26

    ان مقال الفاعل النقابي عبد الرحيم رماح وهو العارف والمتمرس الميداني نبهنا إلى مسألة هامة ألا وهي الزمن الضائع على المغرب بسبب حكومة لا تعي مذى خطورة ماتسببه من إحباط ويأس لدى فئة عريضة من الشعب المغربي وخصوصا الشباب إن السياسة ألا شعبية والتفقيرية للحكومة وعملها على تبخيس دور النقابات يضرب في العمق كل ما تحقق من تراكمات ويدخل البلاد في الانتظارية القاتلة قد تؤدي إلى المس بالاستقرار المطلوب لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية اتمنى ان تتدارك الحكومة الأمر وتتحمل مسؤوليتها التاريخية وتنجح في إبرام اتفاق جديد وتنفيد الاتفاقيات السابقة

  • عبد العزيز أدب
    الخميس 17 يناير 2019 - 19:13

    من خلال ما أشار إليه الأستاذ عبد الرجيم الرماح يتبين أن المتضرر من عدم إبرام اتفاق اجتماعي جديد ليست فقط الطبقة العاملة بل أيضا أرباب العمل والحكومة نفسها التي لم تقوم بالمجهود المطلوب من أجل إبرام هذا الإنفاق مما كانت له انعكاسات سلبية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو ما يتطلب تداركه بأقرب الآجال

  • amateur
    الخميس 17 يناير 2019 - 20:48

    الموضوع شامل و يبدو ان صاحبه ملم بالملف جيدا و ما على المسؤولين الا الاخذ بهده النصائح.
    على وزير الشغل النقابي السابق ان يستفيد من هذه المرجعيات لينطلق قطار الحوار الذي توقف بسبب تعنت الحكومة.
    ان ضمان الاستقرار يتطلب وقفة تأمل كبيرة من جميع الاطراف و خاصة من السلطة التنفيذية لخلق انفراج يؤدي الى استقرار سياسي و اقتصادي و اجتماعي

  • مهتم
    الجمعة 18 يناير 2019 - 12:30

    أصبح واضحا من خلال ما أشار إليه الأستاذ عبد الرحيم الرماح أن إبرام اتفاق اجتماعي جديد لا يخدم فقط مصلحة الطبقة العاملة بل إبرامه في مصلحة المقاولة والاقتصاد الوطني ويؤدي إلى إزالة أوضاع التوثر الاجتماعي الذي امتد إلى قطاع التجار وقد تزداد الأوضاع توثرا إذا لم تدارك الحكومة وأن تسرع بإبرام اتفاق جديد مع الطبقة العاملة وهو ما يخدم مصلحة الجميع.

  • مناضل نقابي سابق
    الجمعة 18 يناير 2019 - 14:50

    كتابة الاستاذ المناضل ع الرحيم الرماح في محلها لانها اصبحت وثيقة مسجلة تاريخيا من تجربته الميدانية من اجل تذكير لجميع الاطراف الثلاثي -الدولة المقاولات النقابات -لتفعيل حل ازمة انزال الدستور 2011 الذي اصبح الملف معقدا من طرف الحكومة الحالية المنتخبة من طرف جزء من الطبقة العاملة في اطار تعثرالتفاوض العقلاني ومن نتائجه عدم استقرار في العمل افلاس المقاولات وتزايد البطالة الشبابية والضغط الضرائب وفشل نموذج التنمية

  • خالد
    السبت 19 يناير 2019 - 22:39

     الظرفية الراهنة تستدعي رئيس الحكومة إلى معالجة كل القضايا المطروحة وعلى رأسها قضايا الطبقة العاملة كمدخل أساسي لتحقيق قفزة نوعية على جميع المستويات واستكمال ما حققه المغرب من خطوات على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي ؛ وكيف ما كان الحال فإن الشروط لازالت متوفرة لتحقيق هذا الهدف من أجل عيش كريم .

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز