"الإنصاف والمصالحة" .. نهاية أم إنهاء؟

"الإنصاف والمصالحة" .. نهاية أم إنهاء؟
الجمعة 10 يناير 2020 - 04:59

أصدرت وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، تقريرا معنونا بـ: “مُنجز حقوق الإنسان بالمغرب التطور المؤسساتي والتشريعي وحصيلة تنفيذ السياسات العمومية بعد دستور 2011″، يحتوي على 263 صفحة، بتاريخ: 9 يوليوز 2019. وبعد 172 يوما (4 أشهر و50 يوما)، وقمنا من خلاله بتقديم قراءة جزئية تحت عنوان: “الحقيقة الغائبة أم تغيب الحقيقة: قراءة أولية في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ضمن تقرير منجز حقوق الإنسان بالمغرب لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان”، بتاريخ 31 يوليوز 2019.

غير أنه تم إصدار تقرير آخر جديد بتاريخ 27 دجنبر 2019 معنون بـ: “تقرير حول منجز من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة”، من لدن المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، والذي يحتوي على 126 صفحة، مقسمة على خمسة أقسام أساسية تتعلق بتقييم مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من حيث التأصيل الدستوري لتوصيات العدالة الانتقالية ومنجز الإطار القانوني، وباقي الإصلاحات الجارية في نطاق الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم العدالة الانتقالية والوضع الخاص للأقاليم الجنوبية الصحراوية وأخيرا، القيمة المضافة للتجربة الوطنية في العدالة الانتقالية.

لا أحد يجادل عن القيمة العلمية والفكرية التي يتضمنها التقرير من خلال محاوره الأساسية وبنيته القانونية والمؤسساتية، وبه يعد التقرير ضمن أحد المجهودات الأساسية والمؤسساتية التي قام بها المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، وعليه يمكن تقديم جملة من الملاحظات التي تستدعي الانتباه الاهتمام والبحث في بعض جوانبها الأساسية التي أشار إليها التقرير وهفواته التقنية، فأهميته تتجلى بعد تفعيل دستور 2011 والذي اعتمده التقرير في مختلف الجوانب، وما تم تنزيله في ظل تجربة العدالة الانتقالية المغربية، وبهذا سنقدم قراءة بسيطة ليست على التقرير برمته بل لبعض أجزائه.

وذلك من خلال أربع ملاحظات أساسية:

الملاحظة الأولى: تتجلى بالأساس حول التذكير بتوصية هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال استجلاء وكشف الحقيقة التي عملت من خلالها الهيئة في كشف مصير 742 حالة من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة و66 حالة عالقة، تجتمع فيها العناصر المؤسسة للاختفاء القسري، حيث أوصت الهيئة بمتابعة الكشف عن مصيرها.

فقد تمكنت لجنة المتابعة في تنفيذ توصيات الهيئة في تقريرها لسنة 2010 على كشف 58 حالة، أي كشف 44 حالة في المرحلة الأولى و 14 حالة في المرحلة الثانية، وظلت في التقرير الصادر عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا 8 حالات لم يتم استجلاؤها أو الكشف عنها. غير أن قراءة التقرير من الصفحة 158 إلى165 نجد 9 حالات عالقة. وهي حسب التقرير تتضمن الأسماء التالية: (1.عبد الحق الرويسي، 2. المهدي بنبركة،3. الحسين المانوزي، 4. أتكو أحمد بن علي، 5. أكودار اليزيد، 6. الوسوليعمر، 7. الصالحي المدني، 8. إسلامي محمد، 9. عبد الرحمن درويش).

الملاحظة الثانية: تتجلى في التناقض بين التقارير الرسمية، إذ يُلاحظ على ما تضمنه التقرير المنجز الصادر من لدن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يؤكد في الموضوع نفسه: “كشف مصير 803 حالة من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة” يوم 20 دجنبر 2017. أما تقرير الوزارة من خلال العبارة التالية: “كشف مصير 801 متوف من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة” الصادر بتاريخ: 9 يوليوز 2019. وتقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان يقر بـ “كشف مصير 805 متوفين من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة” الصادر بتاريخ 27 دجنبر 2019.

الملاحظة الثالثة: يُستنتج على أنه يجب إيجاد حل للمعادلة التالية وفق إحصائيات رسمية:

✓742 هو العدد الإجمالي الذي كشفته هيئة الإنصاف والمصالحة.

✓66 هو العدد الذي قدمت من خلاله هيئة توصية في شأن متابعة البحث والتحري في شأنها. (تم كشف 64 حالة).

✓02 هو العدد الحالي الذي بقي عالقا ولم تتمكن التحريات من الوصول إلى حقائق مؤكدة (إسلامي محمد وعبد الرحمن درويش)..

إذن، إذا تم أخذ 742 وأُضيف عليها 66 حالة عالقة تساوي: 808 هو العدد الإجمالي لاستجلاء وكشف الحقيقة في شأن مجهولي المصير إثر الانتهاكات السابقة وفق مقاربة العدالة الانتقالية بالمغرب باستثناء حالتين.

(742+66)= 808 – 02=806

وعليه، يُستنتج أن 806 هو العدد الإجمالي في شأن كشف واستجلاء الحقيقة لمجهولي المصير بمفهوم المخالفة، غير أن المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أقر بكشف مصير 805 متوفين ولم يتبق إلا حالتين (2) بناء على المعطيات المتوفرة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ويلاحظ من خلال هذه المعطيات التي قدمها المندوب الوزاري على أنه لم ينتبه إلى سقوط ضحية (1) من المجموع الاجمالي الذي يتجلى في 807.

805+2= 807

الملاحظة الرابعة: تتجلى في الأعمال المنجزة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث يقر المندوب الوزاري على إنجاز المجلس عبر لجنة تتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وإلى حدود 20 دجنبر 2017 من حيث إقرار وكشف الحقيقة التي استند عليها المندوب من خلال التقرير الصادر في 27 دجنبر 2019.

غير أنه، إذا تمت العودة إلى تاريخ 20 دجنبر 2017 الذي أصدر فيه المجلس تقريرا معنونا بـ: “مُنجز المجلس الوطني الإنسان 2011-2017″، لا يتضمن المعطيات نفسها في مجال كشف الحقيقة حيث يقر للتذكير فقط، “كشف مصير 803 حالات من ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة”. ولم يُشر إلى الحالات العالقة، بينما تقرير المندوب الوزاري يقر على كشف مصير 805 حالة وحالتين عالقتين. واكتفى المندوب الوزاري بنفس المعطيات المتعاقبة في التقارير خصوصا في مجال استخراج الرُفات 185 متوفي وتحديد أماكن دفن الرفات لـ 385 حالة.

أما على مستوى الإدماج الاجتماعي والتغطية الصحية والتسوية الإدارية والمالية لم يتضمن التقرير أي معطيات جديدة سوى تكرار نفسها، ولم يتضمن التقرير أسماء الضحايا الذي تم استجلاء وكشف حقيقة مجهولي المصير، وهل تم العثور على رفاتها وما هي الإجراءات المتخذة في إخبار وإشراك ذويهم ومختلف الحركات الحقوقية؟ ومن المسؤول عن اختفائها طيلة هذه المدة الزمنية والأسباب التي أدت إلى ذلك؟

الملاحظة الأخيرة: تتجلى في عدم إدراج مجموعة تلاميذ “أهرمومو” وذوي حقوق المتوفيين منهم، إلى جانب محتجزي تاكونيت ومحتجزي البوليساريو الذي أقرت هيئة الإنصاف والمصالحة خلال ولايتها بعدم الاختصاص، ضمن تقرير المندوب الوزاري علما أنهم استقبلوا من لدن السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الأربعاء 7 غشت 2019 بمقر المجلس بالرباط الذي تلقوا من خلاله مقررات تحكيمية تتضمن تعويضات مالية لـ 367 مستفيدا.

*باحث في العلوم السياسية – كلية الحقوق – أكدال الرباط

‫تعليقات الزوار

3
  • Khadija
    الجمعة 10 يناير 2020 - 06:59

    انا اتساءل فقط لماذا الدولة ستورط نفسها ب ضحايا الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي أو الأشخاص المتوفين خلال أحداث اجتماعية مختلفة. صراحة انا اعرف اصلا من وراء هذا, الدولة عادة تعتقل المتظاهرين علنا و يمرون من محاكمات يتم تتبعها من طرف المهتمين. اما الاشياء الغامضة و خصوصا خارج ارض الوطن مثلا في باريس, فتبقى مجهولة, مثلا اختطاف المهدي بنبركة, لا احد يعرف بالضبط من وراء اختطافه و قتله, الا الله. او ناخذ مثلا محسن فكري, هل المخزن هو الذي طحنه في حاوية القمامة, المخزن اصلا ليست في مصلحته خلق كل هذه البلبلة, في اوقات حرجة. يمكن لاي تيار معارض ان يفعل ذلك و يتهم المخزن, بما ان الاعداء محاطين بالمغرب من كل جانب. هناك عجز ادولة في اظهار الحقيقة, هذا لا يعني انها متورطة, انا شخصيا انئى بنفسي باتهام اي احد, اذا لم تكن لدي معلومات دقيقة جدا, لان هناك من يركب على ذلك للترويج لاديولوجيته, فاذا اختطف اي شخص يتم اتهام المخزن مباشرة بدون اي تردد. محسن فكري مثلا ليس المخزن هو الذي قتله, و تم فبركة فيديو يصيح فيه شخص مجهول "طحن مو" على اساس انه واحد من "المخزن" لتاجيج الاوضاع في الحسيمة.

  • Khadija
    الجمعة 10 يناير 2020 - 07:24

    عندما بدات التحريات عن من قتل محسن فكري و اتضح ان المخزن لم يقتله, طلع علينا نفس الاشخاص و الهيئات بادعاء انه لا يوجد اي دليل على قتله, بل هو من رمى بنفسه في حاوية القمامة "انتحارا" من اجل سمكه المهرب, لانه راس ماله الوحيد, لان الدولة ظالمة و لا توفر عملا للشباب الضائع و انهم مضطرون للعيش على التهريب او الهجرة السرية, بينما هي تتنعم في خيرات و ثروة الشعب… الفوسفاط و جوج بحورا…

    جوج بحورا خواو من الحوت بسبب الاستغلال المفرط من طرف كبار البواخر العالمية و الفوسفاط, راه ماشي بحال البترول و الغاز الطبيعي, التي تنعم بها جنرالات الجزائر و المرتزقة و "ايات الله" المبجلين في ايران. و لعلمك المغرب ليس معروفا عالميا بخرق حقوق الانسان, ايران هي المعروفة بهذا الامر, زد عليها الجزائر و مؤخرا تركيا, التي اراد اردوغان تصفية حساباته مع خصومه و "تنظيف" تركيا منهم بشكل نهائي, لانهم يهددون استقرار تركيا بالانقلاب العسكري, كما يقول الاتراك انفسهم. ا لمغرب كان معروف مثلا ب"تزمامارت" و هو سجن قاس حسب معايير قديمة جدا, مثل سجون المنصور الذهبي, لانهم خونة و ارادوا قتل الحسن الثاني في عيد ميلاده, كما يقال

  • موحند
    السبت 11 يناير 2020 - 16:56

    كل ما حققه المغرب من انصاف ومصالحة ومكتسبات تم اقبارها في عهود بن كيران واخوه العثماني. السجون مملوءة بنشطاء حراك الريف وزاكورة وجرادة والصحفيون والحقوقيون وكل من يطالب بحقوقه الدستورية والكونية ويفضح الفساد والمفسدون. نحن في حاجة ماسة الى انصاف ومصالحة جديدين للقطع مع عقلية وثقافة وسلوكات افقير والبصري

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين