الفنان والميادين

الفنان والميادين
السبت 26 مارس 2011 - 18:38

يهمني وأنا أتابع ما يحدث من تطورات سياسية متسارعة في العالم العربي، وصلت حد تغيير نظام حكم دولتين عربيتين هما تونس ومصر، أن أركز على ما طفا على سطح الفضائيات ومواقع التفاعل الاجتماعي من تجاذب بين النقاد والفنانين العرب حول دور الفن والإبداع في ما يشهده المجتمع العربي من حركات مطالبة بالتغيير. فتناسلت في ذهني قضية حاولتُ أن أجد لها أجوبة ضلت تؤرقني منذ مدة، وهي مسألة لا تخلو منها أغلب الكتابات النقدية التي تناولت تطور الخطاب الفني عامة والمسرحي بشكل خاص، في مراحل سابقة من القرن العشرين، مثل تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، والذي أخذ تجلياته الكبرى في نكبة 1948، وهزيمة 1967، وحركات التحرر الوطنية … إلخ، وأثر كل ذلك على الاتجاهات الفنية والدرامية التي ظهرت في تلك المرحلة من التاريخ.


فما هي المسافة التي يجب أن تفصل الفنان عن حركة المجتمع؟ وهل يمكن الحديث عن عودة ظاهرة فنان الثورة؟


أتذكر في هذا السياق جوابا للفنان عمر السيد، أحد كبار الفنانين المغاربة ومؤسسي التجربة الغيوانية، في أحد الأفلام الوثائقية الذي أنجزته قناة الجزيرة سابقا عن فرقة ناس الغيوان، وعلاقة تأسيسها بالظرفية السياسية التي كان يعيشها المغرب، مفاده “أن الفن أسمى من السياسة”. هذا الجواب هو لأحد خريجي دروب وأزقة الحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء، ذلك الحي الذي ظل لعقود مهدا لتخرج أسماء كبيرة في مختلف المجالات … فنحن الآن أمام الفنان والحي …


وإذا عدنا إلى ما أفرزته ثورة المصريين من تصريحات وخرجات إعلامية لمجموعة من الفنانين والنقاد، نجد أنها أخذت ثلاثة اتجاهات مختلفة، الأولى وهي الأكبر، التزمت الصمت والغياب التام والمطلق، والثانية تبنت الاتجاه الرسمي لحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، بحكم ارتباطها بالمؤسسات الثقافية الرسمية. والثالثة، وهي الفئة القليلة، والتي خرجت للميدان ووقفت إلى جانب الشباب، وخاطبت الجماهير مباشرة وحملت على الأكتاف، وانبرت للدفاع عن الثورة عبر ميكروفونات الفضائيات وشعارات ميدان التحرير.


إذن، كيف يمكن فهم هذه الاتجاهات الثلاث؟ وما وجاهة وقوة كل موقف؟ وهل نحن بصدد إعادة لملامح فناني الثورات العربية للقرن العشرين، كسيد درويش، والشيخ إمام … إلخ؟


إن الشيء الذي لا يمكن تجاهله أو التقليل منه، هو أن الوضع السياسي وشكل الحكم يصنع المعالم الكبرى للتوجهات الثقافية والفنية التي يراها صالحة ومناسبة لفلسفته في تدبير الشأن العام، وذلك من أجل البحث عن شرعية ومصداقية “فنية”، على اعتبار أن الفنان في احتكاك دائم ويومي مع الجمهور، وبالتالي فإن خطاب الفنان خارج إطار الإبداع يجد صدى وقبولا لدى عامة الناس، خاصة إذا كان قريبا من اهتماماتهم ويعكس همومهم ومشاغلهم في إنتاجاته الفنية.


وبخصوص تأثير التداعيات التي واكبت الثورة المصرية، مثلا، على العلاقة بين اختيارات الفنانين لأرض الكنانة، نجد أن بعض الفضائيات العربية اشتغلت على هذا الموضوع بشكل كبير وعكست تجلياته بوضوح، بل هناك من ذهب إلى توظيف ذلك الصراع من أجل الدفاع عن أسلوبها الإعلامي !!! فخرج مجموعة من الفنانين والنقاد الذين انبروا للدفاع عن حركة التغيير وتوجيه سهام نقدهم اللاذع للفنانين في الطرف الآخر، فتحول ميدان التحرير إلى مسرح حقيقي، لكن هذه المرة لتصفية حسابات أخرى.


إن الشيء الذي ظل ملازما وقاسما مشتركا بين جميع الفنانين والنقاد في هذا السياق، هو أن أغلبهم لا يخرج عن تصنيف نفسه ووضع اسمه في خانة المُعَبّر عن آمال المجتمع، وبأنه المرآة التي تعكسه طموح هذا الأخير وهمومه، فانبرى إلى تأليف الأغاني الممجدة بثورة الفل، والرافعة من همم الثوار بميدان التحرير …، وبالمقابل فقد خرج الطرف المقابل بنفس الفلسفة، لكن هذه المرة من أجل الدفاع عن ما حققه النظام السابق، على اعتبار أنه يمثل صورة من صوره، ومنجزا من إنجازاته.


لكن كيف يمكن تفسير هجران الجمهور العربي للمسارح والعروض السينمائية، وتعويض ذلك بجلوسها أمام شاشات الفضائيات والأنترنيت؟ ألا يعتبر ذلك اختيارا عقابيا وعن وعي مسبق؟ ….


أعتقد أن المطلوب من الفنان، حتى يحافظ على كل الصفات الرمزية التي تجعل منه مرجعا فنيا، وأخلاقيا، وأدبيا –من الأدبية- …، أن يبقى محافظا على مسافة كافية بينه وبين السلطة السياسية من جهة، وبينه وبين جمهوره من جهة ثانية، ليس بمعنى الانعزال والابتعاد عن مجتمعه، وإنما ليتمكن من معرفة علل هذا الأخير من موقع صحيح وسليم… يبرز له كل أبعاده، وفي نفس الوقت ليتخلص من أي ضغط يمكنه أن يؤثر على مساره الفني.


وأخيرا، فإن كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، تنتظر الإجابة عنها في مستقبل الأيام، من خلال التطورات التي ستفرزها الأحداث في الوطن العربي، والتي بدون شك ستغير من ملامح الإنتاج الدرامي والفني عامة.


[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • Mounir
    السبت 26 مارس 2011 - 18:42

    بينما الناس تموت في اليمن فلسطين و ليبيا…و العالم العربي يعيش ثو رة للمطالبة بالعيش الكريم و المساواة الاجتماعية . بينما يعيش ا لمغرب مرحلة تاريخية الشعب يطلق فيها صرخته للمطالبة بحقوقه المشروعة.
    و بينما ننتظر من شبابنا من فنانينا الشباب ان يتطوعوا لمساندة مجتمعهم باي شكل من الأشكال كما هو الحال في باقي الدول العربية.
    تخرج الى أضواء “مجموعة فناير” بدعوة الجماهير الى حفل عيد ميلاد أحد أعضائها على غرر فنانين الإمريكين !!! و المستفز في الامر هو الحملة الإشهارية المنظمة للحدث !!المقام يوم 31 مارس في مرقص “سو” المعروف ببذاخته و فساده…
    “مجموعة فناير” تدعو كم الى مشاركتها الحدث الأهم على الساحة الان !!! ا ين هو احترام مشاعر المغاربة في هذه المهزلة !! ا ين شعارات و فلسفة المعروفة على “مجموعة فناير” !! و ما الهدف من هذا الحفل المبدخ ؟ لا هو لفائدة جمع اموال لهدف نبيل و للأنماء الفن….!
    كفى احترموا مشاعر المغاربة!! تريدون الآحتفال ، احتفلوا بدون مهرجة حملات على فاسيبوك فالعالم لايدور حول شئ اسمه “مجموعة فناير”! التي يا حسرة كشفت نقابها مجموعة شباب مفسد ، اناني غير مبالي بمشاعر مجتمعه!! المرجو نشر هذا النص لكشف حقيقة “مجموعة فناير” التي كانت رمزا لشبابنا و وقف و مقاطعة “مهزلة فناير”.

  • nadia
    السبت 26 مارس 2011 - 18:44

    لحد الآن لم نسمع عن مشاركة الفنانين المغاربة أنهم يحضرون أعمال سينمائية أو مسرحية تعالج قضية الصحراء أو الإجرام ….
    الله يحسن اعوانهم مساكن، خايفين على الدعم لا يوقف

  • omar
    السبت 26 مارس 2011 - 18:40

    مقال جميل واصل يا صديقي ……..

  • hicham hakkam
    السبت 26 مارس 2011 - 18:46

    صحيح أن الفن هو أسمى عبارات التعبير من أجل التغيير وانخراطه في اللعبة السياسية، فهذا دوره الاساس في التنوير والإصلاح، وانخراط الفنان كيفما كان تخصصه سواء في المسرح، أو السينما أو الرسم…دور اساسي في تحريك المجتمع، والتاريخ يشهد بذلك، خاصة المسرح كنموذج حي للتعبير والتثقيف،بحيث يصبح الفنان النموذج الذي يحمل حركات التغيير من خلال إبداعاته، وكما أشرت من خلال النماذج التي قدمتها كان الفنان يصنع الثورة ومجابهة الفساد الذي كان يسود الأنظمة الديكتاتورية، خاصة الثورات التي حرفها17 أكتوبر، وحرب 48، والهزيمة في 67، وكذا السبعينيات التي عرفها المغرب بحيث كان الخطاب السياسي هو النمط السائد لدى الفنانين وكان موقعه بارزا بشكل كبير، لكن اليوم أصبح الفنان مغترا ومنزويا في دواليب الدولة، ولم يعد معروفا في ظل العولمة، فثورة تونس تزعمها الشباب عبر حملة أنترنيتية صار العالم يعرف عنها كل شيء نفس الأمر بالنسبة لمصر، والسؤال كيف يستطيع الفنان إثبات وجوده ضمن هذه الوسائط

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة