الإسلاميون والدولة المدنية

الإسلاميون والدولة المدنية
الإثنين 21 أكتوبر 2013 - 10:00

لا أخفيكم سرا أن ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو مقال الأستاذ محمد الساسي الصادر بجريدة المساء مؤخرا و الحامل لعنوان الدولة المدنية , اذ وجدت أن الأستاذ الساسي وهو يناقش الموضوع قد انغمس في نوع من البحث عن التوفيق بين مجموعة من الرؤى و الاختيارات المتناقضة و المتنافرة في محاولة لقولبتها داخل إطار ما أطلق عليه اسم الدولة المدنية ، فالمقال يتكلم عن امتيازات يجب أن تحفظ للاسلامين كما يتحدث عن قدر مسموح به من العلمانية يجب ان يستعمل لتحديد العلاقة بين العلمانيين المعتدلين كما اسماهم الساسي و الاسلامين المعتدلين بالإضافة إلى الاحتفاظ بإمارة المؤمنين كمجرد لقب شرفي و اعتبار الإسلام الدين الرسمي للدولة و الى غير ذلك من النقط و الأفكار التي تقدم بها الأستاذ الساسي في محاولته لإيجاد الأرضية المشتركة بين الفاعلين السياسيين ( الإسلاميون المعتدلون و العلمانيون المعتدلون ) من اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تتسع لجميع مكوناتها.

أنا لا أنكر أن ما تقدم به الأستاذ الساسي من توضيحات و أفكار هي جوهر الإشكال القائم اليوم بين المعسكرين العلماني و الديني و أن الأسس التي أرساها الكاتب في مقاله يمكن ان تشكل التصور العام لمفهوم الدولة الديمقراطية و لما يتوجب عليه ان تكون العلاقة بين مختلف الفاعلين داخلها ، لكن مفهوم الدولة المدنية هو أعمق و ابلغ من ذلك بكثير فالدولة المدنية لا تعترف بامتيازات آو توافقات فهي دولة المواطنة و سيادة القانون التي تعطى فيها الحقوق و الواجبات على أساس المواطنة ، فلا يكون فيها التميز بين المواطنين بسبب الدين او اللغة او اللون او العرق و تضمن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية و تحترم التعددية و التداول السلمي للسلطة و تستمد شرعيتها من اختيار الجماهير و تخضع للمحاسبة من قبلها .

و الدولة المدنية هي شكل تاطيري مجرد لا يعتنق الأديان و لايمارس المعتقدات بل هي قوة اجتماعية منظمة تملك السلطة و تعلو قانونا على اي جماعة داخل المجتمع ، و على أي فرد من أفراده و لها وحدها دون (الأحزاب ) ( الجيش) ( الجماعات الدينية) (التجمعات الاقتصادية ) حق القسر وطلب الإذعان من طرف مواطنيها ، وهي إرادة جدية للتدبير المؤسساتي الديمقراطي للدولة بشكلها المجرد انطلاقا من قوانين و ضوابط وضعية عادلة بدون خلفيات دينية او عقائدية ، و هي غير قابلة لتبني اي دين أو معتقد ، فالكل يعيش في كنفها استنادا لمبدأ المواطنة و سيادة القانون .

و الدولة المدنية هي كل غير قابل للتجزيء ياخد كلها و لا يترك بعضها و إلا افتقدت جوهرها و حادت عن غايتها، وهنا لابد لي أن أشير إلى الاتفاق مع الأستاذ الساسي فيما يخص كون الدولة المدنية هي الوصفة السليمة و المناسبة لبناء المجتمع الديمقراطي الذي يتسع لكل الفاعلين و المكونات السياسية بشرط الإيمان بأركانها و مقوماتها و الابتعاد عن منطق تكييفها و ملائمتها مع الأوضاع الخاصة بكل بلد على حدا ، و هو ما يشوهها و يجرها إلى التخلي عن مجموعة من مقوماتها و ملامحها التي لا تستقيم بدونها.

إن الدولة المدنية هي إيمان من طرف الجميع بضرورة إبعادها عن منطق الهيمنة و التنميط وفق فكر او دين معين فهي ملك لجميع أبناءها او مواطنيها بعيدا عن أي امتياز ديني او عرقي او لغوي او اقتصادي أو جاه و سلطة فالكل سواسية أمام القانون او بمعنى اصح الدولة المدنية هي التي تتعامل مع مواطنيها بمنطق الحقوق و الواجبات ما لك و ما عليك كما نص عليه القانون، فالكل له مكان في الدولة المسلم و اليهودي و المسيحي …. و ليس لأحد الغلبة فالمواطنة هي الغالبة.

و إذا ما حاولنا إخضاع هذا المفهوم الراقي للدولة لمنطق المجوعات و الحركات الإسلامية المعتدل و الراديكالي منها و استقراءنا مواقفها واراها فيما يخص مقومات الدولة المدنية (المواطنة ، سيادة القانون، الحرية واحترام حقوق الإنسان، التداول السلمي للسلطة) سنلحظ بسرعة أن فكرها و معتقداتها يتعارض بشكل بين مع مقومات الدولة المدنية كما سيظهر لنا استحالة إيمانها بهذا المفهوم .

فالإسلاميون بصفة عامة يرون أن الدولة يجب أن تحكم بشرع الله وعلى المسلمين تنفيذه و يجب معاقبة المتمردين عليه ياقامة الحدود و القصاص من المعتدين ، و المعتدلون منهم كما سماهم الأستاذ الساسي يدعون إلى دولة مدنية حسب زعمهم تقوم على التسامح فيطبق على المسلمين شريعتهم و لايلزم بها غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى لان لهم شرعا مختلفا و لا يجوز حسبهم أن يتولى أمر الدولة أو الحكومة امرأة أو غير المسلمين لأنه لا ولاية لذمي على مسلم و لا ولاية لامرأة على رجل ، و هو شيء يهدد وحدة الدولة و تناسقها و يلغي حق الاختلاف و حق الأخر في تدبير الدولة ويجعلها حكرا على تيار معين دون أخر و ينسف أركان الدولة المدنية بمعناها الكوني القائم على حماية وحدة الدولة مهما تعددت مرجعيات المواطنين الدينية و الثقافية.

إن الدولة المدنية هي التي تقوم على ركنين أساسيين : القانون الوضعي و عدم التميز بين المواطنين لا على أساس ديني او عرقي او ثقافي ، و هي بذلك الدولة القادرة على استيعاب الجميع و على حماية الحقوق و المواثيق الكونية المؤسسة لذلك و هي الدولة المستجيبة لشروط العصر و التطور الإنساني الغير القابلة للتوافق او التعديل فهي دولة المواطنة و الكرامة و التي لا تعتنق دينا او معتقد بل تجعل القانون أسمى ما بها و الديمقراطية الشمولية أساسها الذي تقوم عليه و هي السبيل لبناء الوطن الذي يعتز كل أبناءه بالانتماء إليه .

عضو اللجنة الادارية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

‫تعليقات الزوار

6
  • maria casawia
    الإثنين 21 أكتوبر 2013 - 15:33

    ايها الاتحاديون: فاتكم القطار
    اردتم السيطرة على كل دواليب الادارة بتشغيل ابنائكم في المناصب الممنوحة لعموم المواطنات والمواطنين فلفظكم الشعب عبر صناديق الاقتراع الشفافة و اتى بغيركم

  • said
    الإثنين 21 أكتوبر 2013 - 15:49

    دخلت موقع حزب البديل الحضاري، وهو حزب إسلامي مغربي محظور،فاقتبست منه على سبيل المقارنة مع ما جاء في المقال هذا الميثاق :
    يقول الميثاق:
    " • إننا نؤمن بالحرية لنا ولشعبنا ولكل الناس حرية الإيمان والاعتقاد..
    • إننا نؤمن بالمساواة التامة والمطلقة بين جميع الناس على تعدد أعراقهم ولغاتهم وأديانهم ..مساواة مرتبطة بالأصل الإنساني الواحد..
    • إننا نؤمن بالديمقراطية أساسا لإدارة التعددية والاختلاف ..ديمقراطية يتساوى فيها جميع الناس أمام القانون الذي ارتضوه لأنفسهم ..
    • إننا نرفض العنف بكل أشكاله . عنف الدولة وعنف الأفراد والجماعات.
    • إننا نرفض منطق الاحتكار.. احتكار الدين .. احتكار الحقيقة.. احتكار العمل السياسي.
    • إننا اجتهاد في إطار الإسلام لا ندعي تمثيله ولا التكلم باسمه ولا احتكار فهمه.
    • إننا نؤمن أن القيم الإسلامية لا تتعارض مع القيم الإنسانية.
    • إننا اخترنا المرجعية الإسلامية والحكمة الإنسانية مرجعية مزدوجة ومنسجمة في آن واحد لتفكيرنا وسلوكنا.
    • إننا نعتبر أن الدين الإسلامي لا يعطي شرعية لأحد.
    • إن مركز الثقل في مشروعنا الحضاري هو مصالحة الدولة مع الأمة.
    • إننا إسلاميون ديمقراطيون.."

  • abdelaziz
    الإثنين 21 أكتوبر 2013 - 21:32

    salam aycom
    je veux juste rappeler l'écrivain de cet article que sa vision ou sa définition pour l'Etat civil (addawla al madaniya) n'est pas loin de la définition donnée à la laicité ( séparation de religion et état ),comme le ; modèle français; ce que je peux dire que chaque état a sa particularité et son histoire , donc au Maroc on ne peut pas , et on aucun cas parler d'état civil sur modèle français ou américain ou même libanais, chaque état doit inventé et innover pour choisir son mode de gouvernance, . la solution donc est la concertation de tous les expérimentés de la politique , du droit, d'éducation pour batir un modèle qui peut sortir le pays de la crise ( politique, économique, idéologique, éducative, …)sans influence de qui et de quoi que ce soit;
    c'est un appel d'un jeune marocain, qui veux que son pays va devant, , , , ,

  • هل الدول الغربية مدنية؟
    الثلاثاء 22 أكتوبر 2013 - 00:12

    يوم نجد حاكماً مسلماً على رأس دولة غربية من الممكن أن نصدق مثل هذا التحليل لمفهوم الدولة المدنية.

  • الدمرياط
    الثلاثاء 22 أكتوبر 2013 - 00:17

    هل من حق الشعب أن يستفتى في شكل الدولة التي يريد أم الدولة المدنية كما يراها الكاتب هي قدر لا يناقشها شعب إلا أن يتخلى مسبقا عن انتمائه الاسلامي الله يعلم أنكم تقصون ملايين من هذا الشعب وتعيبون على الاسلاميين أنهم يقصون أقلية مسيحية أو يهودية. ثم أما بعد إذا لم توافق الساسي على الحلول التوفيقية فهل تريدها حربا بين أبناء الشعب الواحد؟

  • elyoussi
    الثلاثاء 22 أكتوبر 2013 - 00:58

    هذا هو التعريف الوحيد والاوحد ل"الدولة المدنية" وغيره مجرد خداع ومناورات و سفسطة !
    ( تساؤل بريئ لا علاقة له بالموضوع : كيف لكاتب بهذا الحجم ان يستمر في حزب اوصله قياديوه الجدد الى حالة الاحتضار ?!!! ).

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات