الإصلاح المؤسسي الشامل.. Trop beau pour être vrai..

الإصلاح المؤسسي الشامل.. Trop beau pour être vrai..
الإثنين 21 مارس 2011 - 06:13

إذا كان هناك تخوف على الثورة في مصر وتونس من أن تتم سرقتها أو الالتفاف عليها من طرف فلول النظام السابق، فإن الخوف على ما جاء في خطاب 9 مارس هو من الحاشية التي أصبحت تستأثر وحدها بظل المظلة..


حيثما وليت وجهك هذه الأيام إلا وتسمع أو تقرأ كلاما عن مفاعيل “الثورة العربية”، ونصيب المغرب منها، بل أكثر من ذلك انطلق نقاش عمومي صاخب، وخاصة بعد الخطاب الملكي “المفاجئ” أولا بحجم الخطوات “الإصلاحية” التي بشر بها، وثانياً بتوقيته غير العادي، وهو نقاش لم يرتق -بكل أسف- وفي جميع الأحوال إلى مستوى حساسية المرحلة.


من المؤكد أن التاسع من مارس مثل لحظة مفصلية سيتحدد بناء عليها شكل مغرب المستقبل، لكن هذا لا ينبغي أن يدفعنا إلى الإفراط في التفاؤل، لأن التجارب علمتنا أن بين القول والفعل، ما بين الأرض والسماء، وليس هذا تشكيكاً إطلاقاً في صدق الإرادة الملكية، بل هو خوف مشروع من “البطانة” التي عادة ما تتكفل بالتفسير والتأويل وحتى “التنقيح”..


لكن دعونا أولا نسجل بعض المعطيات حتى تكون علامات على طريق تحليل ما حدث وما هو آت:


– إن ما نشهده اليوم في من تغييرات، لم يكن ليخطر على البال خاصة بعد أن “استقر” الوضع لمهندسي المرحلة الذين دفنوا السياسة عميقا تحت الأرض، وتفرغوا للتمدد في كافة الاتجاهات، بعد أن تيقنوا بأن المغرب الذي يوصف عادة بأنه “استثناء” في محيطه العربي، لم يشذ عن القاعدة التي تجعل السياسة ضمن آخر اهتمامات المواطن المنشغل أساساً بالجري خلف الخبز اليومي، وبأمنه الشخص المباشر في ظل حالة الانفلات غير المسبوقة..


– إن ما حدث في تونس ومصر لم يكن ثورة بالمفهوم الاجتماعي والسياسي لهذه الكلمة، بل كل ما في الأمر أن النظامين انتهى عمرهما الافتراضي، بسبب الفساد المستشري الذي وصل حد “السيبة”، ولأن الفساد لا ينتشر إلا مع الخوف، فبمجرد ما انهار جدار الرعب الذي شيده النظامان الشموليان، تهاوت كل الأصنام..ثم إن الثورة مشروع بديل مناقض لمنظومة قائمة، وهو ما لم يتوفر في البلدين معاً، بدليل المخاض الذي نتابعه يوميا..حيث مازال الجميع يتلمس طريقه نحو المستقبل..


– لو حدث ما حدث في الشرق قبل عشر سنوات، لما كان هناك صوت واحد قادر على التخويف من تكرار نفس السيناريو بالمغرب، على اعتبار أن البلد كان قد دخل فعلا مرحلة جديدة من تاريخه السياسي، وكان على وشك إنجاز انتقال ديموقراطي حقيقي، لولا أن مهندسي المرحلة ارتأوا – بقصر نظر لا يحسدون عليه- أنهم أمسكوا بكافة الخيوط، وأن أمامهم “عمراً مديدا” من الانفراد والارتجال، حتى أصبحنا أحيانا أمام تكرار لكثير من صور تسلط الماضي، لكن دون أن نفهم هل نحن أمام “اجتهادات/عنتريات فردية”، أم “سياسة/انتكاسة عامة”..


– من المستبعد أن يصبح في المغرب جماعة 20 فبراير في مواجهة جماعة 9 مارس، كما يخطط له البعض، على غرار 8 و 14 آذار اللبنانيتين، لسبب بسيط، هو أن معركة الإصلاح السياسي لن تكون بين هؤلاء في نهاية المطاف، بما أن الفيسبوك سيظل في كل الأحوال عالما افتراضياً بعيدا كليا عن الواقع على الأرض..


– إن التطورات الأخيرة، لا تنزع عن الدستور المغربي صفة “المنحة” التي رافقته منذ صدور أول “طبعة” منه في بداية الستينات، والفرق الوحيد أننا سنكون هذه المرة أمام لجنة معينة، هويات أصحابها معروفة، عكس ما كان عليه الأمر في السابق، حين كان الملك يعلن التعديلات الدستورية عبر خطاب متلفز، ثم يهلل لها الإعلام العمومي على طريقة “اكذب.. حتى يصدقك الناس”، ثم تتولى “أم الوزارات” عملية كتابة سيناريو وتمثيل وإخراج مسرحية الاستفتاء..لتأكيد حالة “الإجماع الوطني”الموهوم..ولا أظن أن نزول بضع عشرات أو مئات أو حتى آلاف من “الشباب” إلى الشوارع، أو توزيع منشورات “إلكترونية”، سيغير من واقع الحال شيئا..


إن هذه المعطيات تظل ضرورية لفهم السياقات التي ستحكم المرحلة الراهنة وما سيليها من تطورات مازالت في رحم الغيب، وسيكون من العبث ادعاء القدرة على قراءة المستقبل في ظل الضبابية التي نعاينها حاليا، والتي مردها أساسا إلى وجود انطباع قد يتحول قريبا إلى حقيقة واقعة، يتمثل في وجود أكثر من مركز قوة داخل دهاليز صناعة القرار..وهو ما يفسر حالة التخبط التي كثيرا ما أجهضت في السابق أوراشا إصلاحية وسياسية لا تقل أهمية عن الأوراش الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب في العقد الأخير..


ولنبدأ من حيث ينبغي البدء..


هل كان نزول الشباب في 20 فبراير وتكرار الاحتجاج كل نهاية أسبوع بعد ذلك، سببا في الخطوات المتسارعة التي تم اتخاذها :الانسحاب من “التجارة الداخلية” والقطاعات المالية والإنتاجية، فالإعلان عن فتح أبواب السجون والإفراج عن كثير من المحكوم عليهم وفق التعليمات وليس بناء على نتائج التحقيقات، ثم التعديلات الدستورية الجذرية…؟


في اعتقادي المتواضع أن ما جاء في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس، لم يكن وليد يوم وليلة، ولا عملا متسرعاً مرتجلا من وحي اللحظة، بل أدعي أن خطوطه العامة ربما اختمرت منذ زمن، لكن “الاجتهادات” الخاطئة والنصائح المضللة لبعض مهندسي المرحلة هي التي أوقفت السيرورة التي رافقت عملية انتقال العرش حيث إن الجميع كان يتوقع إطلاق إصلاحات سياسية شاملة قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2002، لتتويج مرحلة انطلقت في أواسط التسعينات، وعلى أمل وضع العهد الجديد بصمته على دستور مغرب الألفية الثالثة.. لولا أن “البطانة” لم تستوعب أن مستقبل البلد أكبر من كل الطموحات الشخصية الضيقة، والمعارك الصغيرة، والحروب المجانية على المواقع تحت المظلة، والتي وصلت في لحظة من اللحظات إلى حد الإيهام بوجود منافسة من نوع ما بين الوزير الأول والملك الشاب، وهو ما تمت ترجمته من خلال كثير من الإساءات للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، انتهت بإخراجه من الباب الخلفي بالشكل المهين الذي تابعناه..مع عزف نغمة “قطع الطريق” على عرف دستوري محتمل يقضي بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية..


و”قطع الطريق” هذا، سيتحول إلى لازمة متكررة لتبرير كثير من الممارسات التي عرقلت اندفاعة العهد الجديد، وأعادت الأوضاع عقودا إلى الوراء، بل أجهزت حتى على المكاسب السياسية والحقوقية القليلة التي راكمها المغرب خلال الخمسة عشر سنة الماضية، وأساءت إلى صورته ومصداقيته في المحافل الدولية، فقط لأن عينة “رجال الدولة” الذين جاءت بهم المرحلة عجزوا عن التأقلم مع حجم السلطات التي وجدوها بين أيديهم..ورحم الله الإمام عليا..فـ “من تولى ولاية رآها أكبر منه تغير لها”..


لقد أضاع المغرب عشر سنوات وزيادة في مرحلة انتقالية مملة وطويلة بدت بلا نهاية، وتحولت مع الوقت إلى نكتة لا تضحك غير مؤلفيها، خاصة بعدما استفاق كل الذين راهنوا على الاندفاعة “التحديثية” للعهد الجديد من مغاربة وأجانب، على تأسيس “الحزب الإداري الجامع المانع”، كتتويج معاكس لمسار طويل جدا من الإنصاف والمصالحة ومحاولات دفن الماضي، كان يفترض أن ينقل المغرب إلى مصاف دول الشمال، لا أن يخسف به إلا حضيض دول المشرق..


إن ما يبرر الشك المنهجي في المستقبل، والنظر إلى مشروع الإصلاح السياسي الملكي بنوع من الخوف والتوجس، هو أن كثيرين مروا بجانب الملفات الحقيقية التي يفترض أن تكون موضوع نقاش مفتوح وصريح..بلغة السياسة وأدواتها، وليس بالشعارات والاستعراضات والتعابير المحنطة المستمدة من سواء من قاموس “مولاي مصطفى”..أو من تركة “غيفارا”..


**هؤلاء خطر على المغرب..


لقد حذرت قبل سنوات أن الخطر الحقيقي على المغرب يكمن في زواج محتمل بين جزء من الطبقة السياسية، مستعد لبسط ظهره لكل راكب، بما أن سقف طموحاته لا يتعدى مصلحته الشخصية ولو في أضيق الحدود، وبين جزء من النظام لا يؤمن بالديموقراطية، ولا يتسع صدره لسماع رأي مخالف مهما كان وجيها..وهو الزواج الذي نتج عنه “الوافد الجديد” الذي كان ميلاده إيذانا بنهاية عهد السياسة في هذا البلد، ونعياً صريحا للإرادة الشعبية، ودفنا لكل التطلعات المشروعة في الحرية والعدالة والمستقبل الأفضل.


بصراحة، لا يمكننا اليوم الحديث عن أي أصلاح سياسي أو دستوري، في ظل استمرار الوضع على ما هو عليه، وفي ظل استمرار نفس اللاعبين في الإمساك بكافة خيوط اللعبة..


صحيح أن الإرادة الملكية كانت صريحة وواضحة وصادقة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، وهذه التفاصيل بكل أسف قليلون هم من يهتمون بها..رغم أنها قد تؤدي إلى إجهاض حلم شعب بأكمله، وإلى السطو على الإرادة الملكية وتحريفها، تماما كما حدث في السنوات الأولى من “العهد الجديد”..وكما حدث قبل ذلك في سنوات الرصاص، عندما كان رجال “الحاشية” يخترعون الأعداء ويحاربونهم باسم الدفاع عن الملك والملكية..


وأظن أن الأمر هنا يتطلب ربما تقديم مثال بسيط لهذه التفاصيل التي يستقر فيها شياطين الإنس، ممن لا تنفع معهم استعاذة ولا بسملة..فكلنا نعلم أن الملك لا يمكنه مثلا أن يطلع شخصيا على ملفات كل المرشحين لشغل الكثير من المناصب التي يتم التعيين فيها بظهير، وهذا واقع مشترك بين جميع رؤساء الدول حتى الديموقراطية منها، لأن التدقيق والتمحيص هو عمل الدائرة الضيقة لمركز صناعة القرار..


وهنا تبرز مثلا قصة الوالي جلموس الذي حمله كثيرون مسؤولية ما حدث في العيون من أحداث دامية، وما لحق جراء ذلك من ضرر بقضية الوحدة الترابية، فقد رأينا كيف تم إقحامه بعد ذلك ضمن لائحة التعيينات، وبشكل أوحى بترقية بدل محاسبة..


إن هذا المثال معبر للغاية، فالمسؤول الذي كان يفترض أن يحال على “محاكمة عسكرية” أو على الأقل على “كراج الداخلية”، تمت تزكيته وتقديمه من جديد أمام الملك، قبل أن تخمد نار “اكديم إيزيك” ربما ليساهم في إشعال حريق أخر في عبدة، لولا أن تعيينه “الجديد” لم يتعد مفعوله وكالة المغرب العربي للأنباء، حيث إنه لم يطأ آسفي ولو زائرا أو عابر سبيل، قبل أن يتم تعيين خلف له بعد أيام معدودة..


ألا نقول هنا على الأقل إن هناك من حاول وضع الملك أمام الأمر الواقع؟ ولا داعي بعد ذلك لطرح كثير من الأسئلة الأخرى الضرورية التي ليس أقلها : من هو المسؤول عن هذا “التفصيل” الصغير المسكون بالشياطين؟


** الإعلام العمومي..


لا يجادل إلا معاند في الإقرار بأن قناة “الجزيرة” ساهمت بقدر وافر في إسقاط كل من بن علي مبارك، حتى أن هيلاري كلينتون نفسها اضطرت للإقرار صراحة بأن هذه القناة أصبحت لاعبا أساسيا على المستوى الدولي وليس في حدود الشرق الأوسط فقط..


هذه الحقيقة، وحدهم الجاثمون على صدر الإعلام العمومي عندنا لم يدركوها، حيث مع مغرب كل يوم تقترب تلفزتنا أكثر فأكثر من القنوات الخضراء “الجماهيرية” تلفزات الأخ العقيد وفضائيات اليمن السعيد، بل إن صناع القرار اعتقدوا أن النماذج التي تقدمها القنوات “العمومية” لشباب مغربي بلا لغة ولا هوية ولا انتماء، هي السمة الغالبة في الشارع المغربي، وأن سقف الأحلام هو المشاركة في “ستوديو دوزيم”، بل حتى عندما تحركت جماعات 20 فبراير..ظلت المسلسلات التركية والكورية والأمريكية اللاتينية المدبلجة باللهجة المغربية طبقا يقدم يوميا للمشاهد، وكأن القائمين على الشأن الإعلامي يعيشون في كوكب آخر..


لم تصمد قنوات مصر – وهي بالعشرات- أمام تسونامي الجزيرة، فهل تصمد قنواتنا العشرة غير المبشرة ..في مواجهة من هذا النوع؟


لحسن الحظ أن “الجزيرة”، ومن يرسم خطها التحريري، لم تتحرك للرد على هرطقات “مسقط الطائرات” يوم أطلق النار على قطر وحريم حكام قطر..وإلا لكانت الخسائر أكثر من أن يحصيها العد..


فماذا يجدي إذن تعديل الدستور إذا كان الإعلام العمومي أول قلعة معاكسة للتغيير؟


ألا نتذكر كيف استضافت القناة الثانية، غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية مرشحا “مستقلاً” كل ما في حوزته ثلاثة مقاعد حصدتها لائحته، ومع ذلك تحدث كما لو كان خلفه 300 نائب ضمن أغلبية مريحة؟


في أي بلد يحترم نفسه، يمكن لقناة عمومية أن تتصرف وفق ما يمليه عليها مزاج أشخاص، وليس وفق ما تحدده الضوابط المهنية وتوجهات الرأي العام، ونتائج الانتخابات؟ ألا يمنح الإعلام الفرنسي العمومي فرصة حتى للحزب الذي يطالب بعودة الملكية للدفاع عن أفكاره؟ وهل هناك بلد في العالم يمكن أن يسلم مديرية الأخبار لمديرة لا تتكلم اللغة الرسمية للبلد؟


ثم ألم تكن الأنشطة الحزبية للتراكتور تنافس الأنشطة الملكية على الصفحة الرئيسية لموقع وكالة المغرب العربي للأنباء على شبكة الانترنيت؟ و…و…و…و…


** الحكامة الجيدة..


يفترض أن يقود التعديل الدستوري بداية ومنطقياً إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، بما أن نجاح الديموقراطية المحلية رهين بتوفر هذا العنصر..


لكن دعونا نتساءل على الأقل عن مفهومنا المغربي للحكامة الجيدة..


فالتغيير المأمول لن يحدث بمنطق “كن فيكون” أو بالضغط على الأزرار، ولو كانت المشكلة في النصوص القانونية، لتم حلها منذ قرون وليس عقود فقط..وإنما المشكلة في البشر الذين يترجمون هذه النصوص على أرض الواقع..


ولو طلب مني تحديد تعريف لـ”الحكامة الجيدة”، لقلت إن سكان الرباط مثلا لن يخسروا شيئا إذا حرموا من مشاهدة أفخاذ الليدي “جاجا”، وعجيزة شاكيرا هذه السنة..لكن سكان أنفكو وما جاورها وما ماثلها من قرى المغرب المنسي سيخسرون كثيراً إذا لم تتوفر الاعتمادات اللازمة لبناء مستشفيات ومدارس وطرق..


لكن هذا المفهوم يتناقض ربما جملة وتفصيلاً مع “المشروع المجتمعي” الذي بشرنا به مهندسو المرحلة، ولم نر من ثماره لحد الآن سوى صدر نانسي وسيقان هيفاء..وفلجة خالد وصلعة بلال..


** القضاء..والقدر..


طبل كثيرون للارتقاء المتوقع بالقضاء إلى “سلطة مستقلة”..وغاب عنهم هنا أيضا أنه حتى لو استوردنا التنظيم القضائي البريطاني بنقطه وفواصله، فإن المشكلة ستظل في البشر الذي يطبق النصوص..


وإذا كان المصريون يفخرون بأنه حتى لو لم يكن لديهم قضاء مستقل، فلديهم على الأقل قضاة مستقلون، فإن الإشكالية التي ستظل عالقة قبل وبعد التعديل الدستوري عندنا في المغرب هي “السادة القضاة”..


لسوء الحظ أن النقاش المتصاعد منذ خطاب 9 مارس، ظل في غالبه نظرياً وبيزنطيا، وقد كان بالإمكان اختصار كثير من الوقت والجهد عبر اختيار نماذج لأحكام صدرت في قضايا “رأي عام” أو ضد صحف وصحافيين مثلاً، ومناقشة القضاة الذين أصدروها، لنفهم على الأقل هل نحن أمام ضعف في التكوين وجهل بالقانون، أم أمام شيء آخر…


وأظن أن نقاشا من هذا النوع سيقودنا حتما إلى تحديد موطن الداء، خاصة إذا أخذنا على سبيل المثال الأحكام الصادرة في الطعون المتعلقة بالانتخابات الجماعية الأخيرة، وعلى رأسها التفسير العجيب الذي أعطي للمادة الخامسة من قانون الأحزاب، حيث كنا في الواقع وربما لأول مرة في التاريخ أمام سلطة قضائية تعاكس إرادة السلطة التشريعية..


فأي إصلاح دستوري أو قضائي يمكن انتظاره من قضاة يتحركون وفق ما يمليه عليهم التليفون وليس القانون؟ وأية استقلالية يمكن أن يحققها القضاء، إذا كان كثير من رجاله ونسائه يقبلون التحول إلى أدوات لتصفية الحسابات الحزبية والشخصية الضيقة؟


** الإدارة الترابية..والإرادة الملكية..


سيكون من الوهم المطلق الرهان على نجاح ورش “الإصلاح المؤسسي الشامل”، في ظل استمرار نفس المنطق الذي يتحكم في ممارسات رجال السلطة، خاصة منهم الولاة والعمال.


لا داعي هنا لتوقيع شهادة وفاة “المفهوم الجديد للسلطة”، فقد أصيب بسكتة دماغية بعد كل الانتكاسات التي راكمها منذ الإعلان عنه قبل أكثر من عقد من الزمن..لكن دعونا نتوقف فقط عند بعض المؤشرات المعبرة..


فلا يمكن لأية خطوة إصلاحية أن تنجح في هذا البلد ما لم يتجند العمال والولاة بصدق للدفع بها إلى الأمام، وهذا واقع لا يرتفع..وأظن أن أول إشارة كان لابد من إطلاقها قبل الحديث عن تعزيز صلاحيات رؤساء الجهات، هي تطهير الإدارة الترابية من الأسماء التي لعبت نفس الدور الذي كان المحافظون يلعبونه في مصر لصالح مرشحي الحزب “الوثني” الديموقراطي..


وأظن أن اللطخة التي تسبب فيها هؤلاء خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، تتطلب إعمال مبدإ “التخلية قبل التحلية”، لأنه ما لم ترسل رسالة واضحة وصريحة إلى هذه الفئة من الموظفين النافذين، فالأكيد أن الدستور المعدل لن يكون سوى كتيب إضافي يزين رفوف الخزانات، بل قد يكون أقل حظا من مدونة الأسرة أو مدونة السير..


لقد شاهدنا خلال انتخابات 2009 كيف أن بعض الولاة والعمال تخلو عن واجب التحفظ الذي يفرضه عليهم موقعهم كممثلين للملك، وانخرطوا صراحة وعلنا في دعم مرشح على حساب آخر، بل لم يبق أمام بعضهم سوى ارتداء تي شورت “البام” والنزول إلى الشارع لتوزيع منشوراته الانتخابية..


إن هذا النوع من المسؤولين المحليين، خطر على الدولة أولا وقبل كل شيء..وفي ما حدث في مصر وتونس عبرة لمن يعتبر..وإن كان كافيا أن نتساءل عما إذا كان العمال والولاة يتعاملون بنفس الموازين مع “طلبات” تأتيهم من “البام” وأخرى ليس من حزب العدالة والتنمية، بل من حزب الوزير الأول نفسه..حتى لو تعلق الأمر بطلب الترخيص لتنظيم نشاط حزبي ..


**حان وقت السياسة..


إذا كان هناك من يعتقد أن خرجات وتحركات شباب 20 فبراير، يمكن أن تكون كافية وحدها لتحريك المياه الآسنة، فهو واهم..والأخطر من ذلك أن يعتقد هؤلاء الشباب أنهم أصبحوا فعلا يملكون مفاتيح التغيير..وأنهم يمثلون الشعب المغربي، أو أن من حقهم تقديم أنفسهم كبديل للبرلمان الذي يطالب بعضهم بحله..بدعوى أنه لا يتمتع بالصفة التمثيلية..


إن هؤلاء الشباب سيكونون أمام ثلاث امتحانات متتالية خلال الثمانية عشر شهرا القادمة، ليؤكدوا مدى إدراكهم لدقة المرحلة، وإتقانهم لأدوات “اللعبة” السياسية، وإلا فسيكونون مجرد موجة عابرة في تاريخ المغرب، مثل موجات الهيبي والهيب هوب..وما قبلهما وما بعدهما..


الامتحان الأول هو الضغط على لجنة المنوني من خلال تقديم أرضية واقعية وعملية للتعديلات الدستورية، تكون بعيدة عن الغوغائية والتهريج واستحضار شعارات ثقيلة على اللسان خفيفة في الميزان..


فاعتبار أن المؤسسات الحالية لا تمثل الشعب، أو أن الأعداد القليلة التي نزلت إلى الشوارع منذ 20 فبراير أخذت تفويضا على بياض من المواطنين المغاربة، هو نوع من الطيش السياسي الذي لا تسمح به هذه المرحلة المفصلية في تاريخ المغرب..


الامتحان الثاني هو الاستفتاء على الدستور، حيث سيظهر مدى العمق الشعبي الذي يتوفر عليه شباب 20 فبراير، ونسبة المشاركة ستكون كلمة الفصل.


فسواء رفض هؤلاء التعديلات أم وافقوا عليها، فإن قدرتهم التعبوية والتأطيرية ستكون على المحك، لأنهم إن نجحوا في دفع الكتلة الناخبة إلى المشاركة بكثافة سواء للتصويت بلا أو بنعم، فإن ذلك سيعتبر مؤشراً تنبغي مراعاته في الخطوات اللاحقة، وسأكون سعيداً لو نجح هؤلاء الشباب في إسقاط الدستور عبر صناديق الاقتراع، بدل إطلاق التهديدات الفارغة بـ”تحريك” شارع مصاب أصلا بالشلل..


الامتحان الثالث وهو الأهم، يتمثل في الانتخابات التشريعية لسنة 2012، والتي ستحدد مصير مغرب المستقبل..فإذا كان شباب 20 فبراير واثقين من قوتهم التنظيمية، فلماذا لا يؤسسون حزباً -أو أحزابا-، خاصة وأن الإدارة لا يمكنها أن تحرمهم من هذا الحق، ثم يخوضوا الانتخابات، وإذا احتلوا المرتبة الأولى يقودوا الحكومة..فالمعادلة بسيطة للغاية، وتجار الانتخابات سيسقط في أيديهم حين تتجاوز نسبة المشاركة 70 أو 80 في المائة، لأنه لا يمكنهم شراء مئات الآلاف من الأصوات خاصة إذا تغيرت قواعد اللعبة، كما أن السلطة في أحسن الأحوال لن يكون في مقدورها أكثر من الاستمرار في حيادها “السلبي”..


‫تعليقات الزوار

13
  • Mohamed
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:31

    très bonne argumentation, le discours royale a donné une vision d’une reforme profonde qui peut changer les équations du Maroc de demain avec une vraie démocratie à la Marocaine, vaut mieux contribuer à la réalisation de cette constitution au lieu de manifester pour manifester et attendre la baguette magique faire tout le boulot.
    a mon avis ils veulent pas participer pour fuir à tout responsabilité dans le futur proche, pas très noble comme attitude, critiquer tout le monde peut le faire, mais participer et construire juste les brave et les sage peuvent les faire.

  • marocain
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:37

    d’abord je salue très fort l’auteur de ce -chef d’œuvre- car je le trouve ainsi, croyez moi je trouve que Mr a très bien analysé la situation,l’entourage du roi est le principal problème
    a mon avis modeste il faut y aller lentement mais surement, que d’y foncer a fond et rater le tout
    tous pour un maroc digne de son nom et son histoire..

  • marocaine
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:29

    on dit trop beau pour être vrai
    et non bon

  • jose
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:33

    نقول للحكام…مفتوحة أمامكم سبيل عمر بن عبد العزيز، توبوا إلى الله، ارجعوا إلى الله، إننا لا نطلب الحكم للحكم، وإنما نريد أن نقيم حكم الله في الأرض، لا يعنينا من قام به، قوموا به أنتم نبايعكم، أحقوا ما أحق الله، أبطلوا ما أبطل الله، فإن لم تقدروا فحاولوا نعذركم، فإن لم تقدروا أن تحققوا ولا أن تحاولوا ثم تماديتم في قمع الحركات الإسلامية فأبشروا بالويل والدمار في الدنيا وبخزي الله في الآخرة…

  • hassa h
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:15

    يقول كونفشيوس : “أحكم الحكماء ؛ الزمان”
    الزمان أو الزمن اليوم هو التغيير في العالم العربي ، فالثورات لن يستطيع أن يوقفها اليوم أحدا سواء كانوا أفرادا أو لوبيات ..لأنه ببساطة الشعوب عرفت الطريق ، وقررت أن تأخد تقرير مصيرها بيدها ، ومصممة على الهدف.
    وساااااادج من يعتبر أن الشعوب سادجة .

  • كريم
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:17

    لا أتفق معك فقط في أمر واحد في مقالك كله. وهو عندما تقول إذا كان شباب 20 فبراير بالقوة التي يعتقدونها فليسقطوا الدستور عن طريق الانتخاب، أو فليكونوا حزبا وليفوزوا بالانتخابات ويكونوا الحكومة. كما يقول المصريون “كان غيرك أشطر”. المشكلة ليست في تكوين حزب أو في تعبئة الشعب والمشاركة الفعالة، المشكلة ياسيدي في نزاهة الانتخابات والاستفتاء والاليات المتبعة لضمان حياد واستقلالية الدولة. فهل تستطيع ان تضمن لي هذا. سنقوم بتعبئة الشعب وستكون مشاركة واسعة وستزور الانتخابات او الاستفتاء، وعندما تحتح على التزوير يتهمونك بالعداء للديموقراطية وعدم الرضوخ لصوت الاغلبية لنبدأ مسلسل جديد عمره 30 او 40 سنة أخرى. لا ياسيدي إذا لم اكن متأكدا من نزاهة الاستحقاقات فلن أشارك فيها.

  • kamal*//*كمال
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:23

    كمثال لتفسير الحكامة الجيدة، يذكر المحلل المهرجانات و الأموال المخصصة لها مقابل الاستثمارات المخصصة لمشاريع اجتماعية، وهذه مسألة يُمكن لمُخالف في الرأي طرح تبريرات لها كتشجيع السياحة الداخلية، تشجيع الاستهلاك المقوي للإنتاج في بعض الميادين، القيمة المضافة المباشرة والغير مباشرة التي تصاحب تجمعات مُستهلكة (مهرجانات أو غيرها) الخ….
    المشكل في الحكامة الجيدة يكمن أساسا في تسيير الاستثمارات، تسيير ميزانيات المؤسسات العمومية، صرف الميزانيات الضخمة، مطابقة الوثائق لما يجري في أرض الواقع من تعاملات مالية، مدى تطبيق مبادئ الشفافية في التسيير المالي، درجة الوعي بالمسؤولية عند المسؤولين الذين من المفروض أن يحرصوا على حُسن تبدير المال العام بدل الاهتمام فقط بالتسيير المُعتمد على “الماكياج” و عِوَض التركيز فقط على استغلال النفوذ الإداري لخدمة مصالحهم الخاصة و للحفاظ على كراسيهم أطول مدة ممكنة.
    المشكل في الحقيقة يتجاوز السياسي، إذ أن السياسي يتضمن أجهزة رقابة و تفتيش ووو
    المشكل مشكل بشري بالدرجة الأولى.
    فهل البشر، رؤساء و مرؤوسين، مواطنون يحبون الخير لبلادهم، أم هَمُّهم الوحيد هو “بعيدا عني و انفجر” و “مالك تمشط للقرع”.
    في تصريح للبرلمان، أواخر الأسبوع الماضي، للسيد الوزير كريم غلاب، قال وهو يتحدث عن فضائح المكتب الوطني للمطارات أنه لم يتوصل برسائل مكتوبة و موقعة…
    أولا، إن توصل الوزير برسالة من مستخدم، فأي ثقل سيكون للرسالة مقارنة مع رُزامة من التقارير التي تفبركها آلة إدارة المكتب الوطني للمطارات و هي تعتمد على استراتيجية “الماكياج” المُقَنَّن في التسيير؟
    ثانيا، و هذا أخطر، ماذا يمكن فعله وزير يَبْعُد عن الآلة الإدارية للمؤسسة التي تتعمد على مجموعة من المُسَخَّرين و المتعاونين و تُبْعِد من صدرت و تصدر منه رائحة النزاهة في العمل و الحرص على كتابة تقارير كتابية؟
    يرسل الوزير لجنة تحقيق، فليفعل؛ التبريرات موجودة بكثرة (يكفيه قراءة جواب المدير العام السابق على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، و يكفيه قراءة التقارير التي قد تكون طُبخت لبناء تلك الأجوبة التبريرية).

  • محسن
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:27

    تحية لمولاي التهامي
    لا شك أن ما تقوله هو اغلب ما تقوله الطوائف الوازنة في حركة 20 فبراير
    ولا شك ان الصورة التي تظهر للغالم عن الاصلاحات المغربية صورة براقة اخاذة لان صناع القرار المغربي يتقنون فن الاشهار والتسويق لهذه الاصلاحات المزعومة والمخزن المغربي يعمل بالمقولة الشهيرة “لا تبدأ بقطع الثمار فبل النضج ولكن اتركها لتنمو وتكبر ثم اقطفها هنيئا مريئا”

  • حمزة
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:25

    السلام عليك ايها الاخ الكريم فعلا النص جميل و كل ما دكرت و ما قلت فهو امر واقعي بدون ان نربط ونحكي كل ما حصل في تونس و مصر و ليبيا و الاتي فهو على طريق نعم الان يجب علينا ان نكون ادكياء و خطاب ملكنا الحبيب و نحن نعرفوفه جيدا انه يقول ما سيفعل بادنه الله رجل كلمة بدون نقاش نعم حان الوقت للتغير و قد سامنا و تعبنا نعم حان الوقت لشباب 20 فبراير المثقف ان يحل محله ظمن الانتخابات القادمة بحل او تكوين حزب او احزاب لها علاقة مع ملكنا قد حان الوقت وعليكم ايها الشباب ان تكونوا في المستوى المطلوب نعم شباب الجهات 12 كل واحد له مهمة خاصة للنهوظ بالديمقراطية والتعديل الدستوري هو معنا الان وسيعطنا الانطلاقة الصحيحة نحو مستقبل جميل نعم ايها الشباب اجوكم قوموا و اعملوا بنظام و انتظام و في صمت بدون كلام نعم حان وقتكم و عاهلنا معكم من اجل الرقي و الازدهار نعم قفوا وقفة رجل و احد و الى الامام دون ان تنظروا الى الوراء سيروا بثابت راسخ دعوا الى الاصلاح لا لتخريب و الماضي فات و الماضي فات و النظر الى المستقبل الزاهي

  • mourad
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:21

    واسير ف حالك !
    الطاعون راه فيه غير طاء وحدة وكيقتل.

  • lalla batoul
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:35

    c vrai? on dit Sa? vous etes vraiment obligatoire !

  • hassan zagora
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:19

    لا يمكن التغيير في المغرب الا بتغيير العقليات وهذا لا يمكن ان يتك ي 4 اشهر لان النحث على العقول دام عقودا
    نحن امام شكلة حقيقية من سيسوط على الدستور الشعب المغربي
    ان الشعب المغربي موجود فى القرى والمداشر ومتحكم في ارادتة وحركة 20 فباير بالنسبة لهذه الفئة طائشون فكل تغيير اوتعديل في الدستور-ولو قام به انبل رجل في تايخ البشرية- لا يلائم اصحاب الشكارة يحابونه في الصناديق
    يب ان نتفق على الحد الادنى المتفق عليه في انتظار نضوج الظروف وتغيير العقليات وذلك في الانخراط الفعلي في الجمعيات والنقابات والاحزاب والعمل على التوعية
    ان الماء ضروري لحياة الانسان لكن عندما تجترعه دفعة واحدة قد يصيبنا بذبحة

  • chamal
    الإثنين 21 مارس 2011 - 06:39

    la democratie est le réve de toutes les nation, mais il faut travailler d’abord dans le fond et non pas la forme; il ne faut pas imiter ni calquer sur les autre; nous avons notre propre histoire et nos éxperiences,on dit: ROME NE S’EST PAS FAITE EN UN JOUR.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة