الفنانون يحتجون، إذن فهم موجودون

الفنانون يحتجون، إذن فهم موجودون
الأحد 13 مارس 2011 - 15:54

تجمهر عدد من الفنانين والمثقفين منذ أيام أمام مقر وزارة الثقافة بالرباط احتجاجا على السيد الوزير.


و بما أن المغاربة معروفون بالتفاؤل والإيجابية في قراءتهم للأحداث، فإنهم أدركوا جدوى وضرورة مثل هذه الوقفات الاحتجاجية. فلولاها لما عرفوا أن في المغرب فنانين ومثقفين. فنانون ومثقفون توقف بهم الزمن في عصور الأمويين والعباسيين حيث تعودوا أن يتلقفوا عطايا الأمراء ودنانير السلاطين.


اللهم إذا ما استثنينا السبعينات والثمانينات (و ربما بداية التسعينات) من تاريخ المغرب، فعلينا أن نبحث عن مظاهر الفن في بلادنا بالمجهر الالكتروني.


يتوجب على فنانينا العظماء أن يخرجوا من دور تقمصوه فأعجبهم فسكنوا فيه (دور الفنان والمثقف) وأن يتوبوا عن كذبة كذبوها فصدقوها.


أين هو الفن في المغرب؟


هل هو فن الأعياد والمهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة (وحريرتها حريرة هي الأخرى) وتستضيف فيها (سيلين ديون) لتصرف عليها مال قارون بعد الاقتراض والديون؟


هل هي تهويدة الأغنية الوطنية التي لا تصلح حتى لينام عليها الرضع بسبب ضجيجها وصخبها؟ إنها موشكة على الانقراض في كل الأحوال (والحمد لله) لغياب الدعم -والمقصود بالدعم هنا دعم الدراهم- وخيرا ستفعل إذا ما هي انقرضت؛ بنا وبنفسها.


أم هي الأفلام والمسلسلات التي أضحكت علينا الكبير قبل الصغير بسذاجة مواضيعها أو سفاهة معالجتها لهاته المواضيع إن هي أخطأت فأحسنت اختيارها. أضف على ذلك تفاهة سيناريوهاتها وحواراتها وسطحية تمثيلها وإخراجها؟


أم هو المسرح الاحترافي الذي لجأ للارتزاق من (الفودفيل)، وتَرَكَ (بيكيت) و (بريخت) لهواة المسرح الجامعي. وهم بمسرحهم الفكاهي-أو بالأحرى التهريجي- وهزلياتهم لا ينجحون في انتزاع الضحكات المفتعلة والابتسامات الصفراء حتى من جمهور (البوكيمون) من الأطفال؟


هل هي أغاني (الرجل السمين) على بدائية ألحانها وبذاءة كلماتها. ولو كان أجدادنا سمعوها ما كانوا ليفهموها، ولو كانوا فهموها لقفزوا من سطوح بيوتهم أو رموا بأنفسهم في قعر المحيط؟


أم هي فنون (العيطة والشيخات) التي لا يتذوق عفونها إلا مدمن المسكرات والمخدرات أو من هو في حالة كوما عميقة؟


وهكذا نكون قد أتينا على نهاية بحثنا في حاضر الفن المغربي بالمجهر الالكتروني دون أن نعثر على ميكروب أو فيروس يُذكر.


لعلنا إذا استأجرنا خدمات باحثين أركيولوجيين للتنقيب في تاريخ الفن المغربي أو وجهنا تليسكوبا وجهة الماضي، قد نكون أوفر حظا فنعثر على حفريات تعود للفترة الهولوسينية الرابعة أو ننجح في اكتشاف بعض النجوم الخافتة…


إدريس الشرايبي، الطاهر بن جلون، أحمد الصفريوي وغيرهم كثيرون، كتبوا بالفرنسية للفرنسيين عن مغرب فولكلوري دغدغ أنا المستعمرين والمستشرقين وطمأن مخاوف الاستعمار الجديد-القديم. استدعى انتباهي وضجري قبل شهور؛ “تورط” كاتب من هذه العينة مع المعهد الفرنسي في إحياء ذكرى (جون جونيه). وهو أحد الأدباء الفرنسيين في أوقات فراغه، عندما لم يكن مشغولا باحتراف اللصوصية والإجرام والدعارة الانتكاسية والسجن المتكرّر. اشتهرت كتاباته-وبالخصوص مسرحياته- بعد أن مدحه (جون بول سارتر) فأطنب في مدحه. ومَدَحَ (سارتر) بدوره عازفُ الساكسفون ومؤلفُ موسيقى الجاز الشهير (تشارلي باركر) عندما قابله سنة 1949 بأحد الملاهي الليلية في باريس،ولم يكن قد سمع عنه من قبل، فقال له: (أنا سعيد جدا بلقائك مسيو سارتر. أنا أُقَدِّر عزفك كثيرا…)!


من حق المغاربة أن يستغربوا من علاقتهم بإحياء ذكرى أديب فرنسي من فصيلة (جون جونيه) وغيره، كما أن من حقهم أن يتعجبعوا من مغزى تنظيم المغرب لمهرجانات السينما الفرنكوفونية. أويستنجد غريق بغريق؟!


ويجرنا مثل هذا الكلام عن السينما ومهرجاناتها إلى الحديث عن تاريخها. وتاريخ الفن السابع في المغرب لا يعيينا بتعداد محاسنه وإحصاء مكارمه؛ فهو لم ينجح حتى اليوم في إخراج (المواطن كاين). ومع استثناءات قليلة، كانت السينما المغربية في خطواتها الأولى تتأرجح بين أفلام بدائية وأفلام فلسفية وجودية تحتاج لعلماء شفرة ليفكوا طلاسيمها وخزعبلاتها.


صحيح أن المتتبعين يثقون بكتابات (جون-جاك روسو) أكثر من ثقتهم في معلوماته عن علم النبات، ويمدحون روايات (فلاديمير نابوكوف) أكثر من مدحهم لخبرته في علم الحشرات. وأنهم كانوا يفضلون أدب (ويليام فولكنر) على أن يدافع عن قضاياهم أمام المحاكم، كما كانوا يحبذون الاستمتاع بمسرح (أنتون تشيكوف) على أن يكونوا مرضى يكلفونه بعلاجهم.


ولكننا نقول لفنانينا ومثقفينا الذين أضجرونا بفنهم واستنفذوا صبرنا -على طوله- بثقافتهم…عوض أن تخونكم القدرة على التعبير-وأنتم المُعَبِّرون- وتحتجوا وتصيحوا وتهلوسوا مع المهلوسين (إلى الأمام! ثورة…ثورة…!)، ارجعوا لله وعودوا إلى مجرتنا وكوكبنا الأرضي. كفاكم عجرفة وغطرسة في الشوارع! كفاكم تسولا وتسكعا في المقاهي والحانات! ارحمونا واحرمونا من ذرر إبداعاتكم وجواهر مواهبكم، وابحثوا لكم عن موارد دخل أخرى تسدّدون بها فواتير الكراء والماء والكهرباء.


الفن التزام لامشروط بالخلق والإبداع. والثقافة قاطرة تجر قطار البلاد نحو مستقبل أفضل وحياة أرقى بدل أن تستقل مع الراكبين المتخفين آخر عرباته؛ وتتسلل إلى دورات المياه كلما تراءى لها ما يشبه ظل مفتش التذاكر.


http://gibraltarblues.blogspot.com

‫تعليقات الزوار

1
  • عبد القادر
    الأحد 13 مارس 2011 - 15:56

    الفنانون المغاربة جيش يأكل ويشرب ويلهو بدون مقابل. أضف إلى هذا الجيش جيش الرياضيين.
    فالكادحون يكدحون والفنانون والرياضيون يجنون وينعمون.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب