أديب من ذوي الاحتياجات الخاصة

أديب من ذوي الاحتياجات الخاصة
الأربعاء 3 يونيو 2020 - 23:33

الثورة نمط حياة

تجري في دمه روح الصعاليك، ويعشق حياة “التصعلك”. فيه شيء غير قليل من “عروة بن الورد”، و”حاجز الأزدي”، و”تأبط شرا”، وغيرهم. وقد بلغ به هذا العشق إلى حد إنجاز أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع “صور الاغتراب في شعر الصعاليك”، جرت مناقشتها برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس. لم يكن أبدا طالبا عاديا، بل كان طالبا ذا حضور لافت ووجه مألوف، ولا يوجد طالب ممن التحقوا بهذه الكلية في العقد الأول من الألفية الثالثة لا يعرفه، والعدد الغفير من الطلبة الذين حضروا مناقشة أطروحته شاهد على تقديرهم له، وعلى مكانته في قلوبهم.

نشر عادل أوتنيل روايته الأولى، التي تحمل عنوان “اللُّصَيْلصون في قصر المتعة” سنة 2017، بعد أن نشر مجموعة قصصية بعنوان “على عتبات الليل” بدعم من وزارة الثقافة. وقد حضر حفل توقيع روايته سالفة الذكر في المعرض الدولي للكتاب سنة صدورها، وذلك بحضور وزير الثقافة أنداك، كما كان حاضرا في المعرض الدولي الأخير للكتاب 2020، متحديا الظروف الصحية الصعبة، وقلة ذات اليد. ولعل أول ما يلفت الانتباه في توقيعات عادل هو أنها لا تشبه توقيعات الكتّاب الآخرين، ليس من حيث الشكل فقط، وإنما من حيث المضمون أيضا. باختصار، إنه ثوري في كل شيء حتى في توقيعاته.

الثورة على الجسد

إن أول شيء أعلن عادل الثورة عليه هو جسده. يبدو جليا أن جسده لا يسعفه، ولا يطاوعه. لكنه لم يكن أبدا حاجزا يمنعه من الوصول إلى ما يصبو إليه، ويحول دون تحقيق ذاته. ولا شك أن ما حققه عادل يعود، في جزء منه على الأقل، إلى جسده.

يعاني عادل من نوع من “الإعاقة” الجسدية. إذ يتحرك بصعوبة، ويتكلم بصعوبة، ويكتب بصعوبة. لكنه، على ما يبدو، قد قرَر، ومنذ مدة طويلة، أن يتحدى إعاقته. فهو يتحرك، تكفي الإشارة إلى أنه ترك مدينته “تزنيت” والتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، ويتكلم إذ لا يترك أي فرصة تمر دون أن يدلي بآرائه ومواقفه، ويكتب، وكتاباته جميلة، والجوائز التي حصل عليها دليل على ذلك.

الثورة على حياة من أجل الحياة

يرفض عادل حياة الظلم والاستبداد والقهر والفقر والجهل واللامساواة، وذلك باسم الحياة. إنه يناضل من أجل حياة لا تنعدم فيها الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. ولتحقيق هذا المبتغى ما يزال عادل يؤمن بالحل الثوري، وهو يكاد لا يتوقف عن التلويح بإشارة النضال المعروفة.

يعيش أبطال روايته حياة قاسية، في حي مُهمش، في تزنيت. وهم يتعاطون للسرقة ولتجارة المخدرات. وهم جميعا في الفقر سواء. منهم من لم يلج المدرسة قط، ومنهم من تعرض للطرد منها، ومنهم من حصل على شهادة جامعية، دون الحصول على عمل.

يلتقي هؤلاء في قصر قديم مُهدم. يدخنون ويلهون ويناقشون أمور السياسة. ترد على ألسنتهم كلمات كثيرة مستمدة من قواميس الثورة من قبيل: الشعب، الإمبريالية، الصهيونية، التفقير… إلخ. ومنهم من يدافع عن فكرة مشروع ثوري تؤمن به الجماهير، وتدافع عنه بأرواحها، ومنهم من أصيب بخيبة الأمل وباليأس.

الثورة على اليأس

تتردد كثيرا في قصص عادل وحتى في روايته عبارة “لقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين”، فتخاله من اليائسين، لكن سرعان ما يستشكل عليك الأمر عندما تجده يردد عبارة “نحت الجلاميد بأظافره”.

إن عادل من الناس الذين يكاد اليأس لا يعرف طريقا إليهم. ابتسامته الرائعة لا تفارق وجهه أبدا. وهي تشي بقلب مليء بالمحبة. ابتسامة تشرق، فيتسرب نورها، سريعا، إلى قلوب الآخرين، لتبث فيها الرحمة، والكثير من الأمل.

تنتهي روايته بإشراقة أمل وتفاؤل تعمّ الحي. إذ يعزم عليَ وأصدقائه، (اللُصيْلصون الصغار)، على سرقة الأغنياء، (اللصوص الكبار)، وتوزيع “الغنائم” على فقراء الحي “الكدّاح البؤساء الذين يفترشون أديم الأرض ويلتحفون بالسماء”. (ص124)، فمادامت الدولة غير قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، فقد ارتأى أبطال الرواية تحقيقها بأيديهم، ولو إلى حين. وهكذا يتضح التأثير الكبير الذي مارسه الشعراء الصعاليك على عادل، الذي يبدو جليا أنه استوحى من نمط حياتهم أحداث روايته، إذ من المعروف أنهم كانوا يسلبون الأغنياء أموالهم بالقوة، ويوزعونها على الفقراء.

هذا هو حلم عادل. وقد وجد في حياة الشعراء الصعاليك ما يغذي به هذا الحلم.

‫تعليقات الزوار

2
  • صعاليك العرب .
    الخميس 4 يونيو 2020 - 00:54

    الصعاليك اسم يطلق على جماعة من العرب في عصر ما قبل الإسلام، عاشوا وأطلقوا حركتهم في الجزيرة العربية؛ وينتمون لقبائل مختلفة. كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها، فطُردوا من قبائلهم. ومعظم أفراد هذه الجماعة من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعدّ من عيون الشعر العربي
    امتهن الصعاليك غزو القبائل بقصد الاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر
    من أشهر الصعاليك عدل
    شِظاظ الضبي التميمي،
    أبو خراش الهذلي،
    عروة بن الورد،
    السليك بن السلكة،
    تأبط شرا:
    البراض بن قيس الكناني ..
    منقول

  • عادل
    الخميس 4 يونيو 2020 - 23:33

    نتأسف كيف صار وصف الصعلوك عيبا ومسبة في حين يحتوى على معاني عميقة وقيم نبيلة. اختيار موفق دكتور.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب